هل تعلم قناة العربية أن لعبة (المرايا) استنفدت مفعولها من خلال استهلاكها في الكتابات والتنظيرات النقدية الادبية والثقافية، حتى تطلق برنامجاً من 10 دقائق أو أكثر بقليل لبث المغالطات؟، قناة العربية تعرف جيداً ــ والقائمون عليها يعرفون كذلك ــ أن الضخ الاعلامي المكثف خلال الحرب المشتعلة مذهبياً في المنطقة للحد مما تعتبره صعوداً (شيعياً) قد باء بالفشل...
أن تتعرض بالنقد والتحليل لحالة معينة وانت تظهر على شاشة فضائية؛ فهذا يعني أنك إزاء مسؤولية أخلاقية تتعلق بأبجديات العمل الصحفي. والفكرة المراد نقدها أو تحليلها تحتاج منك إلماماً معرفياً وثقافة ولو بدرجة متوسطة للحديث عنها. أما أنك تنقد وتحلل بجمل إنشائية ومغالطات تجعلك متناقضاً أمام شاشة يتابعها الملايين فقط لإرضاء منهج إعلامي مُضلل صار من أيقونات الفبركة الاعلامية؛ فهذا معناه أن خللاً كبيراً في أخلاقيات العمل الاعلامي تعاني منه. هل تعلم قناة العربية أن لعبة (المرايا) استنفدت مفعولها من خلال استهلاكها في الكتابات والتنظيرات النقدية الادبية والثقافية، حتى تطلق برنامجاً من 10 دقائق أو أكثر بقليل لبث المغالطات؟
قناة العربية تعرف جيداً ــ والقائمون عليها يعرفون كذلك ــ أن الضخ الاعلامي المكثف خلال الحرب المشتعلة مذهبياً في المنطقة للحد مما تعتبره صعوداً (شيعياً) قد باء بالفشل. والفشل الاعلامي تبع الفشل العسكري الذريع لأجنحة التطرف والعنف التكفيري في العراق وسوريا، فعمدت إلى الاستغناء عن حالة ضرب النوع بالضد، لتنتقل إلى استراتيجية ضرب النوع بالنوع نفسه. وطالما أن النوع (الشيعي) الذي بُذلت من أجل تحجيم دوره المتنامي الأموال والاعلام لم يتحجم حتى مع انتشار جراد الفقه المنحرف ممثلاً بتنظيمات القاعدة وداعش وغيرها؛ كان لابد من طريقة جديدة تحجم هذا الدور.
منطق النمل
ظهر مقدم برنامج (مرايا) في العربية مزهواً وكأنه بصدد فتح فكري ومعرفي حين تناول تياراً شيعياً كتيار الشيرازية. الاستراتيجية تحتم أن يُضرب التشيع بتيار شيعي له خصوصيته المعروفة على مستوى الفكر. وهذا الجانب الفكري أغفلته (مرايا) العربية المزججة بالأكاذيب التي يمكن أن تُكسر بنفخة هواء قصيرة وليس بحصى!
يتطرق مقدم البرنامج المؤدلج لقضية الخلاف (الفقهي) بين مؤيدي نظرية ولاية الفقيه التي تم اعتمادها بعد نجاح الثورة في إيران والقضاء على حكم (الشاه بهلوي)، وبين نظرية (شورى الفقهاء) التي اعتمدها مرجع الشيرازية الراحل السيد (محمد الشيرازي)، وفي تطرقه للفكرتين بانت على المقدم سذاجة وسطحية معرفية فشلت لباقته المصطنعة في إخفائها حتى مع اجتهاده المضحك في أن الخلاف بين السيد محمد الشيرازي والسيد الخميني خلاف شخصي تمثل بطموح الأول في الزعامة خصوصاً وأنه رجل ثوري وتياره الشيرازي ــ بحسب المقدم ــ يمثل صقور الثورة الاسلامية في إيران. ورب سائل يسأل: لو كان السيد محمد الشيرازي فعلاً يطمح لزعامة نظام ولاية الفقيه، أليس الأولى به غض النظر عن اعتراضاته وتحفظاته والاستغناء عن فكرة (شورى الفقهاء) طالما هو وتياره من صقور الثورة، فلماذا لا يستغل (صقورية) تياره ومكانته في الثورة فيحصل على مبتغاه بالزعامة؟ كيف سيجيب مقدمنا (الحاذق) على هذه الإشكالية الواقعية التي قد تطرح؟
مؤلفات السيد الشيرازي
في مقطع آخر من هذا (السيرك) الاعلامي العبثي، يظهر مقدم البرنامج ساخراً من توصيفات البعض المادحة لمؤلفات المرجع الشيرازي الكثيرة، خصوصاً تلك التي حاور من خلالها مستجدات الحياة بالمنطق الفقهي، في حين أن المهنية الاعلامية تحتم على الاعلامي الحقيقي أن يقف في المنطقة الوسط بين من يؤيد هذه المؤلفات ومن يعارضها. فالذين أظهرهم البرنامج مادحين لمؤلفات المرجع الشيرازي لم يقولوا عند هذه المؤلفات تتوقف الحياة، ولم يقولوا أنها الكمال المطلق، انما تحدثوا عن وجهات نظرهم في الذي قرأوه، ألسنا أمة (إقرأ)؟ وكان الأحرى بالمقدم أو القناة أن يستضيفوا أشخاصاً آخرين قرأوا المؤلفات واختلفوا معها فيكون الحوار هنا معرفياً ونافعاً للمشاهد، لكن المسعى والهدف كان واضحاً من استضافة شخصين قارئين للمؤلفات من أجل تسقيط الجهد العلمي والفكري لمرجع الشيرازية بكلمات ساخرة من هذين القارئين لا حظ ولا نصيب لها من آليات التحاور الثقافي.
ظاهرة ياسر الحبيب
ومثل كل مرة، وحين يخيب المسعى من غير فائدة مرجوة لما يتم تبنيه من استراتيجيات، تبدأ إعادة حلقات المسلسل المكرر والممل في التركيز على ظاهرة فردية تمثل فكرة معينة، ثم يتم تعميمها على انها أصل الفكرة.
قناة العربية في مراياها الكفيفة أظهرت (ياسر الحبيب) الشيخ الكويتي المعمم وصاحب قناة (فدك) على انه من أقطاب ورموز الفكر الشيرازي متجاهلة البيانات الصريحة الصادرة من المرجعية الشيرازية من أن ما يصدر عنه يمثل رايه الشخصي ولا يمثل التوجهات المعلنة للخط الشيرازي. لكن كما قلنا، لمرايا العربية هدف واضح، ومسعى أخفقت في إخفائه، مثلما أخفقت في ستر تناقضها حين تعرضت لحجم هذا التيار وخصوصاً في منطقة الخليج ــ شرق السعودية تحديداً ــ حين اعتبرت أنه ليس بالحجم الكبير في الوقت الذي أشارت إلى الإمكانات المالية والمؤسسات المتنوعة بعناوينها فكرياً وثقافياً واجتماعياً وتتبنى الفكر الشيرازي فكان التناقض الفاضح.
لقد بان من خلال هذه العشر دقائق أن الجهات التي تمول قناة العربية، ومن خلفها أصحاب الأجندات التي ترتبط بها القناة، وبما لا يقبل اللبس التخوف من تنامي الدور الفكري السلمي للفكر الشيرازي، وهو الدور الذي بدأ من فكرة (اللاعنف) التي تبناها السيد (محمد الشيرازي) كخيار إنساني لتفاعل المكونات الحضارية. وهي الفكرة التي تحولت إلى سلوك فعلي وليس لمجرد التنظير فقط، وقد كُتبت عن هذه الفكرة الدراسات والكتب التي غفلت أو تغافلت عنها (مرايا) العربية.
المطب الذي وقع فيه البرنامج تمثل في تعميم ظاهرة (ياسر الحبيب) على مجمل الخط الشيرازي وهو ما لا يقبله عقل ولا منطق، وربما غاب عنها بسبب سطحيتها وسذاجتها المعرفية أن كل التيارات الفكرية الفاعلة يمكن أن تظهر بينها أصوات تختلف في المنهج والرؤى، ويتواجد فيها من يتزمت في رأيه، ومن يقبل بالآخر المختلف وهناك شواهد كثيرة في هذا الموضوع، ولكن أنى للمرايا التي تكسوها رمال التطرف أن تعي؟ أنى لها وهي لحد هذه اللحظة لا تريد الاعتراف بهزيمة الكثافة التي فبركت بها الأحداث، والهزيمة التي مُنيت الموارد البشرية العنفية في العراق وسوريا، وفشل مشروع عرّابي التكفير باليمن؟
إن الدراسة الموضوعية، والتحليل المنصف لأفكار التيارات المختلفة؛ هو أفضل لاشك من اعتماد منهج تسقيطي لن ينفع بشيء، بقدر مايساهم في زيادة مساحة الضباب الفكري من جهة، ويضع مزيداً من علامات الاستفهام على الآليات النقدية التضليلية.
التسقيط ظاهرة اجتماعية يتبناها من لا سلاح لديه لمواجهة خصمه، وهي نوع من أنواع (الحرب النفسية) التي دخل الاعلام المؤدلج على خطها بقوة، من خلال إدارة تضرب المعايير المهنية بعرض الجدار.
اضف تعليق