سعي الإنسان الحثيث عبر التاريخ للتقدم التقني والعلمي بشتى الفروع هو في حقيقته سعي للتخفيف ما أمكن من معظم حالات الخوف، التي ظلت لأمد طويل طلاسم مرعبة للإنسان، يجهل هويتها ومصدرها، ولا يستطيع التحكم بها أو امتلاك مفاتيحها، والسيطرة على قسم كبير منها. إن تأمين أو...
بقلم: نجم عبوش

الخوف مشكلة وجودية وتاريخية، لم تقتصر على الإنسان وحده، بل شملت كل الكائنات الحية، وأي كائن حي وخاصة الإنسان -موضوع دراستنا- تتجاذبه منذ اللحظة الأولى لبدء حياته، مشكلة وجودية، على غاية من الأهمية، مكوّنة من نقيضين: أ- البقاء (الحياة) ب- الفناء (الموت) فإذا عدنا لدراسة حياة الشعوب القديمة (من خلال أدبياتهم وآثارهم) سنجد أن مشكلة البقاء/ الموت تشكل محوراً أساسياً في تفكيرهم.

ولسنا الآن بصدد متابعة هذه المشكلة تاريخياً، كمشكلة كونية لم تقتصر على شعب وحده، قديماً أو حديثاً، بل أردنا الإشارة إلى أن هذه المشكلة الكونية الوجودية، تشكل مساراً ومحوراً لحركة الإنسان عبر سيرورته الحياتية، فهو لا يسعى إلى البقاء وحسب، بل يسعى إلى البحث دائماً عن شروط أفضل لحياته، من خلال تأمينه لحاجاته (المادية والمعنوية) التي سوف نذكرها بشيء من التعميم للدلالة على ماهيتها دون الدخول في تفاصيل اسمية.

1- الحاجات المادية: كل الحاجات اللازمة والضرورية للحياة (وتدخل في ذلك عناوين كثيرة)، أما أدوات وأشكال تأمين هذه الحاجات، فقد تطورت عبر مراحل تاريخية، وتباينت مستويات امتلاك هذه الأدوات بين الشعوب والأفراد، فتباينت مستويات: التقدم، والتخلف، والغنى والفقر، الأمن والاستقرار والرفاه، الحرمان والبؤس، وربما الضياع...

2- الحاجات المعنوية: كل ما يتعلق بإنسانية الإنسان، ويفيد في تطور عقله، ويفجر طاقاته: علم - تربية، عمل، عيش في مناخ ديمقراطي (آمن ومستقر وإنساني)...

والتفاصيل هنا كثيرة، ولكن ما هو هام أن نذكره هو: مسألة امتلاك هذه الحاجات، أو عدم امتلاكها فعلى هذه القضية (الامتلاك، وعدم الامتلاك) تتباين المستويات الذهنية والاقتصادية والاجتماعية.. وتشمل هذه المسألة الأفراد والشعوب على السواء..

وينبغي أن نذكر أن الخوف مشكلة معممة بداخل وفوق كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية، بكل تركيباتها الذهنية والثقافية.. الخ.. الخ..

والإنسان الخائف على نوعين:

1- إما غير مالك ومحروم من حاجاته المادية والمعنوية، وبالتالي هو يدخل في علاقة تبعية وخوف تجاه المالك الأقوى (طبيعة كانت أو بشراً) يخاف ألا يملك، وبالتالي يخاف أن يفنى أو يتدنى مستواه الحياتي.

2- أو: أنه مالك (بغض النظر عن حجم هذا الامتلاك) ولكنه يخاف من مالك أقوى أو من محروم يفكر بالاعتداء أو الاستيلاء على ملكياته.

إذاً لا أحد خارج الخوف: ولكن أشكال الخوف متباينة، وعلى هذا الأساس تنشأ أولويات دفاعية عند كل فرد وكل هيئة أو سلطة (أسروية أو مجتمعية) وبين كل شعب وشعوب أخرى.

هذه الأوليات أو الميكانيزمات الدفاعية، تكون على شكلين:

إما صراعية تبدأ من أبسط أنواع الصراع: الحسد، الغيرة، نقد صراعي، وتتصاعد إلى أنواع أعقد مثل العنف (اعتداء، تعذيب، اغتصاب وقتل بكل أشكاله المادية والمعنوية) وموازين القوى هي التي تلعب دورها في تحديد أنواع الصراع، ولكي يكون الصراع مبرراً، يُعطى تلوينات أيديولوجية متنوعة تشكل بالنتيجة معتقداً وهوساً فكرياً وسلوكياً، أو أنها غير صراعية وهي على نوعين:

أ- امتثالية تصل حد التماهي بالأقوى، ويؤدلج هذا السلوك تحت أقنعة أخلاقية أو عقائدية (سياسية أو دينية) تعطي مبرراً لهذا السلوك، وتغطي ظاهرياً على حالة الخوف الداخلي المتفاقم حد الرعب، والرهاب النفسي والسلوكي.

ب- براغماتية: الإنسان البراغماتي يبحث عن تأمين حاجاته المادية والمعنوية بكل الوسائل والظروف الممكنة ولكنه يعطي أولوية للطرق السلمية التي يلعب العقل فيها دوراً محورياً، العقل بجانبه المنفتح الدبلوماسي، الجانب الذي خَبر كل أشكال وأساليب الدهاء والحنكة وقوانين اللعبة الاجتماعية.. وهو لا يستبعد العنف إن اضطر إلى ذلك، أو إن كانت موازين قواه تسمح له بهذه الممارسة.

والبراغماتية ليست ضعفاً مطلقاً، أو قوة مطلقة، إنها الضعف النسبي والقوة النسبية في آن، إن البراغماتية نوع من التفكير والسلوك الديناميكي الذي يؤمن حاجات الإنسان بأقل الخسائر، وبأكبر حجم ممكن من المنفعة.

والتخويف: سمة معممة بفعل سلطوي، والتخويف ممتد في السلم الهرمي السلطوي (أسروياً ومجتمعياً + وجودياً وغيبياً)، فالإنسان المخوف ينمو ويترعرع في بؤر وألغام من الخوف المتعدد الأشكال فمنذ لحظة مجيئه إلى هذا العالم يخضع لقائمة طويلة (تكبر ولا تنتهي مع كبره) من الممنوعات والمحرمات والعقوبات بكل أشكالها (المادية والمعنوية، البسيطة والمعقدة) إلى درجة يفقد الثقة بنفسه وبالآخرين، ويصاب بكثير من العقد، ويصبح الآخر (الأقوى المتسلط) هو ناظمه في جملة أفكاره وسلوكياته ويتمادى تأثير هذا الآخر ليسكن في داخله، (في خلاياه وتلافيف دماغه ودمه)، ولا يعود يمثل ذاته بقدر ما يصبح نسخة ثانية من ذاك الآخر، ولكنه نسخة ممسوخة.

سمات الإنسان الخائف أو المُخوَّف

1- العقل المخوَّف (المغموم + المحروم) هو عقل أيديولوجي أكثر منه عقلاً واقعياً (يتعامل مع الواقع من منظور أيديولوجي) فعدم القدرة على التحكم بالواقع، والتعاطي معه، بشكل موجود وواقعي، يجعل العقول تخلق أنواعاً من الأيديولوجيات، كمعادلات نفسية لحقل توازن داخلي مختل أساساً، أي كنوع من التعويض النفسي عن أشياء مرغوبة ومطلوبة.

ولهذا نرى أن أنواعاً من الأيديولوجيات نشأت في أماكن محددة ولم تنشأ في أماكن أخرى، بل عممت لاحقاً خارج دائرة المنشأ لأهداف غير معلنة.

إن أكثر المجتمعات فقراً وحرماناً هي أكثرها ترويجاً للأيديولوجيات.

- والعقل الأيديولوجي عقل: فصامي (شيزوفريني) عصابي هيجاني (يصل حد الهستيريا) عصبوي (حد الشوفينية) دوغمائي (عقائدي أو إيماني) فيه بصمات طوباوية، فيه حَوَلٌ أو عمىً تجاه كل ما في الواقع، وهو عقل صراعي يعتمد كل أشكال العنف من أبسطها حتى أعقدها همجية وتوحشاً.

- والعقل الأيديولوجي لا يعطي أهمية للوقت، ولا للإنتاج، ولا يمتلك آليات التعاطي الصحيح مع ذاته ومع الآخر.

العقل الأيديولوجي إجمالاً، عقل غير مبدع، وفي حالات نادرة جداً هو متمرد على هؤلاء وأولئك، ولكنه دون توازن اجتماعي ونفسي.

- العقل الأيديولوجي، عقل تبريري تسويفي، يرمي كل شيء على الماضي أو المستقبل أو على الآخر (الله، الشيطان، السلطة، الإمبريالية، الصهيونية، أو أي شيء خارج ذاته).

- وهو عقل اتكالي: تطفلي (لا يعتمد على ذاته بقدر ما يعتمد على الآخرين، مؤكداً عجزه وفشله).

2- الإنسان الخائف أو المخوَّف، هو إنسان ضعيف في حقيقته تجاه الأقوى (بسبب نقص في امتلاك حاجاته (المادية، والمعنوية) ولذلك يلجأ لنوع من التوازن النفسي بينه وبين محيطه، إلى جملة من التماهيات بالأقوى، سواء كان هذا الأقوى، محلي (شرقي) أو عالمي (غربي) سلطة (مجتمعية وجودية) أو سلطة (لاهوتية غيبية).

إنه لا يستطيع أن يؤكد وجوده إلا من خلال عملية تماهي برمز قوي، ومناصبة العداء الأعمى تجاه رمز قوي آخر، وفي إطار هذه المعادلة بقطبيها المتناقضين، يصنع تاريخه وسيرورة حياته، وفي حقل ضعفه الداخلي تنشأ صراعات حادة ومتناقضة كلما أدرك حقيقة ذاته الضعيفة أو بكلمة أدق، كلما صدقه ذاك القوي الذي يعتبره عدواً لا يطاق.

3- الإنسان الخائف أو المخوَّف، إنسان أناني، بل مفرط في أنانيته، ويترتب على ذلك أن كل الأخلاق التي يتظاهر بها، هي أخلاق زائفة، وكل القيم والشعارات، والطقوس الأيديولوجية هي أقنعة مزيفة، وشراك صيد مفخخة.

فما دام الإنسان الخائف أو المخوّف، إنسان مرعوب ومهزوم ومهشم في داخله ومن الخارج، ومحروم من الأمن والاستقرار وكثير من حاجاته المادية والمعنوية (أو بعضاً منها)، وما دامت نزعة البقاء والخوف من الموت أو من الأسوأ، تتحكم فيه وتتقاذفه، فهو قادر على بيع الأخضر واليابس، وكل القيم والمبادئ وكل غالٍ ورخيص، مقابل مصالحه الأنانية الضيقة.

إن هذا الإنسان غير ثابت في أي موقف، ولا في جملة أفكاره وسلوكياته، وبالتالي هو خائن لذاته وللآخر على الدوام، وهو يمارس خياناته المتعددة الأشكال في خسةٍ ووضاعة مقرفة، معبراً أحسن تعبير عن حقيقته الدونية الناقصة.

4- الإنسان الخائف أو المخوّف يمثل موقفاً مزدوجاً في نفس الوقت.

فهو إنسان مقهور أمام الأقوى، ويدعونا للشفقة، والعطف عليه، ومن جهة أخرى نراه: قاهراً دكتاتورياً، متوحشاً، همجياً، إزاء من هم أضعف منه، وفي كلتا الحالتين المتناقضتين يؤدلج هذا السلوك بطريقة تبريرية تعطيه إحساساً داخلياً أن ما يقوم به مشروعاً ومبرراً، متوهماً أن الآخر مقتنع بتبيراته.

5- إن أقسى ما يواجه الإنسان الخائف أو المخوَّف، أمام سلوكياته، أنه لا يستطيع بينه وبين ذاته أن يبرر موقفاً أو سلوكاً ما.. سواء كان هذا الموقف سريا أو علنيا.

عندئذ يتخبط في تناقضاته، ويعيش صراعات نفسية حادة ومريرة، تدفعه للوقوف أمام ذاته عارياً ليرى حقيقة ضعفه وأخطائه، فيضطر لإعادة حساباته مرغماً.

هذه المراجعة الذاتية، وإعادة الحسابات القسرية، لا يفعلها (كما يدعي ويحاول أن يوهمنا) بدوافع تحمل مضامين مطاطية ضبابية مثل (الأخلاق، الوجدان أو الضمير، الأنا الأعلى.. الخ.. الخ)، وكما ذكرنا بسبب انعدام التوازن النفسي الداخلي والخارجي، لعدم القدرة على خلق تبريرات لسلوكه وأيضاً لأن الأقوى أجبره في لحظة صدامية حادة، ليس على المراجعة الذاتية، والاعتراف بالضعف الذاتي وحسب، بل على نكوص نقدي للذات، غير متوقع، ومخالف للحالة السابقة على الصدمة، وتتمظهر النتيجة الجديدة (في تبرئة الآخر القوي، وإلقاء اللوم وكل السلبيات على الذات).

6- الإنسان الخائف أو المخوَّف، يميل إلى الانزواء، والانطواء على الذات، خالقاً لذاته عالماً داخلياً خاصاً، وهو إن تواصل مع الآخرين، يتواصل بحذر وتشكك وعدم ثقة، وهو بذلك يعيش صراعاً داخلياً قاسياً ومتناقضاً، ما بين رفضه الداخلي للآخر وعدم الثقة به، وما بين الحاجة للتواصل معه..

هذه الازدواجية المتناقضة تحمل في داخلها عدوانية مبطنة، سرعان ما تعلن عن نفسها عندما تتاح الفرصة للإنقضاض على الآخر، وغالباً ما يكون المُعّدِل أو المُغّير في موازين القوى، هو فعل خارجي (إيجاد بديل).

إيجابيات الخوف

1- تحفيز العقل لأن يعمل بأكثر من اتجاه، بما يخدم أمن الذات، وتأمين حاجاتها، والبحث عن حياة أفضل... وهذا يجنب الذات مخاطر الانزلاق في الحالات الانفعالية الطائشة والمغامرة، أو الحالات السلبية المتخاذلة كالانطواء على الذات والانعزال والانغلاق وصولاً إلى الرهاب.

2- دفع الإنسان لأن يعرف إمكانياته وحدوده، وبالتالي عدم تجاوز حدود الآخرين (معرفة الحق والواجب، والالتزام بهما) وبذلك يكون قد تخلص من أنانيته وهمجيته، أي أن الخوف يُشكل ضابطاً أخلاقياً وقانونياً (فردياً ومجتمعياً) بغض النظر عن مصدر الخوف (وجودي أو غيبي).

3- الخوف يُشغل خيال الإنسان، بما يحقق له توازنا نفسيا داخليا وخارجيا (تجاه الآخرين والطبيعة) ويمنحه مزيداً من الإبداع الفكري والعملي، لأن الخيال هو تعبير عن حاجات الإنسان المكبوتة أو المقموعة، أو المرغوبة، أو المحروم منها بسبب عدم امتلاكه لها، أو عدم امتلاك وسائل الحصول عليها مباشرة أو تبادلياً. والخيال يُشغِل مساحة كبيرة من عقل الإنسان، ولا نبالغ إذا قلنا أن وجود الخيال ووجود الإنسان متلازمان إذ ليس هناك إنسان بدون خيال، وإلا لكان جماداً.

وبغض النظر عن تحديد نوعية الخيال (علمي - لا علمي - واقعي - لا واقعي - منطقي - لا منطقي...) فقد استطاعت المخيلة البشرية أن تجيب على كثير من الأسئلة التي شغلت ذهن الإنسان عبر التاريخ. عن وجوده وفنائه، وعن وجود الكون ككل. ومن خلال هذه المخيلة استطاع أن يقدم العديد من الإبداعات الإنسانية في مجالات هامة، ولسنا الآن بصدد الغوص في عوالم المخيلة البشرية نشوءاً ونتاجاً فهذا موضوع واسع، لأنه يشمل كل النتاجات الإنسانية عبر التاريخ.

4- الخوف يعطي تفسيراً لكثير من سلوكيات الإنسان، وطرق تفكيره، وأفكاره، أو الأفكار التي يتداولها، وبالتالي فإن الخوف يقدم لنا مصدراً غنياً ووافراً في فهم واستيعاب كثير من الظواهر (الفكرية والسلوكية) بل يكشف حقيقة هذه الظواهر التي تبدو عكس حقيقتها، إذ أن الخوف يعري الإنسان ويقدمه على حقيقته بدون رتوش أو تزييف مظهري، وقد أوضحنا من خلال دراستنا سمات الإنسان الخائف أو المخوف وآلية تفكيره.

خلاصة

إن من يتأمل تاريخية الإنسان والكائنات الحية الأخرى، يرى أن ضريبة الوجود والمحافظة على الاستمرارية ما أمكن، هي ضريبة الخوف.

وقد أوضحنا في بداية الدراسة بعضاً من أشكال الخوف، إلا أن الخوف قد يتخذ أسماءً وتعبيرات متعددة، تبدو ظاهرياً أنها موضوعات أخرى مختلفة، مثل:

1- المحرمات والممنوعات السلطوية (الأسروية، والمجتمعية، والدينية) التي تتراوح تمظهراتها ما بين العادات والتقاليد والأعراف وأخلاق المعتقد والقانون العام (الذي هو في جوهره قانون السلطة المجتمعية)، وما بين أشكالها المخففة والملطفة، المتجسدة في التربية، والتأهيل، والإصلاح، ...

2- وقد تتمظهر تعبيرات الخوف في مظاهر تبدو عقلانية، وإنسانية، وحضارية، كالتأكيد على ضرورة عقد اتفاقات صداقة وتعاون مشترك، وإقامة معاهدات حماية ودفاع مشترك، علاقات تبادل مصالح، وتحالفات مشتركة...

3- وقد يتخذ الخوف شكلاً مباشراً ومعلناً وتصعيدياً كـ (التسلح وسباق التسلح) والاهتمام المبالغ به وبموضوع القوة.

4- المبالغة بموضوع الأمن إلى درجة تتحول فيها الذات من حالة دفاعية إلى حالة هجومية، ما يترتب على ذلك من استخدام وسائل معنوية ومادية (حرب نفسية، تجسس، إشعال فتن فردية، جماعية، طائفية، عشائرية، إقليمية، إتباع وسائل تآمرية وتخريبية، وتصعيد حالات القمع والإرهاب (المادي والمعنوي..).

5- التمظهرات الديماغوجية المضللة المخادعة التي تظهر عكس ما تخفي، تظهر أخلاقية مثالية (فكراً وسلوكاً) وتبطن ذاتاً توحشية، تختزل فيها كل الحالات الهمجية واللاإنسانية.

6- الأشكال المختلفة والمتعددة في إثبات الذات التي تتراوح بين (دوافع الضرورة والمبالغة في تأكيد الذات) وتدخل في هذه القائمة أسماء كثيرة من الضرورات وتعبيرات متنوعة وعديدة من أشكال تأكيد الذات..

إن حقيقة الدافع إلى الضرورات هو (الخوف) الخوف من الفناء، أو الخوف من حياة غير لائقة، أو غير آمنة ومستقرة، وبالتالي فإن الفعل العكسي، هو السعي بكل الوسائل الممكنة للبقاء، وتأمين حياة أفضل، والوسائل الممكنة هذه تتراوح ما بين سلمية وصراعية، أخلاقية وغير أخلاقية.

7- النزعة إلى بلوغ مستوى الإنسان السوبرمان (الكامل القوي) ومحاولات التماهي بالأقوى الوجودي أو الغيبي، ما هي إلا تعبيرات عن خوف الإنسان.

إن رغبة الإنسان في التماهي هو سلوك تعويضي عما ينقصه وما هو بحاجة إليه إن اعتناق الأيديولوجيات أياً كان نوعها (وجودية أو غيبية) ما هي إلا محاولة ذاتوية للخلاص من حالة ما، والرغبة في الوصول إلى حالات تعويضية.

كما أن سعي الإنسان الحثيث عبر التاريخ للتقدم التقني والعلمي بشتى الفروع هو في حقيقته سعي للتخفيف ما أمكن من معظم حالات الخوف، التي ظلت لأمد طويل طلاسم مرعبة للإنسان، يجهل هويتها ومصدرها، ولا يستطيع التحكم بها أو امتلاك مفاتيحها، والسيطرة على قسم كبير منها.

إن تأمين أو امتلاك أكبر حجم ممكن من الحاجات الضرورية واللازمة، هو انعتاق من العبودية للحاجة ولمن يمتلكها، سواء أكان المالك (البشر أو الطبيعة).

* نشر في مجلة النبأ-العدد 77-ربيع الثاني / حزيران 2004

اضف تعليق