يعيش الحاكم العربي فترة طويلة أكثر من أي حاكم في العالم، يأتي عن طريق انقلاب عسكري او حرب أهلية، يستولي على السلطة تحت يافطة توفير الامن والاستقرار للبلد، وتحقيق الرفاه الاقتصادي، ويشترك حكام الجمهوريات العربية بان خلفياتهم عسكرية، وولدت ولاياتهم الرئاسية عن طريق الانقلاب...
يعيش الحاكم العربي فترة طويلة أكثر من أي حاكم في العالم، يأتي عن طريق انقلاب عسكري او حرب أهلية، يستولي على السلطة تحت يافطة توفير الامن والاستقرار للبلد، وتحقيق الرفاه الاقتصادي، ويشترك حكام الجمهوريات العربية بان خلفياتهم عسكرية، وولدت ولاياتهم الرئاسية عن طريق الانقلاب.
الحاكم العسكري يختزل الدولة باسمه، ويصبح الرمز الوطني الأوحد، او هو رمز الوطن، واهانته تعني إهانة الوطن العظيم الذي لا تستطيع دولة في العالم ان تصل الى ما وصل اليه من تقدم اقتصادي وسياسي، ولهذا السبب تقوم الدول الامبريالية بحياكة المؤامرات بالتعاون مع الصهيونية والماسونية العالمية، من اجل تدمير المنجزات الكبرى للجمهورية. هذا هو لسان حال الخطاب الإعلامي للحاكم العسكري الانقلابي.
لم يتعود العرب على وجود انتخابات حرة، ولا عملية تبادل سلمي للسلطة، لذلك كانت احداث الربيع العربي عام 2011 علامة فارقة، باعتبارها مرحلة تاسيسية لتاريخ جديد تبنيه الشعوب العربية، بدل التاريخ الذي كتبت سطوره الديكتاتوريات، ولا يزال المخاض في مراحله الأولى، اذ تعاني ليبيا من انهيار تام للدولة، واليمن لا تختلف عنها في البؤس الموت والخراب، اما مصر فقد عاد العسكر ليحكم قبضته اشد مما كانت قبل الثورة، وفي سوريا فان الحرب تحولت الى صراع نفوذ عالمي، والحجة دائما موجودة، تحت ذريعة حفظ الامن والاستقرار، او محاربة الارهاب.
ربما كانت الحالة التونسية هي الاستثناء الوحيد في الربيع العربي، وربما لان ثورتها لم تاتي من ردة فعل عاطفية، بقدر ما جاءت من إحساس حقيقي شعر به الشعب التونسي، بالإضافة الى التقدم الذي وصلت اليه البلاد نتيجة احتكاكها بالثقافة الغربية.
اليوم تاتي المرحلة الثانية من الربيع العربي، في الجزائر سقط عبد العزيز بوتفليه، وهو ممد قرب قبره، بعد سنوات من التمسك بعرش السلطة مُقْعَدٌ مريضٌ لا يقوى على شيء سوى قمع شعبه، وفي السودان عزل الرئيس عمر البشير، بامر من الجيش.
ما يلاحظ في الحالتين الجزائرية والسودانية، ان الجيش هو من كان صاحب المبادرة وكأنه اخذ الدرس المصري، وطبقه بكل حذافيره، فالقيادات العليا من الجيش، التي تسيطر فعليا على مقاليد السلطة بالتعاون مع الرئيس، ترى ان مراكزها مهددة وان سبب هذا التهديد هو الرئيس نفسه الذي كان حاميا لها في يوم من الأيام.
ومن اجل التخلص من الضغط فان قرار عزل الرئس يحقق عدة اهداف، ابرزها امتصاص حالة الغضب الشعبي، مع المحافظة على السلطة، عبر تنصيب شخصية من قلب المؤسسة العسكرية، يمكن الاعتماد عليها، حدث ذلك في السودان أعلن وزير الدفاع، عوض بن عوف، ما يسميه "اقتلاع النظام" و"تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان"، وأعطى وعدا بتهيئة المناخ للانتقال السلمي للسلطة وبناء الأحزاب السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
لكن الفترة الانتقالية لم تعمر سوى يوم واحد، فاعلن رئيس المجلس العسكري السوداني عوض بن عوف استقالته، تبعه بيوم واحد الفريق أول، صلاح قوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطنية وقدم استقالته يوم الاحد.
السودان هي حالة صغيرة للجمهوريات العربية التي تعتمد شروط القائد المفكر الذي يحفظه الله ويطيل في عمره من اجل اصلاح حال البلاد، فهذا الحاكم المقدس لا يترك صغيرة ولا كبيرة الا وامسكها من خلال رجال سلطته، ما يجعل الشعب مثل الطفل المحروم من اساسيات العيش الكريم، تجده مهزوزا لا يجيد فن التفرقة بين الأبيض والأسود، او الجيد من السيء.
هذه الحلقة الدائرية في التغيير لها جذور، فالعالم العربي لا يعرف التغيير الحقيقي، ذلك النابع من تغيير بنية المؤسسات وليس الشخوص، الشعوب العربية تتعود على السلطوية لذلك حتى مطالبها تكون سلطوية، لا تطالب الا باستقالة رأس السلطة، وباسمه شخصيا، وكان نهايته تعني نهاية المصائب.
وبالطبع هذه الثقافة السلطوية التي ترى التغيير في الأشخاص فقط، نابعة من تلك الممارسات الخاطئة التي يرسخها العسكر خلال سنوات حكمه عبر اختصار تقدم الدولة كلها او تاخرها بوجود شخص الرئيس، والشعوب الممنوعة من السؤال عن الأشياء التي تحدث امامها لا يمكنها التفكير خارج نطاق الصندوق الذي وضعت فيه.
الشعب يكون داخل صندوق محكم، والرئيس يقف حارسا على ذلك الصندوق لسنوات، وكانه اغتنم كنزا ثمينا، لكن القِدْرَ لا بد له ان يغلي، والرئيس لا بد له ان ينزل من فوق اكتاف شعبه، ولان الضغط شديد على الشعب، تجد الحاكم يتحول من رئيس مبجل يحفظه الله، الى شخص يُنْعَتُ بالمقبور، والديكتاتور، والسارق، وكل الاوصاف السيئة.
نهاية الرئيس الديكتاتور هي بداية لفوضى عارمة كما هو حال ليبيا، او ولادة حكومة عسكرية جديدة كما هو حال مصر، لا يصنع الحاكم العسكرية مؤسسات مدنية، انما يشد الحبل على شعبه ويدمر كل مظاهر التقدم والازدهار الاقتصادي والنظام السياسي.
اضف تعليق