(1)
لا شك أن الكردي الخائن هو من يقف ضد إنشاء الدولة المستقلة لقوميته، أينما كان في أرجاء المعمورة، سواء في داخل كردستان أم خارجه، إلا أن الاستفتاء الذي تم إقراره من قبل بارزاني في اجتماع يوم 7 حزيران ونشر في وسائل الاعلام، ليس الا غطاء للتستر على الفشل والاخفاقات الكبيرة للحزب الديمقراطي الكردستاني في الحكم وعلى الصعيد السياسي والعسكري، كما تقف خلفه مآرب أخرى.
فقد أصاب هوشيار زيباري خال بارزاني وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، الذي عين مسؤولا للجنة العليا للاستفتاء، عين الحقيقة حين قال: استفتاؤنا لا يهدف الى الاستقلال، بل نريد أن نستخدمه كورقة ضغط ضد بغداد. بعد تصريح زيباري هذا الذي سبب احراجا كبيرا لكوادر الحزب الديمقراطي، حاول بعضم تعديل الموقف وقالوا إن السيد زيباري كان يقصد أننا سنجري مفاوضات مع بغداد حول الاستقلال بعد إجراء عملية الاستفتاء. وهنا تبرز نقطتان:
1- في أي مكان من العالم ترضى سلطة بإجراء مفاوضات حول تقسيم بلدها؟
2- حكام بغداد لم يرضوا حتى الآن بتنفيذ المادة 140 من الدستور، التي هم صوتوا لها، فيا ترى كيف أخذ الحزب الديمقراطي المعروف بعلاقاته المتوترة مع الأحزاب العراقية، هذه الضمانة، معذرة نسيت أن أذكركم أن السيد هوشيار الذي ينوي اجراء مفاوضات مع بغداد، لم ترضَ به أغلب الكتل السياسية العراقية، وزيرا في بغداد، وأعادوه الى الاقليم مُقالا، فيا عجبا كيف يتحاور معه المسؤولون العراقيون لتجزئة بلدهم؟؟!!
(2)
إذا فما هو جوهر المسألة؟
يهدف الحزب الديمقراطي الكردستاني في الوقت الراهن الى تغطية فشله عن طريق الاستفتاء، ومن ثم جعله مكسبا حزبيا له. فهو صاحب حصة الأسد من السلطة الادارية والمالية خلال ما يقرب من ربع قرن من تجربة الحكم الكردي في الاقليم، فرغم أنه من مجموع 111 مقعدا برلمانيا، يمتلك 38 مقعدا فقط، أي بنسبة 34%، إلا أنه يحتكر حوالي 70% من المرافق الحساسة في السلطة، والتي تتمثل في :
1- رئاسة الاقليم لمدة 12 عاما (من ضمنها سنوات الرئاسة الشرعية وغير الشرعية).
2- رئاسة الحكومة لمدة 12 عاما، باستثناء عامين من حكومة الدكتور برهم صالح.
3- رئاسة وكالة الأمن والمعلومات في اقليم كردستان.
4- وزارة الثروات الطبيعية، طوال عمر الوزارة منذ تأسيسها.
5- وزارة الداخلية.
6- وزارة التخطيط.
7- ملف العلاقات الخارجية لحكومة الاقليم.
8- ملف القضاء ومجلس الشورى في اقليم كردستان.
9- المحافظ ورئيس مجلس المحافظة في أربيل.
10- المحافظ ورئيس مجلس المحافظة في دهوك.
(3)
مع كل ما ذكر آنفا، نرى أن اقليم كردستان لم يعش أزمات كبيرة ومستفحلة كالتي يعيشها الآن، حتى في الوقت الذي بلغ الاقتتال الداخلي ذروته في 31 آب 1996، لأن:
1- البرلمان الآن معطل ولا وجود له والشرعية القانونية في الاقليم مثار تساؤل.
2- ومن الناحية السياسية نعيش الآن زمن ما قبل تأسيس الجبهة الكردستانية عام 1987، والتي كان الرئيس مام جلال مهندس تأسيسها، حيث قبل تأسيس الجبهة الكردستانية لم تكن تعقد اجتماعات بين الأحزاب الكردستانية، وهو الوضع الذي نعيشه الآن، الى درجة أن حزبين كالتغيير والجماعة الاسلامية غير مستعدين للاجتماع مع الديمقراطي والأحزاب الأخرى، ولو أن المسألة تتعلق بعملية الاستفتاء.
3- الحكومة الآن غير قادرة على دفع رواتب موظفيها بصورة منتظمة وكاملة، كما أنها مديونة بحوالي 20 مليار دولار، نتيجة السياسات الخاطئة لوزارة الثروات الطبيعية، وبين فينة وأخرى تكسب شركة دانة غاز رهانا من حكومة الاقليم، وتضع حزمة أخرى من الديون على كاهل مستقبل أطفال هذا الاقليم الأبرياء.
(4)
وفضلا عن هذا الوضع الداخلي المزري، لم تعلن ولا دولة واحدة حتى الآن دعمها لعملية الاستفتاء في كردستان، بل على العكس (أمريكا الحليفة لنا في حرب داعش، روسيا وتركيا الشريكتان في ملف النفط، ايران، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، ممثل الأمم المتحدة، الدول العربية) كلها ترفض الاستفتاء صراحة، وإذا كانت المسألة أن شعب كردستان مستعد لقبول سياسة التجويع في سبيل الدولة المستقلة، كما يقول بارزاني، فإني على يقين أن من لا يتعرض للتجويع، هم فقط أفراد أسرة بارزاني، وليس حتى أعضاء حزبه، وكل شخص واع يفهم مغزى هذه الشائعات.
(5)
ولا يقتصر هدف الحزب الديمقراطي الكردستاني وبارزاني باستخدام بطاقة الاستفتاء، في التستر على الفشل والإخفاقات التي ذكرناها سابقا، بل يهدفون الى جعل الاستفتاء بعد إجرائه، كمادة دعائية للانتخابات القادمة، ففي انتخابات كردستان يقولون: سننشئ لكم دولة مستقلة وقد أجرينا الاستفتاء لذلك، وفي انتخابات العراق يحاولون عن طريق الاستفتاء جذب الإيزديين والشبك والكلدوآشوريين والأقليات الأخرى، الذين ابتعدوا عن الحزب بعد كارثة ترك شنكال، ومن المتوقع أن ينخفض عدد مقاعد الحزب الديمقراطي من 25 الى 18-19 مقعدا، لذا فهم بدأوا من الآن بتوزيع ألقاب الوطنية ويدعون أن من يقف ضد الاستفتاء خائن.
وختاما..
إن أراد بارزاني أن لا يكون مواطنو كردستان، الذين تعرضوا الى مآسي الأنفال والقصف الكيماوي والتشرد والنهب، خونة، كما يدعي بعض المطبلين والمزمرين الذين يوزعون من الآن هذه التهم على الآخرين، وأن يهبوا جميعا الى الاستفتاء ويصوتوا بـ (نعم) لـ(دولة كردستان)، ينبغي أولا تفعيل البرلمان لكي يعطي الشرعية للعملية، وتعديل رواتب الموظفين وعدم معاقبة المواطنين، وإقناع عدد من الدول كحد أدنى، وأن تكون سلطات الحزب الديمقراطي بحجم أصواته ويترك هذا الغرور السياسي، ولايعتبر البلد ملكا له ويقيل الوزراء متى شاء، ولايغدر بالحزب الذي يدعي أنه يرتبط معه باتفاق ستراتيجي، ولكن في أربيل العاصمة يتعامل مع كوادر وجماهير هذا الحزب كمواطنين من الدرجة الثانية.
اضف تعليق