q

لا تزال إسبانيا تحت وقع الصدمة بسبب الهجمات الارهابية الاخيرة، التي اعادت إلى أذهان الإسبان صور الدم والقتلى بعد 13 عاما من تفجيرات مترو مدريد (آذار/مارس 2004) في هجوم جهادي يعد الأكثر دموية في أوروبا، قتل فيه 191 شخصا. الهجمات الاخيرة التي تبناها تنظيم داعش الارهابي وكما يقول بعض المراقبين، لم تختلف عن الهجمات الدموية التي وقعت في العديد من الدول الاوروبية، وجديد في العملية بحسب بعض التحليلات، إن موقع الهجوم واستهدافه ينحرف عن الجهود السابقة للتنظيم، فقد ركزت جهود داعش عادة على معاقبة البلدان المعنية مباشرة بالعمليات العسكرية ضدها في سوريا والعراق. ولكنه اليوم اختار إسبانيا، على الرغم من دورها غير المباشر في الحرب ضد داعش، وهو ما عده الكثير تغير جديد في خطط التنظيم الذي يواجه خسائر وتحديدات كبيرة.

ودهست شاحنة صغيرة حشدا من الناس في جادة لا رامبلا، أحد أكثر شوارع مدينة برشلونة ازدحاما، إذ يمتلئ دائما بالسياح الإسبان والأجانب وبفناني الشوارع حتى ساعات متأخرة من الليل. وقد سادت حالة من الفوضى والهلع بين المارة فيما لاذ المعتدي بالفرار. وأسفر الهجوم عن سقوط 14 قتيلا وأكثر من مئة جريح. كما استهدف هجوم ثاني بسيارة من نوع "أودي إيه-3" عددا من المشاة على شاطئ كامبريلس في منتجع سياحي، على بعد 120 كلم جنوب غرب برشلونة.

وحصل تبادل لإطلاق النار بين ركاب السيارة و دورية لشرطة كاتالونيا وقتل فورا أربعة أشخاص يشتبه بأنهم "إرهابيون" كانوا في السيارة. أما الخامس فتوفي بعد دقائق متأثرا بجروحه. وأشار متحدث باسم شرطة كاتالونيا إلى أن بعض المسلحين الذين قتلوا في العملية الأمنية كانوا يرتدون أحزمة ناسفة. وأفادت الشرطة عن جرح ستة مدنيين في عملية الدهس الثانية، من بينهم 2 جروحهما خطرة. فيما أصيب شرطي بجروح طفيفة. وذكرت الشرطة على حسابها على تويتر أن هذا الهجوم مرتبط باعتداء برشلونة. وسرعان ما أعلن داعش مسؤوليته عن الهجوم، الذى أوقع ما لا يقل عن 14 شخصا، وجرح أكثر من 130 آخرين.

هجوم كبير

وفي هذا الشأن قال المتحدث باسم شرطة كاتالونيا خلال مؤتمر صحافي أن منفذي اعتداءي برشلونة وكامبريلس كانوا يشكلون "مجموعة" وكانوا يخططون لـ"هجوم على نطاق أوسع" في إسبانيا. وأوضح جوزيب لويس ترابيرو أن المشتبه به الرئيسي الذي يجري البحث عنه والذي كان يقود الشاحنة التي دهست عشرات المارة، قد يكون بين المهاجمين الذين قتلوا لاحقا في كامبريلس إلى جنوب غرب برشلونة.

وتابع "أن التحقيق يسير في هذا الاتجاه، هناك مؤشر، أكثر من مؤشر، لكن ليس لدينا دليل ملموس"، ردا على سؤال صحافي عما إذا كان السائق قد قتل، بعدما كان المتحدث قد أفاد في وقت سابق أنه تم التعرف إلى ثلاثة من المشتبه بهم الخمسة. وقال "الفرضية التي تدرسها الشرطة حاليا" هي أنه "كان يجري التخطيط منذ بعض الوقت لاعتداء أو أكثر في محيط ذلك المنزل في الكنار" مشيرا إلى أن المخططين هم "من ضمن المجموعة التي يتحتم تحديد عدد أفرادها".

وكان يشير لتفجير وقع في منزل في مدينة الكنار على مسافة 200 كلم جنوب برشلونة، قالت الشرطة أنه أوقع قتيلا ونجم عن محاولة صنع عبوة ناسفة. وأقامت الشرطة "رابطا" بين هذه "المجموعة من الأشخاص" و"السيارات المستأجرة" التي استخدمت و"البلدات الأربع" في كاتالونيا التي يتمحور التحقيق حولها وهي كامبريلس وبرشلونة وألكنار وريبول. وفي ريبول، اعتقلت الشرطة ثلاثة مشتبه بهم بينهم شقيق المطلوب الذي لا يزال البحث عنه جاريا، وأعلنت على تويتر "توقيف شخص رابع على علاقة بأحداث الساعات الأخيرة في كامبريلس وبرشلونة".

وقال المتحدث "كانوا يعدون لاعتداء أو عدة اعتداءات. وأتاح انفجار ألكنار تفادي (...) اعتداءات أوسع نطاقا". وأضاف "لم يعد لديهم المواد التي يحتاجونها لتنفيذ هذه الاعتداءات على نطاق أوسع". ولفت ترابيرو إلى أن اعتداءي برشلونة وكامبريلس نفذا "بطريقة بدائية أكثر، في أعقاب الاعتداءات الأخرى التي وقعت في المدن الأوروبية، غير أنهما لم يكن لهما الحجم الذي كانوا يأملونه". وقال إن الشرطة تواصل العمل للتعرف على المهاجمين، مشددا على أن أيا من الذين تم التعرف عليهم لم يكن مدرجا على قوائم الشرطة في وقائع على صلة بالإرهاب، غير أن بعضهم كان معروفا في قضايا جنح.

وذكرت الشرطة أن المشتبه بتنفيذهم اعتداء كامبريلس كان لديهم فأس وسكاكين في السيارة إضافة إلى أحزمة ناسفة مزيفة مثبتة على أجسادهم. وأضاف قائد الشرطة أن سائق الشاحنة التي استخدمت لتنفيذ اعتداء برشلونة يمكن أن يكون من بين الخمسة المشتبه بهم الذين قتلتهم قوات الأمن في كامبريلس. ولكن ورغم المؤشرات لا توجد أدلة دامغة على ذلك.

وتذكر العمليتان بسلسلة من الاعتداءات المماثلة في أوروبا، حيث استخدمت السيارات والشاحنات أسلحة لتنفيذ اعتداءات إرهابية. وصرح خافيير زاراغوزا، مستشار النائب العام لشؤون الإرهاب، لوكالة الأنباء الفرنسية أن الهجمات هي على الأرجح من عمل "خلية منظمة". وأضاف أوتسو إيهو من "مركز جينز لشؤون الإرهاب والتمرد" إنه يبدو أن هناك "مستوى عال من التنسيق في هذه الهجمات مقارنة بالهجمات السابقة". وفيما ندد قادة العالم بالمجزرة، تبنى تنظيم داعش في بيان بثته وكالة أعماق، أداته الدعائية، هجوم لارامبلا. وقال إن "منفذي هجوم برشلونة هم من جنود التنظيم.

وبدأت تفاصيل الهجوم بشأن هوية الضحايا تتكشف، وكذلك القصص المأساوية عن العائلات التي تفرقت. روى شهود عيان كيف صدمت الشاحنة الحشود وتركت الجثث ملقاة على الشارع فيما فر الناس وهم يصرخون في فزع. وقال أليكس لوكو (19 عاما) الطالب من نيويورك "كنا في حافلة سياحية في المدينة، وكنا على بعد 20 قدما من الحادث". وأضاف "سمعنا صوت الشاحنة والصدمة وبعد ذلك شاهدنا الناس تركض". بحسب فرانس برس.

وبعد ثماني ساعات في كامبريلس قامت سيارة أودي-إيه 3 بصدم مشاة، مما أدى إلى جرح ستة مدنيين، أحدهم في حالة الخطر، وشرطي. وتوفيت امرأة لاحقا. وأعقب ذلك إطلاق نار قتلت الشرطة خلاله المهاجمين الخمسة، واعتقلت أربعة آخرين من بينهم ثلاثة مغاربة وإسباني. وضحايا برشلونة وكامبريلس من 35 جنسية على الأقل بينها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا والولايات المتحدة وفنزويلا وأستراليا وإيرلندا وبيرو والجزائر والصين، بحسب وكالة الحماية المدنية الإسبانية. وعرف من القتلى إيطاليان وامرأة برتغالية (74 عاما) ومواطن أمريكي، بحسب مسؤولين من بلادهم. ونشر أشخاص رسائل على موقع "فيس بوك" للإبلاغ عن فقدان أقارب لهم، من بينها نداء للبحث عن طفل مفقود في السابعة من عمره يدعى جوليان أليساندرو كادمان.

تفاصيل جديدة

بالحي القديم في برشلونة، ينتظر عشرات السياح الذين لا تزال علامات الصدمة بادية عليهم، العودة إلى غرفهم أو شققهم في الفنادق الواقعة بشارع لارامبلا الذي شهد اعتداءً أودى بحياة 13 شخصاً على الأقل. وعلى بُعد 100 متر من تمثال لكريستوف كولومبوس يبدو فيه وهو يشير بأصبعه إلى البحر المتوسط، يدقق زوجان أسكتلنديّان، يبلغان من العمر 64 و66 عاماً، في مدخل الشارع الذي قطعه طوق أمني.

وقال الرجل: "لا يمكننا دخول فندقنا في شارع لارامبلا". وأضاف: "كنا جالسين على الشرفة عندما وقع الاعتداء في الأسفل تماماً. رأينا كل شيء، الشاحنة الصغيرة (التي دهست المارة)، الهلع في كل مكان!". وقاطعته زوجته قائلةً: "لكننا لن نروي شيئاً"، موضحةً: "قلنا كل شيء لرجال الشرطة. وصلوا خلال دقيقتين وكانوا طيبين جداً". وقبل ساعات، ضرب أول اعتداء يتبناه تنظيم (داعش) في إسبانيا، قلب المدينة. واستهدف الحشد الذي كان يتجول بين محلات بيع الورود والقطع التذكارية في شارع لارامبلا، الذي يمتد على أكثر من كيلومتر وينحدر باتجاه البحر.

من شارع هوسبيتال الضيق، ينظر بنجامين البرشلوني، البالغ من العمر 45 عاماً، إلى المكان الذي صدمت فيه الحافلة الصغيرة كشكاً. وقال الميكانيكي الصناعي: "هناك حيث ترون رجال الشرطة العلمية يعملون بقمصانهم البيض، صدمت الشاحنة الصغيرة كشكاً تجارياً". وفي المدينة التي تضم 1.6 مليون نسمة ويزورها 9 ملايين سائح سنوياً، ينتظر عدد كبير من سفن الترفيه أيضاً عودة الركاب.

وشكّل الاعتداء مفاجأةً خارجة عن إطار الحوادث التي تثير اهتمام المدينة. في وقت كان فريق برشلونة لكرة القدم يحاول استيعاب هزيمته أمام ريال مدريد، وحكومة كاتالونيا تصرُّ على تنظيم استفتاء على الاستقلال، ورجال الأمن ينفذون إضراباً في المطار. لكن المدينة التي استضافت في 1992 دورة الألعاب الأولمبية، رصَّت الصفوف على الفور وتضامن أبناؤها. فقد توقف الإضراب في المطار، بينما قامت سيارات الأجرة بنقل المحتاجين مجاناً. وتبرع عدد كبير من المتطوعين بالدم، حسبما ذكرت وسائل الإعلام. واستقبلت فنادق مجاورة للشارع المستهدف، السياح الذين لجأوا إليها لينتظروا في البهو، وقدمت لهم أغطية.

في وسط المدينة الذي اعتاد، في منتصف أغسطس/آب، أن يشهد احتفالات الصيف، يسود صمت غريب. وقال الطالب ريمي غريدان، (23 عاماً)، القادم من مرسيليا، وهو ينهي عشاءه على شرفة أحد المطاعم النادرة التي بقيت مفتوحة في شارع موازٍ لشارع لارامبلا: "إنه هدوء غريب". وأضاف الشاب، الذي يرافقه 3 أصدقاء فرنسيين: "ننتظر لنعود إلى الشقة التي نستأجرها في لارامبلا. وقع الاعتداء تحتها تماماً، لكننا كنا قد غادرناها لزيارة حديقة غيل". وتحت أعمدة الإنارة في الشارع، يعمل عمال تنظيف إلى جانب رجال الأمن بملابسهم المدنية.

وتحدث نادلان عما بعد الاعتداء. وقال البرشلوني خوان مانويل رويز (43 عاماً): "كانت مسألة وقت (حدوث اعتداء في إسبانيا)، لكننا لم نكن نعرف ما إذا كان سيقع في مدريد أو هنا". وأضاف: "اعتباراً من اليوم، لن تبقى الأمور على حالها. يجب ألا يُسمح بدخول أي كان. إنها ليست مسألة عنصرية؛ بل نظام. نقدم لهم الطعام فيأتون لقتلنا!". أما زميله مارك دي لا إيغليسيا (29 عاماً)، فيرى العكس، ويقول: "لا داعي للخوف". ويضيف: "نحتاج إلى رسالة وحدة ومساعدة الناس الذين عانوا، وإلا فستتضرر صورة برشلونة".

وأكد الرئيس الانفصالي للمنطقة كارل بيغديمونت: "لن نسمح لأقلية بالقضاء على طريقتنا في العيش التي بُنيت خلال القرون. نحن الآن وسنبقى شعب سلام وحسن ضيافة". ويتناقل الناس من هاتف جوال إلى آخر رسالةً تدعو إلى "الامتناع عن تقاسم صور اعتداء برشلونة؛ لأن هذا ما يريدونه". وبين الأجانب الذين كانوا في الشارع عند وقوع الاعتداء، عمار أنور، المحامي الأسكتلندي للدفاع عن حقوق الإنسان، والذي يحضر مؤتمراً في برشلونة. وقال لشبكة "سكاي نيوز" البريطانية: "فجأة، سمعت صوت اصطدام وكل الشارع بدأ يجري"، مشيراً إلى أن آلاف الأشخاص كانوا في حالة هلع. وأضاف: "رأيت بالقرب مني امرأة تبكي وهي تبحث عن أطفالها". وتابع: "لكن بعد 30 ثانية، وصلت آليات رجال الشرطة المسلحين وتم عزلنا وإبعادنا" إلى خارج منطقة الهجوم.

وقال سيرجيو (30 عاماً) لوكالة الأنباء الفرنسية: "رأيت رجلاً يجري إلى أسفل الشارع ويطارده رجال الشرطة. وقعت منه قطعة معدنية سوداء يبدو أنها مسدس أو مسدس كهربائي". وأكد شاهد ثالث لشبكة التلفزيون الإسبانية، أنه رأى مشتبهاً فيه خلال الاعتداء. وقال: "عمره نحو 20 عاماً. إنه شاب يافع وشعره قاتم اللون".

اضف تعليق