في خطاب للسيد عمار الحكيم رئيس الائتلاف الوطني الشيعي قبل أيام، والذي كان أشبه بخطاب الوداع، فضلا عن دعوته التحالف الوطني لانتخاب بديل له لرئاسة التحالف، جعل من الأغلبية السياسية بين القوى الوطنية في المرحلة القادمة، بديلا لتجاوز العقبات وتخليص العملية السياسية من الدوامة التي هي فيها.
مع أنها المرة الاولى التي يتحدث فيها رئيس المجلس الأعلى الاسلامي عن الأغلبية الوطنية، حيث طرح قبل فترة مشروع الحل السياسي على القادة السياسيين، إلا أن السيد نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون تناول هذا الموضوع قبله وفي أكثر من مناسبة ودعا الى تطبيق مبدأ الأغلبية السياسية في الحكم، كمشروع لتخليص العراق من فشل الحكم.
وما ينبغي التوقف عنده أن نسبة الأصوات المطالبة بإجراء تغيير جذري في شكل الحكم وتبني الأغلبية بدلا من التوافق السياسي بين المكونات، آخذة في الازدياد، وما يعزز هذا التصور هو اتفاق أطراف التحالف الوطني على تولي المالكي في غضون الأشهر القادمة، أي إبان الانتخابات، رئاسة التحالف، وقد يعمل على مزج هذه المسألة مع عاطفة الناخب في حملة الانتخابات ومن ثم جعله أمرا واقعا.
قبل كل شيء يجب الإقرار أن أي قوة سياسية حرة في كيفية اختيار برنامجها الانتخابي، واتباع الوسيلة التي يجمع بها أكبر نسبة من الأصوات حول برنامجه، ولكن في ظروف كالتي يمر بها العراق، حيث تزخر تركيبته الاجتماعية بالتنوع القومي والديني والطائفي والمذهبي، والثقافات والهويات المتعددة، كما ان الدستور والعملية السياسية فيه تمت صياغتهما استنادا الى هذا الواقع، فإنه قبل الشروع في تغيير النظام السياسي من قبل أي طرف أو شخص كان، يجب أن تسبقه دراسة دقيقة ومتأنية للموضوع وبيان جوانبه السلبية والايجابية، وتفحص افرازاته على مستقبل العراقيين بمنظار براغماتي، وإلا فإن الدولة العراقية وتجربته المعاشة لا تتحملان أخطاء كارثية.
من هذا المنطلق ولكي نسلط الضوء على المغزى الذي تحمله توجهات هذا المقال، ينبغي القول إن تغيير النظام السياسي من الديمقراطية التوافقية الى ديمقراطية الأغلبية، تحت أي ذريعة أو مسوغ كان، بمثابة دق آخر مسمار في نعش الديمقراطية في العراق، ويضع مجمل المكاسب المتحققة خلال الـ14 عاما الماضية تحت التساؤل، وقد تولد بدل داعش واحد دواعش متعددة في المستقبل ولا يبقى شيء باسم العراق الواحد الموحد. فليست الديمقراطية التوافقية هي التي فشلت ولم تصل بالعملية السياسية الى بر الأمان، بل العكس هو الصحيح، فعدم تطبيق مبدأ التوافق بصورة صحيحة وتهميش حقوق القوى الضعيفة في السلطة هو من عوامل الفشل وتكرار العقبات والأزمات بأشكال أخرى وفي أزمنة مختلفة.
وليس الدستور ومواده هو السبب في فشل إدارة المواطنين، بل إن تهميش الدستور ومبدأ الشراكة الحقيقية ولد الانفلات الأمني وتفشي الفساد وإهدار مئات المليارات من الدولارات وحرمان المواطن من أبسط حقوقه البدائية من الماء والكهرباء والصحة والمشاريع الخدمية.
ولتخليص العراق من هذه الدوامة، على جميع الأطراف الاستناد الى مبدأ التوافق وتطبيق فقرات الدستور بدل الدعوة الى الأغلبية السياسية أو الأغلبية الوطنية، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لبناء دولة ووطن يكون ملكا للجميع.
اضف تعليق