عندما بُعث النبي (ص) عمد إلى اصلاح المجتمع وإخراجه من ظلمات الجاهلية الأولى، وعلى هذا النهج القويم سارت ابنته وبضعته وريحانته، فإنها لمّا رأت المجتمع الإسلامي بعد أبيها ارتدّ عن الخط القويم وانقلبت الأمة على أعقابها سجّلت موقفها التأريخي إزاء ذلك. كانت كأبيها حريص على الأمة بالمؤمنين رؤوف رحيم...

كثير من أهل القلم طرقوا أبواباً مختلفة حول السيدة الزهراء (عليها السلام) وأثروا العالم الإسلامي بكتاباتهم القيّمة التي ساهمت بشكل كبير في بيان عظمة هذه السيدة الجليلة.

ومع الأسف الشديد مازال العالم حتى اليوم يجهل الكثير من الجوانب المهمّة من حياة الصديقة الزهراء (عليها السلام)، فمازال كثير من الناس يجهلون دور هذه الصدّيقة في حفظ الإسلام، والعديد منهم لا يعرف شيئاً عن دورها الفاعل إزاء انحراف المجتمع الإسلامي بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

من هنا وجدت من الجدير أن أُشير إلى بعض المقتطفات العابرة حول موقف الصديقة فاطمة (عليها السلام) إزاء انحراف المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكيف أنّها أرادت للمجتمع الإسلامي أن يعيش تحت ظل السعادة التي جاء بها الإسلام وأكد عليها رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله).

حقائق عن المجتمع الجاهلي

قبل أن نسلّط الأضواء على موقف السيّدة الزهراء (عليها السلام) إزاء انحراف المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بأس أن نُلقي نظرة عابرة على حال المجتمع قبل مجيء الإسلام، فقد ذكرت السيّدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الغرّاء حال المجتمع قبل عهد الإسلام، فقالت: فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها (1).

وقالت في موضع آخر من خطبتها الغرّاء: وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم (2).

حرص السيدة الزهراء (عليها السلام) على صلاح المجتمع

عندما بُعث النبي (صلى الله عليه وآله) عمد إلى اصلاح المجتمع وإخراجه من ظلمات الجاهلية الأولى، وإلى ذلك تشير الصديقة الزهراء (عليها السلام) بقولها: فَأَنَارَ اللَّهُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ظُلَمَهَا، وَكَشَفَ‏ عَنِ‏ الْقُلُوبِ‏ بُهَمَهَا، وَجَلَى عَنِ الْأَبْصَارِ غُمَمَهَا، وَقَامَ فِي النَّاسِ بِالْهِدَايَةِ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنَ الْغَوَايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ الْعَمَايَةِ، وَهَدَاهُمْ إِلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ (3).

وعلى هذا النهج القويم سارت ابنته وبضعته وريحانته من الدنيا الصديقة الزهراء (عليها السلام)، فإنها لمّا رأت المجتمع الإسلامي بعد أبيها ارتدّ عن الخط القويم وانقلبت الأمة على أعقابها سجّلت موقفها التأريخي إزاء ذلك المجتمع.

والسؤال هنا: كيف ساهمت الصديقة الطاهرة في إصلاح المجتمع وهي جليسة الدار؟

قبل أن نجيب على السؤال لا بأس أن نشير قضية في غاية الأهمية وهي أنّ السيدة الزهراء (عليها السلام) كانت كأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حريص على الأمة بالمؤمنين رؤوف رحيم، ويشهد لذلك أكثر من شاهد: 

الشاهد الأول: يقول الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟

فقالت: يا بُني ! الجار ثم الدار (4).

الشاهد الثاني: أنها لما سمعت أنّ أباها رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل مهرها دراهم كسائر النساء قالت له: إنّ بنات الناس يتزوجن بالدراهم، فما الفرق بيني وبينهن؟

أسالك أن تردّها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبرئيل ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها (5).

دار فاطمة (عليها السلام) مقصد الرعية

لم تقنع السيدة فاطمة (عليها السلام) بحمل هموم المجتمع فحسب، بل ترجمت ذلك إلى واقع عملي حيّ يلامسه عامة الناس.

ولذا كانت دارها مقصداً ومأوى يقصدها الناس على اختلاف حوائجهم ويحظون بمقاصدهم على أحسن وجه دون أية منّة أو ذلّة أو أذية.

وقد اشتهر بين الناس أنّ هذه الدار أنّ لايخيب من يقصدها بل يرجع بحوائج مقضية وهموم مكشوفة.

بالطبع هذا الأمر غير مقتصر على نيل الحوائج الماديّة فحسب، بل يشمل الحوائج المعنوية، فما من سائل يطرق باب هذه الدار إلا وينال حاجته ويبلغ منيته.

في الخبر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل أصحابه عن المرأة ماهي؟

فقالوا: عورة.

قال: فمتى تكون أدنى من ربها؟

فلم يدروا، فلمّا سمعت فاطمة (عليها السلام)، قالت: أدنى ماتكون من ربّها أن تلزم قعر بيتها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ فاطمة بضعة منّي (6). 

وعن الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليه في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت فأجابتها، ثم ثلّثت إلى عشّرت فأجابت.

ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله، فقالت فاطمة (عليها السلام) هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل علي (7).

أمّا الحوائج الماديّة فحدّث ولا حرج، فإنّ دار فاطمة (عليها السلام) مقصد المحتاجين ومأواهم ما قصدهم طالب حاجة إلا ونال مقصده والشواهد على كثير منها ما نُقل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا يقصده صاحب حاجة يبعثه إلى دار الزهراء (عليها السلام) لعلمه أنها لاترد أحداً ولو لم يكن لديها شيئاً أصلاً، وما ذكر في قضية عقدها المبارك الذي تصدّقت به للمحتاج خير شاهد على ذلك فضلاً عن ما نقل عنها في قضية إطعام الطعام على حبّه للمسكين واليتيم والأسير وتصدقها بثوب زفافها وغير ذلك ممّا يطول به المقام بذكره.

ولكن نذكر القصة التالية ليتضح كيف كانت دار الزهراء (عليها السلام) محط رحال لكل محتاج، يقول أبو هريرة: إنّ رجلاً جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيوت أزواجه، فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال (صلى الله عليه وآله): من لهذا الرجل الليلة؟

فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): أنا يا رسول الله، فأتى فاطمة (عليها السلام) فأعلمها، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية ولكنّا نؤثر به ضيفنا، فقال (عليه السلام): نوّمي الصبية واطفئ السراج، فلما أصبح غدا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم) (8).

موقف السيدة الزهراء (عليها السلام) إزاء انقلاب الأمة

من أهم المواقف التي قامت بها الصديقة الزهراء (عليها السلام) إزاء المجمتع هو موقفها الحاسم بعد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا رأت الأمة قد انقلبت على أعقابها ونحّت الحق عن أهله.

فهي صاحبة المقولة الخالدة: المرأة عورة، وأدنى ماتكون المرأة من ربّها أن تلزم قعر بيتها، ولكنها لمّا اقتضى الأمر خرجت من بيتها كما نقل المؤرّخون بحالة دونها التأريخ في أروع صفحاته، حيث إنها لَاثَتْ‏ خِمَارَهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَاشْتَمَلَتْ بِجِلْبَابِهَا، وَأَقْبَلَتْ فِي لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا وَنِسَاءِ قَوْمِهَا، تَطَأُ ذُيُولَهَا، مَا تَخْرِمُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْر وَهُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ‏، فَنِيطَتْ دُونَهَا مُلَاءَةٌ، فَجَلَسَتْ ثُمَّ أَنَّت‏ (9).

ثم إنها خطبت خطبتها الشهيرة التي أبكت فيها القوم وأنبّت ضمائرهم الميّتة قائلة: 

مَعْشَرَ الْبَقِيَّةِ، وَأَعْضَادَ الْمِلَّةِ، وَحَضَنَةَ الْإِسْلَامِ، مَا هَذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي، وَالسُّنَّةُ عَنْ ظُلَامَتِيَ؟

أَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَمَرَ بِحِفْظِ الْمَرْءِ فِي وُلْدِهِ؟

فَسَرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلَانَ ذَا إِهَالَةٍ.

أَتَقُولُونَ مَاتَ مُحَمَّدٌ فَخَطْبٌ جَلِيلٌ، اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ‏، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ‏، وَفُقِدَ رَاتِقُهُ، فَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَاكْتَابَ خِيَرَةُ اللَّهِ لِمُصِيِبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمَالُ‏، وَخَشَعَتِ الْجِبَالُ، وَأَضْيَعَ الْحَرِيمُ، وَأُذِيلَتِ‏ الْحُرْمَةُ بِمَوْتِ مُحَمَّدٍ، فَتِلْكَ نَازِلَةٌ أَعْلَنَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ فِي أَفْنِيَتِكُمْ مُمْسَاكُمْ وَمُصْبَحَكُمْ هُتَافاً. وَلَقَبِلَ مَا خَلَتْ بِهِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ‏ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‏ ‏(10).

مواضع انحراف المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) 

ولم تقتصر الصديقة الزهراء (عليها السلام) على معاتبة المجتمع الذي انقلب على عقبيه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل حدّدت مواضع الانحراف التي وقع المجتمع فيها ومن ذلك: 

1- خذلانهم لأهل بيت نبيّهم: أول انحراف للمجتمع الإسلامي بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هو اعراضهم عن أهل بيت نبيهم (عليهم السلام) وخذلانهم لهم، وإلى ذلك تشير الزهراء (عليها السلام) بقولها: 

أَبَنِي قَيْلَةَ، أُهْتَضَمُ تُرَاثَ أَبِي وَأَنْتُمْ بِمَرْأًى وَمَسْمَعٍ! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَيَشْمَلُكُمُ الْجُبْنُ، وَفِيكُمْ الْعُدَّةُ وَ الْعَدَدُ، وَلَكُمُ الدَّارُ وَالْجُنَنُ‏ وَأَنْتُمْ نُخْبَةُ اللَّهِ الَّتِي امْتَحَنَ، وَنِحْلَتُهُ الَّتِي انْتَحَلَ، وَخِيَرَتُهُ الَّتِي انْتَخَبَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَنَابَذْتُمْ فِينَا الْعَرَبَ، وَنَاهَضْتُمُ الْأُمَمَ وَ كَافَحْتُمُ الْبُهَمَ، لَا نَبْرَحُ وَتَبْرَحُونَ، وَنَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُون (11).

2- الاعراض عن كتاب الله: أشارت السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الفدكية إلى مخالفة أخرى وقع فيها المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا وهي الاعراض عن كتاب الله عزّ وجل، قالت (عليها السلام): وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظَاهِرَةٌ، وَأَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ، وَأَعْلَامُهُ بَاهِرَةٌ، وَزَوَاجِرُهُ لَائِحَةٌ، وَأَوَامِرُهُ وَاضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، أَرَغْبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ؟، أَمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ؟! بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ (12).

3- الرجوع إلى أحكام الجاهلية: ومن الانحرافات التي ابتلي بها المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو العمل بأحكام الجاهلية حيث إنهم منعوا السيدة الزهراء (عليها السلام) من إرث أبيها مخالفين في ذلك صريح القرآن في مواضع متعددة.

وقد أشارت السيدة الزهراء (عليها السلام) إلى ذلك بقولها: وَأَنْتُمُ الْآنَ تَزْعُمُونَ أَنْ لَا إِرْثَ لَنَا أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏ أَفَلَا تَعْلَمُونَ؟ بَلَى‏ قَدْ تَجَلَّى‏ لَكُمْ‏ كَالشَّمْسِ‏ الضَّاحِيَةِ أَنِّي ابْنَتُهُ (13).

أسباب انحراف الأمة

ثم إنها (عليها السلام) في خطبتها القيّمة شخّصت أسباب انحراف المجتمع ومنها: 

1- حسيكة النفاق: أول سبب لانحراف المجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ذكرت السيدة الزهراء (عليها السلام) هو ضغائن المنافقين الذين كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر، قالت (عليها السلام): فَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ‏ لِنَبِيِّهِ‏ دَارَ أَنْبِيَائِهِ وَ مَأْوَى أَصْفِيَائِهِ ظَهَرَ فِيكُمْ حَسَكَةُ النِّفَاقِ (14).

2- تحريض الشيطان: وهذا ما يظهر من قولها (عليها السلام): وَأَطْلَعَ الشَّيْطَانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرَزِهِ هَاتِفاً بِكُمْ فَأَلْفَاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجِيبِينَ وَلِلْعِزَّةِ فِيهِ مُلَاحِظِينَ، ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفَافاً وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفَاكُمْ غِضَاباً فَوَسَمْتُمْ غَيْرَ إِبِلِكُمْ وَ وَرَدْتُمْ غَيْرَ مَشْرَبِكُمْ (15).

وقالت (عليها السلام) في موضع آخر: ثُمَّ أَخَذْتُمْ تُورُونَ‏ وَقْدَتَهَا وَ تُهَيِّجُونَ جَمْرَتَهَا وَ تَسْتَجِيبُونَ لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ الْغَوِي‏ (16).

3- تسويل النفوس: وهذا سبب آخر لانحراف المجتمع بعد النبي (صلى الله عليه وآله) أشارت إليه السيدة الزهراء (عليها السلام) بقولها: كَلَّا بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً (17).

4- رين القلوب: ومن الأسباب أيضاً التي جعلت المجتمع ينقلب على عقبيه هو مرض القلوب ورينها، وقد أشارت السيدة الزهراء (عليها السلام) إلى ذلك بقولها: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَا أَسَأْتُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ- فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصَارِكُمْ وَلَبِئْسَ مَا تَأَوَّلْتُمْ وَسَاءَ مَا بِهِ أَشَرْتُمْ وَشَرُّ مَا مِنْهُ اغْتَصَبْتُم‏ (18).

التحاكم إلى القرآن الكريم

ولمّا آيست السيدة الزهراء (عليها السلام) من رجوع القوم عن غيّهم وعودتهم عن انحرافهم خاصمتهم وحكمتهم بصريح نصوص القرآن الكريم الدالة على إرث الأبناء وذلك في آيات متعددة، قالت (عليها السلام): أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَ أُغْلَبُ عَلَى إِرْثِي يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ أَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَرِثُ أَبَاكَ وَلَا أَرِثُ أَبِي لَقَدْ جِئْتَ‏ شَيْئاً فَرِيًّا أَ فَعَلَى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتَابَ اللَّهِ وَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ إِذْ يَقُولُ: (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ)، وَقَالَ فِيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إِذْ قَال: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ‏)، وَقَالَ‏: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ)، وَقَالَ‏: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، وَقَالَ: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (19).

عاقبة الانحراف

ثم إنها (عليها السلام) أخبرت المجتمع بعاقبة ومغبة هذا الانحراف العظيم، فقالت: وَلَبِئْسَ مَا تَأَوَّلْتُمْ وَ سَاءَ مَا بِهِ أَشَرْتُمْ وَ شَرُّ مَا مِنْهُ اغْتَصَبْتُمْ لَتَجِدُنَّ وَ اللَّهِ مَحْمِلَهُ ثَقِيلًا وَ غِبَّهُ وَبِيلًا إِذَا كُشِفَ لَكُمُ الْغِطَاءُ وَ بَانَ بإورائه ِإِدْرَائِهِ‏ الضَّرَّاءُ وَ بَدَا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَحْتَسِبُونَ‏ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُون‏ (20).

فسلام الله عليك يا بضعة النبي المختار ويا زوجة المرتضى الكرار يوم ولدت ويوم وقفت أمام انحراف المجتمع ويوم تبعثين في الحشر راضية مرضية.

............................................

 (1) بلاغات النساء ص27.

 (2) السقيفة وفدك ص140.

 (3) دلائل الإمامة ص112.

 (4) بحار الأنوار ج43 ص 82. 

 (5) إحقاق الحق ج10 ص 367. 

 (6) بحار الأنوار ج 34 ص91.

 (7) بحار الأنوار ج 2ص3. 

 (8) بحار الأنوار ج 63 ص 59.

 (9) الاحتجاج ج1 ص98.

 (10) دلائل الإمامة ص120.

 (11) کشف الغمة ج1 ص491.

 (12) غرر الأخبار ص321.

 (13) الاحتجاج ج1 ص102.

 (14) بحار الأنوار ج29 ص225.

 (15) بلاغات النساء ص25.

 (16) کشف الغمة ج1 ص448.

 (17) الاحتجاج ج 1 ص106.

 (18) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ج2 ص206.

 (19) شرح الأخبار ج3 ص36.

 (20) الاحتجاج ج1 ص106.

اضف تعليق