في زمن ليس ببعيد كانت الحروب وجها لوجه، يهجم شخص ما على شخص آخر أو بلد على بلد آخر، بعد ذلك تغير الأمر قليلا وتطورت العقول، لذلك تعلم العدو أن لا يدخل بصورة مباشرة إلى ساحة الحرب، بل كان يستعمل أشخاصا آخرين من ذوي النفوذ والسلطة في البلد المحارَب، ولكن لم يقف التطور عند هذا الحد بل نجد أنفسنا اليوم أمام الحرب الناعمة.
عرف جوزيف ناي القوة الناعمة بقوله: هي "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، إنَّ القوة الناعمة تعني التلاعب وكسب النقاط على حساب جدول أعمال الآخرين، من دون أن تظهر بصمات هذا التلاعب، وفي نفس الوقت منع الآخرين من التعبير عن جدول أعمالهم وتفضيلاتهم وتصوراتهم الخاصة، وهي علاقات جذب وطرد وكراهية وحسد وإعجاب.
ربما لم يعرف البشر هذا الاصطلاح إلا في الآونة الأخيرة، ولكنه في الحقيقة موجود منذ القدم عندما أمر الله عز وجل "إبليس" أن يسجد لنبينا آدم عليه السلام ورفض ذلك: قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون. فاستجاب الله عز وجل وأعطاه الفرصة إلى نهاية الحياة ويوم يبعثون: "قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ* إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلوم ". ثم أعلن إبليس اتجاهه للإغواء والتدليس: "قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ".
عرف إبليس رمزاً للفساد والانحراف، من دون أن يملك السيطرة المباشرة على البشر بصورة مادية، فهو يعمل بالإغواء والوسوسة والإفساد عن طريق حب الشهوات والتزين والتشكيك في الأمور، فهو لا يقوم بعمل عسكري مباشر بل يوسوس للإنسان بطريقة ناعمة وغير مباشرة ولكن لا يفعل ذلك مع جميع الناس بل مع الذين يعرفهم الله عز وجل بقوله: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ.
إذن هناك فئة تلبي نداء الشيطان أسرع من غيرها وهم مرضى القلوب، لذلك يجب أن يتعلم المرء سطور الحياة بإتقان كي يعرف كيفية حل المعادلات في هذا الامتحان الصعب، الحرب الناعمة في الظاهر ترفع شعارات حق ولكنها في الباطن ليست سوى وعاء جميل مملوء بالسم الخطير، ونجد هذه الأوعية اليوم تزين المجالس الحسينية بكثرة لأن اسم الحسين عليه السلام وحده يزلزل كيان الظالمين ويرعب السلاطين، لذلك من الطبيعي أن يحارب الظالمين هذه القوة الجبارة بشتى الطرق كي يُقضى عليها.
ففي بداية الأمر حارب يزيد الإمام الحسين عليه السلام وجها لوجه، وبعد ذلك حارب الأمويون والعباسيون الذهاب إلى زيارة الحسين عليه السلام والصلة به، ولكن حرب اليوم ليس حرب ضد الزيارة فقط بل هي حرب المجالس وإنفاق الأموال في هذا الطريق بعد المحرم، حيث يقال ما فائدة هذه الحسينيات لا يستفاد منها سوى عشرة أيام أو شهرين في السنة فقط. وقبل محرم يقال هذه الأموال يجب أن تنفق لأجل الأيتام والفقراء ولكن لا يعرفون إنهم أمام إغواء كبير كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ولو أن الحقَّ خلُص من لُبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين, ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغثٌ فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه, وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى".
لو نبحث في مشارق الأرض ومغاربها لا نجد مكانا أو سلطة تحترم الصغير والكبير على حد سواء سوى هذه الحسينيات، ولا نجد مائدة جلس عليها الفقير والغني سواء سوى مائدة مجالس الحسين عليه السلام.
هذه الحسينيات هي سبب بقاء الدين الإسلامي لأنها جامعة تعلم الناس باسم الحسين، نحن هنا لا نتكلم عن السارقين الذين تلبسوا بلباس الدين، واتخذوا منه وغطاء ووسيلة لتحقيق مآربهم الدنيوية المعروفة، فهم قلة ولا نضع الخط الأحمر على الجميع بسبب فعل الجهلة، ولكن يفترض أن نعلم إن الحسين جامعة تعلِّم الجميع والحسين مأوى لكل فقير وغني.
وهذه الحسينيات أصبحت مأوى للنازحين عندما لم يهتم أي أحد بأمرهم، ولم تعرف جمعيات حقوق الإنسان أي شيء عنهم لأنهم لم يندرجوا في قائمة الإنسانية في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.. ولم يهتم الوزراء والنواب بهم لأنهم كانوا مشغولين بأمور البلد!!!.
ولم يهتم الأغنياء بهم لأنهم كانوا يتنعمون بسفراتهم في البلدان المجاورة، لذلك رفقا بالحسينيات والمجالس، كما أننا نسأل بعض الذين يتكلمون عن أمور الفقراء، يا ترى هم أنفسهم ماذا قدم للفقراء والمحتاجين؟؟.
إنها حرب تُصاغ بالكلمات وترسل عبر المواقع الاجتماعية وتصدقها العقول البسيطة، وتنشرها
حرب اليوم وهي حرب ناعمة تتلاعب بالعقول دون ترك البصمات، إذن فلنتعلم قواعد هذه الحرب بإتقان حسب القاعدة المهمة، إذا أردت أن تنتصر وتتجنب الهزيمة (إعرف عدوّك جيدا).
اضف تعليق