q

من المعروف ان أي عملية تطورية او محاولة لتقوية الركائز التي تقوم عليها الدولة تتطلب الإصلاح الفعلي الذي دعا اليه القرآن الكريم وسعى في تطبيقه الرسول واهل بيته (صلوات الله عليهم اجمعين)، والتي اثبت نجاحه في مناطق مختلفة من العالم، ولذلك يصبح من البديهي القول بأن من واجب أي جهة إسلامية مخلصة لأمتها وسائرة على النهج الإصلاحي الذي دعت اليه النهضة الحسينية المتبنية لمبادئ الإصلاح الفعلي والداعية لبناء الأمة على أسس قوية يضمن لها كرامتها وتحررها من كل اشكال التبعية السياسية والثقافية هو الدعوة الى بناء ايقونات حقيقية تسعى الى الإصلاح الفعلي في المجتمع وتغيير المفاهيم التي أسسها الشيطان وسار على نهجها الجاهلون.

ولا يخفى على أي لبيب أهمية الدور الإصلاحي الكبير في نهضة الأمم باطلاعها على القضايا المتعلقة بالمجتمع سواء من الجانب الأخلاقي او الاقتصادي وحتى السياسي والعسكري.

وبنحو اجمال يمكننا القول بأن الإصلاح يلعب ادواراً توعوية وتثقيفية وسياسية عميقة في المجتمع من الممكن ان تسبب تغيرات جذرية في اركان الأمة الأربعة، خصوصاً في المواضع التي أصبح فيها بعض العادات الخاطئة تأخذ محل الموضة في المجتمع، ويؤسفنا ان نقول بأن الذنب تكرر حتى أصبح لا شيء امام فاعله، واخذ منحى الروتين امام باقي المجتمع.

فنرى بأن بعض الموبقات والافعال المسيئة أصبحت تفعل علناً ولا تثير النهي او الاستنكار من قبل الافراد المحيطة بهذا الواقع، لأن المجتمع باختصار قد تعود عليها حتى تحول الذنب من فعل مسيء حرام الى فعل اعتيادي مكرر.

فالكثير يتصور بأن عملية التغيير هي عملية صعبة، فترك العادات السيئة ربما يكون صعباً بعض الشيء، ولكن ترك العادات السيئة واستبدالها بعادات حسنة ثم دعوة الناس الى فعل الخير وحثهم على العادات الحسنة هو امر أصعب جدا.

ففي الحالة الاولى يعتبر تغيير شخصي يمتد من الانسان نفسه ويعود عليه، ولكن الحالة الثانية يعتبر تغيير إصلاحي ينبع من الانسان نفسه ويعود عليه وعلى المجتمع بالخير، فدائرة التغيير في الحالة الاولى ستكون ضيقة وضمن حدود شخص واحد اما التغيير الإصلاحي ستكون شاملة وواسعة أكثر، لأن الإصلاح بالنهاية هو حركة الهية ومشروع لإنقاذ الأمة من التيه والضلال.

ويبقى مفهوم الإصلاح، لا يعني بالضرورة الإتيان بفكرة او عقيدة او ابداع منظومة من المفاهيم الجديدة، بل ان مفهوم الإصلاح يتسع ليشمل القضاء على مدرسة فكرية خاطئة ارتدت لباس الزيف، وحاولت طمس بعض العقائد والعادات بأسلوب عصري ناعم تحت عنوان التطور ومواكبة الموضة التي لم تشمل جوانب اللباس والزينة فقط، بل تعدى ذلك ليشمل الموضة الفكرية التي فتحت افاقاً للتحرر الاعمى ودعوة الناس الى فعل أمور محرمة بحجة مواكبة العصر والبقاء في الساحة العالمية تحت اطار الحرية والانفتاح!.

وعندما نتحدث عن عملية إصلاحية فمن الضروري ان تحقق عناصر تلك العملية في الدائرة المجتمعية وهذه العناصر هي:

المقاييس الإصلاحية

وهذه المقاييس تعتبر المرجع الاول الذي ينحت من خلاله البنود الإصلاحية لفرز الخير من الشر، وعلى أساسها يعتبر القران الكريم هو المقياس الاول للمشروع الإصلاحي، بالإضافة الى السنة الكريمة من المعصومين (عليهم السلام)، والتابعين لهم من المراجع والعلماء، لأن كل عملية إصلاحية تحتاج الى خطة محكمة تتناول الخطوات الرئيسية التي يتم من خلالها بناء هيكل إصلاحي قوي ومتكامل يقود المجتمع نحو الخير.

فعندما يكون الانموذج الإصلاحي الاول في تاريخ الامة هو الامام الحسين (عليه السلام)، فبذلك نستطيع ان نجزم بأن النهضة الحسينية قدمت أروع صور الإصلاح التي اثمرت في صفحات التاريخ بعد ألف واربعمئة عام، ولازال هذا القائد الإصلاحي العظيم هو كعبة الاحرار ورمزا عالميا للإصلاح الفعلي.

القيادة الإصلاحية

العملية الإصلاحية الحقيقية تحتاج الى قيادة حكيمة وقوية تعي تلك المقاييس الالهية بشكل دقيق، وتدرك ضوابط العملية الإصلاحية، وتعرف اهداف العمل الإصلاحي وماهيته العميقة في التغيير الجذري للأمة، فهي مستعدة ان تدفع ثمن الإصلاح مهما غلت تضحياته، قناعة منها بضرورة ما يجب تغييره، رغم ما ينطوي عليه مشروع الإصلاح الديني بالذات من مخاطر، وخصوصا إذا امتزج الديني بالسياسي ولبس السياسي قناع الديني، فان تلك العملية تصبح أخطر وأعقد.

اما في الجانب الاجتماعي، فتحتاج العملية الاصلاحية الى قيادة ذكية في فهم سيكولوجية الجمهور المعنى بتغييره، فيتم المعاملة مع الناس ضمن الأطر الأخلاقية التي نص عليها الدين وامرنا بإتباعها، وفي كل الأحوال سيلعب الجانب الإنساني دورا كبيرا في ذلك، حتى في المجتمعات غير الإسلامية، على أساس ان النزعة الانسانية تخلق مع الانسان منذ نشأته.

الاستفادة من التجارب الإصلاحية السابقة

ان تجربة الإصلاح الفعلي يتطلب مراجعة التجارب الإصلاحية الناجحة التي قام بها القادة والتي حصلت في المجتمع سواء ضمن الإطار السياسي، الديني، الاجتماعي، وحتى الاقتصادي.

فالتجارب الإصلاحية التي مضت والتي خاضها قادة بارزون تمكنوا من تطبيق الإصلاح ضمن حدود أمتهم، تعتبر تجارب غنية وجديرة الاخذ بعين الاعتبار، فمن خلال القراءة الصحيحة للتجارب التي مضت يمكن فرز السلبيات والايجابيات التي عانى منها المشروع الإصلاحي بالإضافة الى تحديد نقاط القوة والضعف لكل عملية إصلاحية يقابلها بالطرف الاخر الجمهور المعنى بذلك المشروع.

ولكن يجب ان ننتبه الى نقطة مهمة جداً، وهي اننا عندما نريد ان نقرأ تجربة معينة من تجارب الإصلاح في العالم، يجب الاّ نأسر فكرنا بين الجدران الأربعة لتلك التجربة، وذلك لأن الظروف المختلفة والتغيير المكاني والزماني إضافة الى شخصية الجمهور وثورية القائد تعتبر من العوامل التي تصنع الاختلاف بين كل تجربة إصلاحية وأخرى.

وتبقى الخطوة المهمة هي امتلاك القدرة الكافية على استخلاص مفاهيم التجربة الإصلاحية، للاستفادة من جميع النقاط التي تركت اثرا بالغا في نفسية الجمهور الإصلاحي وسهلت العملية بشكل أكبر، كما ان من المهم جدا ان نكون دقيقين من ناحية التفريق بين الوقائع والظروف التي حكمت الوقع التاريخي، فلكل زمان وقعه الخاص.

ويبقى الهدف الاساسي من عملية الإصلاح هو استنهاض إرادة الامة على التغيير، ولعل اهم جانب يجب ان يكون واضحاً في سياسة العملية الإصلاحية هو الجانب الفكري الذي من خلاله يتم تحريك إرادة الأمة وصقلها بالجوانب الدينية والعقائدية التي ستعزز روح الثورة في نفوس الامة من اجل ان تبادر الى تطبيقه وتحويل الإصلاح اللفظي الى اصلاح فعلي حي على ارض الواقع.

ولا شك بأن المجتمعات العربية والمجتمع العراقي عاش في الفترة الأخيرة موجة من التضليل والتلبيس بين الحق والباطل، فارتدت السياسة رداء الدين ودخلت الميادين السياسية من أوسع أبوابها لتفوز بالمركز والسلطة على حساب الدين.

فالشخصية السياسية اليوم باتت تمارس الدين على وجه ذاتي فقط، فأصبحنا نرى الدين في المسجد، بينما الدين الحقيقي هو الدين الذي نشاهده في كافة الميادين سواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

فالشخصيات التي تمارس الدين على وجه خاص، هي شريحة لم تفقه المعنى الصحيح للدين، او بتعبير اصح، مصالحها الشخصية لم تتوافق مع سياسة ادخال الدين بالوجه الصحيح الى الساحة السياسية، لأن فصل الدين عن السياسة هو امر لا يشي الاّ بممارسة السلطة للسياسة بحسب الاهواء الشخصية.

ولكن ظهور الشخصيات السياسية السابقة التي ظهرت بالوجه الإسلامي وفشلت في العملية السياسية لا يعني بالضرورة فشل الشخصيات القادمة، ولكن النقطة المهمة التي يجب ان يدركها الجمهور هو اختيار الشخصيات الصائبة التي ادركت الموقف الصعب الذي مر على العراق، فانتخاب الشخصيات القادمة يجب ان يكون وفق موضوع انتخابي دقيق مبني على تحليلات واقعية للشخصية المرشحة ودراسة البرنامج الإصلاحي الذي يؤول اليه المرشح، ويجب التركيز الكامل على ان تكون الثقافة الإصلاحية هي الغاية المركزية في منهاج المدرسة السياسية او الاجتماعية وعنصرا أساسيا في المنظومة الثقافية التي من شأنها رفع الأمة للعلا.

اضف تعليق