q

من الوفاء الاحتفاء بذكرى هذا العالم الجليل والفقيه الكبير والعبد الصالح واستحضار مواقفه، لكن الأهم أن نعيش المبادئ التي بها عمل، وإليها دعا، وعليها مضى إلى حيث

((النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً))

في السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى للعام 1429هـ رحل الفقيه العابد، والأستاذ الزاهد، والعالم الرباني آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي (رضوان الله عليه).

وقد كان رحيله مدوياً في الحواضر الإسلامية الكبرى التي شهدت حوزاتها الدينية ومؤسساتها العلمية بعلمه الغزير، وفكره الوقّاد، وخلقه الكريم، ومناقبه الطيبة، وأفعاله النبيلة. وانعكاس حضوره الكريم والكبير تجلى بحضور حاشد للمعزين الذين قدموا من شتى بقاع العالم ليشاركوا في تشييع جثمانه الطاهر انطلاقاً من مدينة قم المقدسة، مروراً بالنجف الأشرف، وصولاً إلى كربلاء المقدسة، حيث المثوى الأخير بجوار جده سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه.

إن سمو صاحب الذكرى ونبوغه، وخفايا الرحيل وشجونه، خلدا ذكراه وتراثه، فكلماته ما زالت تنبض بالحياة، وآثاره أضحت زاداً للباحثين عن الحقيقة، فإن للراحل عبره وتاريخه، وآخر عبر تاريخه المشّرف أن للإصلاح منهجاً يكتب بالمداد والدماء، وللإصلاح ناهج لا ينبغي أن ينقطع أثره، فبلاء الأيام يغدر بالعلماء إذا عملوا، ويباغت العاملين إذا أخلصوا، والإصلاح مسيرة طويلة تعج بالآلام والتضحيات، وتحتاج إلى وعي وعزم وحكمة وصبر.

في ذكراه الأليمة، جدير بالمحبين أن يحيوها كما تستحق، ومن مستحقاتها أن الراحل كان عالماً فقيهاً، وأستاذاً معطاء، ومصلحاً باسلاً، ومثقفاً ناقداً، وناهجاً ومنهجاً. ولم يدخر جهداً للذود عن الإسلام ومدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم)، وتنوير العقول وتحفيز العزائم واستنهاض الهمم لما فيه سلامة الدين وخير الإنسان.

وكان (قده) باهراً في مقارعة قوى الضلال والتزييف والتكفير، وكان حريصاً في الدفاع عن المظلومين والمحرومين في بلاد القمع والقتل والقهر، حتى أضحت حياته سفراً من أسفار الخلود، ومحطة من محطات العلم الذي يسمو بصاحبه وينفع الناس، وكان رحيله مضطرباً بالصمت والأسى، وشاحباً بموت حمل أسراراً تعبق بشذا الفقهاء المصلحين وذكريات الشهداء الخالدين.

إن من مسؤولية المحبة لصاحب الذكرى (قدس سره) توثيق نتاجه العلمي ونشره، وهو نتاج أربعة عقود من عمره الشريف، عقود مباركة عبقة بخبرة الآباء والأجداد (رضوان الله تعالى عليهم) وبركاتهم وكراماتهم، فإن أهم سمات الأمم الحية أن تكون منتجة، ولن تكون الأمة منتجة إلا إذا عملت بحكمة وإخلاص، واستثمرت التجارب، واستكملت طريقها من حيث وصل القادة الأفذاذ.

اضف تعليق