الاكتفاء باستيراد أشكال التطور ومظاهر التحديث، لا تجعل من مجتمع ما متقدما، بل المسألة أعمق من ذلك بكثير، ولعل مبدأها تحريك سواكن المجتمع، وتهيئته نفسيا، واستئصال ما يكبله من قيود تعيق حركته، لأن التحديث الذي يتجاوز الانشغال بالمظاهر باتجاه التركيز على المضامين، فأسس التحديث المجتمعي لا تستورد...
بقلم: سلطان بلغيث

لاشك أن التحدي الأول والأكبر الذي يواجه امتنا العربية في هذا العصر، هو تجاوز هوة التخلف الكبيرة والمتعاظمة بينها وبين البلدان المتقدمة. ولن تقوى الأمة على تجاوز هذه الهوة إلا عن طريق مشروع تنموي نهضوي شامل مؤيد برؤية متبصرة لأهداف ومرامي وغايات هذه النهضة المنشودة. ذلك أن النهضة تقتضي توافر استراتيجية ثقافية شاملة، تتظافر في صنعها أبعاد متعددة، وتتراكب فيها جوانب مختلفة لتصنع التنمية الشاملة.

وعليه فإن النهضة مشروع تنموي وفلسفة استراتيجية تترجم واقع المجتمع ورؤيته لطبيعة الحاضر والمستقبل، ومن ثم فلابد أن تكرس كل الاهتمامات وتحشد مختلف الطاقات في سبيل تهيئة الأجواء وتوفير الظروف المواتية لقيام نهضة تنموية شاملة في مختلف جوانب حياة المجتمع، نهضة متوثبة تحسن التعامل مع الثوابت والمتغيرات، وتستغل بمهارة ما تملك من إمكانات على محدوديتها في تحقيق ذاتها في معركة الوجود الكبرى، التي تتميز بتحديات عاصفة لتيار العولمة الذي يسعى بما أوتي من قوة قصد التمكين لمشروع كوني، أشبه ما يكون بقطار سريع يُطلب من الجميع الركوب فيه والانضواء تحت رايته، ولعل رهان المجتمع العربي في ربح هذه المعركة هو التركيز على الجبهة الداخلية بتقويتها ودعمها، وبث روح الفاعلية فيها حتى تصبح أكثر قدرة على تحمل الصدمات ومواجهة إفرازات العصر المعولم، وعليه فلابد من السهر على تعبئة المجتمع وبث الأمل في نفوس أبنائه لاسيما فئة الشباب منهم، وإشعارهم بدورهم الطلائعي وأهمية مشاركتهم في هندسة وتنفيذ المشاريع المتعلقة بالتنمية الشاملة، وبذلك يتم التخلص تدريجيا من ظاهرة السلبية التي تسيطر على الكثير من أبناء المجتمع وإشعارهم بأهمية مشاركتهم في صنع ملحمة النهضة المنشودة ووضع بصماتهم على صفحاتها باعتبارهم القلب النابض في جسد المجتمع.

وسنحاول هنا التطرق لمفهوم النهضة التنموية، مع تقديم وجهة نظر بشأن السبيل الأمثل للخروج من حالة الضعف والتخلف التي يعاني منها العالم العربي، ثم نستعرض أهم الآليات الكفيلة بتحقيق النهضة التنموية الشاملة، نتناول بعدها أهم التحديات التي تعترض مشروع النهضة العربية في ظل تداعيات عصر العولمة، ونختتم بخلاصة لمجمل ما تناولناه من آراء ومناقشات.

في معنى النهضة

النهضة عملية تغيير حضاري شامل يتناول كافة أبنية المجتمع وأدواره، ويشمل الجوانب المادية والإنسانية فيه. يترتب على ذلك أن أي نظرية في التنمية الاقتصادية أو السياسية مثلا لابد أن تنبثق عنه، وترتبط بنظرية عامة في تطور المجتمع، وأن تأخذ في اعتبارها جوانب المجتمع المختلفة التي تتعرض لعملية التنمية، لذلك لابد من الأخذ بمنهج ينظر إلى الظاهرة التنموية في تكاملها ويسمح بالنظرة الشاملة للبناء الاجتماعي ككل (1).

ويشمل مفهوم النهضة في مجتمع معين محاور عدة تنطلق من الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لإحداث تغيير جذري في هذا الواقع من ضمن رؤية استراتيجية للمستقبل وكيفية الوصول إليه وإدارة عملية التغيير. بناءً على ذلك، فإن للواقع القائم تأثيراً كبيراً على مواصفات حركة النهضة التي تختلف مستلزماتها بالتالي من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر(2). مما يجعل من محاولة الجري وراء استنساخ النماذج التنموية الغربية رهانا خاسرا، أثبته التاريخ وأكدته التجارب الواقعية التي مرت بها كل الدول العربية.

 ذلك أن التطبيق الارتجالي لهذه التجارب، دونما قراءة فاحصة للواقع لن تزيد الواقع إلا ترديا. ولعل الخطوة الأولى والضرورية بالنسبة لحركة النهضة تنطلق من (الاعتراف بالأمراض التي تشل حركة الجسد وتعيقه عن الإقلاع والتقدم)، وحينما يشخص هذا العطل والأدواء ويوصف له العلاج الناجح المفضي إلى الشفاء الذي يعد أهم عامل يساعد على تسريع حركة النهوض ، وتحرر العقل من توابعه، والانطلاق الفعال نحو تحقيق النهضة الشاملة التي ساهم التردد والركود والاتكال على تأجيلها إن لم نقل وأدها، مما يستدعي بعثها من جديد دون تلكؤ أو انتظار، لأن في ذلك قتلاً للمبادرات الخلاقة، والتخاذل حيال الأحداث يجعلها أكثر صعوبة على حد تعبير الباحث ريتان.

العالم العربي في مسيس الحاجة إلى النهضة، وليس للحداثة، فالنهضة في رأي المفكر برهان غليون هي محاولة لعقلنة الحداثة، فحينما يظهر التراث كعنصر مقاومة للحداثة، تتجلى الحداثة في موضع الاغتراب. بل إلى نهضة تراعي ظروفه، وتستوعب خصائصه، وتكون انعكاسا أمينا لشخصيته العربية الإسلامية. الحداثة الغربية هي خلاصة (مشروع نهضوي) يمتد في تاريخ المجتمع وممتزجا بسيرورة تطوره. فيجب الانتقال بحلم النهضة إلى المعايشة الواقعية والممارسة الميدانية، إذ لا ينجينا مما نحن فيه إلا دولة قوية، دولة عصرية تقدمية، تؤمن بروح الإسلام إيمانا صادقا.

ومن هنا فاتساقا مع سنن التغيير الاجتماعي، ووفاء لذاتية الأمة وخصوصية المجتمع وتطلعاته الحضارية، فأن مشروع الأمة الأول، الذي ينبغي أن تتكثف الجهود في سبيله، وتعبأ الطاقات باتجاهه، باعتباره مرحلة تاريخية اجتماعية متقدمة على مشروع الحداثة والتحديث، فلا تحديث حقيقي وحداثة فاعلة بدون نهضة، فالنهضة هي المرحلة التاريخية الضرورية التي تسبق مرحلة المدنية والحداثة (3).

ما السبيل للخروج من حالة الوهن والتخلف؟

التخلف سمة عارضة، وليست عاهة مزمنة، وإنهاؤها وقف على أبناء المجتمع جميعا إذا أرادوا كسر حلقة التخلف وتعلقت همتهم بمعانقة النهضة حينها لن تكون النهضة بعيدة المنال، وهذا يتطلب بداية قراءة فاحصة لمفردات الواقع الاجتماعي العربي، قصد تشخيص مختلف الأدواء التي أثقلت كاهل الجسد العربي، وأعاقته عن الخروج من أزماته الراهنة.

ذلك أن سؤال النهضة في فكر العرب والمسلمين كما يراه بعض الباحثين مرتبط، بالضرورة، بواقع وسؤال الأزمة في المجتمع العربي الإسلامي، ونشأة هذا السؤال مشروط بأجهزة السلطة السياسية ونوعية علاقاتها بحركة المجتمع وتفكيره، وردود الفعل العام، وفي اتجاهات عديدة، ذلك أن البحث في مسائل الأزمة والنهضة يعني بالضرورة البحث في طبيعة السلطة السياسية والعلاقات الاجتماعية.

ومن هنا تنشأ ثنائية الفكر السياسي في النهضة: الاستبداد/ الديمقراطية، الخراب/ العمران، التأخر/ التقدم. هكذا تكون النهضة مصطلحاً وفكراً ومشروعاً، مولوداً عليلاً، لأن الفضاء العربي والإسلامي الحديث والمعاصر، سلطة سياسية، ومجتمع وثقافة وعلاقات، يراكم الأزمات ويواجه باستمرار مسائل ومشاكل جديدة تزيد الركام السابق والطبقات الدفينة تعقيداً، مما يفسر أن النهضة العربية هي باستمرار برنامج مؤجل، وبالتالي يحدث التصادم بين المفاهيم في الفكر العربي المعاصر وتتعمق صدمة الحداثة مع واقع اللا حداثة في المجتمع العربي الإسلامي المعاصر (4).

لقد فشلت خطط التنمية في العالم العربي– الإسلامي، لا لشيء سوى أنها (قامت على استيراد الخطط، والبرامج، والخبراء، لأن تلك الخطط، إنما نبتت وتكاملت من خلال الظروف الخاصة بالمجتمعات الأخرى، وجاءت ثمرة لمعادلة الإنسان النفسية، والاجتماعية في تلك المجتمعات بعيدا عن ظروف وحاجات المجتمعات الإسلامية الحقيقية) (5). إن قصور فهم التنمية جعل الكثير من الدول تتدافع، لا بل تتهافت، لاقتناء آخر ما توصلت إليه الحضارة الغربية من منجزات العلم، دون الالتفات إلى أن النهضة تنطلق من الذات وتستنبت محليا وتصنع ذاتيا ولا تستورد أو تستعار من الخارج، وكان من نتيجة ذلك أن اختزلت معركة التنمية إلى معركة نمو (مظاهر ومؤشرات)، وأختصر مشروع النهضة إلى مشروع الحداثة، مما جعله يصول ويجول في دائرة مفرغة، راكمت مشكلاتنا، وعمقت الهوة بيننا وبين البلدان المتقدمة.

وبناء عليه فإن مجرد الاكتفاء باستيراد أشكال التطور ومظاهر التحديث، لا تجعل من مجتمع ما متقدما، بل المسألة أعمق من ذلك بكثير، ولعل مبدأها تحريك سواكن المجتمع، وتهيئته نفسيا، واستئصال ما يكبله من قيود تعيق حركته باتجاه تفعيل دوره في إنضاج فعل النهضة، لأن التحديث الذي يتجاوز الانشغال بالمظاهر باتجاه التركيز على المضامين، (هو صيرورة تاريخية اجتماعية، تلامس بالدرجة الأولى البنى الأساسية والجوهرية في العملية الاجتماعية بأسرها، فأسس التحديث المجتمعي لا تستورد من الخارج الثقافي والحضاري، وإنما تنبثق انبثاقا من الذات والواقع المجتمعي) (6).

ذلك أن التنمية في فلسفتها العامة لا تعدو أن تكون قضية ثقافية، ولا يمكن بحال اختزالها في زيادة عدد المصانع، أو الآلات، أو وفرة الإنتاج، وزيادة الاستهلاك، وإنما هي قبل هذا وذاك (بناء للإنسان، وتحرير له، وتطوير لكفاءاته، وإطلاق لقدراته، كما أنها اكتشاف لموارد المجتمع، وطاقاته المدخرة، وحسن توظيفيها، وتسخيرها، وادخارها، في ضوء استراتيجية، ورؤية علمية للمستقبل، أو لعالم الغد) (7).

وفي خضم كل هذه التفاعلات يظل الإنسان هو وقود التنمية، وغايتها في الوقت ذاته، ومشيدا للعمران البشري، ونتيجة للقفز على الإنسان كعنصر محوري في معادلة التنمية المنشودة، ظل مشروع التنمية والنهوض باهتا تطغى عليه المظاهر ويعوزه الولوج إلى جوهر المسألة (لأنه تم في نطاق أشياء الإنسان، وأدواته الاستهلاكية، على حساب الإنسان نفسه، والارتقاء به، كهدف نهائي للتنمية، ووسيلة فاعلة فيها) (8). إن المهمة الرئيسية بالنسبة للنهضة في العالم العربي هي الرفع من كفاءة الإطار البشري باعتباره المدير والقائد لعملية التنمية والفاعل الرئيس فيها.

ولأن التنمية البشرية لا تتم إلا بالإنسان ومن أجله، فلا بد أن تنصب الجهود صوب تحقيق ثلاثية التنمية:

- بناء القدرة البشرية وتطويرها.

- الاستخدام الاجتماعي الأمثل لهذه القدرة، رأس المال الاجتماعي.

- دعم الدفع الذاتي للانتماء السياسي والقومي أو دعم مشاركة الإنسان في اتخاذ القرار وتنمية مجتمعه (9).

وتكون هذه المشاركة أكثر ثراء وفاعلية حينما تعي ذاتها وتنطلق من واقعها وتتحاور مع الآخر من منطق فقه مفردات هذا الواقع. لأن غياب تحليل الواقع عند التطبيق أو عدم الانطلاق من الواقع أو من نتائج تحليله يؤدي إلى وجود خلل في بنية التطبيق أو بنية الواقع الجديد، ويتسع هذا الخلل ويضيق بقدر أهمية العناصر النفسية والثقافية والاجتماعية والتاريخية التي يتضمنها الواقع القديم، وكذلك بقدر موضوعيتها وقوة تأثيرها ودورها في صياغة نموذج الحياة اليومية للبيئة المحيطة بالتطبيق (10).

آليات النهوض التنموي في العالم العربي

1- التعليم:

التعليم في كل أمة هو الإطار الذي يسهم في تطوير قدرات المجتمع العقلية والفكرية، ويهيئ الإنسان للنهوض بأعباء التنمية، والاستثمار الرشيد للموارد المتاحة في تنفيذ البرامج والخطط التنموية) وعلى هذا فإن مشاريع التعليم والتثقيف الاجتماعي، لا تعد مشاريع استهلاكية، بل هي من صميم العمليات الإنتاجية، لأنها تتجه لبناء الإنسان وهو الرأسمال الحقيقي لأي مجتمع) (11).

إن الهدف الرئيسي من عمليات التنمية هو الإنسان، وعلى ذلك فإن التعليم والتدريب من الوسائل الفعالة، التي لا غنى عنها إذا ما أريد للتنمية أن تحقق أهدافها، ويكون الإنسان قادرا على استيعاب إنجازات التنمية (12). لعل معركة النهوض التنموي تحتاج إلى إنسان مزود بطاقة وفيرة من العلم والمعرفة، حتى تكون له القدرة على تحمل تبعات هذه النهضة بكل ما تقتضيه من تحديات، فلم يعد امتلاك الثروات، وتكديس المعدات هو المؤشر الوحيد المقبول لتصنيف الدول عالميا على سلم التطور والرقي، بل باتت القدرات العلمية ومهارات التحكم في أحدث مخرجات العلم هي الرهان الذي يحكم السباق الدائر بين الدول على النطاق العالمي.

 لأن المعرفة باتت في زمننا هذا تشكل السمة البارزة للعصر الكوني الراهن، إنها هويته الأساسية ولا يمكن تصوره بمعزل عنها، استطاع بها اكتساب دلالات وتحولات كثيرة لها انعكاساتها على كل مجالات الحياة المختلفة، لما لها من علاقة عضوية بالتنمية الإنسانية، إذ أنها أحد المكتسبات الأساسية للبشر، يتم بها بناء قدراتهم، وعظيم رخائهم، ولكونها أيضا عنصرا أساسيا من عناصر الإنتاج، ومحددا أساسيا للإنتاجية، تتبدل بفعلها مصادر المزايا النسبية التقليدية، من كثافة نسبية في الموارد، إلى كثافة نسبية في المهارات والمعرفة الفنية والابتكارية والتقانة المتطورة (13).

2- وعي النخبة بالمغزى الحقيقي للنهوض التنموي:

النهضة سيرورة شاملة ومنظومة متكاملة متداخلة العوامل، ولذلك فهي بحاجة ماسة إلى إدراك عميق لأبعادها ومراميها، ومنطلقاتها، حتى يتم بناء الخطط ورسم التوجهات الكبرى لها بناء على تصور سليم وفهم مستقيم، لاسيما على مستوى صناع القرار من القادة السياسيين الذين يضعون حجر الأساس لهذه النهضة ويعطون إشارة الانطلاق لأعمالها، وينشرون دواعي الوعي بأهمية المشاركة الجماهيرية في صنعها، غير أن (مشكلة دولة النخبة أنها تعتقد أن التحديث يحصل مرة واحدة وإلى الأبد، بينما هو حاجة دائمة يحصل باستمرار، ويعبر الزمن من محطة إلى أخرى كعملية تطويرية داخلية، ما إن ينتهي من دورة حتى تبدأ أخرى، وتعتقد دولة النخبة أن شرط نجاح التحديث هو أن يتم ضد المجتمع، بينما الواقع التاريخي يؤكد أن التحديث لا يتم إلا بواسطته) (14).

كما أن تحقيق النهضة لم يعد مقتصراً على نشر الوعي والدعوة أو العمل للوحدة الاجتماعية دون تأسيس بنية تحتية اقتصادية وبشرية ومعرفية تحتضن فكر النهضة وترسخه بالفعل لا بالقول، وتثبت بنيان النهضة حجراً حجراً من خلال تأسيس وإدارة وقيادة مؤسسات اقتصادية وتربوية وتنموية واجتماعية راسخة يكون لها أثر كبير في حياة الشعب وتجديدها، وفي المساهمة بإحداث التغيير المنشود والتنمية المستدامة. وحتى تحافظ هذه المؤسسات على وحدة الاتجاه النهضوي العام وتبقى مرتبطة ببعضها البعض، يجب الربط بينها بشكل عضوي دون المساس بالاستقلالية الذاتية لكل منها، ودون المساومة على التخصص والخبرة بالولاء والمحسوبيات (15).

ومن ثمة فإن القاعدة التكنولوجية المحلية المتينة تؤدي دورا رائدا في الاستخدام العلمي والتكنولوجي، لأنه من غير الممكن، بل من غير المعقول أن نعمد إلى نقل كل ما يتعلق بالتنمية من الخارج، مما يستدعي دعم الطاقات العلمية الوطنية، وتوسيع دائرة البحث العلمي وتكريس نتائج البحث هذه لخدمة أغراض التنمية وتطوير المجتمع.

إن المجتمع لا يمكنه التطور والنمو في الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، دون تهيئة الكوادر البشرية، المدربة على أصناف الخبرات والمهارات والكفاءات، وزجها في المؤسسات الإنتاجية، والخدمية والاجتماعية. وإدارة مؤسساته البنيوية وفق الأساليب العلمية الحديثة التي تضمن تقدمه ورقيه (16).

3- إشراك المجتمع في الاختيار:

تعد المرونة السياسية، وغياب التسلط والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والقهر الثقافي من أهم المستلزمات التي تهيئ للنهوض التنموي على مختلف الأصعدة الحياتية في المجتمع.

(من أجل ذلك لا مناص من الالتجاء إلى نظام سياسي ما، يمكن عامة الناس من الإسهام بشكل مباشر، أو غير مباشر في تسيير الشؤون العامة للجماعة، وفي اختيار الرجل، أو الرجال الذين يحكمون أمر الوطن ويقومون على شؤونه في الداخل والخارج، فبدون السماح للناس بالتعبير عن أفكارهم، وإبداء آرائهم في الشؤون العامة بمطلق الحرية، أو بحرية نسبية على الأقل، لا يمكن أن ننتظر قيام مجتمع أصيل ومنسجم ومتوائم)(17). 

فالحياة السياسية المستقرة، التي تشيع فيها الحرية في التعبير والأمن، وتعتمد أساليب الحوار والمناقشة والاستشارة الشعبية حول مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من شانها أن تكون بيئة ملائمة لنهضة تنموية حقيقية. ولقد فشل الكثير من برامج التنمية نتيجة لافتراض النخب الحاكمة بأنهم مؤهلون للتفكير بالنيابة عن الشعوب، ولم يبذلوا جهدا لشرح هذه الأهداف، وتلقي ملاحظات وأفكار قادة الرأي والمتخصصين ورجال الأعمال والنقابات وبقية منظمات المجتمع المدني، ولذلك فإن أي تجربة لا تراعى فيها حقائق الأوضاع الوطنية أو احتياجات سكان البلاد لابد أن يكون مآلها الفشل الذريع (18). ومن ثم فإن أي مشروع مهما كانت له من الدعائم المادية فلن يُكتب له النجاح ما لم يكن له امتداد في نسيج المجتمع حتى يكسب رعاية واحتضان المجتمع له، أي يكون له عمق اجتماعي يسمح له بالامتداد في ثنايا الحياة الاجتماعية، والتغذي من طاقاتها، لأن أفكار النهضة لا يجب أن تبقى سجينة ثلة نخبوية محدودة من الناس بل لابد لها من الخروج من العزلة كي تدخل في النسيج الاجتماعي، وتصل إلى مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية، وتصبح جزءا من الكيان المجتمعي.

4- تعزيز القيم والاتجاهات التنموية:

لابد من تظافر الجهود بين مختلف القطاعات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع من أجل تصحيح الخلل القيمي الذي أضحى يسيطر على الوعي الجماعي تقريبا، حيث أخذت قيم العمل والانتاج تتوارى لتحل محلها قيم الاستهلاك التفاخري، والربح السريع على حساب قيم المواطنة والمسؤولية الاجتماعية، ويمكن (زرع القيم والتوجهات المطلوبة في نفوس النشء من خلال المناهج والنشاطات المدرسية والجامعية. إن المادة التي يقدمها الكتاب والممارسة التي يتيحها النشاط يمكن أن تقوما بدور كبير في غرس قيم وخلق اتجاهات مطلوبة، إذا تم إصلاح المناهج وتقويم البيئة المدرسية، وتم التأكيد على ضرورة تلازم العلم والعمل وارتباط المدرسة والجامعة بالمجتمع، والحرص على ممارسة النشء فضلا عن تعليمه العمل والإنتاج من خلال احترام جميع المهن واعتبار قيمة العمل المنتج مصدر كرامة الإنسان والقيام به مصدر الحقوق كافة. ويمكن ترسيخ قيم إيجابية تجاه العمل مثل احترام قيمة العمل بصورة عامة، واليدوي منه بشكل خاص. ولكن ليس من خلال الوعظ والإرشاد بل من خلال جعله جزءا من حياة المدرسة يمارسه أساتذتها وطلابها ويدرسون سبله وإمكاناته في الوقت نفسه. ويجب أن تكون دراسة إمكانات القيم والتوجهات المطلوب ترسيخها محور الكتاب، وكيفية ممارستها منطلق النشاط، وشروط غرسها واحترامها هدف المنهج) (19). 

كما لا يجب أن نتغاضى عن الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، ولاسيما في أيام الناس هذه حيث تعد من الآليات المؤثرة في المجتمع، مما يستدعي توظيفها بالقدر الذي يساهم في تعزيز بعض القيم الإيجابية وتنمية الاتجاهات النهضوية، وعليه فالضرورة تقتضي التوجه صوب الإعلام وتوظيفه بمهارة فائقة في البناء التنموي وتوسيع درجة الوعي النهضوي لدى أبناء المجتمع، (إن الوظيفة الراهنة للإعلام، والتي لا تتعدى التسلية، وتجميل الصورة الرسمية، لابد أن يعاد النظر فيها ولابد أن يوظف الإعلام من أجل رفع المستوى الثقافي، وتغيير العادات الضارة وبلورة نسق إيجابي للقيم الاجتماعية، وتوجيه الإنسان نحو الإنتاج، وإتاحة وسائل النمو الذاتي وربط الفرد بمشكلات مجتمعه، وحماية ثقافته، وصيانة مقومات هويته العربية الإسلامية، فضلا عن توعية الإنسان بالمتغيرات المعاصرة، وتبصيره بالتحديات المحيطة به) (20).

مستقبل النهضة العربية في ظل تداعيات عصر العولمة

الإنسان في كل عصر ومصر هو مفتا ح التقدم أو التخلف، ولذلك يتجه الاهتمام صوب الارتقاء بقدرات الإنسان وتطوير مستوى أدائه حتى يصبح أكثر كفاءة في التخطيط والتنفيذ، وأقدر على تحقيق تطلعات المجتمع إلى النهضة والتقدم. لذا أصبح الإنسان وحده هو القوة الوحيدة، التي إذا استثمرت أفضل استثمار تصبح هي الآلية القادرة على صنع التنمية. ذلك أن الإنسان الذي يملك من معارف وجهد عقلاني، وبتوجهات سياسية وطنية– عالمية يملك فرض الإرادة في أركان القرية- مركزها وتوابعها-ومن هنا يصبح التعلم والتعليم هما الإطاران الحاكمان للبقاء الحضاري والتنمية المتواصلة (21).

وفي ظل عصر حافل بالتحديات، فإن قدرة الإنسان في قراءة واقعه وتحليل غوامضه والحكمة في التعامل معه برؤية متبصرة هي التي تحدد نتيجة سجاله مع موجات العولمة المعاصرة التي تتضارب بشأنها الرؤى والطروحات. مع كل هذا أصبحت العولمة واقعاً يجب التعامل معه بقوة، وقدرة على امتلاك آليات المنافسة، التي هي الإطار أو السياج الحامي لمكان الدول على الخريطة الكونية المزمع تشكيلها (22).

ولن تتأتى لنا المنافسة والتواجد الموهوب على الساحة العالمية إلا بتقوية الجبهة الداخلية وجمع الشمل قصد بلورة رؤية موحدة، وامتلاك ناصية العلم والتحكم في التكنولوجيا والإسهام في حركية الإبداع وصنع التميز، لأن الإبداع هو أساس التنمية، ورهان الاستقلالية وفرض الوجود. إن القارئ للتاريخ يجد أن كل لحظة من لحظاته كانت تُختزل في الإرادة الفاعلة والمؤثرة في غيرها من القوى (فكل لحظات التاريخ الإنساني كانت كونية أي أنها تشمل عولمة عصرها الفاعلة إيجاباً وفعلاً، وتعود إلى من بيدهم الأدوات التي تمكنهم من فرض خصوصيتهم على الآخرين لتكون عاماً وهي تشمل عولمة عصرها المنفعلة سلباً وانفعالاً، وتعود إلى كل من يستسلم لهذا الفرض تسليم اندماج أو تسليم هروب إلى الخصوصية، إذ الصراع الوحيد الممكن في التاريخ الكوني كان ولا يزال الصراع بين ضروب العولمة، أو إن شئتم بين الصور النموذجية للإنسان في الحضارات المختلفة، أي النماذج التي تسعى الحضارات إلى تحقيقها في التاريخ وتلك هي طبيعة الحضارة. والمعركة اليوم هي بين النموذج الاستخلافي الذي نمثل بذرته التي لم تكتمل بعد، والتقاء النموذجين الأدنى منه والأسمى المزعومين، أعنى التقاء الشرق الأقصى والغرب الأقصى) (23).

(والتطوير الحضاري للمجتمع موقف من الحياة، ونمط سلوكي في الاستجابة للتحديات، وآلية تكييف في إطار المنافسة وصراع الوجود، والتكيف فعل اجتماعي إنتاجي مادي ومعرفي نحو هدف صاعد للانتقال بالمجتمع من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى للطاقة والفعالية والتعقد والفهم والإبداع وفرص الاختيار، أو هو إجمالا الإنجاز في إطار معايير حضارة العصر) (24).

ولاشك أن المعركة الدائرة رحاها في الظرف الراهن تتطلب مزيدا من الصمود في مواجهة حضارية حامية قوامها النفس الطويل وعدم استعجال النتائج، وتأمل المستقبل بعين حالمة ويد عاملة وفكر متوقد ووفير البذل والعطاء، ذلك أن (الثورة الحقيقة في العصر الجديد... هي ثورة النفس الطويل، ودون ثورية النفس الطويل لن يحدث تغيير حقيقي، بل مجرد طفرات مؤقتة، وتغييرات لا تلبث أن تزول)(25).

ولن يتحقق فعل الإنجاز في أرقى صوره إلا من خلال رأس المال البشري، باعتباره الركن الركين في أي مشروع نهضوي مثمر، (ولعل أرقى أشكال رأس المال الإنساني، ما يسمى برأس المال الثقافي، الذي يمثل جماع المعرفة ومعين الهوية والخصوصية الإنسانية لطائفة من البشر. ويكتسي رأس المال الثقافي أهمية خاصة في حالة مجموعة البلدان العربية التي يمكن أن تحول الجوانب الإيجابية من إرثها الثقافي المشترك إلى عامل نهضة وعزة، وبالذات على خلفية صدام الحضارات في عصر العولمة) (26).

(وحيث أن نهج التطوير والتغيير قيمة ثقافية وموقف حياتي فإن فعل التطوير تحدده بقوة طبيعة القيم الثقافية السائدة في المجتمع، مثلما تحدده تطلعات المجتمع واتجاه استجاباته، ونظرته أو تأويله للتحديات، ولهذا يمثل التطوير الاجتماعي دالة على طبيعة واتجاه ويحتوي الإدراك البشري وتطلعات ومواقف وقيم البشر وتصوراتهم لذواتهم ولدورهم في الحياة كمشروع وجودي)(27). وتأسيسا عليه فإن النهضة الفاعلة والناجحة هي التي تملك خيارا ثقافيا ينبع من الذات ويجسد أصالة المجتمع، ويرتوي من ارثه الحضاري الغني، وفي الوقت نفسه لا يحول هذا الخيار بينه وبين التعامل الإيجابي مع تحولات عصرها ومتغيرات محيطها، واستغلال الكثير من ايجابياتها في خدمة التوجهات التنموية الوطنية.

خاتمة

النهضة خيار لامناص من الانخراط فيه، وبذل الوسع من الجهد في تكريسه واقعا لا خطابا فحسب، بالاستعانة بكل ما تملكه الأمة من ذخيرة حية وطاقة فاعلة في هيئة تعبئة شاملة لشحذ قوة الداخل والتصدي لتحديات الخارج، فقد بات واضحا أن النهضة صناعة وطنية لا وصفة تُستجلب من الخارج، وليست جملة من المظاهر الغربية يتم استنساخها بشكل ارتجالي دونما قراءة لمفردات واقعنا وتقدير متطلباته وفق خطة مدروسة غايتها التخلص النهائي من داء التخلف بمعالجة أسبابه بدل الاكتفاء بالتعامل مع أعراضه فحسب. وتصبح النهضة واقعا حينما تتقدم مسيرة التغير الاجتماعي في المجتمع من الإرادة إلى الفعل، كي تتحول من حلم إلى واقع فمن بديهيات العمل من أجل التغيير، إننا لا نستطيع أن نغير ونؤثر ونفعل إلا إذا عرفنا واقعنا الذي نسعى إلى تغييره، وعرفنا في الوقت نفسه معرفة واضحة وعميقة واقع البلدان المتقدمة التي نسعى إلى اللحاق بها.

إن معجزة التقدم العصري هي قبل كل شيء معجزة منهجية علمية، وقد أقبل العرب في نهضتهم العصرية على العلم ولكنهم لم يقبلوا على المنهج فأصابوا العرض وأخطأوا الجوهر، ذلك أن أي فعل نهضوي لابد أن يستلهم مشروعه التغييري من ذاتية الأمة وخصوصياتها، ويُراعي شبكة علاقتها الاجتماعية والثقافية، ذلك أن مشاريع التحديث التي حاولت القفز على الواقع العربي الإسلامي، بالتركيز على الجانب المظهري في التنمية وتكديس أشياء الآخر بدل استيعاب أفكاره كان مآلها الفشل وكانت سببا في تعطيل مسيرة المجتمع التنموية بدل أن تكون عامل نهضة وتطور، وهذا لا يعني بحال عدم الاستفادة من أحسن ما يملكه الآخر وتوظيفه لصالح تفعيل مشروعنا النهضوي، وإذكاء عملية التفاعل الحضاري في الاختيار الرشيد والواعي المدرك لما يؤخذ ويرد من منظومة الآخر الثقافية والحضارية، ذلك أن التفاعل الحضاري المنتج، والمثاقفة الواعية من أهم سبل النهوض الحضاري.

إن النهضة المنتجة هي تلك الوثبة الواعية بذاتها العاقلة لطبيعة التحولات التي تجري من حولها، هي تلك التي تعي ذاتها وواقعها وظرفها الموضوعي ولا تكون سببا في اغتيال خيارها الثقافي، أو طمس انتمائها الحضاري، ومن خلال هذه القراءة الواعية لمفردات الواقع الذاتي والظرف الموضوعي، تفتح لنفسها أفقا كي تدفع بذلك الواقع إلى الأمام، رافضة لما هو قائم من أوضاع متردية، ساعية للتجديد والإنجاز الذي يتيح لها حضورا أفضل، وأداء أمثل بما يُحقق صالح المجتمع والإنسانية.

* نشر في مجلة النبأ-العدد 85- نيسان 2007 / ربيع الثاني 1428

........................................

المراجــــع:

1- علي الدين هلالي، الفكر الاجتماعي وقضية التنمية، مجلة الدوحة ع114، وزارة الإعلام، دولة قطر، جوان 1985، ص27.

2- ميلاد سبعلي، آليات النهضة في زمن العولمة.

http://www.ssnp.info/thenews/daily/makalat/milad%sebaaly/Milad_24-07-05./ htm.

3- فتحي التريكي، رشيدة التريكي، فلسفة الحداثة، مركز الإنماء القومي، القاهرة، د.ت، ص57.

4-سمير شمس، النهضة برنامج مؤجل دائماً إشكاليات الفكر العربي المعاصر.

http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&article=338175&issue=9878

5-عمر عبيد حسنة، المشاكلة الثقافية (مساهمة في إعادة البناء)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1993، ص98.

6- محمد محفوظ، مفهوم الحداثة قراءة تاريخية، مجلة الكلمة ع15، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، بيروت، ربيع1997، ص53.

7- عمر عبيد حسنة، مرجع سابق، ص100.

8- المرجع نفسه، ص101.

9- أحمد مجدي حجازي، ص139.

10- سالم القمودي، اغتصاب التطبيق، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت ط2 2003، ص121.

11- محمد محفوظ، العولمة الحديثة والوحدة الوطنية، مجلة الكلمة، س3، ع13، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، بيروت، خريف1996، ص64.

12-عبد الحميد أحمد رشوان، التربية والمجتمع، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية، القاهرة، 2002، ص60.

13- عبد اللطيف الحمد، المعرفة كضرورة للتنمية، مجلة العربي، ع545، وزارة الإعلام، دولة الكويت، أفريل2004، ص100.

14- جريدة الحياة اللندنية، 26 ماي 1996.

15- ميلاد سبعلي، المرجع السابق، ص26.

16- إحسان محمد الحسن، أثر التنمية الاجتماعية في تنمية الموارد البشرية في منطقة الخليج العربي، مجلة دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، بغداد، 1979، ص246.

17- عبد المالك مرتاض، العولمة وتدمير الهوية الوطنية، مجلة بونة، ع03، مؤسسة بونة للبحوث والدراسات، عنابة، جوان2005، ص40-41.

18-عامر ذياب التميمي، علاجات التنمية، مجلة العربي، ع482، وزارة الإعلام، دولة الكويت، جانفي 1999، ص41.

19-علي خليفة الكواري، نحو استراتيجية بديلة للتنمية الشاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1985، ص101..

20-المرجع نفسه، ص112.

21- أحمد مجدي حجازي، مرجع سابق، ص137.

22- المرجع نفسه، ص19.

23- النهضة العربية والعولمة.

http://www.arabworldbooks.com/ArabicLiterature/review10.htm

24-لورانس إي و هاريزون، وصمويل بى، هنتجتون، الثقافات وقيم التقدم، ترجمة شوقي جلال، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005، ص12.

25- هشام شرابي، النظام الأبوي، وإشكالية تخلف المجتمع العربي، ترجمة محمود شريح، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، ط4، 2002، ص28.

26- عبدالله عبد الدايم وآخرون، التربية والتنوير في تنمية المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1 2005، ص113.

27-لورانس إي، هاريزون، وصمويل بي، هنتجتون، المرجع السابق، ص14.

اضف تعليق