مجزرة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، التي امرأة باكستانية بالاشتراك مع زوجها بعد ان بايعت تنظيم داعش الارهابي وتسببت بقتل 14 شخصا وجرح 21 آخرين، لاتزال محط اهتمام واسع في داخل وخارج الولايات المتحدة الامريكية خصوصا مع استمرار التحقيقات الامنية، حيث يرى بعض المراقبين ان ما حدث في هذا التوقيت بذات اي بعد تفجيرات باريس الاخيرة تحمل الكثير من الرسائل المهمة والخطيرة، اولها قدرة واستطاعة هذا التنظيم الارهابي وبالرغم من انطلاق حرب دولية ضده، على ضرب اي هدف حيث اثبتت الوقائع انه يستطيع استهداف جميع الدول دون استثناء، ويجعل مدنها المحصنة ساحات للحرب والقتال، فهذا التنظيم وكما تنقل بعض المصادر، نجح في عولمة الإرهاب عندما أصبح له اذرع طويلة تمكنه من استهداف اي مدينة في العالم، يضاف الى ذلك ان هذه الهجمات قد اثبتت ايضا ضعف القدرات
الاستخبارية والامنية لدول العظمى، التي ساعدت في تكوين داعش وغيره من الجمعات الارهابية الاخرى في سبيل تحقيق مصالحها الخاصة.
مجزرة سان برناردينو اثارت ضجة كبيرة داخل المجتمع الامريكي، الذي يعيش حالة من الذهول والصدمة، جراء ضعف الاجراءات الامنية المتبعة داخل امريكا التي تعد اهم اهداف تنظيم داعش الارهابي، خصوصا وان العديد من التقارير السابقة التي اصدرها مكتب التحقيقات الفدرالي قد اكدت ان تنظيم "داعش" حقق نجاحا ملحوظا في إجراء حملات ترويجية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بغية التأثير على المسلمين الأمريكيين، ويحاول التنظيم الإرهابي إقناع المسلمين غير المرتاحين من سياسة حكومة الولايات المتحدة، بأنهم إذا عجزوا عن التوجه إلى الشرق الأوسط للانضمام إلى صفوف الإرهابيين، يقدرون على ارتكاب عمليات قتل في الأماكن التي يعيشون فيها". ويوجد أكثر من 21 ألف مستخدم لموقع "تويتر" من الناطقين باللغة الإنجليزية، يتابعون الصفحات الموالية لـ"داعش"، ومن المرجح أن يكون جزء كبير منهم مواطنين أمريكيين.. وعدد الأمريكيين الذين تأثروا بالحملات الدعائية للتنظيم الإرهابي غير معروف لكنه كبير نسبيا.
هذا وقد اعلنت الشرطة الامريكية، عن أن الزوجين سيد فاروق (28 عامًا) وتشفين مالك (27 عامًا)، اللذين التقيا وتزوجا في المملكة العربية السعودية، كان لديهما في سيارتهما الرياضية أكثر من 1700 طلقة رصاص عندما قتلا في تبادل لإطلاق النار مع الضباط. وقال جارود بورجوان قائد شرطة سان برناردينو للصحفيين ان الشرطة التي فتشت منزلا للمشتبه بهما عثرت على مادة لصنع القنابل وذخيرة اضافية.
البطل الخفي للمذبحة
وفي هذا الشأن قال رئيس لجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأمريكي مايكل ماكول إن تشفين مالك المرأة الباكستانية التي شاركت في تنفيذ هجوم كاليفورنيا ربما أثرت على زوجها الأمريكي لانتهاج العنف. ويقول أقارب تشفين مالك في باكستان إنها تخلت على الأرجح عن الإسلام الوسطي الذي تتبعه العائلة وأصبحت أكثر تطرفا خلال السنوات التي أمضتها في السعودية.
كانت تشفين مالك وزوجها الأمريكي المولد سيد رضوان فاروق (28 عاما) اقتحما تجمعا لموظفين في سان برناردينو بكاليفورنيا وأطلقا النار فقتلا 14 شخصا. ولقي الاثنان حتفهما بعد ذلك بساعتين في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة. وقال ماكول "ثمة تحقيق جدي الان حول ما كانت تفعله في باكستان والسعودية." وأضاف "نعتقد انها قطعت شوطا طويلا في عملية التطرف وربما فيما يتعلق بدفع السيد فاروق للتطرف في الولايات المتحدة."
وقال ماكول "البطل الخفي في هذه الحالة هو زوجة فاروق." وتابع أن المحققين يحققون أيضا لمعرفة من أين حصلا على الأموال لشراء الأسلحة. وعندما سُئل عن علاقة الزوجين بتنظيم داعش الذي أعلن انهما من "أنصاره" قال ماكول إن هذا ليس واضحا وإن التحقيق الراهن يبحث أيضا في هذه الجزئية. وقال إن التنظيم كان مصدر "إلهام" على الاقل لشن الهجوم خاصة ان تشفين مالك أعلنت ولاءها للتنظيم المتشدد في تعليق على فيسبوك. بحسب رويترز.
ويقر المسؤولون الأمريكيون بأنه لم تكن لديهم أي معلومات عن الزوجين قبل الحادث سوى الطلب الذي تقدم به فاروق للحصول على تأشيرة لتشفين مالك حتى يتسنى لها الحضور إلى الولايات المتحدة ليتزوجها. وقال ماكول "نتحرى عن عامل التمويل الارهابي في هذه القضية."
مراقبة أمنية
في السياق ذاته يراقب مسؤولون أمنيون عن كثب جامعة في شرق باكستان كانت ملتحقة بها تشفين مالك إحدى منفذي هجوم كاليفورنيا بالولايات المتحدة بسبب مخاوف من أن التشدد يترسخ بها. ودرست مالك وهي باكستانية الصيدلة بجامعة بهاء الدين زكريا في الفترة من عام 2007 حتى عام 2012 بعد أن عاشت معظم حياتها في المملكة العربية السعودية.
وقالت الشرطة ومسؤولو الأمن في الجامعة بمدينة ملتان إن ضباط مخابرات تمركزوا بالجامعة لمراقبة التشدد بين الطلبة ومجموعهم 35 ألفا. ويأتي تعزيز الإجراءات الأمنية والمراقبة بعد مذبحة راح ضحيتها 134 طالبا في مدرسة تابعة للجيش بمدينة بيشاور في شمال غرب البلاد قبل عام والتي ألقي باللوم فيها على حركة طالبان الباكستانية المتشددة.
وكانت مالك أتمت تعليمها آنذاك وقال مسؤولون إنه ليس هناك دليل حتى الآن على أنها تحولت إلى التشدد في الجامعة أو أن لها صلات بأي جماعة متشددة بعينها. لكن الإجراءات الأمنية الصارمة تثير التساؤلات بشأن جامعة بهاء الدين زكريا ذاتها واحتمالات أن يكون الترويج للتطرف في الجامعات بباكستان يتم بشكل أوسع. وقال شرطي داخل الجامعة طلب عدم نشر اسمه إذ أنه غير مصرح له بالحديث للصحافة "مسؤولو مخباراتنا متمركزون الآن في الجامعة ويعملون على مدار الساعة في جمع أدلة. و"نشر ضباط مخابرات وشرطة داخل جامعة أمر غير عادي بالنسبة لنا ولكن ليس لنا خيار آخر."
وقال الشرطي "تخضع الجامعة للمراقبة 24 ساعة يوميا. قمنا بتركيب كاميرات للأمن في أنحاء الجامعة بما في ذلك في كل مساكن الطلبة." وأضاف أنه في الشهر الماضي صادرت الشرطة أسلحة من مساكن الطلبة واعتقلت ثلاثة طلبة وصادرت هواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر محمولة من طلبة آخرين. وأكد طارق مسعود من شرطة ملتان أن الشرطة "اتخذت إجراءات" بعد أن طلبت سلطات الجامعة منها التدخل إلا أنه رفض ذكر المزيد من التفاصيل.
وقال مسؤول أمني آخر في الجامعة طلب عدم نشر اسمه إنه منذ بضعة شهور تلقت الجامعة رسالة ممن زعمت أنها جماعة طائفية محظورة تهدد فيها بارتكاب مذبحة ضد الطلبة. وأضاف "هذا النوع من الفكر المتطرف قائم في هذه المنطقة (جنوب البنجاب) بوجه عام وبالطبع ينعكس على الجامعة بشكل ما." وقال بابار خاقان المتحدث باسم الجامعة إن الجامعة معنية "بتعزيز القيم الفاضلة" وأدان تصرفات مالك.
وولدت مالك (29 عاما) في باكستان. إلا أن مالك عاشت معظم حياتها في المملكة العربية السعودية قبل عودتها إلى باكستان للدراسة. وبعد تخرجها تزوجت فاروق وأنجبا طفلة العام الحالي. ولم يتضح بعد سبب تحول مالك من طالبة هادئة محافظة إلى قاتلة ولم يتأكد بعد المحققون الأمريكيون من كيفية تحولها إلى التطرف أو أين حدث ذلك وما إذا كانت هي من حولت زوجها للتطرف أم العكس. وأثناء دراستها الجامعية كانت مالك تحضر فصولا في معهد الهدى وهو ضمن شبكة مدارس دينية للنساء والفتيات ولم يثبت أن له أي صلة بالتشدد.
وللهدى 11 مكتبا في أنحاء باكستان ومكاتب دولية في كندا والهند والسعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة. وقال عمران عامر مدير الإدارة في المعهد بملتان إن مالك التحقت بدروس دينية مدتها 18 شهرا والتحقت بالهدى في عام 2012 إلا أنها غادرت بعد بضعة أشهر. وأضاف عنها "كانت خجولة للغاية ومحافظة مثل أي فتاة عادية ولم يكن هناك أي شيء يميزها. من يدري ما دفعها للقيام بما قامت به؟ ولكنها لم تتعلمه في الهدى." بحسب رويترز.
وسعى مسؤولون باكستانيون إلى تقييد عمل الصحفيين الذين يتحرون في خلفية مالك مما يشير إلى قلق الحكومة من الأضرار التي يمكن أن تلحق بباكستان جراء هجوم كاليفورنيا. وقال أساتذة في الجامعة التي تعلمت بها مالك هاتفيا إن مالك بدت هادئة ومتدينة وطالبة عادية.
أسرة تاشفين وزوجها
على صعيد متصل اعرب اقاربها عن شعورهم بالخجل ازاء الجريمة التي ارتكبتها، واشاد تنظيم داعش بالجريمة وقال ان منفذيها من انصاره. وذكر مالك احمد علي اولاخ عم تاشفين مالك، الوزير المحلي السابق في باكستان، ان تاشفين ولدت في قرية كارور لال ايسان في ولاية البنجاب وسط البلاد، الا انها انتقلت مع عائلتها للعيش في السعودية في عام 1989.
واضاف ان والد تاشفين هو غولزار مالك وكان مهندسا، ابتعد عن العائلة "ولم يعد الى باكستان حتى لحضور زفاف اقاربه المقربين". وصرح برس "نشعر بالخجل والصدمة لهذا العمل الذي ارتكبته قريبتنا -- لماذا فعلت شيئا بهذه البشاعة؟ لا نصدق ما حدث". وقال احد اعمامها الاخرين ويدعى مالك عمر علي اولاخ "انقطع الاتصال بيننا وبين عائلة غولزار الذي تجنب الاتصال بنا". وصرح عميل استخبارات باكستاني ان جهاز الاستخبارات قام بعملية تفتيش لمنزل العائلة الثاني في مدينة مولتان على بعد 200 كلم شمال غرب قريتهم الاصلية، الا انهم لم يعثروا على اي شيء يثير الاهتمام.
ترتبط المنطقة الجنوبية من اقليم البنجاب الذي تتحدر منه تاشفين منذ فترة طويلة بالصوفية وممارساتها التي يعتبرها المسلمون المتشددون السنة بدعة. وبالفعل فانه طبقا لمحمد جميل، احد جيران والد تاشفين، فان احد اعمام تاشفين هو احد ابرز الصوفيين. وقال جميل في اشارة الى تاشفين "لا نريد ان يفعل المسلمون مثل هذه الامور التي فعلتها. يجب معاقبة مثل هؤلاء الاشخاص (..) لقد الحقت العار بباكستان". بحسب فرانس برس.
واصدرت الحكومة الباكستانية بيانا دانت فيه الهجوم، واكد وزير داخليتها ان اسلام اباد ليست مسؤولة عن الهجوم. وصرح الوزير شودري نيزار علي خان للصحافيين في اسلام اباد "لقد اتصلنا بالحكومة الاميركية واكدنا لها اننا سنزودها باية مساعدة قانونية ممكنة في حال طلبت ذلك". الا انه اضاف انه "لا يمكن تحميل بلد او مواطنين او ديانة مسؤولية جريمة ارتكبها فرد، واقدر للادارة الاميركية توخيها الحكمة حول هذه المسالة".
من جانب اخر نقلت صحيفة إيطالية عن والد منفذ الهجوم المسلح في سان برناندينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، أن نجله الذي قام بالعملية مع زوجته كان مؤيدا لإيديولوجية تنظيم "داعش" المتطرف و"مهووسا" بمحاربة إسرائيل. ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية في الولايات المتحدة قال والد الأمريكي من أصل باكستاني سيد فاروق إن ابنه "كان يقول إنه يؤيد إيديولوجية (زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر) البغدادي وكان مهووسا بإسرائيل".
وتابع الوالد الذي هاجر من باكستان إلى الولايات المتحدة في 1973 "كنت أقول له دوما اهدأ واصبر، ففي غضون عامين لن تعود هناك إسرائيل. الوضع الجيوسياسي يتغير: لا أحد، لا روسيا ولا الصين ولا حتى أمريكا، يريد بقاء اليهود هناك. سيعيدونهم إلى أوكرانيا. ما فائدة القتال؟ سبق وأن قاتلنا وخسرنا (...) ولكنه لم يكن يريد أن يسمع. كان مهووسا" بفكرة محاربة إسرائيل.
وأضاف الوالد البالغ من العمر 67 عاما، والذي يدعى أيضا سيد فاروق 1973 أن ابنه "كان منذ عمر المراهقة يرفض الذهاب إلى الحفلات مع أصدقائه، لأنه كان يقول أن المسلم الحقيقي لا يمكنه أن يرى امرأة ترقص إلا إذا كانت هذه المرأة زوجته". وقال إنه رأى ابنه "في إحدى المرات ومعه مسدس" فغضب منه، مؤكدا بالمقابل أن ليس لديه "أي علم" بما إذا كان ابنه قد اتصل بإرهابيين أم لا.
وأشارت وسائل إعلام أمريكية، أن منفذ الهجوم "متشدد دينيا"، وأنه كان على اتصال بأفراد يشتبه بعلاقتهم بالإرهاب في الخارج، خاصة بعد اقترانه بزوجته في السعودية العام الماضي، في حين تؤكد السلطات الأمريكية أن من المبكر ربط الهجوم بالإرهاب. وأشارت قناة سي أن أن نقلا عن مسؤولين إلى أن فاروق كان على اتصال مع أفراد يشتبه بعلاقتهم بالإرهاب في الخارج وتشدد بعد اقترانه بمالك في السعودية في العام الفائت، رغم أن إمام مسجد محلي يرتاده أكد أنه لم يبد أي مؤشر على ذلك.
اضف تعليق