مع اعلان تحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، ما يزال الغموض يكتنف مصير زعيم تنظيم داعش الارهابي أبو بكر البغدادي، تضاربت الأنباء والتقارير حول مصير البغدادي ما إذا كان حيّا أو قتل كما ورد في عدد من التصريحات، ومنذ العام 2014، وكما نقلت بعض المصادر، سرت شائعات ومعلومات كثيرة عن مقتل أبو بكر، لكن لم يتم تأكيدها، كان آخرها في 16 حزيران/يونيو الماضي، حين رجح الجيش الروسي مقتله بغارة شنتها طائراته على اجتماع لقياديي التنظيم بالقرب من الرقة في شمال سوريا في 28 أيار/مايو الماضي.
وكان الظهور العلني الوحيد للبغدادي في تموز/يوليو 2014 لدى تأديته الصلاة في جامع النوري الكبير بغرب الموصل، حيث بدا خطيبا ذا لحية كثة غزاها بعض الشيب، مرتديا زيا وعمامة سوداوين. وأعلن البغدادي حينها إقامة "الخلافة" في مناطق واسعة من العراق وسوريا. وفي حين خسر تنظيم داعش معقله في الموصل بشمال العراق، ويترنح أمام الهجمات العسكرية في سوريا، لم يتم العثور على "الخليفة" الذي رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إليه. ولم يظهر البغدادي أي مؤشر حياة بعد التسجيل الصوتي الذي بثه له التنظيم في تشرين الثاني/نوفمبر، بعيد انطلاق عملية استعادة الموصل، والذي دعا فيه مقاتليه إلى "الثبات" و"الجهاد حتى الشهادة".
وافادت تقارير أنه يمكن أن يكون زعيم التنظيم الجهادي غادر الموصل بداية العام الحالي، باتجاه الحدود العراقية السورية. ويحيط الغموض والضبابية شخصية أبو بكر البغدادي والطريقة التي يتعامل بها مع الواقع الميداني. حيث يختلف في سلوكه عن بقية زعماء الحركات الجهادية المتطرفة كأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي إذ لا يشارك أتباعه خلال المواجهات.
كما أفادت مصادر استخبارية أن القوات الأمنية عثرت في الساحل الأيمن من مدينة الموصل على وثيقة تمنع تداول خبر مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش"، حسبما تداولته وسائل إعلام عراقية. وذكرت المواقع، أن القوات الأمنية وأثناء اقتحامها أحد مقرات التنظيم في الموصل، عثرت على وثيقة تظهر منع تداول خبر مقتل البغدادي.
كما دعت تلك الوثيقة عناصر التنظيم إلى "الصبر والثبات والانصياع للأوامر التي تصدر إليهم من قياداتهم لحين اجتياز المحنة والتعتيم على خبر مقتل البغدادي وعدم تداوله حتى لا تحدث الفوضى داخل صفوفهم" وتم تداول هذه الوثيقة بين قيادات داعش فقط. يذكر أن وسائل إعلام غربية عديدة تحدثت مؤخرا عن مقتل البغدادي جراء غارة روسية أواخر مايو الماضي في مدينة الرقة شمال سوريا، دون أن يصدر تأكيد رسمي بوفاة البغدادي من أي جهة.
معلومات مؤكدة
وفي هذا الشأن قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن لديه "معلومات مؤكدة" تفيد بمقتل زعيم تنظيم داعش الارهابي أبو بكر البغدادي. وورد التقرير بعد أيام من استعادة الجيش العراقي السيطرة على آخر قطاعات بمدينة الموصل التي اجتاحها مقاتلو التنظيم قبل قرابة ثلاث سنوات بالضبط. وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت في يونيو حزيران إنها ربما قتلت البغدادي حين استهدفت إحدى ضرباتها الجوية تجمعا لقيادات التنظيم المتشدد على مشارف مدينة الرقة السورية. لكن واشنطن قالت إنها ليس لديها معلومات تؤيد وفاته كما عبر مسؤولون غربيون وعراقيون عن تشككهم. ولم يتسن التحقق من مقتل البغدادي من مصدر مستقل.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد "(لدينا) معلومات مؤكدة من قيادات أحدهم من الصف الأول في التنظيم بريف دير الزور الشرقي". وفي العراق قال الكولونيل ريان ديلون المتحدث باسم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يقاتل تنظيم داعش إنه لا يستطيع تأكيد الأنباء. وقال عبد الرحمن إن مصادر في داعش أبلغت مصادر المرصد في بلدة دير الزور بشرق سوريا بأن البغدادي توفى "لكن ما حددوا امتى". وذكرت المصادر أن البغدادي كان موجودا في ريف دير الزور الشرقي خلال الشهور الثلاثة الماضية.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها لا تملك معلومات تؤيد نبأ وفاته. ولم يؤكد مسؤولون عراقيون وأكراد الأمر. وأعلنت وفاة البغدادي مرات عديدة من قبل. ولم تنشر المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي الموالية للتنظيم المتشدد أي أنباء حتى الآن بخصوص احتمال وفاة البغدادي. وستكون وفاة البغدادي الذي أعلن قيام ما يسمى بدولة الخلافة إحدى أقوى الضربات التي توجه لداعش التي تحاول المقاومة في مناطق سيطرتها الآخذة في الانكماش بسوريا والعراق. ومن بين قادة التنظيم الذين قتلوا في العراق وسوريا منذ بدء الضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أبو علي الأنباري نائب البغدادي وأبو عمر الشيشاني وزير الحرب بالتنظيم وأبو محمد العدناني أحد أبرز قادة التنظيم. بحسب رويترز.
وفي العراق شن التنظيم المتشدد عشرات الهجمات على مناطق شيعية. وسقط أكثر من 324 قتيلا في تفجير شاحنة ملغومة بمنطقة مزدحمة في بغداد في يوليو تموز 2016 وكان ذلك أدمى هجوم منذ غزو العراق. وفقد البغدادي امتيازات "الخليفة" بفقدان الموصل وحصار الرقة المعقل السوري لداعش وأصبح طريدا في المنطقة الحدودية الصحراوية بين سوريا والعراق.
من يخلف البغدادي؟
من جهة اخرى فإذا تأكدت أنباء وفاة أبو بكر البغدادي فمن المحتمل أن يخلفه أحد أكبر مساعديه الاثنين وهما ضابطان سابقان في جيش صدام حسين. ولا يرى خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية مرشحا واضحا لخلافة البغدادي لكنهم يعتبرون إياد العبيدي وعياد الجميلي أقوى المرشحين رغم أن من المرجح ألا يحظى أي منهما بلقب "الخليفة". ويتولى العبيدي وهو في الخمسينات من عمره وزارة الحرب في التنظيم بينما يرأس الجميلي وهو في الأربعينات الوكالة المسؤولة عن الأمن في التنظيم. وذكر التلفزيون العراقي الرسمي في أبريل نيسان أن الجميلي قتل لكن ذلك لم يتأكد حتى الآن.
وكان الاثنان قد انضما إلى حركة التمرد السلفية في العراق في 2003 عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بصدام حسين. وأصبح الاثنان أهم مساعدي البغدادي منذ مقتل نائبه أبو علي الأنباري وأبو عمر الشيشاني وزير الحرب السابق بالتنظيم وأبو محمد الجولاني مسؤول الدعاية في ضربات جوية العام الماضي. وقال هشام الهاشمي الذي يقدم المشورة لبضع حكومات في الشرق الأوسط في شؤون التنظيم "الجميلي يعترف بأقدمية العبيدي ولكن ليس للبغدادي خليفة معلن ولذلك حسب الظروف من الممكن أن يكون أي منهما".
وأعلن البغدادي نفسه خليفة في عام 2014 ومن المستبعد أن يصبح أي من العبيدي أو الجميلي خليفة لافتقارهما إلى المكانة الدينية ولأن التنظيم خسر الكثير من الأراضي التي كان يسيطر عليها. وقال فاضل أبو رغيف وهو خبير في شؤون الجماعات المتشددة "هم لا ينتسبون لنسب الرسول وليس لأحد منهم ضلوع في العلوم الشرعية. كما أن أحد الشروط أن يكون عندهم أرض تمكين".
وقال الهاشمي "على الخليفة أن يكون له أرض للتمكين يحكمها بمقتضى الشرع الإسلامي، وإذا لم يتوفر هذا فإن خلفه يكون فقط أمير وليس خليفة". ويحتاج اختيار الزعيم الجديد للتنظيم إلى موافقة مجلس شورى الجماعة المؤلف من ثمانية أعضاء. ومن المستبعد أن يجتمع الأعضاء الثمانية لدواع أمنية وسينقلون آراءهم عبر رسل. ويضم مجلس الشورى ستة عراقيين وأردنيا وسعوديا وجميعهم شاركوا في حركة التمرد السلفية. وقتل عضو تاسع، وهو بحريني، في ضربة جوية أواخر مايو أيار. بحسب رويترز.
وفي واشنطن قال مسؤولان بالمخابرات الأمريكية إنهما يعتقدان أن تنظيم الدولة الإسلامية نقل معظم قادته إلى الميادين في وادى الفرات بسوريا إلى الجنوب الشرقي من معقل الجماعة المحاصر في الرقة. وأضاف أن من بين العمليات التي نقلت إلى الميادين، الواقعة على مسافة 80 كيلومترا غربي الحدود العراقية، عملية الدعاية عبر الانترنت.
إبراهيم عواد البدري
في السياق ذاته ذكرت الصحافية صوفيا أمارا في فيلم وثائقي أعدته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان "انطوائيا وغير واثق من نفسه". ولد البغدادي في العام 1971 لعائلة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلا من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه "رب عائلة طبيعي". وكان البغدادي مولعا بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.
أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد. وذكرت أمارا أن البغدادي "يعطي انطباعا بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب". وأضافت "بدا أن لديه رؤيا واضحة جدا حول ما يريد والتنظيم الذي يريد تأسيسه".
وكان دخول البغدادي إلى سجن بوكا الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته. فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكل مجموعة جهادية ذات تأثير محدود لدى اجتياح العراق في العام 2003، في شباط/فبراير 2004، وأودع في سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل. وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول في ما بعد الى "جامعة الجهاد". وأوضحت أمارا إلى أن الجميع "أدركوا تدريجيا أن هذا الشخص الخجول الذي لم يكن شيئا، أصبح عقلا إستراتيجيا في النهاية".
بعد إطلاق سراحه في كانون الأول/ديمسبر 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة. وفي تشرين الاول/اكتوبر 2005، أعلنت الولايات المتحدة أن قواتها قتلت "أبو دعاء"، وهو اسم حركي كان يعتقد أن البغدادي يستخدمه. لكن تبين أن هذا الأمر لم يكن صحيحا، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية "دولة العراق الإسلامية" في أيار/مايو 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية.
وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام"، بعدما استغل الجهاديون النزاع في سوريا المجاورة، قبل أن يشنوا هجومهم الواسع في العراق في السنة التالية. وأعلن التنظيم في حزيران/يونيو 2014 إقامة "الخلافة الاسلامية" بعد نحو ثلاثة أسابيع من هجوم كاسح سيطر خلاله على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه وفي شمال سوريا وشرقها. وفي تسجيل صوتي تم بثه في 14 ايار/مايو 2015، دعا المسلمين اما الى الانضمام الى "الخلافة" وإما الى "الجهاد" في بلدهم. وأكد أن "الإسلام ما كان يوما دين السلام. الإسلام دين القتال".
اضف تعليق