للعنف والتشدد في باكستان تاريخ طويل اثر سلباً على جميع مفاصل الحياة في هذا البلد، الذي يعاني من حالة عدم استقرار بسبب تفاقم الصراعات الدينية والسياسية النزاعات الاجتماعية ايضا، و قضايا العنف صاحبت إنشاء دولة باكستان عام 1947. واهمها العنف الديني، الذي تمارسه الجماعات المتشددة التي تقف...
للعنف والتشدد في باكستان تاريخ طويل اثر سلباً على جميع مفاصل الحياة في هذا البلد، الذي يعاني من حالة عدم استقرار بسبب تفاقم الصراعات الدينية والسياسية النزاعات الاجتماعية ايضا، و قضايا العنف صاحبت إنشاء دولة باكستان عام 1947. واهمها العنف الديني، الذي تمارسه الجماعات المتشددة التي تقف خلفها احزاب سياسية كبيرة ضد الأقليات الدينية والطوائف الإسلامية. وُجدت الدوافع الدينية للتشدد في باكستان منذ عقود طويلة؛ حيث نجده وبحسب بعض المصادر متجذِّرًا فيها تاريخيًّا بكل تمظهراته الدينية والسياسية والاقتصادية، وأيضًا في النزاعات الاجتماعية. ويجب أن يُنظر إلى هذه القضية في سياق العنف الذي صاحب إنشاء دولة باكستان عام 1947؛ حيث استقلَّت البلاد عن الحكم البريطاني وانفصلت عن الهند. واستند تأسيس باكستان على حُجَّة القيادة المؤيدة للاستقلال آنذاك، والتي كانت ترى أن المسلمين سيكونون أقلِّية مهمَّشة في الهند المستقلة، ولذا وجب أن تكون لهم دولة مستقلة. وخلال عمليات تقسيم الهند، اندلعت أعمال شغب طائفية بين الهندوس والسيخ والمسلمين.
وشهدت باكستان في مطلع خمسينات القرن الماضي بروز ظاهرة الصراعات الطائفية التي انتهت إلى اندلاع أعمال شغب واسعة النطاق، وكانت الأسباب التي تقف خلف تلك الأعمال تتمثَّل في التوترات الدينية، والمشاحنات السياسية بين الزعماء الدينيين المؤثِّرين المنتمين إلى جماعات دينية أخرى، وانعدام الرضا عن الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن الهجرة، وما حمله معهم المهاجرون الجدد من ثقافات دينية مختلفة.
وكانت موجة الهجمات، التي بدأت منذ العام 2007 وما تلاها، بقيادة مجموعات متشددة، مثل: حركة "تحريك طالبان" الباكستانية، والجماعات الفرعية المنشقة عنها مثل "جماعة الأحرار"، وجماعة "عسكر جنجوي (أو لشكر جنجوي)" المناوئة للشيعة. وقد تأثَّرت كل تلك الجماعات بحركة الخمسينات وبالتكتيكات التي انتهجتها الجماعات المتشددة حينها؛ حيث استُهدف مئات الأشخاص بسبب معتقداتهم، بما في ذلك طوائف من أتباع أقليات مسيحية أو مسلمة شيعية. وفي العام 2016، هاجمت جماعة الأحرار مُتَنَزَّهًا عامًّا في لاهور خلال الاحتفالات بعيد الفصح، واستهدفت المسيحيين بالتحديد. أما في الأعوام الأخيرة، فوسَّعت الجماعات المتشددة قائمة أهدافها لتشمل الطوائف الدينية الصغيرة وأتباع الأقليات المحدودة من أمثال الإسماعيليين والسِّيخ.
عنف مستمر
وفي هذا الشأن قال الجيش الباكستاني إن قوات الأمن قتلت ثلاثة مسلحين انفصاليين اقتحموا فندقا فاخرا في مدينة جوادر الساحلية. وقال مسؤولون إن ثلاثة مسلحين يرتدون زي الجيش اقتحموا فندق بيرل كونتيننتال وقتلوا ثلاثة من حراس الأمن وموظفا وجنديا في البحرية في تبادل لإطلاق النار. وتحصن المسلحون في آخر طابق من الفندق بعد أن وصلت قوات الأمن. وأجلت القوات كل النزلاء من المبنى لتتمكن من تضييق الخناق على المهاجمين. وقال الجيش في بيان ”قوات الأمن أنهت عملية التطهير“ مضيفا أن المهاجمين الثلاثة قتلوا.
وأعلن جيش تحرير بلوخستان مسؤوليته عن الهجوم. وقال إن المستهدفين بالهجوم كانوا مستثمرين ”صينيين وغيرهم من المستثمرين الأجانب“. وجيش تحرير بلوخستان جماعة متشددة تحارب من أجل ما تقول إنه توزيع ظالم للموارد الطبيعية في إقليم بلوخستان بجنوب غرب باكستان. ويقع الإقليم على الحدود مع إيران وأفغانستان وهو أفقر أقاليم البلاد على الرغم من أن به احتياطات وفيرة من الغاز الطبيعي ومعادن عدة.
ومدينة جوادر المطلة على بحر العرب ميناء استراتيجي يجري تطويره ضمن مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي تبلغ تكلفته 60 مليار دولار والذي يعتبر جزءا من مشروعات البنية التحتية في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين. وأصدر رئيس الوزراء عمران خان بيانا أدان فيه الهجوم. وقال ”مثل هذه المحاولات، خاصة في بلوخستان، هي محاولات لتخريب مشروعاتنا الاقتصادية والقضاء على رخائنا“. وقتل أحد حراس أمن الفندق لدى محاولته منع المهاجمين من دخوله. بحسب رويترز.
وقال الجيش إن المهاجمين عطلوا كاميرات المراقبة الأمنية في الفندق وزرعوا متفجرات على كل المداخل المؤدية للطابق العلوي. وتحسن مستوى الأمن في معظم أنحاء باكستان على مدى الأعوام الماضية بعد حملة كبرى أعقبت أسوأ هجوم في البلاد عام 2014 أودى بحياة 148 قتيلا معظمهم أطفال في مدرسة بمدينة بيشاور بغرب البلاد. لكن لا يزال بلوخستان، وهو أكبر الأقاليم الباكستانية، استثناء إذ وقعت به عدة هجمات هذا العام. وقتل 14 شخصا على الأقل في هجوم على حافلات كانت تنقل الركاب بين مدينتي جوادر وكراتشي بجنوب البلاد.
الى جانب ذلك قال مسؤولان إن قنبلة بدائية الصنع مثبتة في دراجة نارية وتستهدف فيما يبدو سيارة شرطة انفجرت بالقرب من مسجد في مدينة كويتا بغرب باكستان مما أسفر عن مقتل أربعة رجال شرطة على الأقل وإصابة 11 شخصا بينهم شرطيان. ولم تعلن أي جهة على الفور مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع رغم تشديد الإجراءات الأمنية بمناسبة شهر رمضان. كما قُتل عشرة أشخاص على الأقل في هجوم انتحاري على عربة شرطة كانت تحرس ضريحا صوفيا في مدينة لاهور التي تقع في شرق البلاد.
استهداف الاقليات
على صعيد متصل قال مسؤولون إن ما لا يقل عن عشرة أشخاص قتلوا وأصيب أكثر من 20 آخرين في انفجار استهدف نقطة تفتيش أمنية أمام ضريح صوفي كبير في مدينة لاهور بشرق باكستان يوم الأربعاء. وقع الانفجار بعد يوم واحد من بداية شهر رمضان عند نقطة تفتيش أمنية بالقرب من ضريح داتا دربار، أحد أكبر الأضرحة في جنوب آسيا الذي يزوره عشرات الآلاف سنويا.
وقال أشفق خان نائب المفتش العام لعمليات الشرطة في لاهور ”كانت الشرطة الهدف الرئيسي لهذا الهجوم. نجمع أدلة جنائية للتحقق من طبيعة الانفجار. وقال متحدث باسم الشرطة إن عدد القتلى ارتفع إلى عشرة منهم ستة من المدنيين وأربعة من رجال الشرطة بعدما مات ضابط شرطة متأثرا بجراحه. وكان مسؤولون ذكروا من قبل أن ثمانية من رجل الشرطة قتلوا. وأصيب ما لا يقل عن 23 شخصا. وقال محمد فاروق المتحدث باسم خدمة الإنقاذ في المدينة إن ما لا يقل عن سبعة من المصابين في حالة حرجة. بحسب رويترز.
وقال مسؤولون إن الشرطة أقامت نقاط تفتيش أمنية على الطرق الرئيسية المؤدية إلى الضريح بينما أُعلنت حالة التأهب في المستشفيات. وأعلنت جماعة حزب الأحرار المنشقة عن حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن الهجوم. وقالت الجماعة في بيان إن الهجوم استهدف الشرطة وإنه تم في وقت يهدف لتفادي سقوط ضحايا من المدنيين. وقال عبد العزيز يوسف زاي المتحدث باسم الجماعة ”تم هذا الهجوم في وقت لم يكن هناك أي مدني بالقرب من الشرطة“ وتعرض الصوفيون لهجمات فيما سبق من متشددين.
وفي عام 2010 فجر انتحاريان نفسيهما في ضريح داتا دربار مما أسفر عن مقتل 42 شخصا وإصابة 175 آخرين في هجوم أعلنت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عنه. البلاد. حذر مسؤلون من أن الهجوم يلقي الضوء على ضرورة توخي الحذر عند التجمع لأداء الصلاة خلال شهر رمضان.
المدارس والمساجد
قال متحدث باسم الجيش الباكستاني إن باكستان تعتزم فرض سيطرتها على شبكة تضم أكثر من 30 ألف مدرسة دينية في إطار حملة ”لتنظيم“ المدارس الإسلامية من خلال فرض سيطرة الدولة عليها. ويمثل تحديث التعليم في المدارس الدينية قضية شائكة في باكستان التي غالبا ما ينحى باللوم فيها على تلك المدارس في اعتناق الشبان الأفكار المتطرفة ولكنها التعليم الوحيد المتاح لملايين من الأطفال الفقراء.
وتواجه الحكومة في باكستان ضغوطا من قوى عالمية لاتخاذ إجراءات ضد الجماعات المتشددة التي تشن هجمات في الهند وأفغانستان وقد تعهدت بإجراء تعديلات رئيسية كما وعد رئيس الوزراء عمران خان بألا تتغاضى بلاده بعد الآن عن مثل هذه الجماعات التي تعمل في أراضيها.ويقول منتقدو نظام التعليم بالمدارس الدينية إن التلاميذ الذين يتعلمون فيها غالبا ما يكونون غير مجهزين للحياة العصرية كما أن بعض تلك المدارس تعد مرتعا خصبا للجماعات المتشددة. ويقضي التلاميذ معظم اليوم في هذه المدارس في حفظ القرآن الكريم. بحسب رويترز.
وقال الجنرال آصف غفور المتحدث باسم الجيش الباكستاني للصحفيين في مقر قيادة الجيش بمدينة روالبندي إن ”حكومة باكستان... قررت تنظيم هذه المدارس. ”سيستمر توفير التعليم الإسلامي ولكن لن يكون هناك خطاب كراهية“. وأضاف أن المدارس الدينية ستخضع لإشراف وزارة التعليم وسيتم دمج الموضوعات الأخرى ضمن مناهجها. وقال غفور إن باكستان ستمول المدارس الدينية من خلال تحويل أموال إلى التعليم من التكاليف الخاصة بالعمليات الأمنية لمكافحة الإرهاب والتي أصبحت أقل ضرورة بعد تراجع الهجمات المسلحة بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
من جانب اخر اختفت من أمام مسجد جماعة الدعوة أي إشارة إلى هذه المجموعة التي تُعتبر إرهابية. وبعد الأزمة الحادة التي وضعتها في مواجهة مع الهند، تواجه باكستان ضغوطا قوية للقضاء على المنظمات المتطرفة وإقناع العالم بحسن نواياها. وقد أعلن عن الاعتقالات الاولى لناشطين اسلاميين في الخامس من اذار/مارس، بعد أقل من أسبوع على المواجهة الخطيرة بين نيودلهي واسلام اباد في شأن منطقة كشمير المتنازع عليها. وتتهم الهند منذ فترة طويلة باكستان بإيواء ارهابيين على أراضيها، وتستخدمهم ذريعة لمهاجمتها، خصوصا الاعتداء الانتحاري في 14 شباط/فبراير في بالوما الذي فجر الأزمة.
وكانت هناك أكثر من مئة عملية اعتقال بالاجمال كما تقول السلطات، وكذلك تجميد حسابات ومصادرة ممتلكات. وتفيد بعض التقارير ان السلطات اعلنت السيطرة على اكثر من 700 مسجد ومدرسة ومستوصف. استهدفت الحملة خصوصا مجموعة "جيش محمد" التي أعلنت مسؤوليتها عن الاعتداء في الهند، وجماعة الدعوة الخيرية التي تُعتبر فرعا من جماعة "عسكر طيبة" التي تتهمها الهند والولايات المتحدة بأنها مسؤولة عن تفجيرات بومباي العام 2008.
وخلا المسجد القبة في إسلام آباد من أي إشارة إلى جماعة الدعوة. وتفيد يافطة خضراء مثبتة على عمود، عن الإدارة الجديدة للمركزين التي عينتها "حكومة باكستان". وقال مصدر قريب من جماعة "جيش محمد" "اعتُقل جميع قادتنا تقريبا، واستُبدل جميع أئمتنا، وتمت السيطرة على جميع مساجدنا". واضاف "لم نواجه من قبل أبدا تدابير تتسم بمثل هذه الشدة".
اضف تعليق