جبهة النصرة إحدى أبرز الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تم تشكيلها في بداية الأزمة السورية، حيث تبنت هذه المنظمة الارهابية عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق. وبسبب اعمالها الاجرامية وكما تشير بعض المصادر فقد تم تصنيفها في ديسمبر 2012 من قبل الحكومة الأمريكية على أنها جماعة إرهابية وفي 30 مايو 2013 قرر مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة بالإجماع إضافة جبهة النصرة إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم القاعدة، وهو ما تسبب لها في مشكلات وازمات كانت سببا في تراجع دورها على الارض خصوصا بعد صعود تنظيم "داعش" الذي سيطر على مناطق كانت خاضعة لجبهة النصرة، وقتل عددا من قياديي الجبهة، وشجع عددا آخر من مقاتليها على الانخراط في صفوفه، إلا أن الحركة لا تزال تمارس اعمالها المسلحة في سوريا بفضل الدعم المتواصل الذي تقدمه بعض الدول الخليجية.
حيث تسعى وبحسب بعض الخبراء الى اعادة الحياة لهذه الجبهة من خلال تقديم الدعم والاسناد والعمل على جعلها ذراع خاص للمخابرات القطرية في سبيل تنفيذ مخططاتها الاجرامية في سوريا والمنطقة بشكل عام بعد قبولها الانفصال عن تنظيم القاعدة، وهي كما يقول بعض المراقبين حركة جديدة تستخدمها دول الخليج التي تعمل على شرعنه اعمال جبهة النصرة وبالتالي رفع اسمها من قائمة العقوبات والجماعة الارهابية، الامر الذي قد يمكنها من الحصول على دعم دولي اضافي قد يمكنها من مواجهة تنظيم "داعش". خصوصا بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها الجبهة في الفترة السابقة وهو ما تؤكده الوقائع والتقارير. حيث سرت خلال الفترة الماضية اخبار على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن وجود فريق داخل جبهة النصرة يؤيد الانفصال عن القاعدة. وقال الخبير في الشؤون السورية في جامعة ادنبره توماس بييريه ان فكرة فك الارتباط عن تنظيم القاعدة برزت للمرة الاولى في محافظة دير الزور في ربيع عام 2014 مع التقدم الذي احرزه انذاك تنظيم داعش على الارض.
بينما كانت النصرة تقاتل الى جانب كتائب مايسمى الجبهة الاسلامية والجيش السوري الحر، "لكنها تلاشت بسرعة". وراى بييريه أن "الديناميات الداخلية في جبهة النصرة منذ صيف 2014 لا توحي اطلاقا بالتوجه الى دينامية معتدلة وفك الارتباط مع القاعدة". ولم يستبعد بييريه ان تكون قطر خلف "هذا التسريب" لرغبتها على ما يبدو في "تقوية نفوذ النصرة". وتضم الجبهة مجموعة من الجهاديين الذين قاتلوا في العراق ويقودها ابو محمد الجولاني.
وتقول هيام القصيفي في مقال لها في صحيفة الاخبار اللبنانية: الاهتمام الغربي تزايد اخيراً بوضع «جبهة النصرة»، وخصوصا في ضوء التطورات الأخيرة لجهة مقتل اربعة من قادتها في غارة جوية في ادلب، ومن ثم المعلومات التي تحدثت عن احتمال انشقاقها عن «القاعدة»، والتركيز على امير الجبهة «ابو محمد الجولاني» ورفضه هذا الانشقاق. ومردّ الانشغال بـ«النصرة» يكمن، بحسب المعلومات، في احتمال ربط تعويم الجبهة عبر فك ارتباطها بـ«القاعدة»، بتوجه سعودي ــــ تركي ــــ قطري وخليجي، يستهدف تجميع السعودية مجدداً اوراقاً فاعلة في يدها، على الارض السورية.
واشار مصدر امني لبناني الى ان النقاش في صفوف جبهة النصرة بشان الانفصال عن القاعدة بدأ منذ اشهر عدة لكن الجولاني وقياديين اخرين سارعوا الى رفضه بسبب "الخشية من فقدان الشعبية التي تتمتع بها الجبهة في حال قطع علاقتها مع القاعدة". ويخشى هؤلاء في الوقت ذاته من ان "تطلب قطر من الجبهة التواجد على الصفوف الامامية في مواجهة داعش مقابل دعمها ماليا وهو ما لا تريده النصرة".
وتقول لينا الخطيب الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط: "ينظر الغرب حالياً إلى جبهة النصرة باعتبارها تشكّل تهديداً، بيد أن براغماتيتها وتطورها المستمر، يعنيان أنها يمكن أن تصبح حليفاً في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتضيف: لاتزال قطر, التي تسعى لتعزيز نفوذها في سورية، تراقب صعود جبهة النصرة وتحاول فصلها عن تنظيم القاعدة، ويكمن دافع قطر في طموحها لاستخدام جبهة النصرة كورقة رابحة في المناقشات الدولية حول تسوية الصراع السوري. لكن، لايمكن أن تتخلّى جبهة النصرة تماماً عن إيديولوجية تنظيم القاعدة خوفاً من فقدان شرعيتها.
النصرة وتنظيم القاعدة
على صعيد متصل قالت مصادر إن قادة جبهة النصرة في سوريا يدرسون قطع ارتباطهم بتنظيم القاعدة لتكوين كيان جديد تدعمه بعض الدول الخليجية لمحاولة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وقالت مصادر من داخل الجبهة ومصادر مقربة منها إن قطر التي تتمتع بعلاقات طيبة مع الجماعة تعمل على تشجيعها للمضي قدما في هذه الخطوة التي ستيسر لها الحصول على التمويل.
وقد يحول ذلك جبهة النصرة من فصيل مسلح أصابه الضعف إلى قوة قادرة على التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في وقت يتعرض فيه لضغوط من غارات القصف الجوي ومن تقدم القوات الكردية وقوات الجيش العراقي. كما أنه سيقوي نفوذ قطر وحلفائها في الحملة الرامية للإطاحة بالأسد بما يتفق مع الطموحات الدبلوماسية المتنامية لقطر في المنطقة. ولم يتسن الاتصال بالمسؤولين القطريين للتعليق.
ورغم أن جبهة النصرة لا تنتظر قرارا نهائيا بهذا الخصوص من مجلس الشورى الخاص بها إلا أنها لا تضيع وقتا. فقد انقلبت على جماعات صغيرة غير جهادية واستولت على أراضيها وأرغمتها على التخلي عن السلاح في محاولة لتدعيم نفوذها في شمال سوريا وتمهيد السبيل للكيان الجديد. وقالت المصادر إن مسؤولين من أجهزة المخابرات من دول خليجية من بينها قطر اجتمعوا مع أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة عدة مرات في الأشهر القليلة الماضية لتشجيعه على التخلي عن تنظيم القاعدة ومناقشة الدعم الذي يمكن لهذه الأجهزة تقديمه. ووعد المسؤولون بالتمويل بمجرد تحقق الانفصال.
وقال مزمجر الشام وهو شخصية جهادية بارزة على صلة وثيقة بجماعات إسلامية من بينها جبهة النصرة في سوريا "الكيان الجديد سيرى النور قريبا وسيضم جبهة النصرة وجيش المجاهدين والأنصار وكتائب صغيرة أخرى." وأضاف "سيتم التخلي عن اسم النصرة. وستنفصل الجبهة عن القاعدة. لكن ليس كل أمراء النصرة موافقين ولهذا السبب تأجل الاعلان." وأكد مصدر وثيق الصلة بوزارة الخارجية أن قطر تريد أن تصبح جبهة النصرة قوة سورية خالصة لا تربطها صلة بتنظيم القاعدة. وقال المسؤول "وعدوا النصرة بمزيد من الدعم. أموال وإمدادات وخلافه بمجرد أن تقطع صلاتها بالقاعدة."
ومن المحتمل أن تؤدي المحاولة التي تقودها قطر لابراز جبهة النصرة في ثوب جديد وتزويدها بالدعم إلى تعقيد الحرب في سوريا حيث تستعد الولايات المتحدة لتسليح مقاتلي المعارضة غير الجهادية وتدريبهم من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وتعتبر الولايات المتحدة جبهة النصرة من المنظمات الإرهابية كما فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات عليها. غير أن قطر على الأقل ترى أن الثوب الجديد لجبهة النصرة قد يزيل العقبات القانونية التي تحول دون دعمها.
وسيكون من أهداف الكيان الجديد محاربة تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية المنافس الرئيسي لجبهة النصرة في سوريا. ويتزعم الدولة الإسلامية الجهادي العراقي أبو بكر البغدادي الذي ساعد في تأسيس جبهة النصرة قبل أن يختلف مع الجولاني. وكانت جبهة النصرة في وقت من الأوقات أقوى الجماعات التي تحارب الأسد غير أنها ضعفت عندما رحل معظم قادتها ومقاتليها مع البغدادي لتأسيس الدولة الإسلامية. ثم قتل التنظيم بعد ذلك الكثير من قادة جبهة النصرة الباقين وصادر أسلحتهم وأجبرهم على الاختباء واستولى على مناطق نفوذ النصرة.
غير أن الدولة الإسلامية تعرضت لضغوط من الغارات الجوية التي تشنها طائرات تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. كما أن التنظيم خسر أرضا لصالح المقاتلين الأكراد في سوريا ولصالح القوات المسلحة العراقية. لكنه أبعد ما يكون عن الانهيار. لكن البعض يأمل أن يتمكن مقاتلو الكيان المزمع انشاؤه إذا انفصلت النصرة عن القاعدة من التصدي للدولة الإسلامية من خلال الحصول على التمويل المناسب والتسليح والتدريب.
وتقول مصادر جهادية إن الجولاني اقترح على مجلس شورى الجماعة أن تندمج الجبهة مع جيش المجاهدين والأنصار وهو جماعة جهادية أصغر تتألف من مقاتلين محليين وأجانب تحت قيادة قائد شيشاني. وتأجل الإعلان بسبب اعتراضات بعض قادة جبهة النصرة الذين يرفضون فكرة الانفصال عن القاعدة. غير أن البعض يرى أن من المستبعد أن يوقف ذلك الجولاني عن المضي في خطته. وقال مصدر في النصرة يؤيد خطوة الانفصال "سينفذ الخطة فليس لديه خيار. الجبهة بحاجة إلى ذخيرة وتمويل. ومن لا يرضى بذلك فبوسعه الرحيل."
وتريد جبهة النصرة استخدام شمال سوريا كقاعدة للجماعة الجديدة. وقد شنت هجمات على جماعات يدعمها الغرب كانت الولايات المتحدة قررت أنها مؤهلة للحصول على دعم عسكري. وفي محافظة إدلب بشمال سوريا استولت الجبهة على أراض من جبهة ثوار سوريا التي يقودها جمال معروف وأرغمته على الفرار. وهاجمت جماعة أخرى من جماعات المعارضة هي حركة حزم في محافظة حلب وأرغمتها على حل نفسها. بحسب رويترز.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن نهاية حركة حزم سيكون لها أثر على قدرات المعارضة المعتدلة في الشمال. غير أنه إذا تم حل جبهة النصرة وانفصلت عن القاعدة فليس من المتوقع أن تتغير عقيدة الكيان الجديد. فقد حارب الجولاني مع القاعدة في العراق. وحارب بعض القادة الآخرين في أفغانستان وتربطهم صلات وثيقة بزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وقال مصدر في جبهة النصرة في حلب "بايعت جبهة النصرة الشيخ الظواهري لتفادي أن تضطر لمبايعة البغدادي لكن هذه لم تكن فكرة طيبة. وحان الوقت للتخلي عنها. فلم يكن في ذلك فائدة لجبهة النصرة بل أصبحت الآن على قائمة الإرهاب."
مدينة إدلب
في السياق ذاته قال مقاتلون والمرصد السوري لحقوق الإنسان إن جماعات إسلامية من بينها جبهة النصرة جناح تنظيم القاعدة في سوريا سيطرت على مدينة إدلب للمرة الأولى منذ بدء الصراع. وبالسيطرة على إدلب التي تقع في محافظة تحمل نفس الاسم بات الإسلاميون المتشددون يسيطرون الآن على محافظة ثانية بعد الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية الذي تستهدفه ضربات جوية بقيادة الولايات المتحدة.
وشكلت جماعات إسلامية سنية تحالفا يشمل جبهة النصرة وحركة أحرار الشام المتشددة وجماعة جند الأقصى لكن هذا التحالف لا يضم تنظيم الدولة الإسلامية وهو منافس رئيسي لهذه الجماعات. وقالت وسائل الإعلام الحكومية إن القتال مستمر وإن الجيش تمكن من وقف تقدم المقاتلين من النواحي الشمالية والشرقية والجنوبية للمدينة. وقال التلفزيون السوري إن وحدات الجيش "تخوض معارك ضارية لإعادة الوضع لما كان عليه." وأضاف أن الجيش قتل مئات المقاتلين.
ونشرت الجماعات المشاركة في الهجوم للاستيلاء على المدينة تسجيلات مصورة على الإنترنت تظهر مقاتلين يجوبون الشوارع. وقالت أصوات في التسجيلات إنهم في وسط المدينة. وأظهر أحد التسجيلات المصورة مقاتلين يطلقون النار في الهواء ويرددون "الله أكبر" خارج مجمع كانت تسيطر عليه قوات الحكومة. وتضخم عدد سكان إدلب بمئات الآلاف من النازحين من أجزاء أخرى من سوريا وتقع المدينة بالقرب من الطريق السريع الاستراتيجي الرئيسي بين العاصمة دمشق ومدينة حلب كما أنها قريبة من محافظة اللاذقية الساحلية أحد معاقل الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد ومقره بريطانيا إن المقاتلين الإسلاميين دخلوا المدينة من عدة نواح لكن هجومهم الرئيسي كان من ناحيتي الشمال والغرب. ويسمي تحالف الجماعات الإسلامية العملية بجيش الفتح تيمنا بالفتوحات التي نشرت الإسلام في الشرق الأوسط بداية من القرن السابع. وكان مقطع فيديو نشرته على الإنترنت جبهة النصرة أظهر عشرات المقاتلين في الشوارع ويقول صوت في الفيديو إنه صور في مدينة إدلب. بحسب رويترز.
وقال مقاتل في الفيديو "هذا بيتي. لم أدخله منذ أربع سنوات. هذا هو الحي الذي أسكن فيه وهذا بلدي. وبإذن الله سنحرره ونجعل المسلمين يسكنون فيه." وقوبل الرجل بترحيب من آخرين كان بعضهم يرتدي ملابس مدنية بينما احتضنه آخرون وهم يبكون. وفي فيديو آخر ظهر مقاتلون فوق مبنى يحمل شعار حزب البعث السوري الذي يتزعمه الأسد وهم يحاولون تمزيق لافتات ضخمة تحمل صور الرئيس. وأسفر الصراع السوري عن مقتل أكثر من 220 ألف شخص وأجبر ملايين السوريين على ترك منازلهم.
اضف تعليق