q
اشغل اغتيال الهاشمي المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية وحتى العالمية التي افردت مساحات كبيرة ووقت طويل لتغطية تداعيات الحادث، وكان الحال ذاته على مواقع التواصل الاجتماعي اذ تباينت آراء مدونيها بين من يحمّل الفصائل المقربة من إيران المسؤولية وبين من يميل الى فرضية وقوف تنظيم داعش خلف الحادث...

كما هي سيناريوهات اغتيال نشطاء تظاهرات تشرين التي اندلعت في العراق، دراجتين ناريتين تحملان اربعة مجهولين، يترجَل أحدهم حين وصول الضحية الى المنزل بسيارته غير المحصنة في منطقة زيونه شرقي العاصمة بغداد، يشهر القاتل سلاحه ويبادر الى افراغ بضع رصاصات بجسد ضحيته، بعد عدة اطلاقات يركض ليستقل احدى الدراجتين وتلوذ المجموعة بالفرار تاركةً وراءها الضحية بأنفاسه الاخير التي يفقدها حال بلوغ المشفى. هكذا كان سيناريو اغتيال الخبير الأمني العراقي والباحث في شؤون الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي، يوم السادس من يوليو من العام الجاري.

الهاشمي من مواليد (1974)، متوسط القوام حليق اللحيَة بشعر قصير وجبهة عالية، ويعد هشام (47) عاماً متابعاً للجماعات الإسلامية العراقية منذ (1997)، عَمِل في تحقيق المخطوطات التراثية الفقهية، والأحاديث، مع أن تحصيله الأكاديمي في الإدارة والاقتصاد. واعتقل الهاشمي وحكم عليه بالسجن في عهد صدام حسين، وخرج من السجن عام (2002)، وفي عام (2003)، انصرف إلى العمل في الصحافة وبدأ يشارك في كتابة التقارير والوثائقيات للصحف والقنوات الأجنبية، وحسب وسائل إعلام عراقية، حكمت الجماعات المتطرفة على الهاشمي بأحكام مختلفة، منها الردة، والعمالة بسبب مواقفه المناهضة لهم، خاصةً أنه يعد أول من أماط اللثام عن قيادات تنظيم داعش في العراق وسوريا، وأفصح عن أسماء ومعلومات عن قيادات التنظيم وآلية عملهم.

وهو زميل برنامج الامن والدفاع ودراسات مكافحة الارهاب في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية والاستراتيجية، وكانت تحليلاته محطّ اهتمام لدى مراكز الأبحاث والمشاريع البحثية الممولة من المنح، ألف مجموعة كتب اهمها (عالم داعش، داعش من الداخل). وعُرف عنه جرأته في مناقشة القضايا الأمنية والسياسية في العراق، وحياديته في طرح الافكار وتقديمه الحلول والاستشارات للقادة الأمنيين، وكان الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" وولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" من بين الشخصيات الدولية التي طلبت منه الاستشارة الشخصية حول بعض القضايا.

داعش يُشيد.. والكتائب ترد

اشغل اغتيال الهاشمي المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية وحتى العالمية التي افردت مساحات كبيرة ووقت طويل لتغطية تداعيات الحادث، وكان الحال ذاته على مواقع التواصل الاجتماعي اذ تباينت آراء مدونيها بين من يحمّل الفصائل المقربة من إيران المسؤولية وبين من يميل الى فرضية وقوف تنظيم داعش خلف الحادث، وحتى بعد اسبوع عن الحادث لم تعلن اي جهة مسؤوليتها عنه رغم بعض الاخبار التي نشرتها مواقع إخبارية حول تبني تنظيم داعش لهذا العملية الى جانب الاخبار التي تحدثت عن اتهام عائلة الهاشمي للتنظيم، لكن التنظيم لم يعلن مسؤوليته عن الحادث وبحسب الصحفي الامريكي "مايكل نايتس" الذي كتب في موقع الحرة بإن "قريش" وهي آلة إعلامية تابعة "للتنظيم" اشادت بالعملية لكنها لم تتبنى.

ويبتعد الاكاديمي والمحلل السياسي الدكتور طالب محمد التميمي برأيه عن فرضية ضلوع التنظيم بالحادث، معللا ذلك بأن خطاب الهاشمي لم يتغير حتى حينما كان تنظيم داعش يسيطر على ثلث العراق وكان يتمتع بسطوة اقوى، فلماذا لم يبادر الى اغتيال الهاشمي آنذاك؟ يتساءل التميمي دون اتهام اي جهة.

وردا على الاتهامات التي وجهت اليها، نفت "كتائب حزب الله" في بيان مسؤوليتها عن الحادث وقالت إن "مسلسل استهداف المعارضين للوجود الأمريكي عبر قذف الاتهامات بات واضحاً في نهج وسائل الإعلام المعادية للشعب العراقي، وهي التي توجه الأبواق المتصهينة للنيل من العراقيين الشرفاء عبر تلفيق التهم لهم".

رجل التفاصيل الصغيرة عن الجماعات المسلحة

ويأتي اغتيال الهاشمي في وقت يتصاعد فيه التوتر بين حكومة الكاظمي وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية تتهم الكاظمي بالانحياز إلى الولايات المتحدة، وكان الهاشمي يسلط الضوء على انشطة هذه الجماعات المسلحة فهو "الرجل الذي كان يعرف أكثر من الجميع كل من يحمل السلاح" كما تقول مراسلة الشؤون الدولية في بي بي سي "ليز دوسيت". وكانت هذه الجماعات اكتسبت نفوذا متعاظما في الحياة السياسية في العراق بسبب الدور الذي لعبته في المعارك ضد تنظيم داعش، ورغم دمج هذه الجماعات وإلحاقها بالمنظومة الأمنية الحكومية ظلت معظمها خارج سيطرة القائد العام للقوات المسلحة.

وقبل ايام قليلة من اغتيال الهاشمي شنت قوات الأمن العراقية حملة مداهمة في بغداد على مقر "كتائب حزب الله" العراقي والقت القبض على (14) عنصرا بسبب اطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء التي تضم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية، ردت حينها الكتائب بتسيير طابور مسلّح يتكوّن من (30) مركبة عبر المنطقة الخضراء، وهي الحيّ الحكومي والدبلوماسي في بغداد، في استعراض للقوّة يهدف إلى تخويف الكاظمي.

وظهر الهاشمي على العديد من القنوات الاعلامية العراقية والأجنبية مدافعا عن موقف الحكومة في مواجهة هذه الجماعة التي اطلق عليها تسمية "خلايا الكاتيوشا". كما دأب الهاشمي على توجيه انتقادات الى اطراف السلطة في العراق، وكذلك الجارة إيران التي كتب عنها في تغريدة، إنها فشلت في ان تدخل العراق، لكنها نجحت في إقناع عراقيين أن يفتحوا لها الباب من الداخل، كما كان متعاطفا مع الحراك الشعبي في العراق.

هل وقع الهاشمي ضحية لعبة لي الاذرع؟

البروفيسور توبي دوج مدير برنامج الكويت وأستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد كتب في مدونته على موقع الجامعة في رثاء هشام يقول: أن "جماعات مسلحة منفلته استولت على الدولة في أعقاب هزيمة تنظيم داعش، ولا تتورع عن اللجوء الى العنف للدفاع عن مصالحها الواسعة. وهذا الامر كان موضع اهتمام هشام الهاشمي في الآونة الأخيرة وهذه الجماعات هي التي قامت بتصفيته بهدف ايصال رسالة واضحة لدعاة الاصلاح ولرئيس الحكومة مفادها أن يدها تطال الجميع دون استثناء".

وثمة من يرى في اغتيال الهاشمي رسالة للكاظمي الذي دخل في لعبة لي ذراع ضد الفصائل المقربة من إيران، والتي تشكل دولة داخل الدولة وكان هشام الهاشمي ينتقدها باستمرار، هذا الرأي يكتبه الصحفي المختص في قضايا الشرق الأوسط "جورج مالربينو" في صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.

فيما كتب مراسل صحيفة "الغارديان" البريطانية في الشرق الاوسط "مارتن تشولوف" أن "عملية اغتيال الهاشمي في وضح النهار وبكل جرأة تدفع الكثيرين إلى أن يفكروا مليا في الثمن الباهظ الذي قد يدفعونه جراء الحديث علنا وتسمية الاشياء بمسمياتها". وعمل الهاشمي حسب "تشولوف" مستشارا مع الكاظمي عندما كان الاخير يدير جهاز المخابرات كما عمل مستشارا معه بشكل غير رسمي خلال تصديه لرئاسة الحكومة الحالية بحسب موقع سكاي نيوز الاخباري.

وخلال برنامج تعرضه احدى القنوات المحلية أكد استاذ الاعلام في جامعة اهل البيت الدكتور "غالب الدعمي" ان الهاشمي كان يشعر بالخطر المحدق به وكان ينوي السفر الى جهة لم يعلن عنها بعد انتهاء جائحة كورونا وربما اراد الذهاب الى كردستان العراق.

العطاء الاخير

"الخلاف الداخلي بهيئة الحشد.." كان آخر البحوث التي كتبها الهاشمي وتحدث فيه عن وجود خلاف داخل الهيئة بين الفصائل المقربة من إيران والتي تدين بولائها للمرشد الاعلى السيد علي الخامنئي وبين الفصائل الاخرى التي تتبع مرجعية السيد السيستاني، واتسعت دائـرة الخلاف بين الطرفين في شباط (2018)، لدرجة إصـدار "ابو مهدي المهندس" نائب رئيس هيئة الحشد آنذاك سلسلة من القرارات الصارمة للتضييق المالي والإداري على الفصائل المسلحة المرتبطة بالعتبات، واشار الهاشمي خلال بحثه الى وجود قوات عراقية تقاتل في سوريا بتمويل إيراني ودعم من النظام السوري، واستغلال اموال الحشد الشعبي في العراق لصالح تلك الفصائل، وحث الهاشمي على ضرورة وضـع معايير محـددة وواضحـة لمناصب هيئة الحشد الشعبي واللجوء إلى اسـتخدام القانون العسـكري ضد الفصائل المتمردة، وتنشيط دور أمن وقانونية ومفتشية الحشد لغلق المكاتب الاقتصادية ومعاقبة المخالفين ومنع العمل السياسي والحزبي.

وبعد عملية اغتيال الهاشمي قرر مجلس القضاء الأعلى في العراق تشكيل هيئة تحقيقية تختص بجرائم الاغتيالات، وتوعد رئيس الوزراء الكاظمي بإخضاع قتلته للقضاء وقال "من تورّط بالدم العراقي سيواجه العدالة ولن نسمح بالفوضى وسياسة المافيا أبدا"، وشيع جثمان الهاشمي يوم الثلاثاء الماضي، بعد ان شاهد ابناءه اباهم وهو يجر من سيارته مضرجا بالدماء، وخلى تشييعه من حضور السياسيين والقادة الامنيين.

فهل ستضع دماء الهاشمي نهاية لمسلسل الاغتيالات؟

…………………………………………………………………………
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق