مراجعة السجل الإيراني مع النيران الصديقة والاخطاء العسكرية والتي ما تزال مستمرة تجعلنا نتيقن بأن أي خطأ يمكن ان يحدث في تشغيل البرنامجين النووي والصاروخي اللذان تتبناهما إيران ستكون نتائجه وخيمة ليس على إيران وحسب بل على البلدان المجاورة لها أيضا، حينها ستكون حادثة السفينة كنارك...
العاشر من آيار مايو عام 1990، هو يوم ولادة جندي البحرية الايرانية منصور موسوي نجاد وهو من ابناء قرية "نظر اقا" في قضاء "دشتستان" بمحافظة بوشهر بجنوب إيران، محمود ذو الثلاثين عاما لم يكن يعلم بأن تاريخ ولادته سيصبح ذاته تاريخ وفاته بعد ثلاثين عاما من العيش في بلاد الذهب الاحمر، قتل محمود بنيران صديقة خلال مشاركته في مناورات أجرتها القوات البحرية الإيرانية.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن سفينة الإمداد الحربية الإيرانية " كنارك" غرقت بسبب تعرضها "لنيران صديقة"، انطلقت من الفرقاطة الإيرانية "جاماران"، التي كانت تختبر صاروخاً جديداً مضادا للسفن.
وقال التلفزيون الإيراني، على موقعه الإلكتروني، إن "سفينة كنارك قُصفت خلال مناورة عسكرية في مياه مينائي "جاسك" وتشابهار"(في بحر عمان جنوب شرق إيران)، مشيراً إلى أن سفينة الدعم اللوجيستي قُصفت بعدما "تحركت لنقل هدف نحو وجهته، دون ترك مسافة كافية بينها وبين الهدف" ، ما تسبب بمقتل 19 شخصا وجرح 15 آخرين.
وتقوم اربع فرق خبراء من هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع والجيش والقوة البحرية بالتحقيق في الأمر، حسب ما اعلن القائد العام للجيش الايراني اللواء عبد الرحيم موسوي.
مبدئيا تحاول السلطات الايرانية ان تعلل وقوع الحادثة الى شراسة تلك المناورات ومدى مقاربتها لتفصيلات المعركة الحقيقة، حيث اشار المتحدث بأسم الجيش العميد تقي خاني، الى ان القوات تعمل على تهيئة الظروف التي تتوافق مع مشاهد المعركة الحقيقة، ومن الطبيعي أن تكون هناك مخاطر في المناورات والمهام الكبيرة التي يتم تنفيذها، وقد تقع أحداث مؤسفة.
ووسط انتشار الشائعات دعا خاني، الشعب ووسائل الاعلام الى التحلي باليقظة وعدم الانجرار وراء الشائعات، وحذر من محاولة ايجاد خلافات بين القوات المسلحة بما في ذلك الحرس الثوري والجيش ووزارة الدفاع.
واقعة مؤلمة
وفي ظل انتشار الشائعات حول الحادثة، يغرد المرشد الاعلى السيد علي الخامنئ: "كان وقع ذلك على قلبي مؤلماً ومريراً جداً"، فيما طالب المسؤولين توضيح أبعاد هذه الحادثة بشكل كامل، واتّخاذ التدابير اللازمة لعدم تكرّر مثل هذه الحوادث المريرة التي تتسبب بمثل هذه الخسائر".
وكعادتها في تبني فرضيات المؤامرة، تتحدث إيران هذه المرة عن فرضية هجوم الكتروني، حيث اوضحت وسائل إعلام إيرانية، أن متابعة فيديوهات الحادثة أوصلت فرق التحقيق إلى إمكانية وجود هجوم إلكتروني، وصفته بالعدائي، تسبب في الحادثة، في إشارة إلى إمكانية أن تكون إصابة السفينة جزءً من حرب إلكترونية تشنها الولايات المتحدة على إيران، لافتةً إلى أن الفيديوهات لم تقدم حتى الآن دليلاً قاطعاً حول تلك الفرضية.
وقبل ذلك اشار الجيش الإيراني في المعلومات الأولية إلى أن الحادثة وقعت نتيجة خلل أصاب جهاز القذائف الصاروخية وأعطاه توجيهات خاطئة تسببت في إصابة سفينة الدعم.
وتشير السلطات الإيرانية الى ان هذه المناورات البحرية جرت على بعد 700 كيلومتر من ميناء "رجائي" الإيراني، الذي قالت إنه تعرض خلال الأيام الماضية، إلى العديد من الهجمات الإلكترونية.
واعتادت طهران على إتهام الولايات المتحدة باستهدافها بحرب بيولوجية وإلكترونية، حيث اتهم المرشد الايراني "علي خامنئي" قبل أسابيع الولايات المتحدة بتصنيع فيروس كورونا المستجد ونشره في كل من الصين وإيران.
خطأ مقصود
وتأتي هذه الحادثة لتزيد السخط الشعبي الإيراني على حكومته، فبعد 4 اشهر من اسقاط الحرس الثوري الإيراني طائرة ركاب أوكرانية من طراز بيونغ737 في الثامن من يناير2020، أودى بحياة 176 راكبًا، من جنسيات أوكرانية وكندية وأفغانية وسويدية وبريطانية، بالقرب من العاصمة طهران، بطريق الخطأ، ويعد إسقاط الطائرة الأوكرانية من الاخطاء الأكثر جسامة، نظرًا للظروف الإقليمية والزمانية التي وقع فيها الحادث، إذ وقع في الوقت الذي تخيم فيه أجواء التوتر بين إيران والولايات المتحدة في أعقاب استهداف الأخيرة الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، يوم ال3 من يناير2020، الأمر الذي كان له ارتدادات داخلية وخارجية صعبة على السلطات الإيرانية،.
سجل النيران الصديقة
واعادت حادثة استهداف السفينة "كنارك" الحديث مرة أخرى عن الأخطاء العسكرية الإيرانية التي ارتكبتها تلك القوات على مدار العقود الماضية، وأسفرت عن سقوط عشرات قتلى.
اولى الحوادث العسكرية لإيران ما بعد الثورة كانت عام 1981، حين سقطت الطائرة العسكرية من طراز C 130 التي كانت تقل عددًا من القادة العسكريين من مدينة الأهواز إلى طهران لرفع تقارير لأية الله الخميني، عن الحرب الإيرانية العراقية، حيث انفجرت عقب هبوطها الاضطراري في الصحراء بمدينة قم على بعد 110 كيلومترات من العاصمة.
وسقط في هذا الحادث أكثر من 30 عسكريًا، بينهم قادة كبار في الحرس والجيش، على رأسهم رئيس أركان الجيش ولي الله فلاحي، ووزير الدفاع موسى نامجوي، وقائد سلاح الجو جواد فكوري، ونائب القائد العام للحرس الثوري يوسف كلاهدوز، وقائد قوات الحرس في مدينة خرمشهر جنوب غربي إيران محمد جهان آرا.
وأسفرت التحقيقات وقتها عن أن سبب الحادث انقطاع التيار الكهربائي ما أدى إلى خلل في محركات الطائرة، غير أن شهادة بعض الناجين تذهب إلى أن الجدل لم يحسم بعد بشأن الأسباب الحقيقية وراء الواقعة التي ربما يكون من بينها نيران صديقة عن طريق الخطأ.
فيما ترجع الواقعة الثانية إلى عام 1987 حين استهدف الدفاع الجوي الإيراني عن طريق الخطأ، طائرة عسكرية تقل رئيس عمليات السلاح الجوي للجيش اللواء عباس بابائي، أحد أشهر جنرات طهران إبان الحرب الإيرانية العراقية.
وفي الكواليس تشير التفاصيل إلى أن رئيس عمليات السلاح الجوي انطلق من قاعدة تبريز الجوية متجهًا إلى الأجواء العراقية بطائرة f5 بهدف القيام بمهمة استطلاعية ومباشرة التدريبات، غير أن قائد الطائرة فوجئ خلال عودته بإطلاق قوات الدفاع الجوي في مدينة سردشت"غرب" النار عليه، ليسقط الجنرال الإيراني بعد أن أصيب في رأسه.
ويتحدث جعفر اسدي وهو احد القواد في الحرس الثوري ابان الحرب العراقية الإيرانية، عن معارك دارت بالخطأ بين من قطعات الجيش الإيراني في خراسان. وخلال تلك الحرب أيضا أُستهدفت سفينتين إيرانيتين من قبل طائرة فانتوم إيرانية وتسبب القصف بغرق احداهن.
وبالعودة الى "كنارك" حيث تم تصنيعها من قبل هولندا وشرائها من قبل الحكومة الإمبراطورية قبل ثورة 1979. وعادة ما يكون لديها طاقم مكون من 20 فردًا وليس من الواضح سبب حملها 34 بحارًا على الأقل.
معلقون قالوا إنه بعد تهديد الأجواء الإيرانية بسبب إطلاق الصواريخ على الطائرة عن طريق الخطأ، باتت المياه الدولية أيضا غير آمنة، وهنا يُطرح تساؤل حول مدى جدارة القوات الايرانية في حفظ مياه الخليج لاسيما في ظل حظر شراء الأسلحة المفروض على طهران منذ عام 2007، وإزاء الحوادث والأخطاء العسكرية المتكررة تلك، قد يتخذ المجتمع الدولي مواقف أكثر صرامة تجاه البرنامجين الصاروخي والنووي للنظام الإيراني.
هل سنشهد تشير نوبيل ايرانية؟
مراجعة السجل الإيراني مع النيران الصديقة والاخطاء العسكرية والتي ما تزال مستمرة تجعلنا نتيقن بأن أي خطأ يمكن ان يحدث في تشغيل البرنامجين النووي والصاروخي اللذان تتبناهما إيران ستكون نتائجه وخيمة ليس على إيران وحسب بل على البلدان المجاورة لها أيضا، حينها ستكون حادثة السفينة "كنارك" او حتى حادثة الطائرة الاوكرانية ماهي إلا حوادث بسيطة وهامشية.
فإمكانات إيران وخبراتها ليست افضل من الاتحاد السوفيتي السابق الذي شهدت احدى محطاته النووية اخطر واكبر كارثة عرفها العالم عام 1986، وهي حادثة انفجار مفاعل "تشرنوبيل"، ما أدى الى كارثة لحقت بمواطني الاتحاد السوفيتي ومواطني الدول الأخرى، واذا لم تراجع ايران قراراتها في تأكيد قوتها العسكرية دون التحقق من مدى سلامة استخدام تقنياتها فقد نشهد كوارث لا تصيب ايران وحدها بل قد تصيب دول المنطقة باجمعها.
اضف تعليق