إن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية للأمة، والإحساس بمسؤولية الإصلاح، هي التي دفعت الإمام الحسين (عليه السلام) لإعلان الثورة ومجابهة الحاكم الأموي الجديد.
فقد جاء في نص رسالته (عليه السلام) التي وجهها لأخيه محمد بن الحنفية: (... لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي...).
كما وضح (عليه السلام) سبب رفضه لبيعة يزيد للوالي الأموي، الوليد، والي المدينة بقوله: (ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله).
والطاغية يزيد كما يعرفه الإمام الحسين (عليه السلام) وتعرفه طبقات الأمة، ليس له أهلية القيادة فهو شخصية خليعة ماجنة، جل اهتمامه باللهو واللعب والفسق والخمور وملاعبة الكلاب والقردة.
وقد عُرف الإمام الحسين (عليه السلام) بشخصية القائد الذي تجب له البيعة والطاعة في قوله: (فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله).
وكتب (عليه السلام) إلى زعماء البصرة وقادة الراي والمعارضة فيها (رؤساء الأخماس) كتاباً (وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، فإن السنة قد أميتت، وإن البدعة قد أحيت، وإن تسمعوا قولي، وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله).
الإمام الحسين (عليه السلام) بيّن للأمة، أن القيادة وسيلة لوضع الأمة على طريق الهدى والصلاح، والعمل على بناء الإنسان الصالح، وتنمية إمكانياته لتصب في خير المجتمع، وتنظيم الحياة وتطويرها نحو الخير والكمال. فهو (عليه السلام) يرى أن دولة العدل والإنسان تقوم على أساس الإسلام، وتستمد منه تشريعاتها، وأن السلطة هي القوة الحامية للمبادئ والحارسة لأهداف الأمة، والموكلة نيابة عنها بتطبيق القانون وإقامة العدل، وهي مسؤولة عن كل ذلك أمام الأمة وأمام الله سبحانه وتعالى.
بين الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال كتبه ورسائله وخطبه ما تعيشه الأمة من استبداد واستئثار بالسلطة، فقد نشأت طبقة سياسية متسلطة وحزب قبلي "أموي" متفرد، وما يعانيه الناس من قتل وإرهاب وعبث بأموال الدولة، وانتشار الفقر والجهل والمرض، وشيوع مظاهر الفساد الاجتماعي، وغياب القانون، وتحكم المزاج والمصلحة الشخصية للحكام والولاة في مفاصل هامة من حياة الأمة.
ومن أخطر ما برز في تلك الفترة الكالحة، طبقة من وضاع الحديث والمحرفين لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والداسين عليها، ونشوء فرق كلامية ضالة، كالجبرية وغيرها، لتبرير السلوك السياسي للسلطة والدفاع عنها.
وقد نقل المؤرخون أرقاماً وإحصائيات عن الفساد المالي والإداري، كانت تصب في جيوب تكوّن طبقة فاسدة، ومن خلال مجمل الوضع الاقتصادي، بدأ يفرز على الساحة، إضافة إلى تلك الطبقة الفاحشة في امتلاك المال والجاه والأملاك، طبقة فقيرة محرومة، تفترش الأرض وتلتحف السماء، والسيوف مشرعة على رقابهم ليل نهار.
فكانت هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة أحد الأسباب التي أججت نار الثورة وجعلت الطبقات المحرومة ومن ينادون بالمساواة يتجهون إلى الحسين (عليه السلام)، باعتباره القائد الذي يستطيع أن يطبق أحكام الإسلام وقوانينه.
وهكذا تجمعت أسباب وعوامل كثيرة شكلت بمجموعها القوة والمحرك لثورة كربلاء الخالدة، فلم يكن للحسين (عليه السلام) إلاّ أن يتحرك بهذا الاتجاه، ويصنع تلك الملحمة البطولية التي يفتخر بمآثرها الإنسانية جيل بعد جيل، وحتى يرث الأرض عباد الله الصالحين.
إن الاحتفاء بكربلاء دعوة قائمة ومتجددة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح أمور العباد والبلاد. وهو ما ينبغي ألا يغيب عن نيات وعزائم الحسينيين في شتى بقاع العالم، "وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، يقول الإمام الشيرازي الراحل(قده): "علينا أن نجعل من محرم وصفر موسماً لإحياء القوانين الإسلامية والعمل بها، فإن الحسين (عليه السلام) قتل من أجل إحياء الإسلام وقوانينه العادلة، وأيضاً ينبغي توسيع دائرة الاستفادة من هذا الموسم ومعنوياته الهائلة ومبادئه النبيلة وأهدافه السامية لخدمة الإنسانية ولتحقيق السلام والرفاه في العالم.
ويقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "الهدف الذي قام من أجله الإمام الحسين (عليه السلام)، وكما جاء في إحدى الزيارات المخصوصة له، هو "ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الظلالة"، فلنأخذ على عواتقنا هذا الأمر. وينبغي على زوار سيد الشهداء أن يعلموا بأن كربلاء ثورة الانتماء واللاانتماء، وثورة الموقف والوضوح، وثورة الاستقلال والحرية الحقيقية والكاملة".
اضف تعليق