في أحد الأيام طلب هارون من بهلول أن يأتي له بأفضل عضو في جسم الخروف، فجاء بهلول وكان يحمل طبقاً فيه (لسان)، بعد ذلك طلب هارون من بهلول بأن يجلب له أسوأ عضو في جسم الخروف، فجاء بهلول ومعه لسان الخروف كما فعل سابقاً، استغرب هارون من أمر بهلول وسأله: كيف يمكن أن يكون اللسان أفضل وأسوأ عضو في نفس الوقت؟. أجاب بهلول قائلا: به يُثاب المرء ويعاقب .
بالطبع سيكون اللسان أفضل عضو إن استفاد المرء منه في طريق الخير والصلاح، في هذه الحالة سوف يأخذ بيده الى الجنة بلا شك، وإذا استفاد الإنسان منه في طريق الشر سوف يسوقه إلى جهنم وبئس المصير.
باستطاعته كسر العظام
اللسان قطعة لحم صغيرة باستطاعتها تغيير مصير الإنسان لذلك ورد بأن الإنسان عندما يستيقظ من نومه يسأل اللسان الجوارح: كيف أنتن؟. فيقلن: بخير إن تركتنا وشأننا.
لذلك يقول الشاعر:
وإذا جنايات الجوارح عددت*** فأشدها يجني عليك لسان
بلى اللسان قطعة لحم ولا يملك أي عظم ولكن باستطاعته كسر العظام بسهولة وطحنها بقسوة، كما نلاحظ ذلك في الإلتفاتة الدقيقة لأحد الشعراء عندما قال:
جراحات السهام لها التئام*** ولا يلتام ما جرح اللسان
اللسان لا يملك يداً ولكن باستطاعته أن يخنق الناس بقوة ويدخلهم في غيبوبة أبدية كي يتمنوا النهوض من جديد، وربما يتغير بعض الأحيان ليصبح فاعل خير ويأخذ بأيدي الآخرين إلى شاطئ الحب والأمل للقضاء على الألم. ولا يملك اللسان رجلا لكن باستطاعته أن يدوس على الصدور بوحشية ويقتلهم بقسوة، وربما يصبح في بعض الأحيان فاعل خير فيترك آثار أقدامه على رمال سواحل وضفاف قلوب الآخرين ويذكرهم بحبه وعطفه.
اللسان لا يملك السلاح ولكن بكلمة يستطيع أن يقضي على الآمال ويدفن السعادة في طرفة عين، وهو ليس مقاتلاً لكن باستطاعته أن يزهق الأرواح ويقضي عليها بهدوء في حرب باردة من دون أن يلتفت أحد إلى السبب، إنه لا يسفح الدم ولكنّه يقتل، لذلك جاء في نص المثل الياباني: (اللسان الذي طوله ثلاث عقد، قد يقتل رجلا طوله ستة أقدام).
عيون اللسان
اللسان ليس لديه عيون ولكن باستطاعته أن يجعل الناس يعانون من العذاب ويشعرون بالتشوه لسوء النظر إليه وربما يتغير أحيانا ويصبح فاعل خير ويبعث عن طريق العيون ألف رسالة حب وأمل بواسطة الكلمات.
واللسان لا يملك أنيابا لكنه يلدغ فريسته بأنيابه السامة ويؤدي إلى شل الضحية أو الفريسة ويمنع الضحية من الحراك والرجوع إلى حياتها السابقة، وهذا السم يُحدث صدمة كبيرة للضحية، ويبدأ في التغلغل عن طريق الأجهزة العصبية، وتدمير خلايا الدم، والأجهزة الحيوية لذلك هناك مثل إنكليزي يقول: (أشد السموم فتكا سم اللسان).
فجميل أن نعرف كبائر اللسان ونتجنبها، عملا بالقول المعروف (لسانك حصانك، إن صنته صانك)، ومن المستحسَن أن يتجنب الإنسان هفوات لسانه، فبعضها كبير وخطير وقد يقود الى حتفه كما ينص على ذلك القول ذائع الصيت (مقتل الإنسان تحت لسانه).
ومن كبائر اللسان وهي كثيرة الكذب، وهو وصف شيء على غير حقيقته والخوض في الباطل: وذلك كالخوص في أحاديث تكذِّب دين الله وحقائقه أو تثير الشبهات، والقذف، واتهام الغير بالزنى، والسخرية والاستهزاء وإلصاق الألقاب القبيحة بالآخرين أو بمن لا يستحقها، والسبّ والشتم واللعن والطعن في الأنساب والفحشُ في القول والبذاءةُ والفجورُ في الخصومة، الغِيبة، النميمة، وتضييع الوعد والعهد والعقد والأيمان والنذور، والجدال والمراءاة، وكثرة المزاح والنُّكَت، فالكثير مما ورد ذكره قد يكون مثلبة على صاحب اللسان وربما يذهب به الى حتفه، وفي أضعف الإيمان ربما يدخله في إشكالات ومشكلات ومساجلات وصراعات هو في غنى عنها طبعا، من هنا يأتي التركيز الدائم على ضبط اللسان والتحكم به وليس العكس، فإذا أفلت اللسان من عقاله فعل ما يشاء وحينها لا يمكن الرجوع عما حدث ولا معالجته.
الكلام فيما لا يعني
لقد أمرنا الله تعالى بإصلاح اللسان والكلام، فقال: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم)، اذ بسبب الكلام السوء الذي يخرج من فم الانسان، ويفتح مدخلاً لدخول الشيطان إلى قلب الانسان المؤمن ويقضي على إيمانه أو يضعفه في أقل الاحتمالات، لذلك ربنا جلّ وعلا يعد عبده بأن يصلح أعماله إن صلح لسانه، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً؛ يصلحْ لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسول فقد فاز فوزاً عظيماً ﴾، فقوله ﴿ يُصلحْ ﴾ جواب شرط: أي إن تتقوا الله وتقولوا القول السديد يصلحْ لكم أعمالكم.
بناءً على ذلك كانت هناك حكمة متداولة بين العرب تحثهم على المحافظة وحبس اللسان أو ضبطه أو التحكم فيه، حيث تقول :ما حبس الله جارحة في حضن أوثق من اللسان: الأسنان أمامه، والشفتان من رواء ذلك، واللهاة مطبقة عليه، والقلب من وراء ذلك فاتق الله ولا تطلق هذا المحبوس من حبسه إلا إذا أمنت شره
لذلك رفقاً بالكلمات.. وختاما قل خيراً أو أصمت إلى الأبد.
اضف تعليق