مدينة الرقة السورية التي حولها تنظيم "داعش" الى عاصمة لدولة المزعومة، بعد ان خرجت عن سيطرة الدولة السورية في عام 2013، اصبحت اليوم من اشهر المدن في العالم كما يقول بعض المراقبين، بسبب اقترانها بأسم هذا التنظيم الارهابي الذي حولها لسجن كبير ومذبح خاص للصحفيين والرهائن الاجانب وغيرهم. ومنذ احتلالها وحتى الان لاتزال هذه المدينة التي تحولت ساحة معركة مفتوحة تصارع من أجل البقاء، فهي تعاني اليوم من الاحتلال والدمار الذي اسهم بتفاقم معاناة اهل المدينة، الذين لم يكن يدور ببالهم عندما قرر التنظيم تحويلها الى عاصمة لمايسمى دوله الخلافة، ان تتحول الى هدف لغارات جوية لا تحصى ومقصدا لالاف "الجهاديين" القادمين من اكثر من 80 بلدا، ويبدو أن للتنظيم حسابات اخرى عندما حولها الى عاصمته، حيث تقع على تقاطع طرق توصل المدينة الى شمالي البلاد وغربه وشرقه.
والرقة كما تنقل بعض المصادر هي ثالث اكبر محافظة سورية من حيث المساحة، وتقع الى الشمال الشرقي من البلاد وتمتد الى الحدود مع تركيا وكان لها معبر حدودي مع تركيا ( تل ابيض) قبل استيلاء الاكراد عليه قبل اشهر قليلة، وتبعد عن مدينة حلب حوالي 200 كم. والى الشرق من المدينة هناك منطقة شبه صحرواية مترامية الاطراف تصل الى غربي العراق، منطقة نفوذ التنظيم وقاعدته الاصلية قبل ان يوسع نشاطه الى سوريا بعد فترة قصيرة من بداية الازمة السورية عام 2011. هذا الانفتاح على غرب العراق يسمح للتنظيم بالتحرك بحرية في هذه الصحراء المترامية الاطراف، مستفيدا من معرفته عميقة بهذه المنطقة تمتد الى فترة قيادة "داعش في العراق" العمل المسلح ضد القوات الامريكية والعراقية في اعقاب الغزو الامريكي للعراق.
هدف للغارات الجوية
في هذا الشأن تؤرق صفارات الانذار التي نشرها تنظيم داعش في الشوارع وعلى الابنية اهالي مدينة الرقة في شمال سوريا في كل مرة تقترب طائرات حربية لقصف مواقع الجهاديين الذين يبادرون فور سماعها الى اخلاء مقارهم وحتى الترجل من سياراتهم للاختباء. وتتعرض الرقة، المعقل الرئيسي للتنظيم في سوريا لقصف جوي كثيف من طائرات الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن لا سيما الفرنسية منها، والطائرات الروسية. وسجل تصعيد في هذه الغارات بعد حادث تحطم الطائرة الروسية في سيناء في 31 تشرين الاول/اكتوبر واعتداءات باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد تبني تنظيم داعش الهجومين.
ويقول تيم رمضان، الناشط في حملة "الرقة تذبح بصمت" والمقيم في المدينة، عبر الانترنت "صفارات الانذار موجودة على سطوح الابنية المرتفعة وفي الساحات والشوارع. حين تدخل الطائرات الحربية مجال الرقة الجوي، تدوي الصفارات لتنبه عناصر التنظيم". ويوضح ان هؤلاء و"بمجرد سماعهم صفارات الانذار، يبادرون الى اخلاء مقارهم فورا. وشوهد بعضهم وهم يترجلون من سياراتهم في وسط الطريق" للاختباء.
ويؤكد ناشط آخر في الحملة ذاتها يعرف عن نفسه باسم ابو شام الرقة انه "كلما حلقت الطائرات يطلقون (عناصر التنظيم) الصفارات لتنبيه المقاتلين والسكان، والمشكلة ان القصف مستمر ليلا نهارا". ويسيطر داعش على مدينة الرقة منذ كانون الثاني/يناير 2014 بعد معارك عنيفة مع مقاتلي الفصائل المعارضة للنظام الذين كانوا استولوا عليها من قوات النظام في آذار/مارس 2013. وتنشط حملة "الرقة تذبح بصمت" سرا في المدينة منذ نيسان/ابريل 2014، وتوثق انتهاكات التنظيم في منطقة محظورة على الصحافيين.
وبادر التنظيم مع ازدياد وتيرة القصف الجوي وفق ناشطين في المدينة، الى اتخاذ تدابير جديدة او تحديث اجراءات سابقة لحماية عناصره ومقاره. ويشير رمضان الى "لجوء التنظيم الى الخنادق، وقسم منها عبارة عن سراديب تحت الارض كانت موجودة، وقسم ثان جديد تم حفره وتجهيزه".
وبحسب ابو شام، "نقل التنظيم جميع مقاره التي كانت موجودة على اطراف المدينة الى الأحياء السكنية المكتظة" بعد استهداف عدد من هذه المقار. واستهدفت طائرات فرنسية في 15 تشرين الثاني/نوفمبر بالقصف مخازن اسلحة ومعسكر تدريب على الاطراف الجنوبية والغربية للمدينة، وفق ما اعلن الجيش الفرنسي. ويشير الباحث هشام الهاشمي الى ان التنظيم نقل اخيرا "مخازنه الى الاحياء السكنية وقام بإفراغ معسكرات التدريب وخصوصا معسكري الكرين والرصافة، والاعتماد على الأنفاق لعقد الاجتماعات الخاصة".
ويضيف ان التنظيم "يعقد اجتماعاته العامة في المستشفيات والمساجد"، لعلمه ان طائرات الائتلاف والروس لا تستهدف اجمالا هذه الاماكن تجنبا لقتل مدنيين. ويقول الهاشمي المتابع عن قرب لتحركات المجموعات الجهادية في سوريا والعراق، ان التنظيم أقدم ايضا على "نقل كتيبة تبوك التي تتولى تنفيذ العمليات الخاصة وغالبية عناصرها من الأوزبك والقوقاز، من الرقة الى العراق وتحديدا الى القائم". ويشير الى ان قيادات التنظيم يستخدمون "البريد المشفر والشفهي" في ما بينهم لاصدار التعليمات بهذه الاجراءات وغيرها.
وكان مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن أكد إخلاء التنظيم عددا من مقاره ونقل بعضها الى الاحياء السكنية المكتظة، بالاضافة الى نقل عدد كبير من مقاتليه من سوريا الى العراق. واوقف التنظيم، وفق الهاشمي، "نقل المنتجات النفطية بالصهاريج الكبيرة التي تصل سعتها الى 36 الف ليتر، وبات يستخدم صهاريج سعتها اربعة الاف ليتر" بعد استهداف مئات شاحنات النفط التابعة له مؤخرا من طائرات الائتلاف وروسيا في الرقة ودير الزور (شرق) حيث يسيطر على معظم الحقول النفطية الموجودة في هذه المحافظة الغنية بالنفط.
ويعتمد تنظيم داعش في تمويله الى حد كبير على عائدات تجارة النفط. واعلنت كل من واشنطن وموسكو عزمها على تكثيف استهداف البنى التحتية النفطية في مناطق سيطرة التنظيم في سوريا. وتطال اجراءات التنظيم المدنيين. فقد نصب مؤخرا حواجز جديدة في مدينة الرقة يعمد عناصرها الى تدقيق مشدد في هويات المارة. وينفذ التنظيم، وفق ابو شام، "مداهمات ليلية لمقاهي الانترنت ويحقق مع كل الأشخاص الذين يشك في أمرهم".
ويشير الهاشمي الى "نشر التنظيم جواسيس لمعرفة من يستخدم الانترنت" في هذه المقاهي. وبحسب المرصد السوري، اغلق التنظيم عشرة مقاهي انترنت على الاقل في وقت سابق، لكنه سمح بفتح بعضها بعد استيفائها شروطا محددة، على غرار ان يقع المحل "في شارع رئيسي ويزكيه عنصران من التنظيم من أبناء المنطقة"، وأن يُصمم "بشكل يفصل الرجال عن النساء". وتقتصر خدمة الانترنت على المقاهي، اذ ان قطع الانترنت عن المنازل والمحال مستمر منذ اشهر.
ويمنع التنظيم السكان من مغادرة الرقة الى مناطق خارجة عن سيطرته الا بعد الحصول على "اذن مسبق". ويتحكم التنظيم المتطرف منذ سيطرته على الرقة بمفاصل الحياة، ويغذي الشعور بالرعب بين الناس من خلال الاعدامات الوحشية والعقوبات التي يطبقها على كل من يخالف احكامه او يعارضه. لكن يبدو ان الغارات الجوية تلزم التنظيم احيانا بتخفيف اجراءاته او الحد منها مؤقتا جراء اختباء عناصره. بحسب رويترز.
ويشير الهاشمي مثلا الى "تأجيل محاكمات واعدامات" جراء كثافة الغارات الاخيرة. ويؤكد ناشطون محليون ان "رجال الحسبة يخففون من تنقلاتهم اثناء الغارات"، ما يعطي احيانا السكان "وقتا مستقطعا" يتنفسون فيه. ويقول رمضان "المدنيون والنساء تحديداً يستغلون هذا الغياب لكسب القليل من الحرية، اذ تتمكن الفتاة مثلا من فتح نافذة او الخروج الى الشرفة بلا نقاب".
مدينة الرعب
من جهة اخرى وبعد ان قضى التنظيم على القوى المنافسة له في المحافظة مع بداية عام 2014 رتب الامور في المدينة واقام ادارة تهتم بشؤون المدينة والحياة اليومية للسكان، واقام فيها قواعده ومعسكرات للتدريب ومقرات لسكن مقاتليه السوريين والاجانب. فشرطة "الحسبة" تتولى تنفيذ تعليمات وقرارات التنظيم، حيث تجوب شوارع المدينة مثل غيرها من المدن والبلدات التي يسيطر عليها في سيارات خاصة ومن بين مهامها التأكد من التزام الرجال باللباس الشرعي وضبط الاسعار وفرض الغرامات وجبايتها، بينما تتولى كتيبة "الخنساء" التي تضم فقط النساء من عناصر التنظيم معاقبة النساء اللواتي لا يلتزمن بارتداء النقاب الفضفاض أو الخروج من المنزل من دون مرافقة محرم.
وترزح المدينة تحت سطوة التنظيم الذي يتبع سياسة الترويع والعنف الشديد بحق مخالفيه من المعارضين سواء من عناصر المعارضة المسلحة ام النشطاء المدنيين، حيث شهدت المدينة عمليات ذبح واعدامات جماعية على مرأى الناس في الساحات العامة، بهدف بث الرعب في اوساط المجتمع الذي يحكمه والقضاء حتى على امكانية تفكير الناس بمعارضته، مما حدا بالمعترضين على ممارساته الى الفرار بجلدهم من المدينة، فمن لا يذكر مصير ابناء عشيرة الشعيطات التي تصدت لتوسع التنظيم في ريف دير الزور، فكان مصيرهم التهجير من قراهم واعدام نحو 700 شاب ورجل من ابنائها، في اكبر عملية اعدام جماعي في سوريا.
واستفاد التنظيم من البنية القبلية السائدة في الرقة وريفها، حيث قام بشراء ولاء شيوخ العشائر والقبائل سواء بالترهيب أو بالترغيب، وحيدهم في الصراع الذي خاضه ضد الجماعات المسلحة الاخرى وبات "امراء" التنظيم من الجنسيات العربية لهم الكلمة الاعلى في ادارة شؤون المدينة والتنظيم بعد ان استتبت الاوضاع له.
فحسب شهادة ثلاثة من النساء السوريات اللواتي كن عناصر في "كتيبة الخنساء" كما في جاء في مقالة نشرت في صحيفة "نيويورك تايمز الامريكية" في 21/11/2015 اصدر التنظيم امرا مشددا بمنع الاختلاط بين عناصره الاجانب والسوريين بمن فيهم النساء الاجنبيات الملتحقات بالتنظيم بعد انتشار الشائعات في المدينة بأن الاجانب يتمتعون بامتيازات اكبر من السوريين مما يؤثر سلبا على سمعة التنظيم لدى الناس.
وحسب شهادة احداهن فان "النساء الاجنبيات في التنظيم يفعلن ما يحلو لهن ويتحركن بمنتهى الحرية" واضافت اخرى ان السوريين في المدينة اصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية وانها لم تعد ترى الوجوه التي كانت مألوفة في المدينة، فقد بات الغرباء هم الاكثرية. وفرض التنظيم مؤخرا التجنيد الاجباري على الشبان في المناطق التي تخضع لسيطرته وقيد حركة نزوح المدنيين من مناطقه.
إن تجربة تحرير مدينتي عين العرب- كوباني السورية وسنجار في العراق من سيطرة التنظيم، وهما مدينتان هجرها ساكنوها مع وصول التنظيم اليهما، تدل على ان التنظيم لن يسلم المدن التي يسيطر عليها بسهولة ولن يخرج منها الا بعد تتحول الى كتلة من الركام بفعل القصف الجوي العنيف من قبل طائرات التحالف الغربي. بحسب رويترز.
الى جانب ذلك أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن نزوح لعائلات مقاتلي تنظيم "داعش" من مدينة الرقة، معقل التنظيم المتطرف، نحو محافظة الموصل في العراق، وذلك إثر القصف الروسي والفرنسي. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، هناك حركة نزوح كبيرة لعائلات المقاتلين الأجانب في التنظيم باتجاه محافظة الموصل في العراق، إذ يعتبرونها أكثر أمنا، خصوصا أنهم يقولون إن الضربات الجوية استهدفت أماكن سكنهم". وأوضح عبد الرحمن أن تنظيم داعش اتخذ احتياطاته مسبقا، فالمواقع المستهدفة من مستودعات ومقار لم يكن فيها إلا حراس فقط"، موضحا أن غالبية القتلى سقطوا جراء استهداف حواجز الجهاديين.
معركة التحرير
في السياق ذاته فليس سرا أن واشنطن تريد سقوط الرقة "العاصمة" المعلنة لتنظيم داعش في سوريا عاجلا لا آجلا. فقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه سينشر قوات للعمليات الخاصة داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا. وألقت الولايات المتحدة مؤخرا نحو 50 طنا من الذخائر لجماعات معارضة في سوريا. وجمعت معظم هذه الذخائر وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وتواصل طائرات التحالف دك المدينة من الجو إلى جانب غارة روسية غير مقصودة بين الحين والآخر.
وقال قائد إحدى جماعات المعارضة التي تدعمها واشنطن "سنعلن ساعة الصفر قريبا لبدء معركة التحرير من الظلم والاضطهاد." ومع ذلك فسيواجه التحالف مشكلتين كبيرتين إذا لم يتوقع ما سيحدث يوم سقوط المدينة ويخطط له. ويأتي الإستيلاء على مدينة - لا سيما مدينة حكمتها جماعة ارهابية لفترة من الوقت - بكل الاحتمالات المخيفة بما في ذلك الفوضى العامة والأزمة الانسانية وتسوية الحسابات بوحشية على أيدي المحررين.
ومع ذلك فتوقع أولا أن تكون المعركة طويلة ودموية وخطرة. ومن الممكن أن يتطلب الأمر قوة برية كبيرة لطرد مقاتلي داعش المدججين بالسلاح والمتحصنين ثم تحرير المدينة التي يسكنها 200 ألف شخص. ولنفكر في الدمار الذي حدث في مدينة كوباني على الحدود السورية التركية. استلزم الأمر قتالا من بيت لبيت لمنع داعش من الاستيلاء عليها. وفي تكريت والرمادي وغيرهما من المدن في العراق أبدى المقاتلون المتشددون استعدادهم لتفخيخ مساحات كبيرة من الارض للقضاء على جهود القوات المحررة.
ولذلك فمن سيحرر الرقة؟ لايزال الغموض يكتنف الاجابة لأنه لا يبدو أن ثمة كثيرين يهتمون بتنفيذ هذه المهمة الصعبة. فلا يبدو أن الأكراد يتوقون للاستيلاء على المدينة ذات الغالبية العربية. كما أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات برية كبيرة لإنجاز المهمة. وتبدو تركيا عازفة عن ارسال قوات عبر الحدود لشن حرب لا سيما في ضوء عداء أنقرة تجاه معظم المتمردين الأكراد. كذلك فالجماعات المختلفة التي يتكون منها الجيش السوري الحر أضعف من أن تهاجم داعش مباشرة.
بالاضافة إلى ذلك فمن المؤكد أن الائتلاف الذي يحارب لا يتلهف على دخول الرئيس السوري بشار الأسد وداعميه الايرانيين إلى المدينة مرة أخرى. لذلك ففي الواقع لا توجد قوة برية يجري تجميعها لتحقيق هذا الهدف. لكن ماذا لو تم بالفعل طرد داعش من المدينة ربما على أيدي قوة مقاتلة تدعمها قوة جوية وجماعات صغيرة من قوات العمليات الخاصة الامريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الأرض؟ وفي هذه النقطة ربما أمكن لواشنطن أن تكرر ما حققته من نجاح عام 2001 في طرد حركة طالبان من كابول.
قد يسوى ما يصل إلى نصف المدينة بالارض في المعركة. ولهذا فحالما يتوقف إطلاق النار سيواجه جيش التحرير مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالبنية التحتية واللاجئين. وهذا سيؤدي في كل الأحوال إلى اللغز الثاني الكبير ألا وهو المسعى الضروري لتأسيس حكومة فعالة. من سيحكم الرقة في اليوم التالي لتحريرها؟ وماذا سيحدث لكل النازحين الفارين من المدينة وإليها؟ أتذكر أن شيوخ القبائل في المدينة رحبوا بالجيش السوري الحر وغيره من جماعات المعارضة قبل بضعة أعوام. لكن تنظيم داعش طرد كل المقاتلين عندما ثبت عجزهم عن أو عدم رغبتهم في حكم المدينة. ومن غير المؤكد ما إذا كان أي من هذه الجماعات السياسية يمكنه تقديم القوة اللازمة لإبقاء داعش تحت السيطرة وفي الوقت نفسه حماية القانون والنظام في المدينة.
أما بالنسبة للجماعات الخارجية من الأكراد إلى الأتراك فمن الممكن أن يتحول الأمر بسرعة من التحرير إلى الاحتلال. ويمكن لبضعة أحداث بغيضة أن تجعل الرقة تبدو مثل بغداد عام 2005. فالقلق قائم بالفعل أن تسعى قوة كردية للثأر للفظائع التي ارتكبتها داعش في كوباني وغيرها. ومن الممكن أن تلجأ داعش للعمل السري وتظهر فيما بعد لتفجير سيارات ملغومة والاستعانة بمهاجمين انتحاريين لنشر الفوضى. سترتفع الحواجز الخرسانية في كل أنحاء المدينة. وسيصبح من الصعب إدارة الحياة اليومية.
وإذا لم يكن أصحاب القرار الأمريكيون في البنتاجون والبيت الابيض ومجتمع الاستخبارات يفكرون في هذه المشاكل المحتملة بشكل ممنهج فقد تكون النتيجة هي الفشل. وبدلا من التركيز على جوانب طلعات القصف المنتجة للأدرينالين أو إحصاء الخسائر البشرية لداعش يجب أن تفكر الإدارة في كيفية توفير الأمن والوظائف والصرف الصحي لمواطني الرقة. لأنه بدون ذلك ستخلق واشنطن على الأرجح من جديد وضعا جاهزا للفوضى.
والأكثر إزعاجا أن مواطني الرقة قد يبدأون اعتبار داعش قادة مدنيين أفضل مثلما حدث في مناطق أخرى من سوريا. فهذا سيصبح صداعا لعقود مقبلة. وبدون قوة كبيرة لتحقيق الاستقرار ونظام حكم فعال يستعيد بعضا من أوجه الحياة العادية سيفشل التحالف على الأرجح في تحقيق أهدافه من تحرير الرقة - أو أي مساحة رئيسية أخرى من الأرض التي تسيطر عليها داعش - لفترة طويلة. بحسب رويترز.
وعلى الشركاء البدء بالتركيز على ما قد يحدث في اليوم التالي للتحرير قبل أن يأتي ذلك اليوم بفترة طويلة. ولن تحتل عملية إعادة بناء المجتمع المعقدة والطويلة العناوين. لكن إذا كانت واشنطن وحلفاؤها جادين في هزيمة داعش فعليهم التفكير فيما سيحدث في اليوم التالي لليوم الذي يستردون فيه المدينة.
اضف تعليق