بعد ان كسبت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة المعركة ضد تنظيم داعش في مدينة الرقة، سعت هذه القوات الى الإسراع في بسط سيطرتها على مناطق أخرى ذات أهمية اقتصادية كبيرة، حيث اكدت قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل عمادها وحدات حماية الشعب، إنها سيطرت على حقل العمر أحد أكبر حقول النفط السورية والذي يقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وتقاتل قوات سوريا الديمقراطية، بدعم من ضربات جوية وقوات خاصة من التحالف الذي تقوده واشنطن، داعش في دير الزور على الحدود مع العراق. ويقع حقل العمر على بعد نحو عشرة كيلومترات شمالي بلدة الميادين التي سيطرت عليها القوات الحكومية وحلفاؤها هذا الشهر.
هذه التحركات الجديدة وكما يرى بعض المراقبين يمكن ان تسهم بخلق صراع عسكري جديد بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات النظامية وباقي الحلفاء، الساعين أيضا الى السيطرة على الحقول النفطية في هذه المنطقة، يضاف الى ذلك التحركات العسكرية الجديدة التي قامت بها تركيا في سبيل منع وحدات حماية الشعب الكردية من توسيع نفوذها او الاستفادة من واردات النفط، الامر الذي قد يدفع الدول الداعمة الى ايجاد خطط وتفاهمات جديدة من اجل الحد من استمرار الصراع في سوريا. خصوصا وان الولايات المتحدة الأمريكية قد تسعى أيضا لتقديم تنازلات كبيرة قد تضر بالاكراد في سبيل إرضاء تركيا و روسيا، ومنذ تأسيسها في العام 2015، تمكنت قوات سوريا الديموقراطية من طرد «داعش» من مناطق واسعة في شمال سوريا. ويرى التحالف الدولي بقيادة واشنطن في هذه القوات، القوى الأكثر فعالية ضد التنظيم المتطرف، ويقدم لها الدعم بالغارات والسلاح والمستشارين على الأرض.
ولكن اليوم قد تؤدي الخسائر الكبيرة التي مُني بها التنظيم المتطرف في سوريا والعراق على حد سواء وكما نقلت بعض المصادر إلى تراجع اهتمام الأميركيين، وبالتالي قد تجد قوات سوريا الديموقراطية نفسها وحيدة، وفق ما يرى محللون. وفي هذه الحالة، قد يحاول الأكراد إيجاد حلول بديلة وبينها التفاوض مع النظام السوري. ويقول الخبير في الشؤون السورية في جامعة ستانفورد فابريس بلانش: في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها بسرعة، خلال ستة اشهر، سيبقى الأكراد وحيدين. وبالتالي يجدر بهم التقرب من دمشق وخصوصاً موسكو. ويقول أرون شتاين، المحلل في المعهد الأطلسي الذي يتخذ من واشنطن مركزاً له، إن قوات سوريا الديموقراطية حالياً في وضع مناسب للتفاوض مع النظام، وهي التي باتت تسيطر على 26 في المئة من الأراضي السورية.
وتصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا في العام 2012 مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية. وبعد انسحاب قوات النظام تدريجياً من هذه المناطق، أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة ونظام فدرالي في ثلاث مناطق في شمال البلاد. ويرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق بسام أبو عبد الله أن الحل السياسي والتفاوضي هو دائماً الأفضل لكل الأطراف. ويقول: الحديث يميل نحو إجراء محادثات مع الحكومة السورية للحصول على حقوق وواجبات مثلهم مثل كل المواطنين السوريين، في إشارة الى الأكراد. ويضيف: يجب أن تعود سلطة الدولة السورية إلى كل مكان في سوريا، هذا قرار متخذ، إن كان بالتفاوض أو القوة العسكرية.
ويقول بالانش: «لم يعد لدى الولايات المتحدة الكثير لتقوم به في سوريا على اعتبار أن تنظيم داعش بات بحكم المنتهي. ويضيف: تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع جيوسياسي غير مريح بعد الرقة، فكل من تركيا وسوريا وإيران يريد أن يراها تغادر سوريا. وشهدت المرحلة الماضية تقارباً غير مسبوق بين تركيا، الداعمة للمعارضة من جهة وروسيا وإيران، أبرز داعمي النظام السوري، من جهة ثانية، ما أدى إلى تهميش الدور الأميركي في النزاع السوري. ويتوقع أبو عبدالله أن يتخلّى الأميركيون عن دعم الأكراد. ويقول: أعتقد أن الولايات المتحدة تفاوض بالأكراد ولا تفاوض من أجلهم، تريدهم ورقة تستخدمها وعندما تحقق جزءاً من مصالحها من خلال تفاهمات معينة ستتركهم.
حقول النفط
وفي هذا الشأن أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن سيطرتها بشكل كامل على حقل العمر الاستراتيجي في دير الزور من أيدي عناصر تنظيم داعش. ويعد حقل العمر الواقع في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور من أكبر حقول النفط في سوريا، ووصل انتاجه قبل اندلاع الحرب في سوريا إلى ثلاثين ألف برميل يومياً، ومثل أبرز مصادر تمويل تنظيم الدولة الذي سيطر عليه منذ 2014.
وانخفض انتاج الحقل تدريجاً مع تعرضه مرارا لغارات جوية من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وقالت القوات، المؤلفة من فصائل كردية وعربية، إنها "تسيطر بشكل كامل على حقل العمر النفطي". وخاضت هذه القوات في الأسابيع الأخيرة سباقاً للسيطرة على هذا الحقل مع قوات النظام السوري التي كانت قد وصلت الى أطرافه في اليومين الأخيرين. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الأنباء الفرنسية إن سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على الحقل "جاءت بعد أيام من انسحاب عناصر تنظيم داعش منه وتنفيذ مقاتليه هجوماً معاكساً على مواقع قوات النظام في محيط الحقل مما أدى إلى ابعادها عنه".
ويقع حقل العمر على الضفة الشرقية لنهر الفرات على بعد نحو 10 كيلومترات شرق مدينة الميادين التي استعادتها قوات النظام قبل أسبوع. وسيطرت هذه القوات وفق المرصد أيضاً على حقل الصيجان النفطي الواقع إلى الشمال من حقل العمر. وتشكل محافظة دير الزور الحدودية مع العراق مسرحاً لهجومين منفصلين: الأول تقوده قوات النظام بدعم روسي في المدينة بشكل خاص حيث تسعى الى طرد المتشددين من بعض أحيائها الشرقية، وفي الريف الغربي الذي تحاول منه الالتفاف نحو الريف الجنوبي الشرقي. أما الهجوم الثاني، فتنفذه قوات سوريا الديموقراطية في الريفين الشمالي والشمالي الشرقي. بحسب رويترز.
وتضم هذه المحافظة حقول النفط والغاز الاكثر انتاجاً في سوريا، ما شكل مورداً رئيسياً للمتشددين الذين يسيطرون على أجزاء واسعة من المحافظة. وتشن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، والجيش السوري الحكومي، المدعوم من روسيا وإيران وجماعة حزب الله اللبنانية، حملات عسكرية على المواقع التي يسيطر عليها تنظيم داعش. وهناك مخاوف من أن يلتقي الطرفان في اشتباكات مباشرة للسيطرة على المناطق التي ينسحب منها التنظيم.
وأقرت مصادر عسكرية سورية بسيطرة مسلحي قوات "سوريا الديمقراطية" المعروفة باسم " قسد" على حقل العمر النفطي، وذكرت مصادر تقاتل مع قوات النظام السوري أن مسلحي "داعش" انسحبوا من حقل العمر لتدخل إليه بعد ذلك قوات "قسد" التي تقدمت من اتجاه قرية جديدة عقيدات شمال الحقل بحوالي 50 كم. وأكدت المصادر أنه لم تحدث أي مواجهات أو اشتباكات بين "قسد" و"داعش"، واصفة العملية بأنها "استلام وتسلم".
وقالت المصادر إن قوات العميد سهيل حسن المعروف باسم "النمر" كانت على بعد ثلاثة كيلو مترات عن الحقل وكانت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الحقل، مشيرة إلى أن "داعش" شنّ هجمات عديدة على القوات النظامية في محيط مدينة الميادين لعرقلة وصول القوات إلى حقل العمر. في غضون ذلك، أشارت مصادر في المعارضة السورية إلى وجود اتفاق سري أبرم بين مسلحي "داعش" و"قسد" على خلفية نقل مسلحي التنظيم الجهادي الأجانب من الرقة مقابل تسليم حقل العمر وعدد من المناطق لقطع الطريق على قوات الرئيس بشار الأسد لمتابعة تقدمه شرق الفرات.
تقدم حاسم
على صعيد متصل أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهزيمة مقاتلي تنظيم داعش في مدينة الرقة معقلهم الرئيسي في سوريا بوصفه ”تقدما حاسما“ في حملة عالمية ضد المتشددين. وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية التي يغلب عليها الأكراد تحرير الرقة من تنظيم داعش بعد معارك استمرت أربعة أشهر وقالت إن المدينة ستكون جزءا من نظام اتحادي لا مركزي بسوريا. وقال ترامب في بيان “معا قواتنا حررت المدينة بأكملها من سيطرة التنظيم. ”هزيمة تنظيم داعش في الرقة تمثل تقدما حاسما في حملتنا العالمية لهزيمة داعش وفكره الشرير. بتحرير عاصمة تنظيم داعش والغالبية العظمى من أراضيه أصبحت نهاية خلافة التنظيم قريبة“.
وقال ترامب إن الحملة الأمريكية على تنظيم داعش والتي بدأها سلفه باراك أوباما ستدخل قريبا مرحلة جديدة ستقوم فيها الولايات المتحدة “بدعم قوات الأمن المحلية وتنهي تصعيد العنف عبر سوريا وتعزز الظروف الملائمة لإحلال سلام دائم ومن ثم لا يمكن للإرهابيين العودة لتهديد أمننا المشترك مرة أخرى. ”معا أي مع حلفائنا وشركائنا سندعم المفاوضات الدبلوماسية التي تنهي العنف وتسمح للاجئين بالعودة بسلام إلى ديارهم وتؤدي لتحول سياسي يحترم إرادة الشعب السوري“.
ولم يشر بيان ترامب إلى مستقبل الرئيس بشار الأسد. ولم يوضح أيضا كيف ستدعم الولايات المتحدة قوات الأمن المحلية. وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن السياسة الأمريكية تجاه الأسد ”مازالت كما هي“. وقال مسؤولون أمريكيون إن الأسد ليس له مستقبل في حكم سوريا وقالت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إنه لا يمكن استقرار سوريا مع استمرار الأسد في السلطة. بحسب رويترز.
ويدور القتال ضد تنظيم داعش في غمار حرب أهلية أوسع متعددة الأطراف بين حكومة الأسد التي تدعمها إيران وروسيا ومجموعة من فصائل المعارضة المسلحة التي تدعمها دول أخرى من بينها الولايات المتحدة. ويعتقد خبراء أن هزيمة داعش في الرقة ربما لا تكون سوى بداية نضال أوسع من قبل الولايات المتحدة لاحتواء أي تمرد يقوم به التنظيم وتحقيق استقرار المنطقة في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن وضع استراتيجية شاملة في سوريا. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الجيش الفرنسي سيواصل محاربة تنظيم داعش في سوريا ولكنه قال إن سقوط معقل التنظيم في الرقة لا بد وأن يؤدي إلى نظام سياسي يشمل الجميع لإعادة الاستقرار.
قصف همجي
الى جانب ذلك اتهمت روسيا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا بمسح مدينة الرقة ”من على وجه الأرض“ من خلال عمليات قصف شامل على غرار ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في مدينة درسدن الألمانية عام 1945. وقالت وزارة الدفاع الروسية، التي اضطرت هي نفسها مرارا لنفي اتهامات نشطاء وسياسيين غربيين بقصف المدنيين السوريين، إنه يبدو أن الغرب يهرع الآن إلى تقديم مساعدات مالية للرقة للتستر على أي أدلة على جرائمه.
وقال الميجر جنرال إيجور كوناشينكوف المتحدث باسم وزارة الدفاع في بيان إن نحو 200 ألف شخص كانوا يعيشون في الرقة قبل اندلاع الصراع في سوريا ولم يتبقى هناك حاليا أكثر من 45 ألفا. وذكر كوناشينكوف ”ورثت الرقة مصير درسدن في 1945.. التي محاها القصف البريطاني الأمريكي من على وجه الأرض“. ودمرت غارات الحلفاء الجوية معظم المدينة الألمانية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة.
ورغم أن كوناشينكوف قال إن روسيا ترحب بتعهدات الغرب بتقديم مساعدات مالية لإعادة إعمار الرقة فقد شكا من رفض الغرب لعدد كبير من المطالب الروسية خلال السنوات السابقة لتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين السوريين في أجزاء أخرى من البلاد. وتابع ”ما هو السبب وراء اندفاع العواصم الغربية لتقديم مساعدة مالية للرقة فقط؟“. ومضى قائلا ”هناك تفسير واحد فقط.. الرغبة في التستر على أي دليل على القصف الهمجي من جانب سلاح الجو الأمريكي والتحالف بأسرع ما يمكن ودفن آلاف المدنيين ‘المحررين‘ من داعش تحت الأنقاض“. بحسب رويترز.
ويقول التحالف بقيادة واشنطن إنه حريص على تجنب سقوط قتلى من المدنيين في عمليات القصف التي ينفذها ضد داعش في كل من سوريا والعراق ويحقق في أي اتهامات. ونفى من قبل قتل مدنيين في ضربات جوية في الرقة وقال إن هدفه ”عدم سقوط أي قتلى مدنيين على الإطلاق“.
اضف تعليق