لاشك في أن تخطيطاً دولياً (توسعياً واستيلائياً) يدير ما يجري في عدد من بلاد العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في الجغرافية الشيعية، من أعمال ذبح ونحر بالسيوف، وأكل لقلوب، وانتهاك لأعراض، ونخر أجساد شباب بالرصاص، وقطع رؤوس بالمناشير الكهربائية، وإلقاء الناس من فوق بنايات عالية، وإحراق أحياء، وإبادة عوائل، وسحق أشخاص بسرف الدبابات، ونبش قبور، وسحل وتمثيل بجثث، وسلب ونهب للأموال العامة والخاصة، وتهديم للمدن وتخريب للبلاد، وأجساد متفجرة، وسيارات مفخخة، وطمس للقيم، وتشويه للحياة، وهي مشاهد موت فظيع تتحرك بفوضى وجنون، في الشوارع والأسواق، والمدارس والجامعات، والحدائق والمستشفيات، وفي المساجد والحسينيات والكنائس والمعابد، والمراقد المقدسة والمقامات المشرفة، والأماكن العامة.
ورغم أن تلك الأعمال الوحشية تتحرك بذرائع وأهداف سياسية، إلا أن العناوين والمضامين الدينية والمذهبية حاضرة بقوة وفاعلية، إنْ لم تكن هي أكثر حضوراً وأقوى فاعلية من غيرها، فإن العنف الدموي المستعر اليوم، تنفذه تنظيمات تصف نفسها بأنها "إسلامية"، وتدعي أنها تؤمن بالقرآن والسنة، وأن هدفها إقامة دولة الخلافة الإسلامية، كما هو ثابت عن القاعدة وداعش.
لذا، فإن التاريخ هو المحرك الأقوى الذي يدفع ويستثير الشباب للانخراط في التنظيمات التكفيرية، وبالتاريخ نفسه يشرعنون الأعمال الإرهابية التي يرسمون بها الأحداث المأساوية التي تقع في كل يوم، في أكثر من بلد.
كما أن الحاضر الدامي الذي نكابد مراراته، يكتب سطور مأساته وآلامه فقهاء طواغيت بمداد سيرة صحابة من الذين أشارت روايات عديدة الى أنهم حرّفوا في أحكام الدين، وانقلبوا على وصية رسول الله بعد شهادته (صلى الله عليه وآله وسلّم).
ومن تلك الروايات ما أخرجه (البخاري ومسلم) في صحيحيهما، والترمذي في سننه وصححه، والنسائي في سننه، وأحمد في المسند عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ألا وإنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنتُ عليهم شهيداً ما دمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ).
وأخرج البخاري عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يَرِد علَيّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيحلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي. فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
مشكلة الإرهاب
إضافة الى الدعم الدولي، تحت يافطات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، فإن ما يجعل مشكلة الإرهاب التكفيري أكثر تعقيداً، هو أنها لا تنحصر في أحزاب أو حركات أصولية أو راديكالية أو متطرفة أو إسلاموية أو وهابية أو سلفية جهادية، وإنما تتسع إلى ما هو أكبر، حيث إن لب مشكلة الإرهاب التكفيري تكمن بأن لها أساساً فقهياً واضحاً وصريحاً.
فإن مصادر تشريع الإرهاب التكفيري وأساسيات فقهه موجودة في كتابات ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب وآرائهم، وهذه الكتابات والآراء مطبوعة ومنشورة ومتوفرة في كل الدول الإسلامية وغير الإسلامية، وبدون أي قيد أو شرط، وهي تُدرّس وتُدرس - على أنها المنهج السلفي الذي كان عليه نبي الإسلام وصحابته والسلف الصالح - في جامعات دول (السعودية مثلاً) ومدارسها ومساجدها، ويتم تلقين الأطفال على أن هذه الآراء والمصادر تحتوي على منهج الطائفة المنصورة أو الفرقة الناجية.
ويرتكز الإرهابيون في بنائهم العقائدي على فقه منظومة سلفية، ومن أسس هذه المنظومة التكفيرية ما يعرف بـ(نواقض الإسلام) التي تصادر إيمان الآخر، وتنطلق من تكفير الدولة والمجتمع، وفي مقدمة منظري السلفية التكفيرية (أبو الأعلى المودودي)، كما أن الأعمال التي قام بها تنظيم القاعدة، كانت ترجمة دقيقة لإيديولوجيا (السلفية الجهادية) التي تستند إلى مرجعيات تاريخية كـإمام الحنابلة، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، ويتقاسم ابن تيمية وسيد قطب مقام الأب الروحي لـ"الحركات السلفية الجهادية" المعاصرة، وكلها إرهابية برأي فقهاء الإسلام، في العراق ومصر وتونس وغيرها، وأيضاً هي حركات إرهابية برأي المجتمع الدولي.
كما يعتبر عبد الله عزام، وعمر عبد الرحمن، وأيمن الظواهري، وأسامة بن لادن، وأبو محمد المقدسي من أبرز منظري هذا التيار، وقد أطلق أبو قتادة الفلسطيني على مفهوم الحركة الجهادية العالمية التي تتمثل عملياً بـ(تنظيم القاعدة) الإرهابي بأنها: "الأمل"، وإنها "حركة سلفية التصور والرؤى.. سلفية المنهج والتدين".
وهذا التشويه والتحريف لأحكام الله ومبادئ الإسلام، الذي تستند إليه التنظيمات التكفيرية في إعطاء "الشرعية" لأعمالها، ليس جديداً، فقد بدأ مع ساعة رحيل النبي الأعظم الى الرفيق الأعلى.
يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): هناك حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أكْثَرَ من روايته العامّة والخاصّة بطرق مختلفة لدرجة قد تبلغ حدّ التواتر، من أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: «كثرت عليّ الكذّابة وستكثر»، وفي بعضها بزيادة: «بعدي». والمقصود بالكذّابة على رسول الله الذين يختلقون الأحاديث وينسبونها له، أو يلصقون بسيرته ما ليس من سيرته.
وللأمويين دور كبير في ديمومة عملية تشويه الإسلام واجتثاث رموزه، يقول الإمام المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده): "لقد ضاع خلال العهد الأموي كثير من التراث النبوي الشريف، وذلك من خلال تعريض الرواة للقتل والتشريد، والكبت والاضطهاد، وإدخال التحريف والدس في الأحاديث النبوية الشريفة".
منهج داعش
وكما أن تنظيم داعش أكثر هتكاً وفتكاً ووحشية من التنظيمات الأخرى كالقاعدة وجبهة النصرة وجيش الراشدين، فإن داعش أكثر وضوحاً في تحديد المنطلقات التاريخية والفقهية التي يتحرك منها ليمارس أعماله الإرهابية.
فقد أعلن تنظيم داعش، في بيان له نشر على مواقعه والمواقع المؤيدة له، أنه سوف يستهدف زوار العتبات المقدسة الشيعية بكل إمكاناتها، وبأضعاف ما فعل في السابق.
وجاء البيان بعنوان (يزيد قائدنا والحسين عدونا) وأشار الى أن (إمام الرافضة الحسين قد خرج على إمام زمانه يزيد بن معاوية، واستحق القتل لأن الأمير يزيد بن معاوية كان خليفة المسلمين، وإن الحسين -وإنْ كان جده محمد- إلا أنه أراد شق عصا المسلمين، فتصدى له الخليفة العادل يزيد).
وأضاف بيان داعش أن "أتباع الحسين من الرافضة، ومنذ ذلك الوقت، يحاولون استفزاز أنصار يزيد بن معاوية، من أهل السنة، بإقامة مراسيم وثنية في محرم تنتقد فعل الأمير يزيد معاوية في إخماد فتنة الحسين، وقد آن الأوان لكي يتصدى أهل السنة الى هذه الأفعال، وينتصرون لأميرهم يزيد بن معاوية، وقد قرر أبناؤكم من الدولة الإسلامية في العراق والشام تحمل المسؤولية الشرعية، والتصدي لهؤلاء الروافض وإلحاقهم بإمامهم الحسين".
أيضاً، وبعد نبش القبور، وهدم الكنائس، وهدم الأضرحة التي تحمل أسماء الصحابة والأنبياء، تسعى «داعش» الى إعادة صياغة القرآن الكريم، وحذف عدد من الآيات والسور، زعماً أنها "محرفة وغير صحيحة"، وأن رجال دين مسخرين لخدمة أديان وطوائف أخرى كالمسيحية والشيعة وغيرهما، غيّروا في القرآن، وحرفوا فى بعض آياته، ومن ثم يجب تصويبها وتعديلها.
وذكرت صحيفة «أدينلك ديلي» التركية فى تقرير لها أن تنظيم «داعش» الذي يعد الأكثر وحشية فى تاريخ البشرية، أعلن عن نيته إعادة كتابة بعض آيات القرآن الكريم، وإعادة ترتيب بعض آخر منها، وأن من بين السور الكريمة التي يسعى «داعش» إلى تغييرها هى سورة «الكافرون».
وبحسب ما ذكرته الصحيفة التركية، فإن داعش يتهم الشيعة بتحريف القرآن، خاصة الآية رقم 33 من سورة «الأحزاب» التى تقول: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»، ويرى أنه من الضروري تعديل هذه الآية، وحذف بعض الكلمات منها. ويتفق المسلمون جميعاً على أن آية التطهير نزلت بحق أهل البيت صلوات الله عليهم، مختصة بأهل الكساء (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين).
ويعتبر حديث الكساء من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند السنة والشيعة، حتى أن ابن تيمية، مع تعصبه الشديد، قد اعترف بصحة الحديث قائلاً: أن "هذا الحديث صحيح في الجملة، فإنه ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لعلي وفاطمة وحسن وحسين: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وروى ذلك مسلم عن عائشة...، وهو مشهور من رواية أم سلمة من رواية أحمد والترمذي".
ومن نصوص الحديث الصحيحة ما ذكره السيوطي في (الدر المنثور): "وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين. فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء كان عليه، ثم قال: "هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا".
وذهب الأمويون (المؤسسون والتابعون) إلى أن آية التطهير نزلت خاصة في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستدلون بأدلة غير ناهضة، بل مخالفة للأدلة الصريحة التي وردت في مصادرهم المعتبرة.
ويقولون ذلك، رغم الحديث الصحيح الوارد في كتاب (صحيح مسلم): (..ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما كتاب الله عز وجل، هو حبل الله من أتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة. وفيه: فقلنا: مَنْ أهل بيته نساؤه، قال: لا وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده).
ما يقطع بأن ما يُعرف بـ(أهل البيت) لا يشمل نساء النبي.
كما وردت روايات، في (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم)، تبين مَنْ هم أهل بيت النبي، الذين نزلت فيهم (آية التطهير)، فورد في (صحيح مسلم): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير، واللفظ لأبي بكر، قالا: حدثنا: محمد بن بشر، عن زكرياء، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
وجاء في كتاب (صحيح البخاري): قال أبو عاصم: عن عياد أبي يحيى قال: حدثنا أبو داود، عن أبي الحمراء، قال: صحبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر، فكان إذا أصبح كل يوم، يأتي باب علي وفاطمة فيقول: السلام عليكم أهل البيت، (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).
وكما ضرب الأمويون الكعبة المشرفة بالمنجنيق، حيث ورد في تاريخ الخلفاء للسيوطي (1821). وقال الذهبي: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل - مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات - اشتد عليه الناس وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره، وسار جيش الحرة إلى مكة لقتال ابن الزبير، فمات أمير الجيش بالطريق، فاستخلف عليهم أميراً، وأتوا مكة، فحاصروا ابن الزبير وقاتلوه ورموه بالمنجنيق، وذلك في صفر سنة أربع وستين، واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل.
فقد وضع تنظيم داعش ضمن مخططاته هدم الكعبة، بحسب ما ذكرته شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية التى أكدت أن «داعش» يسعى إلى هدم الكعبة المشرفة، وذلك بعد هدم المقدسات الدينية المسلمة وغير المسلمة بالعراق وسوريا.
واستندت شبكة «فوكس» في معلوماتها إلى ما نشره أحد أعضاء «داعش» على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، والذى أكد فيه أن قائده أبوبكر البغدادي تعهد بهدم الكعبة، لأن الحجاج يعبدون أحجاراً باعتبار أن الناس يطوفون بها، والكعبة عندهم أحجار صماء سوداء يطوف الناس بها، وبذلك هم يعبدونها من دون الله، وهو ما يتنافي مع عقيدة التوحيد بحسب رأيهم.
لذا، فإن منهج داعش يكاد يتطابق مع منهج الأمويين، فالوسائل متشابهة والأهداف متقاربة، يقول المرجع الشيرازي (دام ظله): "اقرؤوا التاريخ بأنفسكم لتعلموا ما أراد الأمويون فعله بالإسلام، وما هو دور الحسين عليه السلام؟ ولماذا قال رسول الله عنه: (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، لقد كان إنقاذ دين الله متوقفا على دم الحسين عليه السلام ولولا شهادة الحسين وأهل بيته لما بقي للإسلام من أثر، ومن شاء فليراجع التاريخ".
وهذا النهج الأموي – الداعشي، هو امتداد لما سبقه من نهج انقلابي، يقول (دام ظله): "الحكام السابقون للإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه كانوا يسيرون على نهج الحكام الأمويين والعباسيين، حيث كانوا يخنقون أصوات المعارضين لأتفه الأسباب، فمثلاً أرسل أبو بكر جيشا بقيادة خالد بن الوليد للإجهاز على معارضيه، وقد أدّى خالد المهمة بوحشية وبشاعة باهراقه دماء فريق من المسلمين في حروب سميت بـ"حروب الردة"، وتحت ذريعة محاربة المرتدين، إلا أن معظم الذين سفكت دمائهم من قبل خالد وجيشه كانوا من المسلمين الأبرياء، ولم تكن تهمة الارتداد سوى ذريعة. إن الأساليب التي اتبعها خالد في حربه ضد فريق من المسلمين في حروب سميت بـ"حروب الردة"، وتحت ذريعة محاربة المرتدين كانت مخالفة تماما لنهج الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم وتعاليم الإسلام، حيث كانت أساليب خالد تتلخص في قتل المسلمين بقذفهم من المرتفعات والأماكن العالية، وحرقهم وهم أحياء، والتمثيل بهم، وقطع أوصالهم، وإلقائهم في الآبار، في حين كان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم ينهى عن المثلة حتى بالكلب".
وقد أكد أحد قادة داعش في سوريا، هازئاً من استنكار جمع من علماء المسلمين وإدانتهم للأعمال الإجرامية التي تقوم بها تنظيمات داعش في العراق وسوريا ومصر، ومنها الإعدامات الجماعية، وحرق الأسرى وهم أحياء، قائلاً: "نحن نفعل ما فعله سيف الله المسلول، الصحابي خالد بن الوليد، فإذا أنتم تدينون أعمالنا وتستنكرون، فإنكم تستنكرون ما فعله خالد بن الوليد، وبذلك يكون خالد بن الوليد أول داعشي في الإسلام".
خطورة المنهج
ومن المهم الإشارة هنا الى أن "الوهابية" في بداية ظهورها، في القرن التاسع عشر، وبعد تحالفها مع "السلطة" اتخذت وسائل عنفية تشابه بل تطابق طرق وأساليب داعش. واليوم، فإن القاعدة، وداعش، وجيش الإسلام، وأنصار السنة، وجيش المجاهدين، وكتائب ثورة العشرين، وأنصار الشام، وحركة الطلاب في الصومال، وطالبان في أفغانستان، وجند الله في باكستان، وبوكو حرام في مالي، وأبو سياف في الفلبين، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، هي حركات وهابية الفكر والعقيدة.
وما تشهده مدن العراق وسوريا، من تدمير للمساجد والحسينيات والكنائس، والمزارات الشيعية والسنية والصوفية والإيزيدية، ومحاكمات بربرية وإعدامات جماعية، كل ذلك، يتماهى مع تاريخ الحركة الوهابية المتحالفة مع "السلطة"، ما بين عامي 1904 و1925، حيث جرى هدم مقابر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وصحابة وعلماء، وتخريب مساجد وبيوت أولياء، ودكوا القباب والمزارات، في البقيع وغيرها.
إن خطورة المنهج الداعشي (الفقهي – السياسي – الحركي) لا تكمن في أنه مدعوم دولياً "سراً وعلانية"، وأن عصاباته قتلت وجرحت عشرات الآلاف، وخربت العديد من بلاد المسلمين وشردت الملايين، بل الخطر الأكبر لداعش يكمن في أنه يقدم نفسه على أنه المنهج الذي يمثل الإسلام، وإن الأمويين من رموز الإسلام، وفي الوقت نفسه، هو منهج يقصي ثقافة أهل البيت صلوات الله عليه، ويشوه تاريخ الأئمة المعصومين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وفرض طاعتهم على المسلمين جميعاً، بل على البشرية جميعاً، وبالتالي فإن المنهج الداعشي يريد إعادة ما أراده الأمويون وعملوا عليه لطمس الإسلام، وتحويل الدين إلى وسيلة أو سلعة تجارية تأخذ في حسبانها سياسة الربح والخسارة، دون إقامة أي وزن لأحكام الله والمبادئ الأخلاقية التي أرادت الرسالة الخاتمة أن يتحلى بها الإنسان، وهو ما واجهه الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في إعلانه الثورة بيوم عاشوراء، بعد أن تمكن ذلك المنهج الشيطاني من نهش دين المجتمع ووعيه وقيمه وإرادته، يقول الإمام الشيرازي (قده): "كان أحد أهداف بني أمية هو محو وطمس حقيقة الإسلام وآثار النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، فقد صرف معاوية بن أبي سفيان أموالاً طائلة للسيطرة على الحكم الإسلامي والأمة الإسلامية ومحاربة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعته".
وقال (قده): "إن الأمويين سوّدوا صحائف التاريخ بأعمالهم البشعة، التي يندى لها جبين الإنسانية، فسنوا قطع رؤوس الناس، والطواف بها في البلاد".
وقال (قده): "إن الإمام الحسين سلام الله عليه أراد أن ينشل الأمة من الحضيض الذي أركست فيه إلى العز، وذلك عندما رضيت الأمة الإسلامية بواقعها المتردي، المتمثل بالخمول، والركون إلى الدنيا، والسكوت على الظلم، وتسلط الظالمين من أمثال يزيد وأبيه وأضرابهم، فأراد الإمام الحسين عليه السلام أن يبث روح الإيمان والحق فيها لتنهض من جديد، كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم".
والى ذلك أشار المرجع الشيرازي (دام ظله) الى أن الإمام الحسين أعلن في واقعة عاشوراء أنه يسير بسيرة جدّه رسول الله وسيرة أبيه الإمام أمير المؤمنين. والسبب في قول الإمام (أسير بسيرة أبي) هو لأن الذين جاؤوا بعد رسول الله وقبل أمير المؤمنين وبعده، كانوا قد شوّهوا صورة الإسلام بتصرّفاتهم وأسلوب حكمهم وإجرامهم وفسادهم وإفسادهم. فبعضهم سمّى نفسه خليفة لرسول الله، ومنهم معاوية، الذي قام وخلال يوم أو يومين أو ثلاثة وعبر مبعوثه بسر بن أرطاة إلى اليمن، بذبح أكثر من ثلاثين ألفاً من الأبرياء في اليمن، كان فيهم الرضّع والشيوخ والحوامل والأطفال، وقد قتل هؤلاء الأبرياء لا في حرب، بل لأنهم كانوا يعتقدون بـ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بأنه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقط.
منهج المواجهة
ومن ذلك، فإنه في الوقت الذي تتأكد أهمية الشعائر الحسينية، بكل أنواعها وأشكالها، وخاصة منها المنبر الحسيني، في الحفاظ على الإسلام، والارتقاء بورع المؤمنين، وتنمية معارفهم، وتعبئتهم في مواجهة التحديات، فإنه من الضروري أيضاً العمل على كشف الذين يدّعون أنهم يمثلون الإسلام، وأنهم يسيرون على نهج الصحابة، وهم يعيثون - اليوم - قتلاً وهتكاً في المؤمنين وفساداً وخراباً في بلاد المسلمين وغير المسلمين، كما فعل أسلافهم، من تآمر على النبي ومحاولة اغتياله الى قتل الإمام الحسين، ومن حرق بيت بنت النبي فاطمة الزهراء الى حرق مخيم بنات النبي في عاشوراء. يقول الإمام الشيرازي (قده): "علينا أن نعرِّف الناس الواجهة الحقيقية للأمويين والعباسيين والعثمانيين ومن شابههم، ونطلعهم على أن الإسلام كان في معزل عنهم وبريئاً منهم ومن تصرفاتهم".
يقول المرجع الشيرازي: ربّ سؤال يطرح وهو لماذا ابتعد الناس عن الإسلام وتنفّروا منه؟ والجواب الحقّ عن ذلك هو: أسلوب وتعامل بني أمية وبني العباس، هو الذي أدّى إلى ذلك. فقد ذكرت كتب العامة بأن آخر سلطان من سلاطين بني أمية الذين كانوا يسمّونهم بخلفاء الله وخلفاء رسوله، وهو مروان، قد غضب على رجل، فطلبه، وأحضروه عنده، فقام (مروان) بقلع عيني ذلك الرجل بأصابعه. ونقلوا، بأن معاوية كان يأمر بقطع أيدي وأرجل السجناء بالساطور، ثم بقلع أعينهم أيضاً، مما كان ذلك يؤدّي إلى موت السجين بعد ساعات معدودة. وكان معاوية وأمثاله يسمّي نفسه بخليفة الله وخليفة رسول الله وإمام المسلمين، وهم في الواقع أئمة يدعون إلى النار، كما صرّح بذلك القرآن الكريم. وكان معاوية وأمثاله، يؤدّون الصلاة جماعة وكانوا يعظون الناس ويتحدّثون بالتقوى! واليوم يقوم أتباع معاوية ومروان بارتكاب الجرائم نفسها في العراق وغيره من البلدان، فهل ستكون هذه التصرّفات وهذا السلوك سبباً مقنعاً لغير المسلم بأن يرضى بالإسلام ويقتنع به ويسلم؟!
ويقول دام ظله: "لقد كان هدف مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه في نهضته إنقاذ الناس من الجهالة والضلالة، وقد نهض سلام الله عليه بإرادة نفسه من أجل هداية الناس. إذن يجدر بنا جميعاً أن نسعى إلى العمل بهذا الهدف ونبذل الجهود في تعليم الناس أصول الإسلام وفروعه وثقافته وننقذهم من الشبهات والانحرافات".
ويؤكد سماحته -محذراً- أنه إذا لم تحكم العالم ثقافة أهل البيت عليهم السلام، وهي ثقافة الإسلام الحقيقي الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فستحكمه ثقافة معاوية وأمثاله. وماتشاهدونه اليوم في العراق وفي غيره من أمثال داعش وغيرهم ومن قبلهم، فهو لأن هؤلاء ليسوا على ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم.
لذلك، فإن هناك ضرورة في كشف زيف إسلام الأمويين، وإسلام أتباعهم من تنظيمات داعش الوهابية وغيرها، وإن تعددت مسمياتها واختلفت أشكالها، فهم أمة من الناس، أمة امتداد للأمة الملعونة التي قتلت -ومازالت تقاتل- الإمام سيد الشهداء: المحرّضون، والآمرون، والخارجون لقتاله، والمكثّرون لسواد جيش الأمويين، والمباشرون لحز رأسه الشريف، والراضون بذلك، في يوم عاشوراء عام 61 هـ والى آخر يوم في هذه الحياة.
اضف تعليق