تتضمن هذه الأساليب محاولة السيطرة على بيئتك، لكن كلما حاولت توسيع نطاق هذه السيطرة، قلت فعاليتها وزادت كلفتها عليك وعلى الآخرين. من الأفضل بكثير أن تتحكم بنفسك، من خلال تعلم أن تكون أقل تأثرًا بالإهانة. وتشير الدراسات التي ذكرتها أعلاه إلى عدة استراتيجيات تساعدك على فعل ذلك والعيش بسعادة...
بقلم: آرثر سي. بروكس
نحن جميعًا نواجه سلوكًا غير مهذب أو تعليقات مهينة أحيانًا، لكن بإمكانك اختيار كيفية الرد.
ما لم تكن تعيش في كهف منعزل بلا اتصال بالإنترنت، فستعلم أننا نعيش في "عصر الإهانة". فمع مستويات الاستقطاب العالية وعدد لا يُحصى من الوسائل لبث كل فكرة إلى الغرباء في كل مكان، أصبح من الأسهل من أي وقت مضى إطلاق الإهانات والتقليل من شأن الخصوم الأيديولوجيين. وليس من المستغرب أن 47 بالمئة من الأمريكيين، وفقًا لدراسة لمركز بيو للأبحاث عام 2024، يعتقدون أن قيام الناس بقول أشياء "مهينة جدًا" للآخرين هو مشكلة كبرى في البلاد اليوم، بينما فقط 11 بالمئة يرون أنها ليست مشكلة. (البقية يرونها مشكلة بسيطة).
قد تستنتج أن الحل يكمن في أن يتوقف الناس عن إهانة الآخرين -حظًا موفقًا في ذلك!- لكن انظر إلى إحصائية أخرى في الاستطلاع نفسه: نسبة أكبر من الأمريكيين (62 بالمئة) تقول إن هناك مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في "سهولة استياء الناس من كلام الآخرين". هذه النتائج لا تتعارض؛ بل تشير إلى أننا في الوقت نفسه مسيئون أكثر من اللازم وحساسون أكثر من اللازم.
لكنني أرغب في التركيز على المشكلة الثانية، لأن سهولة الإهانة لدى معظم الناس هي أسوأ لجودة حياة المرء من كونه وقحًا بغيضًا. لذا، بدلاً من بذل جهودك في محاولة القضاء على ما تعتبره مهينًا، عليك أن تعمل على أن تكون أقل تأثرًا بالإهانة من الأساس.
الدراسة الأساسية في علم نفس الشعور بالإهانة -والتي لا تزال تُستشهد بها كثيرًا حتى اليوم-كتبها عالم النفس وولفغانغ زاندر عام 1976. وقد جادل بأننا نشعر بالإهانة في ثلاث مراحل: أولاً، نتعرف على الإهانة أو التناقض الحاد معنا؛ ثانيًا، نُقيِّم مدى تطرف الإهانة؛ وأخيرًا، نرد عاطفيًا أو سلوكيًا. خذ مثالًا أن زميلًا لك في العمل يقول في اجتماع أمام مديرك إن اقتراحك الأخير "غبي". تتعرف على ذلك على أنه تناقض لأفكارك؛ تُقيّمه على أنه مزعج بشكل معتدل؛ وتقرر أن تعبّر عن استيائك بطريقة مناسبة لزميلك بعد الاجتماع.
اخترت هذا المثال لأن الأبحاث وجدت أن الحكم السلبي من شخص آخر هو بالضبط ما نعتبره عادةً أكثر الإهانات. أظهر باحثون عام 2018 في استطلاع شمل 129 شخصًا أن 73 بالمئة من حالات الشعور بالإهانة كانت بسبب تهديد للهيمنة أو الكفاءة. أما الـ 27 بالمئة الأخرى فكانت تتعلق بهجمات على حسن النية أو المظهر. هذا ذكرني بأن شخصًا ما على وسائل التواصل الاجتماعي وصفني ذات مرة بأنني رجل أصلع يكتب مقالات سيئة. الجزء الأول ذكّرني بشيء لا أحبه، لكنه لم يهني -فالواقع هو الواقع- لكن الجزء الثاني آذاني قليلًا.
يرد الناس على الإهانات بطرق مختلفة. الدراسة نفسها وجدت أن النساء، عندما يُهَنَّ، من المرجح أن يشعرن بالحزن والمرارة أكثر من الرجال، بينما الرجال أكثر ميلاً للشعور بالكبرياء (الذي يظهر كالغضب) والغضب الفعلي. ووجدت دراسة أخرى أنه عندما تكون الإهانة مؤذية للغاية، فإن الرد الأكثر شيوعًا هو الاستسلام، والذي قد يتضمن البكاء أو حتى الاعتذار. وعندما تكون الإهانة أقل إيلامًا، فإن الرد الأكثر شيوعًا هو الضحك أو تجاهلها.
ومع ذلك، فإن ردود أفعالنا قد تكون أقل خضوعًا لتحكمنا الواعي مما يوحي به مثال زاندر ذي المراحل الثلاث. وذلك لأن الإهانة تُفعّل أجزاءً من دماغنا القديم، ولا سيما الجهاز الحوفي، الذي يشير إلى وجود تهديد. إن عمل هذه البنية البدائية القوية يثير احتمال اتخاذ إجراء أكثر تطرفًا: القتال، لفظيًا أو جسديًا.
هنا أيضًا، تختلف ردود الأفعال حسب الجنس. الذكور أكثر احتمالًا من الإناث للرد على الإهانة بعدوانية، بما في ذلك العنف. لحسن الحظ، هذا النتيجة غير شائعة لأي من الجنسين، لأن مركز التحكم التنفيذي في الدماغ -قشرة الفص الجبهي- يكبح استجابة الأميغدالا (اللوزة الدماغية) القتالية. كيف يعمل هذا عمليًا؟ عندما يقول أحدهم شيئًا مهينًا، تشعر في البداية بالغضب الشديد (الجهاز الحوفي)، لكنك تقول لنفسك "لا تفقد أعصابك" (قشرة الفص الجبهي)، وتتمكن من التصرف بهدوء.
كما لاحظت على الأرجح، بعض الناس يظهرون قدرة أكبر على الكبح من غيرهم. أظهرت الأبحاث أن احتمالية الاستجابة العنيفة للإهانة أعلى بكثير بين من يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات، وخاصة عندما تقترن بمرض عقلي. وبالمثل، أُثبت أن الرجال المدانين بجرائم عنف لديهم ترابط أضعف من المتوسط بين الأميغدالا وقشرة الفص الجبهي عند تعرضهم لإهانة شخصية.
الغرض من وصف الآليات العصبية والنفسية الكامنة وراء الشعور بالإهانة هو أن المعرفة قوة. إذا كنت تعرف ما يحدث لك عند شعورك بالإهانة، فهذه أول خطوة نحو التحكم في رد فعلك.
من الطبيعي أن تكون الحياة أكثر سعادة إذا لم تكن تتعرض للإهانة. إحدى الاستراتيجيات هي محاولة تجنّب كل من قد يهينك، ووضع حواجز تحميك من التعرض لهم. إذا كان ذلك ينطوي على تنقيح صداقاتك لتجنب من يجرحون مشاعرك باستمرار، فلا بأس. لكن إذا كان اتخاذ تدابير ضد الإهانة يعني إسكات حرية التعبير في جامعتك، فمن غير المرجح أن تكون النتيجة جيدة لك أو أن تحقق هدفك.
تتضمن هذه الأساليب محاولة السيطرة على بيئتك، لكن كلما حاولت توسيع نطاق هذه السيطرة، قلت فعاليتها وزادت كلفتها عليك وعلى الآخرين. من الأفضل بكثير أن تتحكم بنفسك، من خلال تعلم أن تكون أقل تأثرًا بالإهانة. وتشير الدراسات التي ذكرتها أعلاه إلى عدة استراتيجيات تساعدك على فعل ذلك والعيش بسعادة أكبر نتيجة لذلك.
1. تجاوز الأمر بالضحك
تذكّر أنه عندما لا تكون الإهانة جسيمة، فإن أكثر رد فعل شائع هو تجاهلها أو الضحك. وهذا خيار جيد جدًا، لأنه يجعلك أنت من يحدد مدى جسامة الإهانة، بدلًا من أن تترك هذا الحكم لطرف خارجي. لا تحتاج لأن تضحك بطريقة متحدية أو مرة؛ بل يمكنك غالبًا تحييد الطعنة بكفاءة باستخدام فكاهة ذاتية التهكم. (أنا أصلع؟ هذا قاسٍ لكن عادل). وقد يؤدي ذلك إلى رفع احترامك لذاتك. كما أظهرت الأبحاث أن هذه المزحة، خاصة إذا كنت قائد فريق، يمكن أن تزيد ثقة الآخرين بك وتعزز تصورهم لكفاءتك. يمكنك تخيل كيف يمكن أن ينجح هذا في مجال الأعمال أو الرياضة، لكن يمكنك استخدام نفس التكتيك للحفاظ على مكانتك في مواقف أخرى.
2. استخدم قشرة دماغك الجبهية
أُعلّم طلابي في كلية إدارة الأعمال أن أهم وظيفة إدارية لديهم هي إدارة الذات، أن يفهموا مشاعرهم ويتصرفوا باستقلال عنها. صحيح أن هذه المهارة أصعب لدى بعض الناس، لكن يمكننا جميعًا التحسن عبر العزيمة والتدريب. هناك العديد من التقنيات لتحفيز مركزك التنفيذي في الدماغ: الصلاة، كتابة اليوميات، التأمل. إذا كنت مقبلًا على تفاعل مع شخص مزعج، أوصي بقراءة هذا المقطع من كتاب "تأملات" للفيلسوف الرواقي ماركوس أوريليوس:
"إنه من خصائص الطبيعة البشرية أن تحب من يسيء إليك. ولممارسة ذلك، يجب أن تعتبر أن الطرف المهين من أقاربك في الإنسانية، وأن الجهل هو سبب سلوكه، وأن الخطأ غير مقصود، وأنكما كلاكما ستكونان قريبًا في القبور؛ لكن الأهم أن تعتبر أنك لم تُصب بأي ضرر من الإهانة، لأن عقلك لم يتأثر بها."
3. تجاهل مصادر صنع الإهانة
لا يمكنك إزالة كل الإهانات من حياتك، لكنك بالتأكيد لست مضطرًا للبحث عنها. ومع ذلك، هذا بالضبط ما تفعله عندما تستهلك الكثير من المحتوى الإعلامي المثير للجهاز الحوفي. إذا كنت تمضي وقتًا مفرطًا في قراءة الآراء السياسية أو مشاهدة مذيعي الأخبار الجدلية، فربما تشعر بالغضب باستمرار، خاصة إذا كنت "متصلاً جدًا" بالإنترنت أيضًا. إحدى الطرق لتقليل شعورك بالغضب مما يقوله أو ينشره الآخرون هي ببساطة حذف كل ذلك من حياتك: أطفئ التلفاز؛ احذف التطبيق.
هناك جانب آخر من الشعور بالإهانة يستحق النظر، خاصة في بيئتنا الأيديولوجية الصاخبة اليوم. تجربة جديدة ومبتكرة اختبرت ما إذا كان المشاركون أكثر ميلاً إلى السلوك الاجتماعي أو إلى السلوك الأناني (طريقة لاختبار الميول النرجسية). ثم تم تعريض 5 بالمئة من المشاركين لصدمات كهربائية عشوائية، وعُرضت مكافأة مالية لمن تلقّى صدمة. كان الدفع بنظام الشرف، أي أن الباحثين دفعوا المال عندما قال المشارك إنه تلقى صدمة، سواء كان ذلك صحيحًا أم لا. كان المشاركون ذوو الميول الأنانية هم الأكثر احتمالًا للكذب، مدّعين أنهم تعرضوا لصدمة ولم يحدث ذلك، وأخذوا المال.
مفاجئ؟ ليس تمامًا. لقد لاحظ الباحثون أن الأشخاص ذوي "الميول للشعور بالإهانة" غالبًا ما يكونون أداءهم ضعيفًا في العمل وميلهم مرتفع للسلوكيات المضادة للإنتاجية. هؤلاء الأشخاص الحساسون جدًا للإهانة يكونون في الغالب نرجسيين، لأن شعورهم بالإهانة ينبع من إحساس مفرط بالاستحقاق ورفضهم التغاضي عن أي إساءة؛ وقد يتظاهرون أحيانًا بالإهانة -بل والصدمة- لتحقيق مصلحة.
لذا، بالطبع، يجب أن تكون حساسًا ومتعاطفًا إذا رأيت من حولك يتعرضون للضرر. لكن، خاصة عندما لا يكون الضرر أكثر من مجرد تعبير لفظي، فكّر أيضًا أن الشعور بالإهانة قد لا يكون دليلاً موثوقًا على وجود إساءة حقيقية. بل قد يكون دليلاً على أن الشخص الذي يدعي الإهانة لا يتصرف بنية صافية.
اضف تعليق