إعلان وفاة الزعيم الروحي لحركة طالبان الأفغانية الملا "عمر" والذي اخفي لأكثر من عامين يمثل اليوم وكما يقول بعض المراقبين، أهم واكبر التحديات لهذه الحركة، خصوصا وان هذا الإعلان المتأخر قد أسهم بإثارة موجة من الخلافات والانقسامات الداخلية التي قد تكون سببا في إضعافها او انهيارها، ويرى بعض المحللين أن وفاة عمر قد يدفع بعدد كبير من عناصر الحركة إلى الانضمام لتنظيم "داعش" الذي يسعى من الاستفادة من بعض المتغيرات لبسط نفوذه في المنطقة، خصوصا وان هذا التنظيم الإرهابي قد نجح فعلا في جذب وتجنيد العديد من القادة السابقين لطالبان، يضاف الى ذلك الخلاف الكبير على تولي قيادة الحركة التي أوكلت بشكل مفاجئ إلى الملا أختر منصور الذي كان نائب الملا عمر، وهو ما أثار غضب العديد من شخصيات وقادة طالبان، حيث يتهمه البعض وكما تنقل بعض المصادر باغتصاب السلطة، واستغلال غياب الملا عمر. كما اتهم بدعم محادثات السلام في أفغانستان، لتلقيه وعود من السلطة الأفغانية وبدافع من الضغوط الباكستانية. كما أن المخاوف من تنامي قوة منافسيه داخل الحركة ومزاحمته على منصب القيادة شكلت تأثيراً كبيراً في حساباته السياسية.

من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الخلافات الحالية ربما قد لا تؤثر كثيرا على قرارات او مستقبل الحركة خصوصا وان البعض يرى ان القيادة الحالية وعلى الرغم مما تقدم تسير ضمن توجهات وخطط لا يمكن تجاوزها وقد سعت الى إثبات وجودها من خلال تنفيذ بعض العمليات المهمة، يضاف الى ذلك التحركات والمساعي الأخرى التي تقوم بها أطراف وشخصيات ذات تأثير كبير في حركة طالبان من اجل تقريب وجهات النظر بين الجميع.

هجمات مختلفة

وفي هذا الشأن فقد قتل ستة أشخاص في عملية انتحارية نفذتها حركة طالبان واستهدفت الشرطة الأفغانية في جنوب كابول، في أول هجوم كبير تشنه الحركة منذ الإعلان عن وفاة زعيمها الملا عمر. وأفاد حاكم ولاية لوغار، حليم فداي، أن انتحاريا فجر شاحنته المفخخة أمام مركز للشرطة في بولي علم، عاصمة الولاية الواقعة على مسافة مئة كلم جنوب كابول. وقال محمد قاري ورا، مساعد قائد شرطة ولاية لوغار إن "الانفجار كان قويا إلى حد ألحق أضرارا كبيرة بثلاثة مبان في الجوار"، مشيرا إلى سقوط ستة قتلى هم ثلاثة شرطيين وثلاثة مدنيين، إضافة إلى ثلاثة جرحى. وأكد مساعد حاكم الولاية هذه الحصيلة، مضيفا أن ثمانية أشخاص أصيبوا من بينهم طفل.

الى جانب ذلك قال مسؤولون إن مقاتلين من حركة طالبان اقتحموا سجنا في أفغانستان فقتلوا أفرادا من الشرطة وأطلقوا سراح أكثر من 350 سجينا بينهم قرابة 150 يعتبرون خطرا على الأمن القومي ثم هاجموا القوات التي هرعت للمساعدة. ويأتي أحدث هجوم لطالبان على سجن على مشارف مدينة غزنة بوسط البلاد بعد سلسلة من الانتكاسات التي منيت بها الحكومة في مناطق مختلفة من البلاد وفيما بددت هجمات دامية في كابول الآمال في محادثات السلام.

وقالت وزارة الداخلية إن 355 من 436 سجينا لاذوا بالفرار وإن من بين من هربوا 148 "يشكلون خطرا على الأمن القومي بينما هناك 207 من المجرمين." وذكرت الوزارة أن أربعة من مقاتلي طالبان وأربعة من أفراد قوات الأمن قتلوا في الهجوم بينما أصيب سبعة من أفراد الشرطة. وقال محمد علي أحمدي نائب حاكم اقليم غزنة إن إجراءات الأمن في السجن أقل كثيرا من المعايير الموصى بها لانه يقع على بعد سبعة كيلومترات فقط من وسط غزنة وكان يعتقد أن التعزيزات ستصل هناك سريعا في حال وقوع مشاكل. وأضاف أن مسؤولين شعروا بالقلق من فكرة اقتحام السجن فقاموا بنقل 18 سجينا "خطرا" من طالبان إلى سجن تديره المخابرات الأفغانية. وعبر عن اعتقاده بأن السجناء الخطرين ساعدوا في التنسيق للهجوم.

وقال للصحفيين "تم زرع الطرق المؤدية للسجن بالألغام لمنع وصول تعزيزات...انفجرت مركبة عسكرية جاءت لتقدم تعزيزات بسبب قنبلة زرعت على جانب الطريق أثناء محاولتها الوصول للسجن." وقال مسؤول أمني إن المهاجمين كانوا يرتدون زي قوات الأمن الأفغانية وكانوا مسلحين بالبنادق الآلية والقذائف الصاروخية. وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان إن مسلحين وثلاثة مفجرين انتحاريين هاجموا السجن. وأضاف ‭‭‭"‬‬‬تم إطلاق سراح مسؤولين مجاهدين عسكريين مهمين." وكثيرا ما تبالغ طالبان في عدد الضحايا في بياناتها المتعلقة بالهجمات على أهداف حكومية وأجنبية. بحسب رويترز.

وتحارب طالبان للإطاحة بحكومة الرئيس أشرف عبد الغني التي تتلقى دعما أجنبيا وطرد القوات الأجنبية من أفغانستان وفرض تفسير متشدد للشريعة الإسلامية. وهاجم المتشددون عدة مرات سجونا لتحرير مئات السجناء بينهم أعضاء بالحركة في أفغانستان وباكستان. وكثيرا ما تفتقر السجون لإجراءات الأمن ويحرس أفراد شرطة لم يتلقوا التدريب أو العتاد المناسب المنشآت المتهالكة.

اسباب وفاة الملا عمر

على صعيد متصل قال ابن الملا عمر مؤسس حركة طالبان الأفغانية في تسجيل صوتي إن والده توفي بأسباب طبيعية داعيا للوحدة ومبددا الشائعات بشأن وفاة والده الغامضة في ظل نزاع على قيادة الحركة. ويهدد النزاع داخل طالبان عملية سلام هشة مع الحكومة الأفغانية وقد يفتح المجال أمام تنظيم داعش لتوسيع رقعة نفوذه. وأكدت طالبان في يوليو تموز رسميا أن الملا عمر توفي منذ أكثر من عامين ونصف العام بعد أن سربت المخابرات الأفغانية الخبر. وفي اليوم التالي اختير الملا منصور نائب عمر خلفا له في اجتماع عقد على عجل.

ولم يكن الكثير من قادة الحركة وأسرة عمر سعداء بهذا الاختيار. ويشكك البعض في السبب وراء إخفاء منصور لحقيقة وفاة عمر لأكثر من عامين. وقال منصور إن ذلك كان ضروريا للحفاظ على الوحدة في ظل انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي عام 2014. وزادت الشائعات في ظل الانقسامات. وقال الملا محمد يعقوب الابن الأكبر للملا عمر في تسجيل صوتي وأكدته مصادر في طالبان "أريد أن أؤكد لكم أنه توفي بشكل طبيعي." وتابع "كان مريضا لبعض الوقت لكن حالته تدهورت. استشار الأطباء ويبدو أنه كان يعاني من إلتهاب الكبد الوبائي سي."

وتابع قوله "ظل في أفغانستان حتى بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان. وتوفي ودفن هناك." ورفض يعقوب في الشريط - وهو أول تسجيل علني له - فكرة أن والده عين خليفة فيما يبدو ضربة موجهة لمنصور. وقال "لم يعين أحدا خليفة له." والمعروف عن منصور أنه بارع في التكتيك الحربي ويتمتع بدعم بعض من أقوى القادة الميدانيين في الحركة كما يتمتع بعلاقات طيبة مع باكستان التي كثيرا ما توجه لها اتهامات بدعم المتشددين.

لكن استعداد منصور للانضمام لمحادثات السلام التي تدعمها باكستان مع الحكومة الأفغانية هذا العام أثار مخاوف بعض القادة الذين يخشون من أنه مقرب أكثر مما ينبغي من مسؤولين بالمخابرات الباكستانية. ويخشى متشددون في باكستان من أن باكستان تريد التلاعب بحركتهم لأغراضها الخاصة وهو أمر أشار إليه يعقوب في كلمته. وقال "عدونا هو الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.. وهناك بعض الدول الإسلامية التي تقف بجانب عدونا." وبايعت فصائل تابعة لطالبان تنظيم داعش بالفعل. لكن يعقوب (27 عاما) لم يصل إلى حد المطالبة بالزعامة. وقال "إذا كانت الوحدة ستتحقق بموتي فأنا على استعداد لتنفيذ عمل انتحاري. نحن على استعداد لتنفيذ أي أمر يصدره المجلس لنا. نحن على استعداد للعمل بأي صفة سواء كانت على مستوى رفيع أو مستوى منخفض."

الى جانب ذلك عرض رجل دين باكستاني بارز يعرف على نطاق واسع بأنه "أبو حركة طالبان" الوساطة في حل نزاع بشأن القيادة يهدد باحداث انقسام في الحركة المتشددة في أفغانستان بعد تأكيد وفاة مؤسسها الملا عمر. وقال سميع الحق وهو شخصية مؤثرة بين أعضاء حركة طالبان في افغانستان وباكستان إنه دعا الرئيس الجديد للحركة الذي أعلن عنه مؤخرا الملا محمد أختر منصور الى ان يجلس مع منافسيه الذين اعترضوا على حقه في القيادة.

وقال"سوف أرتب لأعضاء من الفصيلين المتنافسين لكي يجلسوا أمام بعضهم البعض وفي وجود علماء دين بارزين سنستمع الى الجانبين ونتغلب على هذه القضية وديا." وقال إن الجانبين عبرا عن ثقتهما فيه وناشدوه المساعدة في حل النزاع. وتؤكد هذه التعليقات الجهود التي تجري داخل الحركة لرأب صدع يمكن ان يؤدي الى انقسام طالبان ويفتح الباب أمام مزيد من الانشقاق والانضمام الى تنظيم داعش ويهدد مستقبل محادثات السلام مع الحكومة في كابول.

وقال سميع الحق الذي يؤيد قيادة منصور للحركة انه التقى مع أعضاء من اسرة الملا عمر وآخرين في الفصيل الذي يعارض الزعيم الجديد وحثهم على التغلب على ما وصفها "بالخلافات الطفيفة". وقال "أبلغتهم بأن الناس لن يسامحهوهم أبدا اذا أهدروا تضحيات آلاف المجاهدين الافغان من خلال إحداث انقسامات داخل حركة طالبان." وقالت مصادر من طالبان ان مجموعة تؤيد الملا محمد يعقوب ابن الملا عمر أبلغت سميع الحق بأنها لن تقبل بمنصور زعيما الى ان توافق على تعيينه مجموعة اكبر من القيادات يدعمها علماء دين.

وأكد الملا عبد المنان نيازي وهو متحدث باسم المجموعة التي ترفض منصور ان سميع الحق يتوسط في النزاع وقال ان مجموعة كبيرة يصل قوامها الى 300 عالم دين اجتمعوا في محاولة لايجاد حل. وقال "لدينا موقف واضح تماما وهو انه يتعين على الملا منصور ان يستقيل وان يسلم إمارة أفغانستان الى مجلس العلماء ثم يختار مجلس العلماء زعيما جديدا." وأضاف "من يعينه المجلس زعيما سيكون مقبولا لنا." بحسب رويترز.

وأسفر النزاع عن سلسلة هزات داخل قيادة طالبان. واستقال سيد محمد طيب أغا مدير المكتب السياسي لطالبان في قطر من منصبه وانتقد اتخاذ قرار التعيين خارج أفغانستان وأيد دعوات لتشكيل مجلس قيادة جديد. وحل محله شير محمد عباس ستاناكزاي الذي كان من كبار أعضاء وفد التفاوض التابع للحركة في الاجتماعات التمهيدية لمحادثات السلام مع مسؤولين من حكومة كابول في مايو ايار وهو نائب سابق لوزير الخارجية في حكومة طالبان التي أطيح بها من السلطة في عام 2001.

تحركات لرأب صدع الانقسامات

فقد كانت أول تصريحات علنية لزعيم حركة طالبان الافغانية الجديد أختر محمد منصور تكشف عن شيء فهي تدل على ادراكه لوجود انقسامات في صفوف حركته المتشددة وتلقي الضوء على منهجه المتواضع الساعي الى تحقيق توافق في الآراء. وينظر الى منصور الذي كان نائب زعيم طالبان الراحل الملا محمد عمر على نطاق واسع على انه مقرب جدا من المخابرات العسكرية الباكستانية القوية التي ساعدت على إنشاء طالبان في التسعينات واحتفظت منذ ذلك الحين بروابطها مع الحركة.

ويوحي هذا بأن منصور مؤيد لمحادثات السلام الوليدة مع الحكومة الافغانية التي ساندتها باكستان واستضافتها. لكن في أول خطاب له منذ تعيينه زعيما لطالبان مد منصور يده لقادة طالبان المعارضين للتفاوض مع حكومة الرئيس الافغاني أشرف عبد الغني والذين يعتبرونها عميلة للغرب ويجب ان ترحل. وقال منصور "هذه دعاية العدو. الجهاد سيستمر الى ان تطبق الشريعة الاسلامية في البلاد."

ويرى خبراء أن من السابق لاوانه استنباط الكثير من المعاني من هذه التصريحات. وقال توماس راتينج المدير المشارك لشبكة محللي افغانستان في كابول "اذا كان يقول كلاما يناسب من يستمعون له ويحاول تعزيز موقفه فلن يكون منطقيا ان يعلن انه يسعى للسلام في هذه اللحظة لان قضية محادثات السلام قضية مثيرة للانقسامات داخل طالبان." وأضاف منصور في كلمته بنبرة دبلوماسية "علينا ان نتحلى بالصبر وبالسماحة ونحني رؤوسنا أمام زملائنا وحينها سننجح. يجب الا نفرض رغباتنا على الاخرين."

وقالت مصادر طالبان إن منصور ولد منذ نحو 50 عاما في اقليم قندهار بجنوب أفغانستان ودرس في المعاهد الدينية هناك وفي شمال غرب باكستان ثم قطع دراسته ليحارب بعد الغزو السوفيتي لافغانستان عام 1979. وأصبح مقربا من عمر المؤسس الراحل لطالبان وعين وزيرا للطيران بعد ان انتزعت طالبان السيطرة على أفغانستان من أمراء حرب متصارعين عام 1996 الى ان أصبح نائبه في نهاية المطاف. ويقول محللون ان علاقات منصور بباكستان تعني ان مخابراتها العسكرية أقرت في الاغلب تعيينه زعيما جديدا للحركة. وقربه من باكستان جعل مناوئين لنفوذ اسلام اباد على زعامة طالبان يصفونه بأنه أداة في يد المخابرات العسكرية الباكستانية.

ولا يعرف الكثير عن منصور شخصيا. فهو لم يجر قط أي مقابلة صحفية وفي عام 2010 قالت وسائل اعلام ان مفاوضي كابول الذين ظنوا انهم التقوا به سرا في محادثات سلام سرية أجروا في واقع الامر محادثات مع بقال تقمص شخصية الرجل الثاني في طالبان. وبعد أن أسر وسجن في باكستان بعد الاطاحة بحكومة طالبان في افغانستان عام 2001 عاد منصور الى أفغانستان واستأنف مسيرته عام 2006 وصعد في صفوف طالبان بينما استبعد الكثير من قادة الحركة. بحسب رويترز.

وطبقا لمجلس الامن التابع للامم المتحدة الذي وضعه في قائمة مسؤولي طالبان الذين شملتهم العقوبات الدولية كان منصور يخلط بين تهريب المخدرات وعمليات أخرى في الاقاليم الشرقية من أفغانستان كما قاد عمليات تجنيد المقاتلين المناهضين للحكومة. وفي عام 2010 انضم الى المجلس الرئيسي لقيادة طالبان ويعتبر على نطاق واسع الرئيس الفعلي للحركة منذ وفاة الملا عمر التي قالت المخابرات الافغانية انها حدثت منذ أكثر من عامين.

اضف تعليق