q
تعد الازمات السياسية والخلافات الدولية التي عاشتها كل من العراق وإيران وفي مختلف الحقب الزمنية التي تلت استقلالهما وريثة التركة الثقيلة التي خلفتها الصراعات والعداوة فيما بين الدولتين العثمانية والفارسية، حيث تميزت العلاقات بينهما بظواهر كان أبرزها عدم الاستقرار والنزاع المستمر الذي غالبا ما اتخذ طابعا...

تعد الازمات السياسية والخلافات الدولية التي عاشتها كل من العراق وإيران وفي مختلف الحقب الزمنية التي تلت استقلالهما وريثة التركة الثقيلة التي خلفتها الصراعات والعداوة فيما بين الدولتين العثمانية والفارسية، حيث تميزت العلاقات بينهما بظواهر كان أبرزها عدم الاستقرار والنزاع المستمر الذي غالبا ما اتخذ طابعا عسكريا على الرغم من توقيع الدولتين عدد من المعاهدات التي كان من شأنها ان تحسم النزاع او ان تخفف من حدة التوتر.

غير ان ذلك لا ينفي حقيقة ان هذه العلاقات شهدت فترة من الانفراج والتحسن نتيجة الاتصالات المتبادلة والمفاوضات المباشرة لكنها سرعان ما تنهار عقب حصول تغييرات داخلية سواء في العراق او ايران، اضافة الى تأثيرها بتطورات الاحداث السياسية في المنطقة.

لم تبادر الحكومة الايرانية بأي موقف، بل تأخرت في اعلان اعترافها باستقلال العراق بثماني سنوات، بعد قيام الحكم الوطني وتتويج الملك فيصل الاول ملكا للعراق وتشكيل اول حكومة عراقية مستقلة، متعذرة بعدة اسباب.

وليس بعيدا عن تأريخ اليوم حينما اعلن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي التزام العراق بتنفيذ العقوبات الأمريكية ضد إيران، مبيناً أن بلاده عانت من العقوبات مدة 12 عاماً حيث طالبت نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار، الحكومة العراقية بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب التي اندلعت بين البلدين إبان ثمانينات القرن الماضي، دعت الى إضافة التعويضات البيئية لحرب العراق والحرب الكويتية والأضرار التي لحقت بالخليج، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات.

مطالبة نائبة الرئيس الإيراني هذه، قد جاءت بعد يوم من مطالبة نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) محمود صادقي، الحكومة العراقية بدفع نحو 1.1 مليار دولار كتعويضات وخسائر لحرب 1980.

وعلى الرغم من ان مشتركات كبيرة يمكن الاستفادة منها لتدعيم صلابة العلاقات العراقية الايرانية، (كالعلاقات التجارية والاشتراكات الدينية والمذهبية وحتى الثقافية في بعض المناطق من البلدين)، لكن علاقة الطرفين كانت ولازالت اشبه بالرمال المتحركة ولا يمكن الوثوق بثباتها، والسبب في ذلك يعود الى ان هناك قضايا عالقة ومتجذرة لم تتم معالجتها بشكل جدي، من بين تلك القضايا (قضية الخلاف على الحدود البرية والبحرية، ومشكلات المياه، واستخدام الاكراد في كلا البلدين كورقة ضغط على الطرف الاخر، وقضية الاسرى والمفقودين والطائرات العراقية في ايران والدعم الإيراني لفصائل قتالية داخل العراق لضرب الوجود الأمريكي على حساب المصلحة العراقية وغيرها)، ودائما ما كان تتعكر صفوة العلاقة بين البلدين حينما تطفو الى السطح احدى هذه المشكلات وبخاصة مشكلة الحدود البحرية واتفاقية الجزائر التي لم تفعل.

ففي عام 1975 وقع الطرفان اتفاقية لتنظيم الحدود بينهما بوساطة الجزائر الا ان هذه الاتفاقية بقيت حبرا على ورق منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم، وتعترف الاتفاقية بشط العرب بالتناصف بين العراق وايران وتحقق لإيران مكسبا كبيرا يجعلها شريكا في السيادة على شط العرب استنادا الى تحديد الحدود على اساس قاعدة "التالوك" مقابل موافقة ايران على التخلي عن الاراضي المتجاوز عليها.

اتفق كلا الطرفان ايضا على ممارسة رقابة صارمة على حدودهما لمنع التسلل التخريبي والذي يعني انهاء الدعم الايراني للاكراد في العراق حيث كان الشاه يدعم الاكراد بقيادة لضرب حكومة بغداد واضعافها دون اسقاطها لتحقيق مكاسب سياسية.

فيما خفض العراق دعمه للعناصر المعادية لايران والتي تتخذ من بغداد مقرا لها سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني المعروف ب(بيجاك).

لكن اجراءات تسليم الاراضي تعثرت بسبب الاوضاع السياسة المتدهورة التي كانت تعيشها ايران بين سنتي 1978_1979 والتي اعقبها اندلاع الثورة ضد حكومة الشاه وخلال الحرب التي اندلعت بين إيران والعراق والتي استمرت لثمان سنوات الغى صدام حسين هذه الاتفاقية.

وعلى الرغم من ان تحركات بدأت بعد عام 2003 لتفعيل بنود الاتفاقية الا ان الطرفان لم يتمكنا من ذلك، كما ان الرئيس العراق جلال الطالباني، رفض الاعتراف بالاتفاقية واعتبرها ملغاة خلال زيارته لطهران عام 2007.

وتبدو ايران اكثر جدية من العراق في سعيها لتفعيل بنود الاتفاقية فهي في حركة مستمرة وتتحين الفرص لتحقيق ذلك الهدف، وما ان تمكن الكاظمي من تشكيل حكومته التي حصلت على التأييد داخل قبة البرلمان، سارعت ايران الى تحريك سفيرها لدى بغداد "ايريج مسجدي" للتهنئة بهذه المناسبة، وتعرض مسجدي خلال الزيارة الى التعاون المصرفي بين البلدين، وخط سكك حديد خرمشهر البصرة وتأشيرات الدخول لمواطني البلدين وتطرق الى التعاون الثنائي واستمرار الاجراءات فيما يتعلق بأتفاقية الجزائر عام 1975، لكن مسألة تتنفيذ بنود الاتفاقية قد تتعثر بأعتراضات كبيرة داخل البرلمان العراقي بسبب المواقف المتشنجة التي تبديها بعض الاطراف العراقية حيال التعامل مع ايران لاسيما في ظل وجود المتغير الأمريكي.

كما ان المعاهدة قد تواجه اعتراضا من قبل رئيس الجمهورية حيث ينص قانون عقد المعاهدات العراقي في الفصل الأول منه المادة واحد الفقرة الرابعة علىى "موافقة مجلس النواب ومصادقة رئيس الجمهورية على الالتزام بمعاهدة سبق التوقيع عليها باسم جمهورية العراق او حكومتها".

كما ان وزارة الخارجية التي يفترض بها ان تمارس اعمال تنظيم ومتابعة تنفيذ المعاهدة بين الطرفين لم تر النور بعد، اذ ان مجلس النواب لم يصوت على وزارتي النفط والخارجية الحساستين، وأرجأ التصويت بشأنهما لجلسة لاحقة، هذه المعطيات يمكن ان تتشكل منها عاصفة تهز العلاقة بين البلدين وتضيف ازمة جديدة الى قائمة الازمات الخارجية التي يجب ان يتعامل معها العراق كما ان وجود اطراف مؤثرة ومخالفة لتوجهات ايران في العراق يمكن ان يعقد المشكلة، فهناك مشكلة التعويضات المالية التي يجب تسديدها للكويت وهي تعويضات عن حرب الخليج، فضلا عن المشكلة العراقية التركية والمشكلات الداخلية التي لها بداية وليس لها طرف نهاية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق