الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية المشتركة، منذ انطلاق معركة الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتحريرها من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، الذي مُني بهزائم كبيرة، كشفت الكثير من الحقائق المهمة عن جرائم هذا التنظيم الارهابي، الذي سعى الى استخدام اساليب انتقامية وقوانين اجرامية خاصة، من اجل اثارة الرعب والخوف في نفوس المواطنين، الذين استخدمهم اليوم كدروع بشرية بعد ان اعدم وشرد العشرات منهم، لتثبيت سطوته في المناطق التي يسيطر عليها، هذا بالإضافة الى عمليات الاختطاف والسرقة وغيرها من الجرائم الاخرى كـ( الاتجار بالأعضاء البشرية) وبيع النفط المهرب والاثار واجبار المواطنين على دفع الاموال والضرائب تحت تهديد السلاح، قصص مؤلمة عن الموت والدمار والقوانين الظالمة والممارسات القمعية، التي عاشها ابناء الموصل في ظل (دولة الخلافة الاجرامية) التي اسسها مجموعة من الشواذ وقطاع الطرق، تناقلتها اليوم وسائل الاعلام العالمية بعد تحرير العديد من القرى والمناطق، لتكون شاهدا على كفر وارهاب هذا التنظيم الذي تفنن في إعدام وتعذيب ضحاياه.
وفي هذا الشأن التقى عراقيون فارون من الموصل المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في العراق بأسرهم وتشابكت أيديهم عبر سياج من الأسلاك لمخيم للنازحين ورفعوا أطفالا حديثي الولادة لأقاربهم ليرونهم. وانهار الكثير منهم باكين لدى رؤيتهم أحبائهم للمرة الأولى في أكثر من عامين. وقال زياد عز الدين عند الحاجز في مخيم الخازر للنازحين إلى الشرق من المدينة "هذه عائلتي.. هؤلاء أهلي لا أستطيع أن أصف شعوري." "لم أرهم منذ عامين ونصف العام. غادروا في بداية الأزمة لكنني بقيت في الموصل. كان هذا مصيرنا. الحياة كانت فظيعة تحت حكم داعش."
وغادر الآلاف الموصل منذ بدأت القوات النظامية العراقية والقوات الخاصة وقوات الحشد الشعبي والبشمركة ومجموعات أخرى تدعمها ضربات جوية تقودها الولايات المتحدة حملتها لاستعادة السيطرة على المدينة قبل أسابيع.
وقال أبو زاهد "أمي وأبي في الموصل بقيا هناك وأنا غادرت بدونهما. لم أرهما منذ عامين ونصف العام كيف لأحد أن يقبل ذلك... أريد فقط أن أراهما. هذا كل ما أريده في الحياة." وتقول الأمم المتحدة إن 22 ألف شخص شردوا منذ بدء حملة استعادة الموصل مع استبعاد آلاف آخرين من قرى قريبة أجبرهم متشددو داعش على مرافقتهم وهم يتراجعون نحو الموصل واستخدموهم كدروع بشرية.
الهروب من داعش
من جانب اخر ذرف عباس علي الدموع بينما كانت زوجته تدفعه ببطء على كرسيه المتحرك في طريقهما للخروج من قريتهما بشمال العراق في رحلة هروب محفوفة بالمخاطر عبر طريق شهد مقتل زوجين قبل أيام برصاص قناصة تنظيم داعش لدى محاولتهما الفرار من حكمه. ونظر علي وزوجته- وبرفقتهما أولادهما الأربعة- خلفهما ليريا ما إذا كان لا يزال هناك متشددون لن يتوانوا عن تنفيذ تهديدهم بإطلاق النار على كل من يحاول الفرار من الخلافة التي أعلنوها.
ووقف مقاتلو البشمركة الكردية على ساتر ترابي يراقبون عن كثب أي دلالة على وجود مفجرين انتحاريين يتنكرون أحيانا في هيئة مدنيين. ورفع رجلان وراء الزوجين قمصانهما ليظهرا أنه ليس بحوزتهما متفجرات. وقال علي أثناء دفعه إلى قاعدة للأكراد يهاجمها المقاتلون المتشددون على الدوام ليلا "تعرضت بلدة قريبة يسيطر عليها داعش لهجوم. سمعنا أن المقاتلين الخمسة من داعش الباقين في قريتنا ذهبوا لمساندة زملائهم هناك."
واستعادت القوات العراقية والبشمركة عشرات القرى في إطار عملية عسكرية انطلقت في 17 أكتوبر تشرين الأول لطرد التنظيم من مدينة الموصل معقلهم الرئيسي في العراق. وتشجع الناس الذين يعيشون في بلدات تسيطر عليها داعش بعد تلك المكاسب المدعومة بغارات جوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة. لكنهم يواجهون قرارا صعبا- هل يغامرون بحياتهم للاستفادة من القوة الدافعة لهجوم القوات العراقية أم يبقوا على ما هم عليه؟ ونشر التنظيم الخوف في البلدات والقرى التي يسيطر عليها بتحذير واضح بقتل كل من يحاول الهرب.
وقال ساكن آخر تمكن من الهرب إن شخصا ألقي القبض عليه أثناء محاولته الفرار تلقى 95 جلدة. وقال علي "نشروا التحذيرات لكننا لم نتمكن من التحمل أكثر من ذلك. الحياة كانت صعبة للغاية." وتنقل قوات البشمركة اللاجئين إلى مخيمات أقامتها السلطات العراقية للتعامل مع التدفق المتوقع للهاربين من الحكم القاسي للدولة الإسلامية.
وعندما عاد علي للبكاء مجددا لجأت زوجته بشرى المغطاة بالملابس السوداء من رأسها حتى أخمص قدميها وفق تعليمات داعش لصب المياه على رأسه في محاولة لتهدئته في منطقة صحراوية لا تبعد كثيرا عن قرية أخرى ما زال يسيطر عليها 120 من المتشددين. وقالت بشرى وهي تمسح الغبار عن وجوه أولادها بمياه من زجاجة "منعونا من كل شيء يمكن أن تتصوره. لا يجوز فعل هذا ولا ذاك. الله لا يرحم داعش."
واستند على حائط بالقرب منها أقارب وهم شبان كانت لحاهم بالطول الذي حددته داعش التي أدار مقاتلوها كل كبيرة وصغيرة في الحياة اليومية بوحشية بدءا من شعر الوجه وحتى المدارس. وجلس الشبان بصبر بينما كان الضابط قمر رشيد من البشمركة يدقق في بطاقات هوياتهم. وقال رشيد "يجب أن نتأكد أنهم لا ينتمون لداعش." وقال أحد الرجال مبتسما "أنا أدخن للمرة الأولى منذ وقت طويل" متذكرا كيف كان التدخين ممنوعا تحت حكم المتشددين وكانت عقوبته خمسين جلدة علنا.
وبين من يخضعون للاستجواب وقف عمر الذي تصادف أنه كان يزور أقارب له في قرية أبو جربوع التي هرب منها علي وعائلته في اليوم الذي سيطرت عليها فيه داعش. كان عمر يسكن أربيل عاصمة إقليم كردستان وفقد الاتصال بأقاربه وأصدقائه ولا يملك أدنى فكرة عما حدث لمحل النجارة الذي كان يملكه. وأضاف عمر وهو يحمل دفترا فيه الحسابات المالية لدكانه في أربيل "استخدام الهاتف المحمول يمكن أن يعني الموت الفوري." بحسب رويترز.
وكان سكان القرى التي تسيطر عليها داعش لا يستطيعون ممارسة نشاط تجاري إلا إذا قدموا حصة للتنظيم المتشدد وفق ما ذكره قاسم حسن الذي كان عاطلا عن العمل يعتمد في معيشته اليومية على المال الذي تجنيه زوجته من الخياطة. وقال حسن "كان علينا أن ندفع لداعش كل شهر. لم يكن أمامنا خيار."
فصول سوداء
الى جانب ذلك وعندما لمح أبو فهد الجنود العراقيين يصلون من بعيد، هرع إلى والده وسحب الحطة من رأسه، فجعلها راية بيضاء وانتظر ليخرج عائلته من الموصل. يقول أبو فهد إن 40 من أفراد عائلته تمكنوا من الخروج عبر "التسلل بهدوء والاختباء تحت السلالم والسير جنب جدران المنازل". كان يتحدث وهو جالس في خيمته داخل مخيم النازحين حيث التحق بالعائلات الفارة من عاصمة "الخلافة"، وخصوصا من المعارك التي دارت في الأيام الأخيرة داخل الموصل وفي محيطها.
وتحت ذلك القصف و"بين نارين"، نار الجهاديين ونار القوات العراقية التي تتقدم إلى الموصل مدعومة بطائرات التحالف الدولي، غادر ايضا أبو سارة. ترك حي السماح في شرق الموصل، حاملا بين ذراعيه طفله الأخير الذي لم يتجاوز 15 يوماً. ويقول أبو سارة "كان هناك قناصة يطلقون النار، وقذائف هاون تتساقط، كان جحيما، مأساة فعلية". ويضيف العراقي البالغ 34 عاما والذي يضع على كتفيه سترة جلدية بنية "مشينا كيلومترات عدة بثيابنا التي علينا ورايات بيض لوحنا بها طوال الطريق". إلى جانبه، ابنة عمه أم مصطفى، تمرر يدها على بطنها المنتفخ من الحمل، وتتحدث عن عامين ونصف عام تحت حكم الجهاديين الذين "خبأونا تحت النقاب".
أما اليوم، فبفستانها الأزرق الملائم لحجابها، تبتسم رغم البرد القارس في خيام النازحين الذين يتوافدون يوميا بالآلاف. وبحسب "المجلس النروجي للاجئين"، يبلغ عدد النازحين حاليا أكثر من 140 ألفا في ممر الموصل. وتقول أم مصطفى، وهي أم لسبعة أطفال، "الآن نعود إلى الحياة أخيرا". اما أم خالد فتشد على يد ابنها الصغير، الذي عانى أيضا من غضب الجهاديين بسبب شعره الذي لم يرقهم. وتقول العراقية (63 عاما) "لقد أمسكوه من شعره وقالوا له عليك أن تقصه، الشعر الطويل لفتى هو تشبه بالفتيات وهذا حرام".
بحسب أبو أحمد (60 عاما)، فإن "الحياة توقفت" في المدينة التي تعد 1,2 مليون نسمة تحت حكم الجهاديين. ولا يزال معظم هؤلاء المدنيين محاصرين في الموصل. ويروي هذا العامل في قطاع النفط والذي خسر عمله مع وصول الجهاديين في العام 2014 إن "المصانع لم تكن نعمل، لم يعد هناك أشغال، ولا نقود". ويجلس قرب صنابير مثبتة عند تقاطع أربع خيام، ماسكا بسبحته. ويؤكد هذا الجد أنه لم يكن يعتزم مغادرة الموصل وحي الخضرة الذي كان يسكنه. لكن في اليوم الذي امتدت فيه المعارك إلى حي السماح "كنا أنا وزوجتي نتناول العشاء عند أولادي الذين يعيشون هناك". ويضيف "بقينا معهم لأن القصف كان كثيفا ولا يمكن الفرار، وبعد ذلك هربنا بمجرد أن استطعنا ووصلنا إلى هنا. تركنا كل شيء وراءنا، ليس لنا إلا الله".
لم يسعف الوقت أبو فهد وزوجته وأطفالهما الستة لإحضار أي شيء. لكنهم وصلوا إلى بر الامان، في حين لا يزال بعض من أفراد عائلتهم في الموصل. ويقول "لي أختان في حي الكرامة"، حيث تدور المعارك حاليا. وأوضح أبو فهد الذي يرتدي قميصا رماديا أنه "لا يوجد ارسال لشبكة الهاتف هناك والمكان الوحيد الذي نلتقط فيه الإرسال هو الأسطح، ولكن هناك، ثمة قناصة". بحسب فرانس برس.
علم من جيرانه الذين وصلوا بعده أن خمسة أشخاص في الحي قتلوا بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون من تنظيم داعش. والسيارات المفخخة مصدر قلق لأم خالد، التي تسأل الجيش يوميا لمعرفة ما إذا كانت إحدى السيارات التي انفجرت قريبة من منزلها. حين كانت في الموصل، كانت تعتبر في مصطلحات الجيش "مصدرا". ففي ذلك الوقت حينما كانوا يريدون معرفة مكان السيارات المفخخة لتنظيم داعش "كانوا يتصلون"، على قولها، "أما اليوم فكل الهواتف مطفأة".
عامين من الخوف
في السياق ذاته قالت أرملة مسيحية عجوز تمكنت من النجاة بحياتها طوال عامين تحت حكم تنظيم داعش لبلدتها في شمال العراق إن المتشددين هددوها بالقتل وأجبروها على البصق على صليب وجعلوها تدوس على صورة للعذراء مريم. واجتمع شمل ظريفة بدوس دادو (77 عاما) بعائلتها بعد أن طردت القوات العراقية تنظيم داعش من بلدتها قرة قوش مع تقدمها صوب مدينة الموصل آخر معقل حضري رئيسي للتنظيم المتشدد في البلاد. وعثرت القوات العراقية على دادو مختبئة في منزل كانوا يعتقدون أنّه مهجور أو مفخخ.
وهرب معظم سكان قرة قوش- أكبر بلدة مسيحية بالعراق- باتجاه إقليم كردستان شبه المستقل قبل أكثر من عامين مع اقتراب المتشددين منها لكن دادو بقيت هناك مع عجوز أخرى واعتقد أقاربها لفترة طويلة أنها توفيت. واستهدف تنظيم داعش الأقليات الدينية في شمال العراق- وبينهم المسيحيون واليزيديون- بالقتل أو الطرد بعد إعلان الخلافة في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا عام 2014.
وأدى استيلاء المتشددين على الموصل والبلدات المجاورة لها إلى طرد المسيحيين فعليا من المنطقة للمرة الأولى منذ نحو ألفي عام. وقالت دادو التي تعاني من ضعف السمع إن المتشددين لم يؤذوها جسديا لكنهم هددوها وسرقوها وجعلوها تدنس رموز دينها وحاولوا إجبارها على اعتناق الإسلام. وأضافت متحدثة من منزل أحد أقربائها في أربيل التي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن قرة قوش "طلبوا مني أن أبصق على الصليب. كنت أبكي من داخلي لكنني لم أستطع إظهار ذلك."
ثم طلب منها المتشددون أن تدوس على صورة لمريم العذراء كانت تحتفظ بها في منزلها. وقالت "قلت (لنفسي).. ‘يا مريم سأدوس عليك لكنك تعرفين أنني لا أقصد ذلك‘." واجتمع شمل دادو- التي توفي زوجها عام 2014- مع شقيقها وأقارب آخرين في أربيل حيث ذبحت عائلتها المبتهجة بسلامتها خروفا احتفالا بما اعتبروه معجزة نجاتها. وجلست الأرملة العجوز ذات الحواجب الرمادية الكثيفة والأسنان المتآكلة والصليب الموشوم على معصمها وسط أقربائها الذين كانوا يبكون ويهتفون بينما كانت تروي الأحداث المروعة التي شهدتها.
وتحدثت دادو بمزيج من العربية والسريانية وهي لهجة قديمة متفرعة من اللغة الآرامية التي يقال إن المسيح كان يتحدث بها. وقالت ابنة أختها إن العائلة فقدت الاتصال بها قبل نحو 18 شهرا عندما فرض تنظيم داعش قيودا على الهواتف في المناطق الخاضعة لسيطرته. وأضافت "لم نكن نعرف شيئا عنها. كان يمكن أن يحدث أي شيء." ويعيش معظم المسيحيين في العراق في الشمال حول الموصل التي تعتبر واحدة من أقدم مراكز المسيحية في العالم ويعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي.
وقبل نحو 25 عاما كان يعيش في العراق أكثر من مليون مسيحي لكن أعدادهم تضاءلت خلال التسعينات عندما واجه العراق الحرب والعقوبات وتسارعت هجرتهم بعد موجات من الهجمات على المسيحيين خلال أعمال العنف الطائفي عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وكان يعيش في بلدة قرة قوش التي تبعد نحو 20 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من الموصل 45 ألف شخص قبل أن تجتاح داعش المنطقة.
وكانت دادو تنام في حديقتها عندما دخل المتشددون البلدة في أغسطس آب 2014 وأصدروا إنذارا لأهلها بدفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو القتل. وقالت إنها أرادت مغادرة البلدة لكنها في النهاية فقدت الأمل. وأضافت "بكيت لأنني احترت أين يمكن أن أذهب. لم يبق أحد في قرة قوش. لم يكن لدينا جيران.. لا أحد. كلهم غادروا."
وقالت دادو التي كانت ترتدي عباءة سوداء تغطي شعرها وتضع وشاحا بنفسجيا "كنا امرأتين تعيشان وحدهما. وكانوا يأتون في الليل .. في بعض الأحيان في الرابعة صباحا.. كنا نشعر بالرعب." وسرق المتشددون كل ما هو نفيس من منزل دادو. وعندما أكدت لهم أنه لم يبق شيء ليأخذوه هددوها. وقالت "عادوا في يوم آخر وقالوا ‘إذا لم تعطنا مالك سنفرغ هذه البندقية الآلية في صدرك‘." بحسب رويترز.
وحاول التنظيم مرارا حملها على اعتناق الإسلام. في البداية جادلتهم. قالت "حاولت أن أقول لهم ‘ما هو الفرق بين المسلم والمسيحي؟ كلنا نعبد الله." وأضافت "كانت دقات قلبي تتسارع عندما كانوا يحاولون إقناعي بتغيير ديني. كانوا يحاولون إقناعي بنطق الشهادتين. قلت لهم إنني لا أعرف كيف أقولها ثم قلتها بالعكس." وفي النهاية خضعت دادو. وقالت "كنت أقول ما يريدون. حياتي عزيزة علي لهذا قلت ما اضطررت لقوله."
صور اخرى
على صعيد متصل كان محل الحلاقة الذي يملكه علي بشار هو المحل الوحيد الذي فتح أبوابه حتى الآن بعدما شق الجيش العراقي طريقه في حي الانتصار شرق الموصل. وبداخل المحل اصطف رجال لحلق لحاهم الطويلة التي أُجبروا على إطلاقها في عهد داعش. وعلى بعد بضعة مبان كانت أربع جثث لمقاتلين من داعش ملقاة على الطريق مغطاة بالبطاطين ويحوم حولها الذباب. وقال رجل شرطة إنها متعفنة في ذلك المكان منذ عشرة أيام انتظارا لإزالة الجيش للجثث.
ولم تعد الحياة بعد إلى طبيعتها في واحد من المناطق الأولى الصغيرة التي يستعيدها الجيش العراقي من آخر معاقل لداعش في البلاد. لكن السكان تحركوا بحرية في الشوارع التي تنتشر فيها رايات الاستسلام البيضاء والتي كانت قد رفعت لحماية منازلهم مع تقدم الجيش. كان هناك صبي يجلب غاز الطهي لوالده وأطفال يلهون على ساتر ترابي غير عابئين بأصوات إطلاق النار والانفجارات.
ومعركة طرد داعش من مدينة الموصل -وهي أكبر بكثير من أي مدينة سيطر عليها التنظيم المتشدد على الإطلاق- هي أكبر عملية عسكرية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وطوق تحالف يتألف من 100 ألف من القوات العراقية وتدعمه غارات جوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الموصل بصورة شبه كاملة. واستعادت قوات مكافحة الإرهاب وهي من قوات النخبة عدة أحياء إلى الشمال مباشرة من حي الانتصار لكن ضباطا عسكريين يقولون إن الوجود الكثيف للمدنيين في المناطق السكنية يبطئ تقدم القوات.
وكانت عربات همفي تابعة للجيش منتظرة أمام محل الحلاق الذي أعيد فتحه. وملأ السكان وقليل من الجنود واجهة المحل الضيقة. ولم يتضح عدد الذين يريدون التزين ومن يريدون اتخاذ ساتر من إطلاق النار العشوائي في الخارج. لكن أصوات أدوات الحلاقة الكهربائية والمقصات تغني عن الكلام في مدينة كان التنظيم المتشدد قد أمر فيها بإطالة اللحى باعتبار ذلك إظهارا لسيطرته على كافة أوجه الحياة خلال العامين ونصف العام منذ أعلنوا الخلافة من مسجد في الموصل.
وقال بشار الحلاق وهو يصف الحياة في ظل داعش " لمًن فاتوا (عندما جاءوا .. منعوا حلق اللحية .. شوية شوية منعوا الزيان (التزين) منعوا القزع (حلاقة جزء من شعر الرأس فقط) ...والخيط. ويوميا يطلعولك بسالفة (شئ) يعني ممنوع.. ما ظل شغل (لم يعد هناك عمل).. كله ممنوع. نحن كنا نشتغل لكن لا لحية.. فقط شعر .. لكن قزع ما قزع.. ممنوع." وعرض منشورا وزعه المتشددون يوضح القيود بالتفصيل. وقال إنه توقف عن العمل بعدما اعتقلته شرطة الأمر بالمعروف التابعة للتنظيم لفترة وجيزة بعدما قام بحلق لحية على هيئة اللحية المصغرة على الذقن الشائعة في معظم العراق.
وبعد 11 يوما من إعلان الجيش دخول قواته حي الانتصار قال عقيد إن الجيش تمكن أخيرا من بسط السيطرة على المنطقة بالكامل وتقدم صوب حي السلام القريب. وقال ضابط آخر إن قذائف المورتر لا تزال تسقط هنا وإن القناصة لا يزالون في مجال الرمي. وبخلاف محل الحلاقة لم تكن هناك أي متاجر أخرى مفتوحة. فالمتاجر غير قادرة حتى الآن على جلب البضائع ولذلك يعتمد المدنيون على المواد الغذائية التي يوزعها الجيش بشكل يومي. وقال بعض السكان إنه لم تصلهم مساعدات حتى الآن. بحسب رويترز.
وقال سعد وهو طالب يبلغ من العمر 22 عاما "لا يوجد أطباء هنا. إذا أصيب أحد بالرصاص فسيموت في بيته." وبينما كان يتكلم اهتزت الأرض بسبب انفجار كبير سُمع من بعيد داخل الموصل. وبعد لحظات مرت عربة همفي مسرعة وهي تحمل جنديا مصابا من خط الجبهة إلى مركز للإسعافات الأولية على أطراف المدينة. وعند محل الحلاقة التقط أحد السكان صندوقي ذخيرة خشبيين فارغين تركهما الجيش. وقال الساكن إنهما سيشكلان حطبا جيدا للطهي. وأخرج الرجل الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أبناءه من المدرسة في ظل سيطرة داعش. وقال إن الوظائف كانت قليلة في دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم. وأضاف "إذا كنت ترغب في عمل فعليك أن تنضم إليهم."
اضف تعليق