التفجير الانتحاري المزدوج في تركيا، الذي أوقع اكثر من 44 قتيلا وإصابة ما يقرب من 200 شخص، معظمهم من الشرطة مكافحة الشغب قرب بوابات نادي كرة القدم الأكثر شعبية في العاصمة التاريخية (بشيكتاش)، عده بعض المراقبين رسالة جديدة للحكومة التركية والرئيس رجب طيب إردوغان، الذي سعى في السنوات الاخيرة الى اعتماد سياسة جديدة في إدارة الحكم، أثرت سلبا على تركيا وأدخلتها في مشكلات وأزمات كبيرة، خصوصا وان البعض يتهمها بمساندة ودعم الجماعات الإرهابية المسلحة ومنها تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق، والذي تحول اليوم الى خصم خطير يهدد امن واستقرار تركيا، التي شهدت في السنوات الأخيرة سلسلة التفجيرات الدامية، نسبت لتنظيم "داعش" الإرهابي، في حين أعلنت جماعات كردية وأخرى يسارية المسؤولية عن التفجيرات الأخرى.
الرئيس التركي وبعد هذا العمل الارهابي الجديد، توعد بالانتقام ومطاردة الإرهابيين في كل مكان والقضاء عليهم، واجرى كما نقلت بعض المصادر حملة اعتقالات شملت اكثر من 235 من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعد اعلان منظمة مجهولة تدعى صقور “حرية كردستان” المسؤولية عن تفجير، ويرى بعض الخبراء ان سياسة الرئيس اردوغان الذي يسعى الى تعديل الدستور من اجل تكريس هيمنة الحزب الواحد والزعيم الأوحد، وإصراره على ضرب وإقصاء الخصوم وقمع الحريات، أمور ستسهم بتزايد العمليات الانتقامية داخل تركيا التي باتت اليوم بلا اصدقاء، وتعيش في محيط ملتهب بالحروب والصراعات.
صقور حرية كردستان
فيما يخص أخر تطورات الملف الأمني في تركيا فقد أعلنت جماعة صقور حرية كردستان المنبثقة عن حزب العمال الكردستاني مسؤوليتها عن تفجيرين خارج استاد لكرة القدم في مدينة اسطنبول التركية أسفرا عن مقتل 38 شخصا وإصابة 155 وهو الهجوم الذي تعهدت الحكومة التركية بالثأر له. وفي بيان على موقعها الالكتروني قالت الجماعة التي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات أخرى في تركيا في العام الحالي إنها نفذت الهجومين وأحدثا صدمة في بلد ما زال يحاول التعافي من محاولة انقلاب فاشلة وعدة تفجيرات منذ بداية العام.
ووقعت الهجمات بالقرب من استاد فودافون التابع لفريق بشيكطاش لكرة القدم بعد ساعتين تقريبا من انتهاء مباراة في الاستاد وبدا أن الهجمات استهدفت رجال الشرطة. ونتج الانفجار الأول عن سيارة ملغومة خارج الاستاد أعقبه خلال دقيقة تفجير انتحاري في متنزه مجاور. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للصحفيين بعد زيارة المصابين في إحدى مستشفيات اسطنبول "ما ينبغي أن نركز عليه هو الإرهاب. لا ينبغي أن يشك شعبنا في أننا سنواصل قتالنا ضد الإرهاب حتى النهاية."
وخلال جنازة لخمسة من رجال الشرطة في مقر شرطة اسطنبول قال وزير الداخلية سليمان صويلو "سنثأر إن آجلا أو عاجلا. هذه الدماء لن تُترك مراقة على الأرض أيا كان الثمن وأيا كانت التكلفة." وحذر من يعبرون عن دعمهم لمنفذي الهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها. وتستهدف هذه التعليقات الساسة المؤيدين للأكراد الذين تربطهم صلات بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا جماعة إرهابية.
وفي الشهور القليلة الماضية احتُجز آلاف الساسة الأكراد من بينهم عشرات من رؤساء البلديات وزعماء في حزب الشعوب الديمقراطي ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان لاتهامهم بالصلة بحزب العمال الكردستاني. وتزامنت الحملة على الساسة الأكراد مع حملة تطهير واسعة لمؤسسات الدولة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو تموز التي تتهم الحكومة أتباع الداعية فتح الله كولن بالمسؤولية عنها. وتقول تركيا إن هذه الإجراءات ضرورية لحماية أمنها في حين تتهمها جماعات حقوقية وبعض الحلفاء الغربيين بإهدار حكم القانون وسحق الحريات.
وفي بيان ندد حزب الشعوب الديمقراطي بالهجوم وحث الحكومة على إنهاء ما وصفته بسياسات "الاستقطاب والعدوانية والنزاع". وقال صويلو إن الانفجار الأول كان عند نقطة تجمع لشرطة مكافحة الشغب وإن الثاني وقع أثناء محاصرة الشرطة للانتحاري في متنزه مكة القريب. وقال إن 38 شخصا قُتلوا من بينهم 30 من رجال الشرطة وسبعة مدنيين وشخص ما زال مجهول الهوية. وقال وزير الصحة رجب أقداغ في مؤتمر صحفي إن 155 شخصا يعالجون في المستشفيات منهم 14 حالة في العناية المركزة وخمسة في الجراحة.
وقال نائب رئيس الوزراء نعمان قورتولموش إن الحلفاء ينبغي أن يظهروا تضامنهم مع تركيا في حربها على الإرهاب في إشارة للخلافات مع الولايات المتحدة بسبب سياسة تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بشأن سوريا. وتدعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية السورية في حربها على تنظيم داعش الارهابي وفي الوقت نفسه تقول تركيا إن هذه الوحدات هي امتداد لحزب العمال الكردستاني وإنها جماعة إرهابية.
وإضافة إلى التمرد الكردي تقاتل تركيا داعش كعضو في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم المتشدد. وحثت داعش قبل ايام مؤيديها على استهداف "المنشآت الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية" التركية. ونُشر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي التركية يظهر والد أحد الضحايا وهو طالب طب يبلغ من العمر 19 عاما كان يزور اسطنبول. وقال الأب "لم أكن أريد لابني أن يصبح شهيدا. ابني قُتل. كان هدفه أن يصبح طبيبا وأن يساعد الناس لكنني الآن أعود به في سيارة لنقل الموتى." بحسب رويترز.
ولا يزال الأمن مشددا في اسطنبول حيث سُمع أزيز تحليق طائرات الهليكوبتر التابعة للشرطة فوق منطقة بشيكطاش القريبة من الاستاد. وندد أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج بالحادث ووصفه "بالعمل الإرهابي المروع" وأرسل قادة أوروبيون رسائل تضامن. وقال مصدر في مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها اتصلت بإردوغان لتقديم تعازيها. كما نددت الولايات المتحدة بالهجوم وقالت إنها تساند حليفتها في حلف شمال الأطلسي.
انفجار في أضنة
الى جانب ذلك قتل شخصان وأصيب أكثر من 30 آخرين في انفجار خارج مكتب حاكم اقليم أضنة في جنوب تركيا بعد أسابيع من تحذير الولايات المتحدة من أن جماعات متطرفة تخطط لشن هجمات. وأظهرت لقطات مصورة مركبة مشتعلة في مرأب للسيارات خارج المبنى ودخانا كثيفا يتصاعد في سماء مدينة أضنة الواقعة على بعد 40 كيلومترا من الساحل التركي على البحر المتوسط. وتحطمت النوافذ كما تضررت أجزاء من واجهة المبنى حتى الطابق السادس تقريبا.
ونقلت وكالة الأناضول الرسمية للأنباء عن محمود دمرداش حاكم أضنة قوله إن شخصين قتلا. وذكرت الوكالة أن الانفجار نجم عن مركبة كانت أمام المبنى. وقال وزير الطاقة التركي براءت ألبيرق زوج ابنة الرئيس رجب طيب إردوغان الذي كان موجودا في أضنة لحضور مؤتمر في موقع آخر إن 33 شخصا أصيبوا بجروح في الانفجار.
وتقع مدينة أضنة على بعد 16 كيلومترا من قاعدة إنجيرليك الجوية التي يستخدمها الجيش الأمريكي لشن هجمات على مقاتلي تنظيم داعش المتشدد في سوريا. وصدرت أوامر لعائلات أفراد الجيش الأمريكي بمغادرة أضنة ومناطق أخرى في تركيا في مارس آذار بسبب مخاوف أمنية. وكتب وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا عمر جليك في حسابه على تويتر "الإرهاب اللعين مستمر في استهداف شعبنا. سنحارب هذا الإرهاب حتى النهاية باسم الإنسانية." وأضاف أنه تحدث إلى والي أضنة.
وأدانت السفارة الأمريكية في تركيا بشدة ما وصفته بأنه "عمل إرهابي مشين" وقالت إنها تقف إلى جانب تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي وفي تحالف تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وقال وزير العمل التركي محمد مؤذن أوغلو إن مسلحين من حزب العمال الكردستاني وراء الهجوم على الأرجح وإن 21 شخصا أصيبوا بجروح بينهم خمسة في حالة خطيرة. وأبلغ قناة سي.ان.ان ترك الإخبارية "يبدو على الأرجح أنهم (حزب العمال الكردستاني) مرة أخرى وراء الهجوم الذي وقع لأنه يبدو مشابها لهجماتهم."
وذكرت وكالة أنباء دوجان الخاصة أن الشرطة أطلقت الرصاص على سائق مركبة تجارية خفيفة حاول الفرار بها على الرغم من تلقيه أوامر بالتوقف من فريق من الشرطة اشتبه بأن له صلة بالتفجير. وقالت إن سيارة إسعاف أرسلت لنقل السائق المصاب مع خبير في المفرقعات لفحص المركبة. ونفذ حزب العمال الكردستاني عشرات الهجمات على أفراد من قوات الأمن ومبان حكومية منذ يوليو تموز 2015 عندما انهار وقف لإطلاق النار بين الحزب وتركيا. وقتل مدنيون أيضا.
وقالت مصادر أمنية إن جنديا تركيا قتل وأصيب اثنان إثر انفجار عبوة ناسفة زرعها من يشتبه بأنهم من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في إقليم شرناق في جنوب شرق البلاد قرب الحدود مع سوريا والعراق. ويشن حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية تمردا منذ ثلاثة عقود للمطالبة بحكم ذاتي للأكراد في جنوب شرق تركيا. بحسب رويترز.
وتعرضت تركيا أيضا لستة هجمات على الأقل ألقي باللوم فيها على تنظيم داعش على مدى العام المنصرم شملت تفجيرات انتحارية في اسطنبول في يناير كانون الثاني ومارس آذار قتل فيها سياح من ألمانيا وإسرائيل وهجوما بقنبلة وأسلحة نارية في مطار اسطنبول قتل فيه 45 شخصا في يونيو حزيران. وتوغلت تركيا في الأراضي السورية في محاولة لإبعاد التنظيم عن حدودها في أغسطس آب بعد أيام من قيام مهاجم انتحاري بقتل أكثر من 50 شخصا في حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب في جنوب البلاد. وحذرت القنصلية العامة الأمريكية في أضنة قبل أسابيع من أن "جماعات متطرفة تواصل محاولاتها العدوانية لمهاجمة مواطنين أمريكيين وغيرهم من الأجانب في أضنة". وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية رعاياها وطلبت منهم تجنب السفر إلى جنوب شرق تركيا.
قصور أمني
على صعيد متصل يقول حجي علي دورماز إنه اعتاد على مدار عامين عبور الحدود التركية إلى سوريا والانضمام لصفوف تنظيم داعش لأشهر قليلة ثم العودة إلى تركيا للعمل في مجال الإنشاء. ويحاكم الآن لتورطه في أدمى تفجير انتحاري في تركيا وقع العام الماضي وأودى بحياة ما يربو على مئة شخص في أنقرة. وتسلط شهادته الضوء على القصور في أمن الحدود والمخابرات وهو ما يقول محامون إنه سمح لأجزاء من تركيا بأن تصبح قاعدة خلفية للمتشددين.
وحسنت الحكومة التركية أمن الحدود منذ التفجير وموجة من الهجمات الأخرى لكن عواقب ثغرات من هذا القبيل يحتمل أن تكون بعيدة المدى. ويصور الرئيس رحب طيب إردوغان تركيا بأنها حاجز ضد وصول داعش إلى أوروبا من سوريا والعراق. ويقول إن تخليها عن حذرها سيمكن المتشددين من نشر فيضان من "النار والدم" في أنحاء العالم.
وقال دورماز خلال الأسبوع الأول من محاكمته في محكمة بأنقرة في إشارة لما كان في ذلك الوقت فرع القاعدة في سوريا "انضممت في البداية لجبهة النصرة. "ثم انضم أصدقائي لداعش وكان لدي تعاطف معها لذلك انضممت لهم. حضرت تدريبا عسكريا معهم وقاتلت معهم لأشهر قليلة ثم عدت إلى غازي عنتاب (قرب الحدود مع سوريا). هذا حدث جيئة وذهابا ثلاث أو أربع مرات (بين 2012 و2014)."
ودورماز (19 عاما) من بين 14 مشتبها بأنهم أعضاء في داعش مثلوا أمام المحكمة بسبب الهجوم الذي وقع خارج محطة القطارات الرئيسية في أنقرة في العاشر من أكتوبر تشرين الأول 2015 وأودى بحياة أشخاص أغلبهم نشطاء شبان موالون للأكراد ويساريون كانوا يشاركون في تجمع حاشد. ويحاكم 22 مشتبها بهم آخرون لكن بعضهم لا يزال طليقا وبعضهم تحدث عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. ويواجه البعض عددا من الأحكام تصل مدتها إلى 11750 عاما في تهم القتل والانتماء لمنظمة إرهابية والسعي لتغيير النظام الدستوري. ويواجه آخرون أحكاما بالسجن تصل إلى 22 عاما لانتمائهم لداعش.
وينفي دورماز الاتهامات بأنه كان مسؤول الحدود في داعش وساعد في تخطيط التفجير الانتحاري لكنه لم ينكر رحلاته إلى سوريا. وسأله القاضي عما إذا كان قتل أي شخص هناك فقال "كنا نقاتل المتمردين الأكراد ونظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. لم يكن الأمر تبادلا للورود." ويونس دورماز الشقيق الأكبر لدورماز مدرج في لائحة الاتهام على أنه العقل المدبر للهجوم لكنه فجر نفسه في مايو أيار خلال مداهمة للشرطة.
وظهر المتهمون في المحكمة خلف صف من أفراد شرطة مكافحة الشغب الذين كانوا يرتدون دروعا واقية وخوذات وهتفت أسر ومحامو الضحايا في بعض الأوقات مرددين "قتلة" وطالبوا الدولة أيضا بتحمل المسؤولية. وأبلغ العديد من المتهمين المحكمة أنه كان من السهل لسنوات للمتشددين أن يأتوا ويذهبوا من سوريا وأن ينقلوا ما يكفي من الأسمدة لصنع قنابل وتنفيذ هجمات.
وقال أحدهم ويدعى يعقوب شاهين إنه جلب الأسمدة التي استخدمت في التفجير. وعبر عن اعتقاده بأنه كان يشتري نترات الأمونيوم كي يتمكن رئيسه خليل إبراهيم دورجون من إنشاء مزرعة للثوم. وقتل دورجون نفسه في مايو أيار خلال مداهمة لمنزل في غازي عنتاب قرب الجدود السورية. وقال شاهين للمحكمة "المتجر الأول الذي سألته كان متشككا واتصل بالشرطة. الشرطة جاءت إلى منزلي وتحدثت إلى أختي لكنهم لم يسألوني عن شيء."
وأضاف أنه كُلف كذلك بمهمة مرافقة السيارة التي تقل المفجرين. لكنه تابع أنه كان يعتقد أنهم كانوا يأخذون صديقا لم يؤد الخدمة العسكرية الإلزامية إلى أنقرة وأنه كانت هناك ضرورة لوجود سيارة مرافقة للتحذير من وجود نقاط تفتيش تابعة للشرطة على الطريق. وفي شهادته للشرطة قبل المحاكمة قال شاهين إنه - شأنه شأن دورماز - كان مجندا في بادئ الأمر للانضمام لجبهة النصرة في غازي عنتاب قرب الحدود مع سوريا. وقال إن أحد أصدقاء الطفولة قدمه لاحقا لدورماز وأنه أدرك سريعا أنه يعمل لحساب داعش. ويقول ممثلو الادعاء الأتراك إن خلية لداعش في غازي عنتاب أقامت منازل آمنة لإيواء المقاتلين وخططت سلسلة من التفجيرات في تركيا.
اضف تعليق