ما يتم استقراءه من دولة الإمام المهدي (عج) ونشره للعدل والأمن والسلام أنه سيكون على مستوى البشرية وليس محدودا في شعب واحد أو أمة معينة، لاسيما أن البشرية سوف تصل إلى أن الحل يكمن في توحيد الإنسانية في منهج يراعي كرامة الإنسان ويحفظها، ويهشم ركائز الاحتكار والاستغلال...
ثبت للداني والقاصي أن لا سبيل لعدالة بشرية شاملة، إلا تحت بند التوازن الدقيق بين المادي والمعنوي ويشمل "الفكر، الدين، الثقافة، العلم، الذكاء"، وهذا ما سيحدث عند ظهور الإمام المهدي المنتظَر عجل الله فرجه، فيسود الهدوء العالم وتنتصر القناعة والحوار، ويشعر الجميع بالامتلاء المعنوي وتحقيق الذات، فحين تشترك البشرية وتتداخل خصائصها مع بعضها، تصبح أكثر تماسكا وقوة وقدرة على مواجهة احتياجات الناس المعنوية والمادية، وقد ظهرت تيارات فكرية كثيرة ومؤثرة، لكنها انتهت إلى الفناء، كما حدث لعصر الأيديولوجية، وتابع أبناء العصر الحالي مراحل ولادة ونشوء وتطور بعض التيارات الفكرية الأيديولوجية، كما حصل مع الفكر الماركسي الذي آل بالنتيجة إلى الانطفاء، فجاء منادون جدد بخلود الفكر الليبرالي، وإمكانية وضع البشرية كلها تحت خيمته الفكرية، بيد أن ثمة الكثير من الأدلة والعلامات تقول عكس ذلك، حيث ينتظر هذا التيار الفكري نهاية لا تقل في درجة فنائها عن نهاية الفكر الماركسي، ومن الظواهر والأفكار التي رافقت التفكير البشري على امتداد وجوده، أن هذا التفكير كان ولا يزال مرتبطا ارتباطا وثيقا بوجود الإنسان، ونعني به فكرة الانتظار للمنقذ، وهي فكرة لا تختفي في جميع المنظومات الفكرية لدى الأمم والأقوام المختلفة، فالجميع ينتظر من يخلّصه، بالأخص أن عالمنا بطبيعته الاحتكارية، سياسة واقتصادا، يحصر الثروات بأيدي القلة، أفرادا وشركات، فينعكس من هذا الأسلوب الاحتكاري التسلطي موجات هائلة من الظلم والقهر والحرمان تطول النسبة الأكبر من سكان المعمورة، فيما يتنعّم بالثروات الطبيعية أو سواها، القلة القليلة المحتكِرة لهذه الثروات باستخدام القوة والإرغام بكل أشكاله، ما يتسبب بإحداث فروق طبقية عالمية هائلة تفصل بين سكان الأرض من حيث طرائق العيش والاختلال الهائل بين المعنوي والمادي، لينتج عن ذلك موجات الفقر للنسبة الأكبر من سكان العالم في مقابل موجات الثراء للقلة.
ونظرا لضعف الحيلة، وانتفاء التكافؤ بين الأقوياء القلة، والضعفاء البسطاء الكثرة على المستوى العالمي، وعلى مستوى الأمم والشعوب فرادى، ظلت فكرة المنقذ متقدة في قلوب وأذهان ومعتقدات الناس، ومن أبرزها وأقواها وأكثرها قربا وتطابقا مع المنطق، قضية ظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، التي أثبتتها أحاديث وروايات شريفة مسندة، وطالما أن العالم كله بساكنيه أجمع، يعاني من الاحتكار العالمي، وانطفاء العدل والمساواة، وضياع الحقوق، فإن ظهور الإمام المهدي المنتظر (عج)، صار أمنية كبرى، ليس للمسلمين وحدهم، خصوصا أن فكرة المنقذ كانت ولا تزال وستبقى إلى أن يشاء الله، حاضرة بقوة، تمنح الأمل لمئات لمليارات من المحرومين الذين يعانون أشد البؤس في عالم لا تحكمه العدالة، رغم محاولات التشويه والإساءة لقضية ظهور الإمام المهدي (عج)، لاسيما وأن هدف ظهور المنتظر هو انتشال العالم من مستنقع الظلم والجور ونشر العدل والمساواة لذلك يؤمن به البشرية معظمها وتنقاد له الأديان ذلك ان الأديان تؤدي غرضا فطريا واحد يتوحد فيه الشعور الإنساني ويحس به عندما يتكامل إدراكه العقلي مع وجود قيادة حكيمة ينبعث منها الإخلاص والصدق والواقعية. يقول الفيلسوف الألماني كنت: اختلاف الأديان تعبير غريب مثل هذا كمثل ما لو تكلم المرء عن أخلاق مختلفة انه يمكن ان يوجد أنواع مختلفة من الاعتقادات لا في الدين لكن لا يوجد غير دين واحد مقبول لكل الناس وفي كل الأزمان فما تلك إذن غير محامل للدين، أي شيء عرضي ومتغير وفقا لاختلاف الأمكنة والأزمنة. كما جاء في كتاب فلسفة القانون والسياسة لعبد الرحمن بدوي، فالأديان على الرغم من تباين بعض تعاليمها إلا أنها بالنهاية تلتقي في هدف صقل الإنسان، كما تفعل الأخلاق الذي لا تختلف على المستوى البشري في جوهرها الأصيل.
وما يتم استقراءه من دولة الإمام المهدي (عج) ونشره للعدل والأمن والسلام أنه سيكون على مستوى البشرية وليس محدودا في شعب واحد أو أمة معينة، لاسيما أن البشرية سوف تصل إلى أن الحل يكمن في توحيد الإنسانية في منهج يراعي كرامة الإنسان ويحفظها، ويهشم ركائز الاحتكار والاستغلال، ويعدل بين مجاميع البشر التي تعاني من المنهج الليبرالي وسوءاته التي أثبتها التطبيق الفكري على الواقع العالمي، ممكن التطبيق، لكن العقل العادي غير قادر على الإتيان بذلك، لأن التركيبة البشرية قائمة في حالتها الغريزية على تبجيل الذات، وبالتالي اذا كان الإنسان لا يجد رادعا له، كالدين، والقوة، فإنه يستحوذ على حقوق الآخرين الذين يقاسمونه البسيطة، كما يحدث هذا في عالم اليوم، فقد سبق الذكر، أن القلة هي التي تحتكر ثروات الأرض أجمع، فيما يعاني الأكثرية من الجوع والظلم والقهر والحرمان، فهذا الواقع العالمي المأزوم يستلزم توحيدا إيمانيا، وليس أيدلوجياً لتحقيق غايات البشر في كبح الاحتكار والانتهازية، ولذلك فإن أنسب الحكومات التي يمكنها أن تضمن للبشرية معيارا متكاملا من العدل، والمساواة، والنظام الرادع والرؤوف في وقت واحد، هي حكومة الإمام المهدي المنتظَر، كونها تقوم على أسس إيمانية جامعة بين البشر بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الجغرافية أو العرق أو حتى الدين، لأن الأديان جميعا ترتكز على قاعدة الإيمان الذي يمثل الاشتراط الأهم للتسريع في تحقيق الدولة العالمية العادلة، ذلك إن الخطوة الأولى في توحيد العالم والمجتمع البشري هو إيمان الأديان جميعا بالإمام المهدي (عج) والدخول تحت رايته، ذلك أن الدعوة لدمج العالم ليست دعوة حديثة بل إنها ارتبطت تاريخيا بالديانات السماوية القديمة، لقد انطلقت هذه الديانات من فكرة وحدة البشرية أمام الخالق وبالتالي فان الجوهر بالنسبة لكل الديانات هو دعوة الشعوب والأمم للتقارب والتكافل تحت راية الإيمان بوجود رب واحد وخالق واحد وقيم وقناعات ومسلمات مشتركة تحكم السلوك الإنساني في كل أنحاء العالم، لذا فإننا ونحن نعيش ولادة الإمام المهدي (عج)، فإننا نجد في دولة العدل والمساواة والمراعاة على المستوى العالمي الإنساني، متوافرة في حكومة الإمام المنتظر، وفي دولته التي تقوم على ركائز واضحة ومعلنة، تصدى لها علماء وباحثو المسلمين ومن الأمم الأخرى أيضا، يمكن تكثيفها في مبادئ العدل ونشره في ربوع الأرض، ومن ثم المساواة والحفاظ على الحقوق الفردية والجمعية، وإنصاف من تعرّض للظلم من سكان الأرض والمسلمين، نتيجة للاحتكار أو الانتهازية والتسلط، وها أن البشرية تنتظر على أمل الخلاص، لتستعيد أملها هذا في ذكرى ولادة إمام العصر والزمان عجل الله فرجه، وكل هذا سوف يتحقق في إطار توازن مادي معنوي يشمل البشرية كلها ويضعها في حالة تآلف وتواؤم وتراحم تام.
اضف تعليق