هل فكرت بهذا الأمر؟، كم هو مثير للدهشة أن يراك البعض ويعرفك من أول نظرة ويرددون عليك صفاتك، وتنبهر أنت من ذكائهم أو كيف عرفوا كل هذه الأشياء عنك؟، إن سبب معرفة بعضهم لصفاتك وأسرار شخصيتكَ هو إتقان هؤلاء لـ (الفراسة).
إن الفراسة عند العرب هي: (علم من العلوم الطبيعية تعرف به أخلاق وطبائع الناس الباطنة من النظر إلى أحوالهم الظاهرة كالألوان والأشكال والأعضاء أو هي الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن). في الزمن القديم كانت الفراسة تُحسَب ضمن قائمة العلوم السحرية وكانت تعد من التنجيم.
الإفرنج يسمونه بلسانهم (physiognomy) وهو اسم الأصل مركب من لفظين معناهما (قياس الطبيعة أو قاعدتها) والمراد به هنا الاستدلال على قوى الانسان وأخلاقه بالنظر إلى ظواهر جسمه. وبالإغريقية تعني الفراسة الفزيوجنومية (يونانية φυσις physis وتعني الجسم وγνομε gnome وتعني معرفة) وبذلك يكون معنى الكلمة معرفة الجسم وهو اسم لمجال شبه علمي أو فن قراءة واستخلاص مكونات الشخصية بمجرد دراسة المظهر الخارجي للجسم وخاصة الوجه. وكان هذا التيار يعتبر من المعارف السرية في التاريخ القديم إلا أنه حظي بانتشار واسع في القرن 19 و20 وفي أوروبا اتخذت الفراسة بالإضافة إلى أشياء أخرى كتعليل للعنصرية والأوجينية.
وعند الرجوع الى أمهات الكتب والتراث العربي والاسلامي نجد في القران الكريم ان الفراسة ذكرت في سور عديدة وعرفها العلماء وكبار العرب، وتعد الفراسة كما ذكرت في كتاب علم الفراسة لـ الدكتور غسان جعفر فكرة تقفز فجأة لوعي ممن شهد لهم بالذكاء والمعرفة واشتهرت أسر عربية كثيرة ببراعتها في الفراسة ومن خلال هذا العلم يستطيع الانسان ان يعرف اخلاق الآخرين عن طريق النظر الى شكل أعضائه، أي هي الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن، وهو علم قديم حيث روي ان المصريين القدماء كانوا يعرفونه، وقد قرأ علماء الآثار شيئا عنه فيما وجد من آثار الأسرة الثانية عشرة المصرية قبل الميلاد بألفي سنة.
الفراسة علم مستقبليّ
وأشار أبقراط إليه قبل الميلاد، بنحو أربعة قرون ونصف وكان يعتقده وكتب الطبيب اليوناني جالينوس فصولا طويلة فيه في القرن الثاني للميلاد، وبعد ذلك جاء علماء آخرون منهم أرسطو في القرن الرابع قبل المسيح، أفرده بالتأليف واعتبره علماً مستقلاً، فذكر أن في الأعضاء الجسدية الظاهرة علامات تدل على القوة والضعف والذكاء أو الغباوة، وجعل الملامح والألوان وأشكال القامة والشعر والصوت من المساعدات على الوصول إلى ذلك.
فعوَّل الناس على ما دوَّنه أرسطو قروناً طويلة واشتغلوا به وجعلوا اعتمادهم عليه، وكتب بعض علماء العرب كتباً مستقلة عن هذا العلم، كالرازي وابن رشد وغيرهما وانتقل هذا العلم الى اروبا عن العرب فترجموه الى لغتهم مع ما ترجموه من سائر العلوم واشتغلوا به في القرون الوسطى ولا يزالون يشتغلون به الى اليوم، وقد توسع المتكلمون في هذا العلم فجعلوه دالا على الامور الغيبية التي قُدِّرت على الانسان، فاختلط بكثير من الأوهام وتعاطاه الدجالون لكسب الحطام فخرج عن موضوعه ولحق بالشعوذة.
ولكن رجالا من اهل النظر في اروبا مثل بيتساتا وبورتا الايطالي والعالم جون كسبار لافاتر الألماني تداركوه فخلصوه من الخرافات التي أضيفت إليه وجعلوه علماً مبنياً على أصول الفيزيولوجيا والتشريح، وقرروا ان غايته الاستدلال بأشكال الأعضاء الظاهرة على اخلاق الانسان الباطنة بدون النظر الى ما سيصيب الانسان في مستقبل أيامه.
هذا العلم اذا اقتصر على الاستدلال على الإخلاص من شكل الأعضاء أوشك أن يؤدي إلى نتائج يمكن التعويل عليها الى حد محدود، أما إذا خوّل نفسه حتى الحكم على مستقبل الانسان وما سينتابه من خير او شر كان ذلك منه دخولا فيما ليس من شأنه، فأي مناسبة بين شكل اليد والقدمين وبين المستقبل من نعيم وشقاء ومن صحة أو مرض؟.
هنا أتي دور تأثير الافكار وتغيير الحياة (( حياتك من صنع أفكارك)).
فعندما يفكر المرء بشيء ما بالتأكيد سيصل إليه في يوم ما إن كان خيراً أو شرا!.
أنواع الفراسة
- فراسة الوجوه
- فراسة الحركات والإيماءات
- فراسة خط اليد
- فراسة الألوان
- فراسة الرياضة والمتخصصة (يعرفها الشخص من الخبرة في مجال معين كبائع الذهب والمجوهرات وووو).
الفراسة والإسلام
قال تعالى في كتابه الكريم: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ.
وقال الرسول صلى الله عليه واله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقسم بعض العلماء الفراسة الى انواع:
النوع الأول: إيمانية
نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق بين الصدق والكذب والحق والباطل.
النوع الثاني: فراسة الرياضة والسهر والتخلي.
النوع الثالث: الفراسة الخلقية
الفراسة في روايات اهل البيت عليهم السلام:
الكافي: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عليه السلام) قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام): فِي قَوْلِهِ تَعَالَى - إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ- قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الْمُتَوَسِّمَ وَ أَنَا مِنْ بَعْدِهِ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمُتَوَسِّمُونَ*1.
عيون أخبار الرضا: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تَمِيمٍ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ الْمَأْمُونِ يَوْماً وَ عِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا وَ قَدِ اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ وَ أَهْلُ الْكَلَامِ مِنَ الْفِرَقِ الْمُخْتَلِفَةِ فَسَأَلَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَصِحُّ الْإِمَامَةُ لِمُدَّعِيهَا قَالَ بِالنَّصِّ وَالدَّلِيلِ قَالَ لَهُ فَدَلَالَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هِيَ قَالَ فِي الْعِلْمِ وَ اسْتِجَابَةِ الدَّعْوَةِ قَالَ فَمَا وَجْهُ إِخْبَارِكُمْ بِمَا يَكُونُ قَالَ ذَلِكَ بِعَهْدٍ مَعْهُودٍ إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَمَا وَجْهُ إِخْبَارِكُمْ بِمَا فِي قُلُوبِ النَّاسِ قَالَ لَهُ أَ مَا بَلَغَكَ قَوْلُ الرَّسُولِ اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ قَالَ بَلَى قَالَ وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ لَهُ فِرَاسَةٌ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ مَبْلَغِ اسْتِبْصَارِهِ وَ عِلْمِهِ وَ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لِلْأَئِمَّةِ مِنَّا مَا فَرَّقَهُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ0-إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ- فَأَوَّلُ الْمُتَوَسِّمِينَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ زِدْنَا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ الرِّضَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَيَّدَنَا بِرُوحٍ مِنْهُ مُقَدَّسَةٍ مُطَهَّرَةٍ لَيْسَتْ بِمَلَكٍ لَمْ تَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى إِلَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَ هِيَ مَعَ الْأَئِمَّةِ مِنَّا تُسَدِّدُهُمْ وَ تُوَفِّقُهُمْ وَ هُوَ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَل...) *2
وباستطاعة علم الفراسة أن يكشف أسرار وخبايا الناس ويجعلهم ككتاب مكشوف، وهكذا يستطيع الانسان ان يتعامل أسرع وألطف مع الآخرين، ويحقق نجاحاً في التواصل معهم وكلما كان الشخص مقرباً الى الله أكثر حقق نجاحا أكبر في هذا الباب وحصل على هذه المعرفة دون تعب، لأن العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء، وإلا يجب عليه ان يدرس ويسعى لأجل الوصول الى المستوى المطلوب إن أمكن ذلك وفوق هذا يبقى بعض الأمور مخفية ومستورة لأن مفتاح الغيب بيد الله الذي يعز من يشاء ويهدي إليه من يشاء.
اضف تعليق