اصبحت معركة تحرير مدينة الموصل من عصابات تنظيم داعش الارهابي، الذي انهار بشكل تام في الايام الاخيرة اقرب الى الحسم، حيث تخوض القوات العراقية المشتركة وكما نقلت بعض المصادر، معاركها في آخر الأحياء الواقعة تحت سيطرة داعش في المدينة القديمة بغرب الموصل، في إطار هجوم بدأته قبل ثمانية أشهر وتمكنت خلاله من طرد التنظيم المتطرف من القسم الأكبر من المدينة. وأكدت القيادة العسكرية انحسار المعركة في الموصل القديمة، فيما أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن إعلان تحرير الموصل من داعش سيتم خلال أيام قليلة. ويرى البعض ان إعلان النصر النهائي على التنظيم في المدينة، سيكون بالتزامن مع أيام عيد الفطر.
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن تنظيم داعش اعترف بهزيمته بتفجيره مسجد النوري التاريخي بمدينة الموصل. وقال العبادي على تويتر "تفجير داعش لمنارة الحدباء وجامع النوري إعلان رسمي لهزيمتهم". وذكر بيان للجيش العراقي في وقت سابق أن التنظيم فجر مسجد النوري الكبير ومنارته الحدباء في الموصل مع اقتراب القوات العراقية الساعية لطرد التنظيم من المدينة من موقع المسجد. وكان زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي أعلن من منبر المسجد الخلافة في مناطق شاسعة بالعراق وسوريا قبل ثلاثة أعوام. وهزّت عملية تفجير المسجد الرأي العام المحلّي والدولي. وأدانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الجمعة، تدمير المئذنة التي كانت تشاهَد من أغلب أنحاء مدينة الموصل، والقائمة هناك منذ 850 عاما.
وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم المفوضية العليا إن هذا التفجير يرقى ربما إلى جريمة حرب. كما ينقل بعض من نجحوا في الفرار من أسْر داعش في الموصل وكما نقلت بعض المصادر، روايات مروّعة عن حالة الرعب الشديد التي يعيشها المدنيون، وخصوصا الأطفال، والتي تجسّدها نوبات الصراخ الحادّ التي تتفجّر من حين لآخر على وقع أصوات تبادل إطلاق النار بين القوات العراقية ومقاتلي داعش وانفجار قذائف القصف الجوّي والمدفعي، وضجيج محركات الطائرات ومراوح طائرات الهليكوبتر في أجواء المدينة القديمة.
كما يتحدّث هؤلاء عن ظروف لاإنسانية يعيشها الأهالي بسبب انعدام كل مقوّمات العيش من ماء وغذاء ودواء، وتدفع تلك الظروف بالعديد من الأهالي إلى مغامرة الخروج من محرقة غرب الموصل، لكنّ الكثير من هؤلاء يقعون في كمائن داعش ويكون مصيرهم الموت المحتوم. وأقدم، انتحاري على تفجير نفسه وسط مدنيين نازحين من المدينة القديمة، ما أسفر عن سقوط 12 قتيلا على الأقل، بحسب ما أفاد مصدر عسكري. وتقدّر منظمات إنسانية عدة بأكثر من مئة ألف، عدد المدنيين العالقين في المدينة القديمة والذين يستخدمهم التنظيم المتطرف كدروع بشرية.
جامع النوري والحدباء
وفي هذا الشأن أعلنت القوات العراقية أن جهاديي تنظيم داعش فجّروا منارة الحدباء التاريخية وجامع النوري الكبير الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في المدينة القديمة بغرب الموصل. وعلى الفور، أعلن تنظيم داعش عبر وكالة "أعماق" التابعة له أن "الطيران الأميركي يدمر مسجد النوري الكبير والمنارة الحدباء في الموصل".
لكن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة دان عملية التدمير باعتبارها جريمة ضد "شعب الموصل وكل العراق، ومثال على سبب وجوب القضاء على هذا التنظيم الوحشي". وقال قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله في بيان "أقدمت عصابات داعش الإرهابية على ارتكاب جريمة تاريخية أخرى وهي تفجير جامع النوري ومئذنة الحدباء التاريخية" بالمدينة القديمة في غرب الموصل. وأضاف يارالله إن عملية التفجير تمت "بعد تقدم قواتنا في عمق المدينة القديمة ووصولها إلى مسافة 50 مترا" من جامع النوري.
ويأتي تدمير اثنين من أبرز معالم الموصل، في اليوم الرابع من هجوم القوات العراقية مدعومة بضربات التحالف الدولي على المدينة القديمة، لاستعادة آخر مواقع الجهاديين في غرب الموصل. ويضاف هذان المعلمان إلى لائحة طويلة من المواقع والمعالم التراثية العراقية التي دمرها التنظيم الجهادي في العراق وسوريا منذ أعلن أبو بكر البغدادي "الخلافة" على أراض في البلدين، قبل ثلاثة أعوام. وأعلن التنظيم "الخلافة" في حزيران/يونيو 2014، بعدما سيطر على مساحات واسعة من العراق، في ما يعد سابقة جهادية.
وقد ظهر البغدادي في مسجد النوري الكبير في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، بعد أيام من تنصيب نفسه "خليفة"، وحض المسلمين في العالم على الانضمام. وما زال ذلك هو الظهور العلني الوحيد للزعيم الجهادي الذي ما زال مصيره ومكانه غير معروفين في الوقت الراهن، فيما "دولته" تتقلص منذ عامين. وبدأت القوات العراقية عملية اقتحام المدينة القديمة في غرب الموصل، وهي آخر حصن تبقى للجهاديين في ثاني أكبر مدن العراق، بعد عملية عسكرية دخلت شهرها الثامن.
وتقع منارة الحدباء المائلة إلى جانب جامع النوري، وكانت يوما مئذنة الجامع القديم، وهي ما تبقى منه. وتشكل المنارة رمزا للمدينة، إذ طبعت على العملة الورقية العراقية من فئة عشرة آلاف دينار، كما أن البعض يصفها أحيانا على أنها برج بيزا العراقي، نسبة إلى البرج الإيطالي المائل. وظهرت الحدباء أيضا في العديد من العلامات التجارية المحلية والإعلانات. كما أعطت اسمها لعدد لا يحصى من المطاعم والشركات والنوادي الرياضية. وكانت تعد أيضا رمزا لحكم الجهاديين، إذ رفع تنظيم داعش رايته على قمتها التي يبلغ ارتفاعها 45 مترا.
وفي العام 2012، قدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) انحناء المنارة بـ2,53 متر، بالنسبة إلى الارتفاع العمودي. وسبق أن حذر مؤرخون ومهندسون معماريون من أن المعارك العنيفة الدائرة حاليا في غرب الموصل، تهدد منارة الحدباء وتراث المدينة القديمة. وقال أحمد ثلج حامد البالغ من العمر 49 عاما، وهو من سكان حي قريب من البلدة القديمة، إن "منارة الحدباء موجودة هنا منذ الأزل، هي جزء من تاريخ الموصل وهي رمز المدينة".
واضاف انه اتضح لمعظم أهالي الموصل أن تنظيم داعش لن يتخلى عن آخر معاقله في المدينة من دون تدمير المعالم التي في حال استعادتها القوات العراقية ستشكل ضربة رمزية كبيرة. وبحسب حامد فانه "حين يتم تدمير المنارة، ستكون الضربة الاخيرة لتراث الموصل، لأن جميع المعالم الاخرى قد انتهت". وأضاف "سأكون آسفا جدا، لا أستطيع أن أتخيل مثل هذه اللحظة". بحسب فرانس برس.
وكان القائد في قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي توقع أن يلقى مسجد النوري والمنارة الحدباء هذا المصير على ايدي الجهاديين. وقال الساعدي إن "للمسجد رمزية لدى العصابات الإرهابية، كونه المسجد الذي ألقى فيه أبو بكر البغدادي خطبته الأولى" كزعيم لتنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف أن "داعش قد يفجر هذين المعلمين التراثيين لأسباب نفسية". وتابع "ربما لا يرغبون في ترك هذا المكان الذي استولى عليه أبو بكر البغدادي للقوات الأمنية، وربما سيوجهون رسالة إلى العالم يتهمون فيها القوات العراقية بتدميرهما".
من منزل إلى آخر
من جهة اخرى دافع مقاتلو تنظيم اداعش عن معقلهم المتبقي بالمدينة القديمة بالموصل ويتحركون خلسة عبر أزقة خلفية ضيقة مع تقدم القوات العراقية ببطء. وذكر فريق تصوير من رويترز قرب الخطوط الأمامية أن حدة القتال تراجعت عندما أعلنت القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة بدء الهجوم على المدينة القديمة. والمدينة القديمة ومنطقة صغيرة إلى الشمال منها هما آخر منطقتين في المدينة لا تزالان تحت سيطرة المتشددين في الموصل التي كان التنظيم يعتبرها عاصمته في العراق.
وعبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها اليوم بشأن وضع المدنيين في المدينة القديمة الذين تقدر الأمم المتحدة أنهم أكثر من 100 ألف. وقالت جوليا شويرتش وهي مسؤولة للطوارئ بالصليب الأحمر في الموصل "نرى عشرات من المرضى الجدد يوميا بينهم أطفال ومسنون". وأضافت في بيان من المنظمة يدعو إلى إجلاء الجرحى "ببساطة كان الأوان قد فات بشدة بالنسبة لهذا العدد الكبير على نحو مفجع... فقد ماتوا بعد قليل من وصولهم إلينا".
وقال الفريق عبد الغني الأسدي قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي تقود الهجوم "هذا الفصل الأخير" في الحملة لاستعادة الموصل. وقال الفريق الركن سامي العارضي قائد قوات النخبة الثانية بقوات مكافحة الإرهاب التي تقود القتال شمال المدينة القديمة إن المتشددين يتحركون من منزل إلى آخر عبر فتحات في الجدران لتجنب المراقبة الجوية.
وأضاف للتلفزيون العراقي أن القتال الآن يدور من منزل لآخر داخل أزقة خلفية ضيقة ووصف المهمة بأنها ليست سهلة. وتشير تقديرات الجيش العراقي إلى أن عدد مقاتلي التنظيم المتشدد لا يزيد عن 300 انخفاضا من نحو ستة آلاف مقاتل في المدينة عندما بدأت حملة الموصل يوم 17 أكتوبر تشرين الأول.
وهناك أكثر من مئة ألف مدني محاصرون في أزقة المدينة الضيقة دون ما يكفي من الغذاء والمياه والرعاية الصحية. وحذرت هيئة إنقاذ الطفولة في بيان من أن "ما يقدر بخمسين ألف طفل في خطر داهم مع دخول القتال في الموصل ما يحتمل أن تكون أكثر مراحله فتكا حتى الآن". وسقوط الموصل سيمثل فعليا نهاية النصف العراقي من "دولة الخلافة" التي أعلنها أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم في خطبة ألقاها في جامع النوري قبل ثلاث سنوات وتضم أجزاء من العراق وسوريا.
وكانت الحكومة العراقية تأمل في البداية أن تستعيد الموصل بنهاية 2016 لكن الحملة استغرقت وقتا أطول مع تعزيز المتشددين مواقعهم بين المدنيين في محاولة للرد على القوات الحكومية. ويستخدم تنظيم داعش السيارات والدراجات النارية الملغومة والشراك الخداعية ونيران القناصة والمورتر لمواجهة القوات العراقية. وقتل مئات المدنيين قرب خطوط القتال الأمامية في الأسابيع الثلاثة الماضية بينما كانوا يفرون من المدينة القديمة إذ لم تتمكن القوات العراقية من تأمين ممرات خروج لهم. بحسب رويترز.
وقالت الأمم المتحدة إن قناصة داعش يطلقون النار على عائلات تحاول الفرار سيرا على الأقدام أو بالقوارب عبر نهر دجلة ضمن تكتيك للإبقاء على المدنيين كدروع بشرية. ويتقهقر التنظيم أيضا في سوريا خاصة في مواجهة تحالف يقوده الأكراد مدعوم من واشنطن. والرقة، المعقل الرئيس للدولة الإسلامية في سوريا، محاصرة. وترك البغدادي أمر القتال في الموصل والرقة للقادة الميدانيين ليصبح فعليا هاربا في المنطقة الواقعة على الحدود بين العراق وسوريا. وتقول منظمات إغاثة إن قرابة 850 ألفا، وهو ما يزيد على ثلث سكان الموصل قبل الحرب، فروا من المدينة ويعيشون في مخيمات للنازحين أو لدى أصدقاء أو أقارب لهم.
بعد استعادة الموصل
الى جانب ذلك قال دبلوماسيون إن الاتحاد الأوروبي قد يرسل بعثة أمنية جديدة للمساعدة في تحقيق الاستقرار بالعراق بعد استعادة الموصل من تنظيم داعش لكنهم قالوا إن الخطط لا تزال في مرحلة مبكرة. وأشارت مسودة بيان إلى أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيعقدون أول مناقشة في لوكسمبورج وسيدرسون إرسال فريق تابع للاتحاد الأوروبي لتقديم المشورة والمساعدة الأمنية وربما يعمل على تدريب مسؤولي الأمن العراقيين. وقال الدبلوماسيون إن العراق طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي رسميا.
وفي حين أن الخطوة صغيرة لكن أي جهد من هذا القبيل يمكن أن يشير إلى نهاية لنفور فرنسا وألمانيا من مشاركة الاتحاد الأوروبي في حروب الشرق الأوسط في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الذي عارضته برلين وباريس. ويشارك البلدان كل على حدة في قتال متشددي داعش في سوريا والعراق لكن جيوش الاتحاد الأوروبي سعت بصعوبة للعمل في إطار التكتل رغم الدراية الواسعة بأدوار التدريب غير القتالية.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن بعثة الاتحاد بالعراق في 2006 كانت تهدف لمساعدة القضاة والشرطة وكان ينظر إليها على نطاق واسع على أنها نموذج للفشل لأنها كانت صغيرة جدا ومحدودة المدة للغاية. ودعمت فيدريكا موجيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي دورا أكبر للتكتل في الخارج سعيا إلى تطوير تحالف دفاع مشترك للاتحاد الأوروبي يضاهي نفوذه الاقتصادي. بحسب رويترز.
وقد تشارك أي بعثة للاتحاد الأوروبي مع تخطيط مماثل لحلف شمال الأطلسي الذي انضم هذا الشهر إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش ويدرس تدريب المزيد من الجنود العراقيين. وداعش على وشك أن تتكبد هزيمة في معقلها بالموصل وتستعد لهجوم على معقلها بسوريا في الرقة. لكن المسؤولين الأمريكيين يخشون من أن الجماعات العشائرية قد تسعى للسيطرة مع فرار المتشددين. وقال دبلوماسي بالاتحاد الأوروبي مطلع على المناقشات "لا يمكننا أن نتحمل السماح بحدوث فراغ... نحن وآخرون على استعداد للتدخل. فقط نحتاج إلى كيف سنقرر فعل ذلك".
اضف تعليق