تساؤل يطرحه الامام الشيرازي الراحل في كتابه (الصياغة الجديدة) ثم يتساءل ايضا: هل عالمنا هو عالم العقلاء، أم عالم المجانين؟
انشغل العالم قبل ايام بالذكرى السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية، في وقت لم تخمد فيه نيران الحرب في شرق أوكرانيا، ويخيم شبح الجهاد المتأسلم المتطرف على القارة، وهناك الكثير من بؤر النزاعات في العالم.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال خلال خطابه الإسبوعي «فلنبقى موحدين إلى جانب حلفائنا في أوروبا وأبعد منها باسم قيمنا المشتركة: الحرية والأمن والديموقراطية وحقوق الإنسان... ضد التعصب والكراهية بكافة أشكالها، وذلك ليكسب هذا القسم معنى: لن ننسى، لن يتكرر هذا أبدا».
هل فعلا ان العالم لم ينس تلك الحرب، وانها لن تتكرر في اوربا او غيرها من اماكن؟
اذا كانت حربا مثل الحرب العالمية الثانية قد لاتتكرر في اوربا، فلا يمكن القول باستحالة تكرارها في اماكن اخرى، لم تتعظ من التجارب او الحروب التي اندلعت فيها، وخلفت الكثير من الضحايا، قتلى ومهجرين.
اذا كانت الحروب تنتهي بتوقف اصوات البنادق والمدافع، فان ثمة جانب اخر لايتوقف ولاينتهي، بل يستمر بعدها، وكأنه دفع لأثمان متبقية للحروب والنزاعات، كما نشهد ذلك في بلداننا، وخاصة في ما يتعلق بقضايا التهجير التي تطال الالاف من المواطنين نتيجة النزاعات والحروب.
يمثل المجموع الكلي لعدد النازحين جراء الحروب والنزاعات في جميع أنحاء العالم والذي وصل إلى 51.2 مليون نازح قسرا ، عددا كبيرا من الناس في حاجة للمساعدة.
وقد سلطت صحيفة الجارديان البريطانية قبل مدة الضوء على غرق العبارتين الإيطاليتين والتي كان على متنها مئات المهاجرين بدون طاقم عمل على سطحها.
ونقلت الصحيفة عن لسان بعض الخبراء إن "غرق هاتين العبارتين ما هو سوى دليل على أكبر موجة من المهاجرين يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية".
ولفتت الصحيفة إلى أن "الحروب التي شهدتها سوريا وليبيا والعراق، وموجات القمع العنيفة في أريتريا وتصاعد وتيرة الاضطرابات في العالم العربي ساهمت بشكل كبير في تهجير ما يقارب 16.7 مليون حول العالم".
وأشارت الصحيفة إلى أن "أكثر من 33.3 مليون شخصًا نزحوا داخليًا بعد ما دمرت الحرب بلدانهم، وأجبرت الكثير من ذوي الأصول الشرق أوسطية، أن يعبروا المتوسط متخذين طرقًا وعرة كل ذلك أملًا في حياة أفضل في أوروبا".
ويعزى هذا الارتفاع الهائل في اعداد المهجرين أساسا إلى الحرب في سوريا، والتي أجبرت 2.5 مليون شخص على اللجوء وتشريد 6.5 مليون داخل سوريا في نهاية العام الماضي. وشهدت أفريقيا أيضاً موجات نزوح جديدة رئيسية خاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان.
في طول وعرض العالم الإسلامي، اضطر ملايين الأشخاص إلى الفرار من منازلهم ومجتمعاتهم لأسباب متعددة منها: الحروب الأهلية، والصراعات بين الدول، والحملات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، إعصار تسونامي، الزلازل، وعدد لا حصر له من الكوارث الأخرى. فقد قام العديد منهم بعبور الحدود الوطنية للعيش في البلدان المجاورة كلاجئين. أما العديد منهم ممن يعيشون داخل حدود بلادهم فلا يزالون في تعداد المهجرين داخليًا. فالبعض منهم مهجرين بشكل مؤقت ويمكنهم العودة إلى مجتمعاتهم حينما تضع الصراعات أوزارها أو عندما تتراجع مياه الفيضانات. لكن الغالبية العظمى منهم يعيشون على مدى العديد من الأعوام كلاجئين في بلاد أخرى أو مهجرين داخليًا. يرى البعض أن مشكلة التهجير استمرت على مدى العديد من الأجيال.
تمثل السودان إحدى البلدان التي تعاني في الوقت الحالي من زيادة أعداد الأشخاص المهجرين – أكثر من نصف مليون لاجئ وقرابة ستة ملايين من المهجرين داخليًا. فلقد نزح السودانيون فرارًا من العديد من الحروب الأهلية والنتائج المدمرة لتغير المناخ، بما فيها الفيضانات وأشكال الجفاف والمجاعات. في منطقة شرق دارفور وحدها، هناك مليوني شخص من المهجرين داخليًا نتيجة الصراع، تعتمد الغالبية منهم على المساعدات الإنسانية الخارجية للبقاء على قيد الحياة.
تأثرت أيضًا جنوب آسيا وبشكل خاص من جراء التهجير واسع النطاق. فيما يتعلق باللاجئين تحت تفويض الهيئة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR) (بخلاف الفلسطينيين)، كانت أفغانستان هي كبرى بلاد منشأ تصدير اللاجئين مع نهاية 2007، حيث استضافت باكستان وإيران 3.1 مليون لاجئ. هذا بالإضافة إلى تهجير 200.000 آخر من الأفغان داخل بلادهم؛ تم تهجير العديد منهم عدة مرات ولا يمكنهم العودة إلى مجتمعاتهم نتيجة غياب الأمن هناك. الجدير بالذكر أن إجمالي عدد اللاجئين العراقيين والأفغان عام 2007 كان يمثل نصف تعداد اللاجئين على مستوى العالم التابعين للهيئة العليا لشئون اللاجئين والإغاثة التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من المهجرين داخليًا في أنحاء دول منظمة المؤتمر الإسلامي (OIC) أيضًا. وبصرف النظر عن السودان والعراق، اللتان تأويان إجمالي 8.8 مليون من المهجرين داخليًا، فإن البلدان مثل تركيا، أوغندا، والصومال يوجد بكل منها ما يقرب من 1 مليون من المهجرين داخليًا. أما أذربيجان وبنجلادش وساحل العاج فهي تأوي أكثر من نصف مليون مهجّر. والعديد من مجتمعات العالم الإسلامي تأوي تجمعات أعداد كبيرة من السكان اللاجئين أيضًا. ومن بين أكبر البلدان التي كانت تأوي اللاجئين في العالم عام 2007 هي الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي (OIC). باكستان، سوريا، وإيران . فقد أعلنت جميعًا عن وجود تسعة إلى عشرة ملايين لاجئ في العالم الإسلامي، وما لا يقل عن 14 مليون من الأشخاص المهجرين داخليًا. وهذا يعني أن هناك لاجئ واحد من بين كل 140 شخص في العالم العربي، فضلًا عن شخص من المهجرين داخليًا من بين كل 100 شخص. لو كان هذا هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية، لكان هناك مليوني لاجئ أميركي، إلى جانب ثلاثة ملايين من الأشخاص المهجرين داخليًا.
العالم ليس سليم الصياغة، وهو عالم يقوده المجانين، وطالما ان عالمنا هو كذلك، فان المآسي قابلة للتكرار والاعادة.
اضف تعليق