يحتاج الإنسان إلى التربية الأسرية، ومن ثم التربية التعليمية، وتُضاف إليهما التربية الدينية التي تتبنى دعم الإنسان أخلاقيا، وفي حال فقد الفرد هذه الأنواع الثلاثة من التربية، فإنه يكون إنسانا هامشيا، ويختفي دوره الاجتماعي، ويبدو للآخرين ولنفسه أيضا بأنه فائض عن الحاجة كونه غير قادر على إنتاج أي شيء مادي ملموس أو فكري...
مفهوم التربية له أبعاد متعددة، تنتهي كلها نحو هدف واحد هو صنع الإنسان الجيد والناجح في الحياة، وللتربية أنواع مختلفة، كلها تتعاضد أيضا لتُسهِم في بناء فرد ومجتمع صالح، فهناك التربية الأسرية، وهي الأساس الذي تقوم عليه عملية صنع الإنسان الجيد، لدرجة يمكن القول أن الفشل إذا طال التربية الأسرية، فإن جميع أنواع التربية الأخرى لا يكون لها تأثير مكتمل في بناء سمات وصفات الإنسان الجيد.
التربية بحسب ذوي الاهتمام (تشتمل على تعليم وتعلم مهارات معينة، والتي تكون – أحيانًا- مهارات غير مادية، ولكنها جوهرية، مثل القدرة على نقل المعرفة، والقدرة الصحيحة على تقييم الأمور المختلفة، والحكمة الجيدة في المواقف المتنوعة، ومن السمات الواضحة للتربية هي المقدرة على نقل الثقافة من جيل إلى آخر).
لغويا يتم اشتقاق مفردة التربية من أصول ثلاثة هي:
الأصل الأوّل: ربا يربو، بمعنى زاد ونما. الأصل الثاني: رَبّ يَرُب بوزن مدّ يمُدّ، بمعنى أصلحه، وتولّى أمره، وساسه وقام عليه يُقال: ربَّ الشيء إذا أصلحه، وربّيتُ القوم أي: سُستَهم. الأصل الثالث: رَبِي يَربىَ على وزن خَفِي يَخْفَى، بمعنى نشأ وترعرع وهم زينة للآباء في الدنيا وذُخر لهم في الدار الآخرة.
كيف نحارب القصور التربوي؟
من أنواع التربية الأخرى بالإضافة إلى التربية الأسرية، تربية المؤسسات الحكومية للأفراد، كما تفعل المدارس والجامعات، وهذا النوع التربوي ينحصر بالعملية التعليمية، أي يتم تربية الإنسان عبر التعليم في المدارس والجامعات، وهذا النوع يُسهم بقوة في بناء الفرد المتعلم الذي يكون ذا قدرة على المشاركة الإنتاجية الفاعلة في المجتمع، على العكس من الفرد غير المتعلّم الذي غالبا ما يكون عاجزا عن الإنتاج الجيد.
ومن الأنواع التربوية المهمة أيضا، التربية الدينية، حيث يتم تأهيل وتطوير الفرد دينيا، بعد أن تتم عملية احتضانه من قبل مدارس دينية، مهمتها زرع المبادئ والتعاليم الأخلاقية التي يحث عليها الدين، ويجعلها من أولويات الإنسان لكي يكون ناجحا، وفي حال فقدانه لها، فسوف يكون فقيرا من حيث الجانب التربوي.
إذًا يحتاج الإنسان إلى التربية الأسرية، ومن ثم التربية التعليمية، وتُضاف إليهما التربية الدينية التي تتبنى دعم الإنسان أخلاقيا، وفي حال فقد الفرد هذه الأنواع الثلاثة من التربية، فإنه يكون إنسانا هامشيا، ويختفي دوره الاجتماعي، ويبدو للآخرين ولنفسه أيضا بأنه فائض عن الحاجة كونه غير قادر على إنتاج أي شيء مادي ملموس أو فكري.
الإنسان الذي لم يحصل على فرصة التربية المتكاملة (أسرية، تعليمية، دينية)، سوف يكون عبئا على المجتمع وعلى نفسه بل وعلى الحياة برمّتها، وهذا النوع من الناس (غير الحاصلين على الدعم التربوي المطلوب)، يشبّههم المختصون بالقضبان المعرقلة لسير عجلة التقدم، فهؤلاء مع جهلهم لا يقفون مكتوفي الأيدي، ولا يركنون إلى السكون والاستسلام، بل غالبا يشكلون قوى متمردة على مسيرة المجتمع والحياة.
تمرّد غير المتربين يظهر على شكل معرقلات بعضها يصل إلى درجة عالية من الخطورة، لاسيما عندما تكون نسبتهم عالية في المجتمع، فكلما كثر غير المتربين جيدا تكثر مشاكل المجتمع، وهو واقع ملموس في المجتمعات المتأخرة، ومنها العراق على سبيل المثال، فهناك نسبة غير قليلة من الأشخاص غير الحاصلين على فرصة التربية المتكاملة أو حتى الجزئية، وهذا يعني وجود قوة معرقلة لعجلة التقدم للدولة والمجتمع.
متى يكون الإنسان فائضا؟
وهذا ما يحصل الآن في العراق وفي دول مشابهة له في الظروف الاجتماعية والسياسية والتربوية، فكل مجتمع تكون نسبة فقره التربوي عالية، تكون نسبة تخلفه عالية، ونسبة مشاكله عالية أيضا، بسبب حالات التمرد والفوضى التي يحاول أن يصنعها هؤلاء في الحياة العامة، وهو أمر مثبت واقعيا.
إن الإنسان عندما يجد نفسه فائضا عن الحياة، وغير مرغوب به بسبب جهله أو فقدانه (ظلما) لفرصته التربوية الأسرية والتعليمية والدينية، فإنه سوف يحتجّ على هذا الفقر الذي أصابه لأسباب قد لا يكون مشتركا بها.
فأسباب فقدان الفرص التربوية ليست ذاتية في الغالب، وإنما يفقدها الإنسان بسبب (أسرته) التي تدفع به إلى (عمالة الأطفال) بسبب العوز أو بسبب عدم تحمّل الأب المسؤولية الأخلاقية والتربوية لأبنائه، ولأنه يفقد فرصة التربية السليمة في الأسرة، فإنه سوف يفقد فرصة التعليم بشكل آلي أو تحصيل حاصل، وهذا الفقدان يؤدي بدوره إلى فقدان فرصة التربية الدينية الصحيحة.
وهكذا نكون أمام فرد فقير تربويا بشكل كامل، فهو غير مربّى أسريا بشكل صحيح، وفاقد للتربية التعليمية، ولم يحصل على فرصته الأساسية في التربية الدينية الجيدة، وبهذه الطريقة يكون المجتمع قد ساهم عن قصد أو من دونه في صنع إنسان فاقد للتربية بشكل شامل، وفقير تربويا، ليصبح بالنتيجة عالةً على نفسه وأسرته ومجتمعه أيضا.
لذا يجب أن يكون الحرص على تخليص الناس من الفقر التربوي من الأهداف الأساسية للأسرة، والمجتمع، والحكومة، ولكل الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالجهد التربوي، حتى نصل إلى بناء مجتمع متقدم مستقر ومزدهر، عبر توفير الفرص التربوية للجميع من دون استثناء.
اضف تعليق