كيف نصنع مجتمعا ناجحا، سؤال أثير يتردد صداه وينعكس فحواه، في معظّم المؤلَّفات الاجتماعية للإمام الشيرازي، حيث يرى في الفرد قيمة عليا، وطاقة فريدة لا يصح هدرها أو إهمالها، فإن أراد مجتمع ما أن يضاهي المجتمعات التي تتقدم عليه ويفوقها، فعليه بالفرد ثقافة فكرا إصرارا وسلوكا...
الله وضع في كينونة الإنسان سمات تكوينية كثيرة، تحتّم استمرار الحياة وديمومتها، أهم تلك السمات نزوع المخلوق نحو التطور والتغيير والتقدم، مدعوما بنزعة الفضول والرغبة في التنافس، والحصول على أرجحية تضع الإنسان في المقدمة أو القمة، هذه السجية الخلْقية تقف وراء التطور البشري الهائل الذي يقوم على مبتنيات ذات نزعة فردية، يكون حاصل جمعها مجتمع تبعا لنوع مجهودها الجمعي، إن كان جيدا بُنِيَتْ أمة جيدة، ويصح عكس ذلك.
في توصيفات علماء الاجتماع بمختلف توجهاتهم، عرِّف المجتمع على إنه مجموعة من الناس التي تشكل النظام نصف المغلق، والتي تشكل شبكة العلاقات بين الناس، ويشير المعنى العادي للمجتمع إلى مجموعة من الناس تعيش سوية في شكل منظّم وضمن جماعة منظمة، والمجتمعات أساس ترتكز عليه دراسة علوم الاجتماعيات، وهو مجموعة من الأفراد يعيشون في موقع معين يرتبطون فيما بينها بعلاقات ثقافية واجتماعية، يسعى كل واحد منهم لتحقيق المصالح والاحتياجات، وإلى حد ما هو متعاون، فمن الممكن أن يُتيح المجتمع لأعضائه الاستفادة بطرق قد لا تكون ممكنة على مستوى الأفراد، وكلا الفوائد سواء منها الاجتماعية أو الفردية قد تكون مميزة، وفي بعض الحالات قد تمتد لتغطي جزءاً كبيراً من المجتمع، فالفرد هنا هو اللبنة الأساس لتكوين المجتمع، ومن نشاطه الفكري والعضلي الجمعي، تتشكل منجزات الأمة أو المجتمع.
تقابل كلمة مجتمع في الإنكليزية كلمة society التي تحمل معاني التعايش السلمي بين الأفراد، بين الفرد والآخرين، والمهم في المجتمع أن أفراده يتشاركون هموما أو اهتمامات مشتركة تعمل على تطوير ثقافة ووعي مشترك يطبع المجتمع وأفراده بصفات مشتركة تشكل شخصية هذا المجتمع وهويته، ومما يصدر منه كفعاليات ذات منحى فكري أو عملي، ترتسم شخصية مميزة للمجتمع، وهي حاصل جمع قدرات الأفراد ومواهبهم وإمكانياتهم المختلفة.
المجتمع أو الأمة في حقيقته كمعنى أو توصيف هو مصطلح قانوني وسياسي، يستخدم للإشارة للجماعة من أي أجناس كانت، مستقرة من الناس يرتبط أفرادها بروابط واضحة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس أو الدين من ناحية، أو متخيلة مثل المصالح المشتركة والغايات الواحدة أو حتى النسب المشترك من ناحية أخرى، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين وتشمل الأمة أموات الشعب والأجيال التي ستأتي في المستقبل، وعُرّفت الأمة بأنها جماعة سياسية متخيلة، وقد تم تخيلها على أساس، إنها محدودة وذات سيادة بطبيعتها، وهي متخيلة لأن أعضاء الأمم، حتى أصغرها حجمًا، لن يتوصلوا قط إلى التعرف إلى بقية رفاقهم من الأعضاء، أو الالتقاء بهم أو حتى السماع عنهم، ومع ذلك فإن صورة جماعتهم تعيش في ذهن كل منهم ويتداخل مفهوم الأمة بتقسيمات مشابهة، فيتقاطع مع مفاهيم الشعب والقومية والعرق تارة ويتمايز عنها تارة أخرى، كما تحكم قوانين الدول علاقة المصطلح والتداخل السابق مع مفاهيم المواطنة والجنسية.
وفي بحثنا عن ماهية الفرد ودوره في صنع موروث المجتمع/ الأمة، وبلورة واقع مميز لها، فإننا سنعثر على أهمية كبرى لدور الفرد، ومن مجموع الأفراد تتراكم منجزات المجتمع/ الأمة، والفرد (Individual) هو إنسان (شخص) أو أي شيء محدد يشكل كينونة مستقلة بحد ذاتها، أي أنه غير قابل للانقسام والتجزئة، فيعامل ككل واحد، وبحسب المفهوم الشائع بين الناس فإن لفظة فرد التي مجموعها أفراد تشير إلى الأشخاص، ويشكل مجموع الأفراد نواة المجتمع، لذلك ينظر إليه علماء المجتمع على أنه حجر الزاوية للمجتمع بما يحمله من طاقات ومواهب وإمكانيات تتجسد في ثقافته وطبيعة تفكيره واندفاعه المستمر للإنجاز.
(إن الأمة تتشكل من الأفراد، وإذا أردنا الحصول على مجتمع إسلامي صالح وأمة مؤمنة متقدمة، فعلينا بإصلاح الفرد أولاً، فإن الأمم تُقاس بشخصياتها العلمية وكذلك السياسية، وهكذا الاقتصادية والاجتماعية منهم، مضافاً إلى سائر الأفراد/ المصدر كتاب السعي نحو مجتمع إسلامي/ تأليف المرجع الديني الراحل، الإمام محمد الحسيني الشيرازي).
كيف نصنع مجتمعا ناجحا، سؤال أثير يتردد صداه وينعكس فحواه، في معظّم المؤلَّفات الاجتماعية للإمام الشيرازي، حيث يرى في الفرد قيمة عليا، وطاقة فريدة لا يصح هدرها أو إهمالها، فإن أراد مجتمع ما أن يضاهي المجتمعات التي تتقدم عليه ويفوقها، فعليه بالفرد ثقافة فكرا إصرارا وسلوكا، وإعدادا معاصرا محدَّثا علميّا، هذا الطراز من الأفراد هم الحجر الأساس لتفوّق الأم.
(إنّ الأفراد هم الذين يعكسون قيمة الأمة بما يعلمونه ويعملونه ويكسبونه، أو ما يجنونه ويقترفونه، ويصبغون بتلك الصبغة ظاهرة الأمة، فتتميز الأمة بذلك العنوان/ المصدر السابق).
ولكن قيمة الفرد وأهليته ومواهبه العالية، لا تعني ترك العمل الجماعي خلف ظهورنا، العملية هنا تكاملية، فدور الفرد لا يلغي دور الجماعة، والأخيرة ليس لها الحق بإجهاض الدور الفردي، ولعل الإجراء الأنسب في هذا المضمار، هو التساوق بين القطبين الفرد ومجتمعه، والنأي عن التضارب بين الاثنين، فلا يجوز للأمة ضرب النزوع الفردي للتجديد وكسر السائد، ولا يجوز للفرد أن يرى نفسه أكبر من الأمة أو المجتمع، بتكاتف القطبين، تُبنى المجتمعات المائزة، فهي مرهونة بأعمالها المنتَجة من طرق تفكيرها ونوعية هذا الفكر.
إذا رغبنا في مجتمع متفوق، يستدعي الأمر منح الفرد حريته في التفكير والعمل،وإبقاء الأبواب مشرعه أمامه، للقيام بأنشطة سيجد نفسه فيها ويبدع بها، ويحرك من خلالها كل طاقاته، ويمضي في إعمال مواهبه واستنهاضها، فالتميز الفردي بالنتيجة هو المتراكم الذي يُبتنى عليه تفوق الأمة وتميزّها، وعلى العكس، يمكن أن يكون حاصل جمع الأعمال الفردية مناوئا لتطوير المجتمع، خصوصا إذا حدثت خارج مدار التطور، هنا سيكون الفرد عقبة، لكن إذا اهتمت الجهات والمنظمات والمؤسسات المعنية بصياغة النشاط الفردي وحرصت على تطويره، سوف نكون حيال أمة ناهضة ومجتمع حيوي.
(كل أمة رهينة بأعمالها، ولا تُؤخذ أمة بأمة أخرى، نعم على كل أمة أن تعتبِر من سائر الأمم وتستفيد من تجاربها.. نعم الأمم مرهونة بأعمالها في تقدمها أو تأخرها، فالمهم عمل كل أمة بنفسها، ولا يمكن ـ عادة ـ لأمة أن تتطور بأعمال الأمم التي مضتْ أو تتأخر بها، لأن الأمم السابقة قد ذهبت وفُنِيَتْ/ المصدر السابق).
بالنتيجة الأمة هي المسؤولة عن البناء الراجح، حتى العمل الفردي في مدار المسموح به من حريات أو سواها، هو نتاج تساوق جمعي لنشاط مجتمع تضبط إيقاعه ثقافة، ووعي، وقيم، وأعراف واحدة، ومقومات قد تضعه في قائمة المجتمعات المتطورة أو عكس ذلك، الاهتمام بالفرد ضرورة غير قابلة للتسويف، على أن تكون نهاية المطاف جامعة للمنتوج الفردي، ووضعه في المدار الجمعي الذي يحوّل النجاح الفردي إلى نجاح لكل الأمة ولكامل المجتمع فـ (كل أمة مسؤولة عن نفسها، إليها يرجع ما عملته وما كسبته من برّ وخير، وعليها يعود ما اقترفته وما جنته من ظلم وشر/ نفس المصدر).
اضف تعليق