معركة حلب والانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوري بدعم مباشر من قبل القوات الروسية، ضد الجماعات المسلحة في هده المدينة ما تزال محط اهتمام واسع، خصوصا وان بعض التقارير قد اكدت ان قوات الجيش السوري قد سيطرت على 93% من حلب واستعادت 52 منطقة سكنية من المعارضة، وهو ما قد يشكل منعطفا جديدا في هذه المعركة التي تحولت لصالح الحكومة السورية وحلفائها، حيث تعد حلب مركزا مهما للنشاط الاقتصادي في شمالي سوريا، و لا تبعد عن الحدود التركية سوى بنحو ثلاثين ميلا أو نحو 50 كيلومترا. ونتيجة لذلك، فإن السيطرة على حلب تظل أكثر من مجرد وجاهة يسعى كل طرف من الطرفين إلى تحصيلها. المزايا الأهم التي تتيحها السيطرة على المدينة هي تأمين خطوط الإمدادات.
وينظر المراقبون إلى حلب كما نقلت بعض المصادر، كحلقة مفصلية في الحرب بسوريا، ويمكن أن يشكل بسط السيطرة عليها من قبل قوات النظام "منعطفا حقيقيا" في النزاع، فيما ستتلقى المعارضة ضربة قوية قد تتبخر معها آمالها في الحفاظ على توازن القوة مع دمشق، ما سيؤثر على طبيعة أي مفاوضات ممكنة بين الجانبين، تجعل دمشق أول متحكم في مساراتها. وستشكل سيطرة قوات النظام السوري على مدينة حلب تحولا جذريا في مسار الحرب، إذ تضع دمشق على طريق تحقيق هدفها باستعادة كافة البلاد فيما سيصعب على الفصائل المعارضة تعويض خسائرها، وفق محللين.
ويقول الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للأبحاث فابريس بالانش، "حلب هي المنعطف الحقيقي للحرب، إنها بمثابة ستالينغراد"، في إشارة إلى المدينة الروسية التي قاومت ستة أشهر حصار القوات الألمانية فمنيت الأخيرة بخسارة فادحة غيرت مسار الحرب العالمية الثانية. ويرى بالانش أن الرئيس السوري بشار الأسد بحاجة إلى هذا الانتصار. ويوضح "كان من الصعب عليه تولي زمام الأمور في سوريا مستقبلا من دون ثاني مدنها، وبالتالي بإمكانه من خلال هذا الانتصار أن يقدم نفسه على أنه رئيس سوريا بأكملها".
ويرى كبير الباحثين في مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" يزيد الصايغ أن السيطرة على مدينة حلب "ستشكل إنجازا كبيرا للنظام، وقد حقق مبتغاه فعليا حتى وإن لم يسيطر على كامل المدينة بسرعة". ويضيف "حلب لم تعد معقل المعارضة" خاصة إذا بدأت قوات النظام بإحكام قبضتها على المدينة، ومنع قطع الطريق الدولية المؤدية إليها. وفي حال استعاد النظام كامل حلب، سيكون قد أمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات محادثات غير مباشرة السنة الحالية بإشراف الأمم المتحدة.
ويقول الصايغ إن السيطرة على حلب "مهمة جدا أيضا على الصعيد السياسي"، فضلا عن أنها "ستكسر ظهر المعارضة المسلحة (...) ويصبح من الممكن أخيرا تجاوز التفكير بإمكانية الإطاحة بالنظام عسكريا". وفي حال استعاد كافة مدينة حلب، يصبح بإمكان النظام التباهي بسيطرته على المدن الثلاث الرئيسية دمشق وحمص وحلب فضلا عن الجزء الأكبر والأغني من سوريا، أي غرب البلاد. أما الجزء الأكبر مما تبقى فهو عبارة عن مناطق صحراوية. ومن شأن السيطرة على حلب أن تفسح المجال أمام 30 ألف مقاتل من قوات النظام لشن عمليات عسكرية جديدة على جبهات أخرى، بحسب بالانش.
أما حلفاء المعارضة في الخليج وتركيا والغرب فلن يكون لديهم الوسائل لإنقاذها في حال فقدانها لحلب. ويضيف الصايغ أن السلطات السورية، ستثبت أنها "في وضع يمكنها من إعادة فتح الطريق الذي يربط الحدود الأردنية (جنوبا) حتى الحدود التركية تقريبا (شمالا". كما يعتبر بالانش أن عمليات "الاستسلام (في صفوف المسلحين) ستتضاعف حول أنحاء دمشق، خصوصا في الغوطة"، معقل المعارضة شرق العاصمة. ويبقى أمام قوات النظام خيارين اثنين، وفق ما يرى المحللون، التقدم شرقا أي باتجاه مدينتي الباب والرقة حيث تنظيم داعش، أو غربا باتجاه محافظة إدلب. ويرى الصايغ ان السيناريو الأول يتمثل "في توجه النظام نحو الشرق والتقدم باتجاه مدينة الرقة ليثبت مدى فعاليته للدول الغربية وروسيا في مكافحة تنظيم داعش، أما السيناريو الثاني فيتمثل في إحكام قبضته على حلب وخنق المعارضة في إدلب قبل بدء هجماته على أطرافها.
أما الفصائل المعارضة فإنها ستخسر الكثير بسقوط حلب بل أنها "ستفقد شرعيتها"، وفق ما يقول بالانش. ويضيف "لقد انتهت أسطورة الفصائل المعارضة المعتدلة في حلب والقادرة على تقديم بديل سياسي وعسكري". وفي العام 2012، ومع تحول حركة الاحتجاجات في سوريا إلى نزاع مسلح، وإثر معارك عنيفة انقسمت مدينة حلب إلى أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المعارضة وأخرى غربية تسيطر عليها قوات النظام.
الجيش يتقدم
وفي هذا الشأن يواصل الجيش السوري تقدمه في شرق حلب بالتزامن مع فرار آلاف المدنيين من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، حقق الجيش السوري تقدما جديدا على حساب الفصائل المعارضة بسيطرته على حارة الاصيلة قرب المدينة القديمة فضلا عن اجزاء واسعة من حي المعادي، وفق ما افاد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن. ومنذ منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، تمكنت قوات النظام اثر هجوم لها من احراز تقدم سريع داخل الاحياء الشرقية في حلب وباتت تسيطر على اكثر من 90% من مساحة هذه الاحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.
ويتركز تواجد الفصائل المعارضة حاليا في الاحياء الجنوبية الشرقية من مدينة حلب وحيث تتواصل الاشتباكات العنيفة على محاور عدة، وسط قصف متجدد لقوات النظام على اخر الاحياء التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وفق المرصد السوري. وردت الفصائل المعارضة باطلاق القذائف الصاروخية على الاحياء الغربية، الواقعة تحت سيطرة قوات النظام. ودفع الهجوم منذ حوالى شهر 120 الف شخص الى الفرار من الاحياء الشرقية، وفق المرصد السوري. وتوجه معظمهم الى احياء تحت سيطرة قوات النظام.
واشار عبد الرحمن الى ان النازحين الجدد توجهوا الى الاحياء الغربية او تلك التي سيطرت عليها قوات النظام مؤخرا في شمال ووسط مدينة حلب. وافادت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) بدورها عن "خروج اربعة الاف مدني (...) من القسم الجنوبي من أحياء مدينة حلب الشرقية"، مشيرة الى ان حركة النزوح مستمرة حيث يتم نقل المدنيين الفارين بواسطة حافلات الى "مراكز اقامة مزودة بجميع المواد والاحتياجات الاساسية اللازمة".
وتوقع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ان يسيطر الجيش السوري على مدينة حلب. وقال "يبدو الان للاسف ان حلب ستسقط". ويأتي ذلك غداة اجتماع دولي لدول تدعم المعارضة في باريس بحث الوضع الانساني في حلب. واعتبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري اثره ان "القصف العشوائي من قبل النظام ينتهك القوانين او في كثير من الحالات (يعتبر) جرائم ضد الانسانية، وجرائم حرب". بحسب فرانس برس.
وتسعى دمشق الى استعادة السيطرة على حلب، ثاني مدن البلاد، في خطوة من شأنها ان توجه ضربة موجعة للفصائل المعارضة. وفي حال استعاد النظام كامل حلب، سيكون امسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات محادثات غير مباشرة هذه السنة باشراف الامم المتحدة. وقال كيري ان "العودة الى طاولة المفاوضات هو افضل ما يمكنهم القيام به" في اشارة الى المعارضة، مضيفا "الارجح انهم في صدد خسارة حلب. ما زالوا قادرين على الحصول على تسوية سياسية تشرف معركتهم وكل ما استثمروا من اجله". بدوره، دعا البابا فرانسيس للسلام في سوريا وحلب تحديدا. وقال "ادعو الجميع من اجل اختيار الحضارة وليس الدمار، والسلام لاهل حلب وسوريا".
وقف إطلاق النار
الى جانب ذلك دعا معارضون مسلحون في شرق مدينة حلب السورية إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة خمسة أيام وإجلاء المدنيين والجرحى لكنهم لم يذكروا أي إشارة على استعدادهم للانسحاب كما طلبت دمشق وموسكو. وحقق الجيش السوري والقوات المتحالفة معه مكاسب سريعة على حساب المعارضين وبدا أقرب من أي وقت مضى إلى استعادة السيطرة الكاملة على حلب- أكثر المدن السورية سكانا قبل الحرب- وتحقيق أهم نصر في الصراع الذي يمضي في عامه السادس.
ودعا المعارضون في بيان لإجراء محادثات بشأن مستقبل المدينة فور تحسن الوضع الإنساني لكنهم لم يذكروا شيئا عن إجلاء المقاتلين الذين يدافعون عن منطقة تتناقص مساحتها باستمرار في شرق حلب. وقالت سوريا وروسيا التي تدعم الرئيس بشار الأسد إنهما تريدان أن يغادر مقاتلو المعارضة حلب ولن تدرسا وقفا لإطلاق النار ما لم يتحقق ذلك.
وتبدو الحكومة الآن أقرب إلى النصر من أي وقت مضى منذ عام 2012 العام التالي للجوء المعارضين للسلاح للإطاحة بالأسد في حرب قتل فيها مئات الألوف وشرد أكثر من نصف سكان سوريا وأوجدت أسوأ أزمة لاجئين في العالم. وخارج حلب تمارس الحكومة وحلفاؤها كذلك ضغوطا كبيرة على معاقل المعارضين الأخرى. ونقلت قناة الميادين عن الأسد قوله في مقابلة مع صحيفة "قرار تحرير كل سوريا مُتخذ وحلب من ضمنه." ووصف المدينة بأنها "الأمل الأخير" لمقاتلي المعارضة وداعميهم. بحسب رويترز.
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجيش السوري انتزع السيطرة على جميع أجزاء مدينة حلب القديمة- المدرجة على قائمة منظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي بما في ذلك المسجد الأموي- التي كان المعارضون يسيطرون عليها. كانت دمشق وموسكو تطالبان بانسحاب مقاتلي المعارضة من المدينة وتخليهم عن سلاحهم وقبولهم بممر آمن وهي إجراءات اتخذت في مناطق أخرى خرج مقاتلو المعارضة منها بعد حصارها في الأشهر القليلة الماضية. ومع قدوم فصل الشتاء أصبحت الأوضاع تحت الحصار سيئة للغاية وتفاقم الوضع مع تزايد أعداد النازحين ونقص المياه والمواد الغذائية.
اقامة ادارة ذاتية
على صعيد متصل اعلنت دمشق رفضها المبعوث الخاص للامم المتحدة ستافان دي ميستورا باقامة "ادارة ذاتية" لمقاتلي المعارضة في الاحياء الشرقية التي يسيطرون عليها في حلب. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحافي عقده بعيد لقائه مع دي ميستورا الذي يزور دمشق للتباحث حول خطته الهادفة الى وقف اعمال العنف في مدينة حلب، "هو تحدث عن ادارة ذاتية في شرق حلب وقلنا له ان هذا الامر مرفوض جملة وتفصيلا". واضاف "هل يعقل ان تاتي الامم المتحدة لتكافئ الارهابيين".
وكان دي ميستورا اقترح في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية بان تعترف الحكومة السورية بالادارة التي يقوم بها مقاتلو المعارضة في الاحياء الشرقية لمدينة حلب الخاضعة لسيطرتهم منذ صيف 2012. وفي المقابل، سيغادر المقاتلون التابعون لتنظيم "جبهة الشام" (جبهة النصرة سابقا) المنطقة التي يقطنها نحو 250 الف مدني في ظل حصار خانق منذ اربعة اشهر وتتعرض لقصف مكثف. واوضح المعلم "قلنا له، نحن متفقون على خروج الارهابيين من شرق حلب (...) لكن لا يعقل ان يبقى 275 الف نسمة من مواطنينا رهائن لخمسة الاف، ستة الاف، سبعة الاف مسلح". واشار الى انه "لا يوجد حكومة في العالم تسمح بذلك". بحسب فرانس برس.
وتابع "كلما عجلوا في مغادرة شرق حلب -ونحن نضمن لهم ان يختاروا الوجهة التي يريدون ان يذهبوا اليها- كلما قصروا من معاناة اهلنا" لافتا الى انه "لا بد من عودة مؤسسات الدولة الى شرق حلب". واشار وزير الخارجية السوري الى ان المبعوث الدولي لم يطرح خلال اللقاء موعدا لاستئناف الحوار السوري- السوري.
الى جانب ذلك قال الرئيس السوري بشار الأسد إن مقاتلي المعارضة المتحصنين في حلب يمكنهم المغادرة مع أسرهم إذا ألقوا أسلحتهم. وقبل مقاتلون من قبل عروضا مشابهة بالعفو من الحكومة في مناطق أخرى محاصرة في الأشهر الأخيرة وأبرزها داريا وهي من ضواحي دمشق ظلت تحت الحصار لسنوات إلى أن استسلم مقاتلو المعارضة بها في أغسطس آب.
اضف تعليق