في الآونة الأخيرة شهدت الساحة الاعلامية ازدحاماً كبيراً لنماذج تعتبر من هواة الفكر السياسي الذين لم ينضجوا بعد، فتراهم في محاولات فاشلة يحاولون تصوير السياسة الإسلامية على انها توجيه منغلق والسبب الأساسي للاضطرابات التي تحصل بين الدول، وتصوير الفكر الإسلامي على انه الصوت الأقوى الذي يشجع الناس على العنصرية والتخلف.
وإذا قمنا بدراسة الرؤى التي على أساسها تتبنى هذه الشخصيات الأفكار التي تشجع فصل الإسلام عن السياسية سنجدها تعود الى الصورة المشوهة التي رسمها الغرب للإسلام.
فسيكولوجية الجمهور السياسي تعبر عن مدى سوداوية التفكير التي خلقتها الجهات الخاصة ودسته في العقول العربية بحجة انه من غير الممكن الجمع بين الدين والسياسة، لأنهم يعرفون مدى قوة التأثير العقائدي الذي يتركه الدين على فطرة الانسان، ومدى الثورية البالغة التي من الممكن ان تولد لدى الأمة في الموضوع الذي يضم الاتجاه الديني.
والكثير قام بإدخال الدين في بعض المواضع كحركة مقصودة لاستقطاب الجماهير وتحريك الفطرة الدينية عند الناس، واستغلالها لمصالح سياسية وسخة، وهذا ما فعلته إسرائيل عندما أدخلت الدين اليهودي في خطاباتها السياسية مما أثرت في تحريك الوازع الديني عند الناس وشجعت العوائل اليهودية للاستيطان في فلسطين.
لأن الحركة الصهيونية بكل بساطة وجدت نفسها غير قادرة على توسعة نفوذها في المنطقة، والتمدد أكثر في عقول الناس دون وجود عنصر ديني يتغلغل في الفكر ويلعب بالأواصر الانسانية، فوقف رجال الدين اليهود إلى جانب الحركة الصهيونية واستعملوا طاقاتهم الدينية ومفاهيمهم وتعاليمهم لتحريك النزعة الدينية ودفع اليهود إلى فلسطين.
ولكن هل كان الدين هو الهدف الذي جعل الصهاينة يعززون من طاقاتهم ويشجعون اليهود الى استعمار فلسطين؟، بالطبع لا، لأن الهدف الاول والأخير من هذه الحركة الخبيثة هو التمدد واغتصاب الأرض المقدسة، وطرد الشعب الفلسطيني من ارضها بحجة ان فلسطين هي المكان المقرر لليهود، وعلى أثر هذا الفكر الخبيث تجد الأحزاب الدينية الصهيونية تسيطر على قوة سياسية كبيرة، ولها تدخل كبير وحر في تشكيل الحكومات الكاملة، وبتعبير اصح يمكننا القول بأن قوة حكومة الكيان الصهيوني تنبع من قوة الأحزاب الدينية.
ولكن مع كل هذه السياسات الخطيرة التي تلعبها الحركة الصهيونية الا اننا لا نجدها تطلق على سياستها عنوان (السياسة اليهودية)، لأنها من الغباء ان تطلق على غاية الدين الذي اتخذته غذاءً يبقي كيانها على قيد الخارطة، ويطيل عمر سياستها الجشعة عنوانا للعملية السياسية وفضيحة لنواياها، فكيف يمكن ان تعلن عن شريان حياة الكيان وهي بالأصل تحارب السياسة التي ترتبط بالدين؟!.
فمن لم تضع الدين الحقيقي عنوانا لها، من الطبيعي ان تحارب الإسلام بالمصطلح (الاسلام السياسي)، لأنها تعرف جيداً لو ان سياسات البلد اقترنت بالدين الاسلامي ستسبب في هلاكها، لهذا السبب وضعت ثلاثة خطوط حمراء تحت مصطلح الإسلام السياسي، وحاربته فكريا اشد محاربة، وتعاونت مع البلدان التي تكنّ العداوة والبغضاء لنا في تشهير هذه المعتقدات البالية وزراعة الأفكار السامة التي تحد من الاقتران المباشر للدين بالسياسة، ولازالت تساهم في تسويق التجربة على انها تجربة عنصرية ستسبب اضطهادا لثلة كبيرة من الطوائف والقوميات، وستكون الرمز الاول للتخلف والرجعية. لأنها تعلم جيدا كم ان للدين التأثير العميق على فطرة الانسان وكم من الممكن ان يعزز الدين الإسلامي الحنيف من قوة العملية السياسية في المنطقة، ومتأكدة من ان العدالة الإسلامية التي يحققها القرآن لبني البشر من كافة الطوائف والأجناس لم يحققها أي قانون على وجه الكرة الارضية.
كما انها متأكدة من ان اوج عظمة الوضع السياسي لن يتحقق الا إذا اقترن بالدين الإسلامي الذي يضمن الدساتير الإلهية التي نهجت للبشرية أكرم وأفضل حياة.
وبلا شك الهدف الاول الذي يسعى اليه العدوان هو عدم حصول هذا الاقتران الذي سيرسم لهم نهاية شنعاء، فأول خطوة قاموا بها هي ضرب المفاهيم من الداخل وصياغة افكار مسيسة تهدم ارتباط الدين بالسياسة بحجة ان الدين سيسلب الحرية ويقيد التطور ويعرقل الحركة السياسية في المنطقة، وخلقت على أثره شخصيات معينة تحركهم كقطع الشطرنج وتدرسهم مناهج الفتنة والتفرقة، حتى يتمكنوا من دس أفكارهم السامة في عقول الشعب، ويصلوا الى مبتغاهم الأسود.
ولو عدنا بالتاريخ قليلاً، وفكرنا بالتحديات الكبيرة التي واجهها العراق خلال مرحلة داعش، نستطيع ان نجزم بأن لولا العمق الديني الذي كان لدى الشعب لما استطعنا التخلص من هذه الآفة الإرهابية التي ارادت ان تأكل جسد العراق بشعبه ومقدساته.
فنداء المرجعية كان بمثابة الشرارة التي اشعلت الهمة في نفوس العراقيين، فانقادوا بعزمهم الى ساحات الوغى وقدموا حياتهم على الأكف حفاظاً عن الأرض والعقيدة.
وهنا نستطيع ان نقول بأن العدو عرف نقطة القوة لدينا، وبات كل همه هو التخطيط من اجل اضعاف بذرة العقيدة في نفوس الأمة، فهذه هي الحرب الناعمة التي نسمع عنها.
فاستخدموا على أثرها، الدعايات النفسية والوسائل السيكولوجية التي تسعى الى هدم العملية السياسية، فما نشاهده اليوم من التداعيات الكثيرة حول تشجيع الناس على ترك الانتخابات هي أخطر خطوة من الممكن ان يقدم عليها الشعب، لأن التنازل عن رفض التصويت وتهميش العملية الانتخابية هو تصريح واضح لفوز الوجوه الملونة ببهرجة الفتن والفشل في قيادة مستقبل العراق، والتي لم تقدم للشعب العراقي والبلد سوى الأذية والدمار.
وفي النهاية تبقى هذه الإشكالات والدعايات المضللة ما هي الاّ وسائل رخيصة لتشويه صورة الإسلام الجليلة وعدم تقبله ديناً عالمياً موحداً، فجميع هذه الشوائب كذب وافتراء من صنع الغرب الاستعماري لتضعيف سلطة الإسلام والحد من التوسع الإسلامي الذي يهدد مصالحهم في المنطقة خوفاً من توحد المسلمين حول كلمة واحدة وإقامة القيامة على الاحتلال الصهيوني وتدمير الاستعمار بكل انواعه والوصول الى المبتغى الموعود.
ولأن العراق مر بتجربة عميقة على الوجه العسكري وخرج منها منتصرا ومرفوع الرأس في المنطقة، اذن نستطيع ان نتفاءل بالمرحلة السياسية القادمة، فالانتصار الذي تحقق على الجانب العسكري ليس صعبا ان يتحقق بالقوة ذاتها على الجانب السياسي.
فالإعلانات التي تروج الى ترك الانتخابات، هي دعاية مقرضة تدعوا الى اليأس والاستسلام، وتريد فرض الفشل على الواقع، فمن الغباء مطاوعة الأصوات التي تؤيد ترك الانتخاب، لأن عدم التصويت يعتبر بالمرتبة الاولى اجهاضا للعملية الديمقراطية، وتلبية لمطالب العدو، فالذين يدعون الى ترك الانتخابات يريدون بقاء المفسدين بالحكم، فمن البلاهة جداً الرضوخ والاستجابة لهذه المطالب الدنيئة، فالانتخابات وضعت للتغيير، وحقيقة لا اعرف كيف يفكر الانسان بالتغيير وهو يأد العملية الانتخابية التي ستسعى الى تصعيد الوجوه الجديدة والتي ستلعب أدواراً كبيرةً في رفع واقع العراق، خصوصا مع التحديات الاخيرة التي واجهه الوطن من ظهور شخصيات اثبتت وجودها في الساحة العسكرية ولبت نداء المرجعية في ساحات الوغى، ونأمل بأن تلبية هذا النداء سيكون امتداداً الى الساحة السياسية، فنداء الدين الذي انقذ العراق من الموت الحتمي بلا شك سيرشد مستقبل العراق نحو التغيير الإيجابي، ولكن تبقى نقطة الفصل هو اختيار الأكفأ التي تعتمد على نباهة المنتخب في ابداء الصوت للشخصية التي تستحق ان تنال قيادة العراق الجديد.
اضف تعليق