تخشى قوى عالمية من أن يفتح هذا التحرك مرحلة جديدة في الحرب السورية ويؤدي إلى تفاقم الاضطرابات في المنطقة، وتقول أنقرة إنها تعتزم إقامة منطقة آمنة من أجل عودة ملايين اللاجئين إلى الأراضي السورية، وقبيل بدء الهجوم الذي كان متوقعا، قالت سوريا إنها عازمة على مواجهة أي عدوان تركي...
يبدو أنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدأ وبشكل رسمي بتنفيذ تهديداته السابقة باستهداف المقاتلين الأكراد من خلال هجوم عسكري واسع، لإنهاء الوجود الكرديّ المسلّح على طول الحدود مع سوريا والعمل على اقامة مناطق امنة، وقد هددت تركيا مرارا بشن عملية عسكرية في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، لإنشاء "منطقة آمنة" بعمق 32 كيلومترا، وتمتد لمسافة 480 كيلومترا على طول الجانب السوري من الحدود بين البلدين.
وتريد تركيا طرد وحدات حماية الشعب الكردية، إذ تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعا مسلحاً ضد الحكومة التركية منذ عقود من اجل الحكم الذاتي للأكراد هناك، وتصنفه أنقرة على أنه "منظمة إرهابية". كما تأمل تركيا في إعادة توطين نحو مليوني شخص، من بين 3.6 مليون لاجئ سوري تستضيفهم حاليا على أراضيها. ويُعتقد أن العملية التركية ستركز مبدئيا على امتداد 100 كيلومتر، من الحدود بين بلدتي تل أبيض ورأس العين، وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة معظم سكانها عرب.
هذا العملية العسكرية الواسعة ضد القوات الكردية والتي بدأت عقب انسحاب القوات الأمريكية بعد ان تخلت عن دعم حلفائها الاكراد من على الحدود. اثار قلق ومخاوف الكثير من الدول الحكومات، التي تخشى ان تسهم هذه العمليات في خلق صراع جديد في المنطقة، كما انها قد تسهم ايضا في تفاقم المعاناة الانسانية. وقالت لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة إنسانية، إن المنطقة التي تخضع حاليا لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية هي موطن لنحو مليوني مدني، "نجوا بالفعل من وحشية تنظيم داعش والتشرد لعدة مرات".
وكتبت اللجنة على موقع تويتر، "لقد أدى الهجوم العسكري إلى تشريد ما لا يقل عن 300 ألف شخص على الفور، وتعطيل الخدمات الإنسانية المنقذة للحياة". وقالت منظمة إنقاذ الطفولة إن 1.65 مليون مدني يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية في المنطقة، من بينهم أكثر من650 ألف شخص نازح بسبب الحرب. كما ان هذه العمليات العسكرية وبحسب بعض الخبراء قد تسهم ايضا في عودة خطر التنظيمات الجماعات الارهابية المسلحة، حيث تقول قوات سوريا الديمقراطية إنها تحتجز أكثر من 12 ألف شخص، يشتبه بأنهم أعضاء في تنظيم داعش في سبعة سجون. ما لا يقل عن 4000 من السجناء من الرعايا الأجانب، ويقال إن بعض السجون قريبة من الحدود التركية.
في غضون ذلك، تُحتجز عائلات أعضاء التنظيم في ثلاثة مخيمات للنازحين وهم: روج، عين عيسى، والهول. وسيكون كل من روج وعين عيسى - اللذين يأويان 1700 و 12900 شخص على التوالي، حسب الأرقام التي رصدت في مايو/ أيار الماضي - ضمن "المنطقة الآمنة" المقترحة من تركيا. ويعد مخيم الهول الأكبر من نوعه حتى الآن، حيث يبلغ عدد سكانه أكثر من 68 ألف نسمة، ويبعد نحو 60 كيلومترا عن تركيا، وبالتالي لن يكون ضمن المنطقة الآمنة. أكثر من 94 في المئة من سكانه من النساء والأطفال، من بينهم 11 ألفا من الأجانب.
وقال ترامب لأردوغان إن القوات التركية ستكون مسؤولة، عن تأمين مقاتلي التنظيم المحتجزين في المناطق التي سوف تستولي عليها، وذلك وفقا للبيت الأبيض. ومن جانبها قالت قوات سوريا الديمقراطية إن مقاتليها سيواصلون حراسة السجون والمخيمات، لكن هناك مخاوف من إمكانية استدعائهم إلى مناطق أخرى بسبب القتال، أو اضطرارهم للفرار في حال تعرضهم لهجوم.
هجوم وانقلاب
وفي هذا الشأن هاجمت قوات تركية ومجموعات حليفة من المعارضة السورية فصائل كردية في شمال شرق سوريا بضربات جوية وقذائف مدفعية قبل شن عملية برية عبر الحدود قد تحدث تحولا في الحرب الدائرة منذ ثمانية أعوام. يأتي الهجوم بعد أيام فقط من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من المنطقة، الأمر الذي أثار تنديدا من أعضاء كبار في الحزب الجمهوري قالوا إن الرئيس تخلى عن الأكراد الموالين لواشنطن.
وذكرت وزارة الدفاع التركية على تويتر أن ”القوات المسلحة التركية و(مسلحين) من الجيش الوطني السوري شنوا عملية برية شرقي نهر الفرات في إطار عملية نبع السلام“ وذلك بعد يوم من قصف جوي على المنطقة. وذكرت وسائل إعلام تركية أن الجنود دخلوا سوريا من أربعة محاور، اثنان قريبان من بلدة تل أبيض السورية والأخران على مقربة من راس العين شرقا.
وأبلغت تركيا مجلس الأمن الدولي في رسالة بأن العملية العسكرية ستكون ”متناسبة ومحسوبة ومسؤولة“ وسيجتمع المجلس المؤلف من 15 دولة لبحث سوريا بطلب من الدول الخمس الأوروبية الأعضاء (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وبولندا). وفر الآلاف من بلدة رأس العين السورية باتجاه محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
والهجوم على الأكراد، الذين ظلوا حلفاء واشنطن الرئيسيين في سوريا لسنوات، سيكون على الأرجح أحد أكبر التحولات في الحرب السورية الدائرة منذ ثمانية أعوام والتي شهدت تدخل قوى عالمية وإقليمية. ولعب الأكراد دورا قياديا في انتزاع أراض من تنظيم داعش ويتحكمون الآن في أكبر مساحة من الأرض السورية خارج سيطرة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
ودعت روسيا، أقوى حليف أجنبي للأسد، إلى الحوار بين دمشق والأكراد. وندد بعض الأكراد بقرار ترامب سحب قواته من المنطقة ووصفوه بأنه ”طعنة في الظهر“. وصف ترامب الهجوم التركي بأنه ”فكرة سيئة“، وقال إنه لم يوافق عليها. كما قال إنه يتوقع من تركيا أن تحمي المدنيين والأقليات الدينية وأن تحول دون حدوث أزمة إنسانية.
لكن أحد أوثق حلفاء ترامب وهو السناتور لينزي جراهام قال إن التخلي عن دعم الأكراد سيكون ”أكبر خطأ في رئاسته“. وقالت النائبة ليز تشيني وهي من الجمهوريين الصقور ”إن أمريكا تتخلى عن الأكراد حلفائنا الذين قاتلوا داعش وساعدوا في حماية الأرض الأمريكية. هذا القرار يساعد خصوم أمريكا؛ روسيا وإيران وتركيا ويمهد لعودة داعش“.
وفي إعلانه بدء العملية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الهدف هو القضاء على ما يصفه ”بممر الإرهاب“ على الحدود الجنوبية التركية، ودعت دول أوروبية وعربية أنقرة لوقف الهجوم. وكانت تركيا قد تأهبت للتوغل في شمال شرق سوريا منذ بدأت القوات الأمريكية، التي كانت تقاتل إلى جانب القوات الكردية تنظيم داعش، مغادرة المنطقة.
وقال مصدر أمني تركي إن العملية العسكرية، التي أطلق عليها اسم ”نبع السلام“، بدأت بضربات جوية. واستهدفت مدافع الهاوتزر التركية بعد ذلك قواعد ومستودعات ذخيرة تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية. وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية مرتبطة بمسلحين أكراد يحاربون في تركيا منذ سنوات. وذكر المصدر أن ضربات المدفعية، التي استهدفت أيضا مواقع أسلحة وقناصة تابعة لوحدات حماية الشعب، قصفت مواقع بعيدة عن المناطق السكنية.
وقالت وزارة الدفاع إن الجيش التركي أصاب 181 هدفا للمسلحين بضربات جوية ومدافع الهاوتزر منذ بداية العملية. وأفاد مراسل لشبكة (سي.إن.إن) أن انفجارات هزت بلدة رأس العين وأنه أمكن سماع أصوات طائرات حربية بينما ارتفعت أعمدة الدخان من مبان في البلدة. وذكرت وسائل إعلام تركية أن عدة قذائف مورتر سقطت على الجانب التركي من الحدود لكنها لم تسفر عن وقوع خسائر.
وتخشى قوى عالمية من أن يفتح هذا التحرك مرحلة جديدة في الحرب السورية ويؤدي إلى تفاقم الاضطرابات في المنطقة. وتقول أنقرة إنها تعتزم إقامة ”منطقة آمنة“ من أجل عودة ملايين اللاجئين إلى الأراضي السورية. وقبيل بدء الهجوم الذي كان متوقعا، قالت سوريا إنها عازمة على مواجهة أي عدوان تركي بكل السبل المشروعة. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على معظم الأراضي التي كان تنظيم داعش يهيمن عليها وتحتجز آلافا من مقاتلي التنظيم وعشرات الآلاف من ذويهم.
وقال مسؤولان أمريكيان ومصدر كردي إن قوات سوريا الديمقراطية أوقفت عملياتها ضد التنظيم بسبب الهجوم التركي. وذكرت قوات سوريا الديمقراطية على تويتر أن أحد السجون التي يحتجز فيها أسرى داعش أصيب بضربة جوية تركية. وأعلنت السلطات التي يقودها الأكراد في شمال سوريا حالة ”التعبئة العامة“ قبل أن تدعو مواطنيها للتوجه صوب الحدود.
وقالت في بيان ”ندعو جميعا مؤسساتنا ومكونات شعبنا للذهاب إلى المنطقة الحدودية مع تركيا لأداء واجبهم الأخلاقي والمقاومة في هذه اللحظات التاريخية الحساسة“. وقال فخر الدين ألتون، مدير الاتصالات بمكتب أردوغان، إن بلاده ليس لها مطامع في شمال شرق سوريا إلا تحييد الخطر الذي يهدد المواطنين الأتراك وتحرير سكان المنطقة من قبضة ”قطاع الطرق المسلحين“. وأضاف ألتون أن تركيا تولت قيادة القتال ضد تنظيم داعش في سوريا.
وفي الأيام الأولى من الصراع، ساعدت الحكومة السورية وحدات حماية الشعب الكردية القوية في السيطرة على المدن التي تقطنها أغلبية كردية. ولم تحارب الوحدات الحكومة السورية أثناء الحرب كما أنها استوعبت الوجود الحكومي السوري في مدينتها الرئيسية القامشلي ولها تجارة نفط مربحة غير قانونية مع دمشق. لكن دمشق تكره منح الأكراد الحكم الذاتي بالدرجة التي يسعون إليها. وهددت الحكومة في وقت سابق من العام القوات الكردية المدعومة من واشنطن بهزيمة عسكرية إن لم توافق على العودة لسلطة الدولة.
وتتعرض قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية رأس الحربة فيها لهجوم تركي بعد أن انسحب حلفاؤها الأمريكيون من جزء من الحدود وهي أقل عددا وعدة بكثير من الجيش التركي ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي. ورغم أن الولايات المتحدة تولت تسليح قوات سوريا الديمقراطية وتدريبها خلال سنوات محاربة تنظيم داعش فقد أحجمت واشنطن عن تزويد حلفائها الأكراد بترسانة أكثر تطورا بما يعكس احتياجات المعركة وكذلك المخاوف التركية.
وقال مصدر بوحدات حماية الشعب ”الوحدات ليس لديها أسلحة ثقيلة (من الولايات المتحدة) يمكن أن تفيد في التصدي للطائرات أو الدبابات التركية“. وأضاف المصدر مشترطا للخوض في مسائل عسكرية عدم الكشف عن هويته ”أثقل أسلحة حصلنا عليها من الولايات المتحدة بعض قذائف المورتر ولا شيء أثقل. لا صواريخ ولا أسلحة مضادة للدبابات“.
وأكدت سياسة واشنطن تجاه وحدات حماية الشعب التعقيدات الأشمل لدورها في الصراع السوري الذي تطور من احتجاجات على حكم الرئيس بشار الأسد إلى حرب متعددة الأطراف انجرت إليها روسيا وتركيا وإيران. ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية أثبتت أنها حليف فعال في مواجهة داعش فقد أثار التأييد الأمريكي لها غضب تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب قوة إرهابية بسبب صلتها بحزب العمال الكردستاني الذي يشن حركة تمرد داخل تركيا منذ فترة طويلة.
وقالت مصادر بالمعارضة السورية إن بعض السوريين الذي يحظون بدعم تركي ويواجهون الآن قوات سوريا الديمقراطية استفادوا من دعم عسكري أمريكي في مرحلة سابقة من الحرب عندما أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على برنامج لتسليح المعارضة المناهضة للأسد وتدريبها. وأنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العمل بهذا البرنامج في 2017 في إطار مساعيه لتحسين العلاقات الأمريكية مع روسيا أقوى حلفاء الأسد. وكان البرنامج تعرض للانتقاد لأن بعض أفراد المعارضة انضموا لجماعات إسلامية متشددة.
قال مصدر ثان بوحدات حماية الشعب إن قوات سوريا الديمقراطية يبلغ عدد أفرادها في الوقت الحالي نحو 40 ألف مقاتل. وبخلاف ذلك كونت السلطات الكردية منذ فترة طويلة قوات أمنية أخرى مثل الأساييش التي يقدر عدد أفرادها بعشرات الآلاف. وقال المصدر إنه رغم أن الولايات المتحدة لم تزود الوحدات بأسلحة ثقيلة أو متقدمة فقد حصل المقاتلون الأكراد من مصادر أخرى على صواريخ مضادة للدبابات. وأضاف ”واجبنا هو المقاومة. هذا هو الشرق الأوسط والسوق السوداء على أشدها“. وقال مصدر بالمعارضة السورية مطلع على الموقف التركي إن أنقرة تراقب الأسلحة التي تسلم لوحدات حماية الشعب منذ فترة طويلة وكان ذلك نقطة خلاف مع واشنطن.
وقال القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية إن المقاتلين الأكراد سيعجزون عن وقف الغزو التركي. وقال جوزيف فوتل الذي تقاعد هذا العام ”أعتقد أن الأكراد سيدافعون قبل كل شيء عن أنفسهم بأفضل وسيلة بإمكانهم. وعندما يتضح لهم أنهم لا يستطيعون التعامل مع هذا الجيش وتلك القدرات الحديثة جدا لدى تركيا فأعتقد أنهم سيتركون المنطقة“. وأضاف فوتل ”لن ينصرف المقاتلون فحسب بل إني أتوقع أن يرحل مواطنون أيضا لشعورهم بأنهم لن يكونوا آمنين بالبقاء في المنطقة“.
الحوار وتعزيز النفوذ
من جانب اخر هاجم فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري القوات التي يقودها أكراد وتدعمها واشنطن قائلا إنها خانت بلادها واتهمها بتبني أجندة انفصالية منحت تركيا ذريعة لانتهاك سيادة البلاد. وردا على سؤال عما إذا كانت دمشق ستستأنف الحوار مع القوات التي يقودها الأكراد والتي تواجه هجوما تركيا يهدف لطردها من شمال شرق سوريا، قال المقداد إن هذه ”فصائل مسلحة قامت بخيانة وطنها وارتكاب جرائم ضدها“.
وأضاف لمجموعة من الصحفيين في مكتبه بدمشق ”لن نقبل أي حوار أو حديث مع من رهن نفسه للقوى الخارجية. لن يكون لعملاء الولايات المتحدة أي موطئ قدم على الأرض السورية“. وكان مسؤول كردي سوري قال في وقت سابق إن السلطات التي يقودها أكراد في شمال سوريا قد تجري محادثات مع دمشق وموسكو لملء فراغ أمني في حال الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من منطقة الحدود التركية. وقال قائد عسكري كبير إن أحد الخيارات أمام الأكراد ستكون إعادة الأرض للحكومة السورية.
من جانب اخر يقول أشخاص مقربون من الكرملين إن التوغل التركي في سوريا يمثل فرصة لروسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة حيث تتراجع واشنطن فيما يبدو، لكن المخاطر على الدبلوماسية الروسية ستزداد كلما طالت العملية. وفي اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل العملية ضد المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن، أوضح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وهو حليف للرئيس السوري بشار الأسد، أنه يأمل في أن يكون التوغل محدودا في زمانه ونطاقه، حسبما ذكرت المصادر.
وقال آندريه كليموف، وهو نائب بارز مؤيد لبوتين في مجلس الاتحاد بالبرلمان الروسي ”كلما انتهت حالة الصراع هذه بسرعة كان أفضل للجميع“. وأضاف ”أتمنى حقا أن يبذل شركاؤنا الأتراك كل ما في وسعهم لتجنب أي صراع ولو بالمصادفة على الأرض مع قوات الحكومة السورية أو مع الجنود الروس“.
وبالنسبة لروسيا، فهذه موازنة دقيقة. فقد تعهدت باستخدام قوتها الجوية لمساعدة الأسد على استعادة كل الأراضي التي فقدها في الحرب المستمرة منذ ما يربو على ثماني سنوات وشددت مرارا على أهمية وحدة أراضي البلاد. لكنها تعمل أيضا مع تركيا وإيران للضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية تأمل في أن تفضي إلى إعادة صياغة الدستور السوري في نهاية المطاف وتُظهر أن بوسع موسكو أن تساعد في تحقيق السلام كما تقدم العون في الحرب.
ويقول منتقدون إن جهود موسكو جهود صورية تهدف إلى التوصل لتسوية سياسية وهمية لإعادة إضفاء الشرعية على الأسد وجذب الأموال من الاتحاد الأوروبي والخليج لإعادة بناء سوريا. ومن شأن استمرار العملية التركية لفترة طويلة أو خروجها عن السيطرة أن يعرقل جهود الكرملين الدبلوماسية. وقال يوري أوشاكوف المساعد في الكرملين إن بوتين أبلغ أردوغان بأن على قواته أن تتوخى الحذر في كل تحركاتها رغم تفهم موسكو لمخاوف أنقرة الأمنية.
وأضاف أوشاكوف ”من المهم بالنسبة لنا أن يتحلى كل الأطراف بضبط النفس وأن يحسبوا بدقة خطواتهم العملية لتجنب الإضرار بالإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق تسوية سياسية“. وأشار أوشاكوف إلى أول اجتماع مقرر عقده للجنة صياغة الدستور السوري بدعم من موسكو في 29 أكتوبر تشرين الأول على أنه حدث لا ينبغي تعطيله وقال إن من غير المقبول لموسكو أن يتعرض مدنيون لمعاناة بسبب الهجوم التركي.
أوضح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن موسكو تتأهب للاضطلاع بدور وسيط في حل أحدث أزمة في الصراع السوري الذي طال أمده. وقد يشمل ذلك التوسط في إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، التي تريد خروج القوات التركية من أراضيها، وبين دمشق والأكراد، الذين يريدون قدرا من الحكم الذاتي داخل سوريا وهو أمر لم يظهر الأسد أي إشارة بعد على تقبله.
وقال ماثيو بوليج الباحث في مؤسسة تشاتام هاوس في لندن ”روسيا على الأرجح هي اللاعب الوحيد في الغرفة بين الراشدين الذي يمكنه أن يتحدث مع الجميع في ذات الوقت. سواء كانت إسرائيل وإيران أو القوات الكردية وتركيا أو الأسد وأي طرف آخر“. وبالنسبة لبوتين سيشكل ذلك نصرا كبيرا على الساحة الجيوسياسية. وقال آندريه كورتونوف رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث تربطه صلات وثيقة بوزارة الخارجية الروسية، ”إذا تمكن من ترتيب ذلك فسيُعتبر الأمر نصرا سياسيا كبيرا“. بحسب رويترز.
وتابع قائلا ”يمكن لبوتين أن يقول إن الأمريكيين أخفقوا في حل ذلك لكننا استطعنا... بما يعني ضمنا أن نهجنا حيال الصراع أكثر فاعلية من منافسينا على الساحة الجيوسياسية“. وقال فلاديمير فرولوف وهو دبلوماسي روسي كبير سابق إنه إذا اقتصرت العملية التركية على منطقة أمنية عمقها 30 ميلا داخل سوريا وكانت سريعة فمن المرجح أن تغض موسكو الطرف عنها. وأشار إلى أن نشر روسيا لأنظمة دفاع جوي متطورة في سوريا ووجود قاعدة جوية لها هناك يمكنها عمليا من وقف أي تقدم تركي إذا أرادت. لكن فرولوف قال ”إذا أراد أردوغان التوغل أكثر في سوريا وتقسيمها... فستحاول موسكو منع ذلك من خلال نشر مواقع مراقبة روسية في مناطق متقدمة وبغطاء جوي روسي“. وقال ”روسيا تسيطر على سماوات سوريا... وتركيا تحلق بطائراتها الآن برضا موسكو“.
اضف تعليق