لعل الاضطراب السياسي الذي تعاني منه الصومال ومنح الأجانب تصاريح للصيد في المياه الصومالية إضافة الى إعادة تسلح المجتمعات الساحلية في ظل انتشار الغضب نتيجة الفشل في التصدي لسفن الصيد الأجنبية هذه الأسباب وغيرها مجتمعة تهدد بفراغ أمني يمكن أن يؤجج خطر عودة القرصنة الصومالية.
فالقرصنة البحرية افة عالمية قديمة ظهرت منذ ان ركب الانسان البحر لكنها انتشرت بالشكل الذي صرنا نسمع عنها بالقنوات الإخبارية منذ انهيار الدولة الصومالية عام 1991 حيث كثرة جرائم القرصنة البحرية منذ ذلك الوقت بسبب ظهور عصابات الجريمة والقرصنة البحرية.
لغاية عام 2011 بدأت تنخفض وتيرة حوادث القرصنة التي تستهدف السفن خاصة بعد ان كلفت آخر حوادث القرصنة الكبرى في الصومال قطاع الشحن البحري مليارات الدولارات عندما تسبب القراصنة في شلل مسارات الشحن البحري وخطفوا مئات البحارة واستولوا على سفن على مسافة أكثر من ألف ميل من الساحل.
ومنذ ذلك الحين ساهم نشر حراس أمن مسلحين على السفن بتفويض للرد بقوة إلى جانب توجيه قوات بحرية ضربات استباقية واتخاذ إجراءات حماية أكبر على السفن في تقليل الهجمات إلى اثنتين فقط في 2014 بينما خلا 2015 من أي هجمات. بالرغم من التراجع الملحوظ خلال الأعوام السابقة في جرائم القرصنة الا ان المختصون في الملاحة البحرية كانوا دائما يحذرون من أن الخطر لا يزال قائما.
يبدوا ان رأي المختصون كان صائبا حيث بعد ان تراجعت قرابة الخمس أعوام عادت القرصنة البحرية وبقوة الى بؤرة الاحداث وفي اعقاب تعرض اعداد كبيرة للسفن التجارية للقرصنة وكانت اول حادثة هي خطف ناقلة نفط تحمل طاقما من ثمانية أفراد من سريلانكا مماجعل هذه المنطقة واحدة من أكثر مناطق الملاحة خطورة في العالم.
يمر أكثر من 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرا عبر خليج عدن وبحر العرب وهو ممر شحن رئيسي يستخدم أيضا لنقل الصادرات والسلع بين آسيا وأوروبا. لذلك أكد الاتحاد الأوروبي من إن بعثته البحرية ستواصل نشر دوريات للتصدي للقراصنة قبالة ساحل الصومال لعامين آخرين لمنع وقوع أي هجمات.
بالرغم من أن الصومال لا يزال غارقا في العنف والفقر إلا أن البلد الواقع في القرن الأفريقي أظهر دلائل صغيرة على التقدم في السنوات الأخيرة رغم حرب أهلية مستمرة منذ أكثر من ربع قرن. وقد تؤدي عودة القرصنة إلى عرقلة هذا التقدم الهش. لذلك بحث قادة 43 بلدا أفريقيا في العاصمة التوغولية لومي، مسألة تبني شرعة حول سلامة وأمن التجارة البحرية مع تصاعد عمليات القرصنة وأعمال التهريب في المياه الإقليمية الأفريقية.
من جانب اخر تخشى الحكومة الاندونيسية من وصول عمليات القرصنة الى أراضيها في مسار شحن مزدحم بمحاذاة حدودها البحرية مع الفلبين إلى نفس مستوياتها في الصومال خاصة بعد ان صرح المحللون إن هذه المنطقة تشكل جزءا من مسارات شحن رئيسية تشهد مرور شحنات قيمتها أربعين مليار دولار سنويا.
خطف ناقلة نفط
قال مسؤول صومالي إن قراصنة خطفوا ناقلة نفط تحمل طاقما من ثمانية أفراد من سريلانكا وذلك في أول حادثة خطف لسفينة تجارية منذ عام 2012. كان جون ستيد من جماعة (أوشانز بيوند بايرسي) قال إن السفينة آريس 13 بعثت نداء استغاثة وتم إيقاف نظام التتبع فيها وتحويل مسارها باتجاه بلدة علولة الصومالية.
وقال محمود أحمد إيناب مفوض علولة لرويترز عبر الهاتف "خطف القراصنة ناقلة النفط وأحضروها بالقرب من علولة." وأكد قراصنة في البلدة أنهم في انتظار السفينة. وأضاف ستيد، وهو خبير على اتصال وثيق بالقوات البحرية التي تقتفي أثر السفينة، أن الناقلة يعتقد أنها تحمل طاقما من ثمانية أفراد.
وتابع أن طائرات لقوة نافور البحرية الإقليمية التابعة للاتحاد الأوروبي تحلق في سماء المنطقة لتقفي أثر السفينة ومحاولة معرفة ما يجري. وذكرت حكومة سريلانكا أن طاقم السفينة مكون من ثمانية أفراد من سريلانكا وأنها كانت ترفع علم جزر القمر. وأشارت بيانات لأنظمة رويترز إلى أن السفينة أخذت منعطفا حادا بعد مرورها من القرن الأفريقي في طريقها من جيبوتي إلى مقديشو.
وأفادت بيانات شحن على موقع إكواسيس التابع لوزارة النقل الفرنسية بأن السفينة وحمولتها القصوى 1800 طن مملوكة لشركة أرمي شيبينج في بنما وتديرها شركة أرورا شيب مندجمنت في الإمارات. وقال نويل تشونج رئيس مركز الإبلاغ عن القرصنة التابع للمكتب البحري الدولي في كوالالمبور إن منظمة التجارة البحرية البريطانية التي تنسق إدارة كل السفن التجارية واليخوت في منطقة خليج عدن كانت تراقب السفينة.
منح الأجانب تصاريح للصيد
في نفس السياق أكد سكان محليين إن الهجمات ستستمر ويلقون باللوم على حكومتهم في إقليم بلاد بنط الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي لأنه منح الأجانب تصاريح للصيد في المياه الصومالية. وقال الصياد محمد إسماعيل "لأن مخزون السمك يُستنفد من قبل الأجانب فإن زملائي يخططون للذهاب إلى المحيط لخطف سفن أخرى. ليس لدينا حكومة تتحدث بالنيابة عنا."
وكان الأمن بالإضافة إلى موجة جفاف شديدة في جدول أعمال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عندما اجتمع مع الرئيس الصومالي أثناء زيارة للبلاد. وجاءت واقعة الخطف الأخيرة في أعقاب توقف طويل في هجمات القرصنة إذ لم تنفذ سوى أربع محاولات في السنوات الثلاث الماضية باءت كلها بالفشل. وقال سكان محليون لرويترز إن الهدوء شجع سفن الصيد الأجنبية على العودة للمياه الصومالية وهو ما يغذي مشاعر السخط.
وشكا مسؤول صومالي سابق طلب عدم نشر اسمه قائلا "إذا نظرت إلى البحر في الليل فستجد الكثير من الأنوار هناك (من سفن الصيد) تبدو وكأنها نيويورك." وأضاف أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت عندما رست سبع سفن صيد تايلاندية في ميناء بوصاصو الشهر الماضي. وأظهر عقد حكومي أن السفن دفعت للحكومة المحلية أكثر من 672 ألف دولار للحصول على تصاريح للصيد. وأثار هذا التحرك غضب السكان الذين شعروا أنهم لن يحصلوا سواء على السمك أو الأموال.
وذكرت حكومة بلاد بنط أن 14 سفينة أجنبية فقط حصلت على تصاريح للصيد بما في ذلك السفن التايلاندية. وقال علي حرسي سالاد وزير المصايد في بلاد بنط إن كل السفن الأخرى تعمل بشكل غير مشروع. وأضاف قائلا "من حق الصيادين أن يشتكوا."
أسلحة على الشاطئ
من جانبها قال مات برايدن مدير مؤسسة ساهان للأبحاث ومقرها نيروبي إن المجتمعات الساحلية تعاود التسلح في ظل انتشار الغضب نتيجة الفشل في التصدي لسفن الصيد الأجنبية. وقدم لرويترز بضع صور قال إنها لشحنة أسلحة آلية وصلت في الآونة الأخيرة قائلا إن الكثير من الأسلحة تصل لدرجة أن سعر رشاش بي.كيه.إم في منطقة واحدة تراجع من 13 ألف دولار في أكتوبر تشرين الثاني إلى نحو 8500 دولار الشهر الماضي.
وذكر تاجر سلاح مقره بوصاصو إن الطلبات على القاذفات الصاروخية والأسلحة الآلية والذخيرة زادت. وقال جوناه ليف وهو خبير في تتبع الأسلحة مع مركز أرمامنت للأبحاث المعني بدراسة الصراعات إن الكثير من القراصنة عادوا إلى التهريب. وأضاف أنهم يأخذون قوارب محملة بالأشخاص إلى اليمن ويعودون بالأسلحة. وقال "هناك تدفق للأسلحة".
وأشار إلى أن أسلحة جديدة بدأت تظهر في أرجاء البلاد بما في ذلك نوع جديد من القنابل وإن هذه الشحنات يمكن تتبع مصدرها إلى بلاد بنط. وجرت مصادرة ثلاث سفن تحمل آلاف الأسلحة خلال فترة أربعة أسابيع العام الماضي. وقال في إشارة إلى زيارة قام بها إلى بلاد بنط قبل أسبوعين "الناس يبلغوننا أن الأسلحة تصل كل يوم."
مخاطر القرصنة والإرهاب
على صعيد ذي صلة يقول مسؤولون في الملاحة البحرية إن السفن التجارية التي تبحر عبر ممرات الشحن المزدحمة بين الصومال واليمن ربما تهون من شأن مخاطر القرصنة والإرهاب. ويمر أكثر من 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية المنقولة بحرا عبر خليج عدن وبحر العرب وهو ممر شحن رئيسي يستخدم أيضا لنقل الصادرات والسلع بين آسيا وأوروبا.
وقالت نافور إن آخر هجوم سابق أعلن عنه وقع في فبراير شباط 2014 وتعرضت فيه سفينة حاويات لنيران مسلحين قرب الصومال. وفي 25 أكتوبر تشرين الأول فتح مهاجمون النار على ناقلة غاز قبالة اليمن. وقالت الشركة المالكة للسفينة إن "كمية كبيرة من المتفجرات" كانت مع المسلحين وقال مصدر بحري لرويترز إنها ربما كانت هجوما انتحاريا. بحسب رويترز.
وقال جيري نورثوود من شركة ماست البريطانية للأمن البحري "الحوادث الأخيرة قبالة الصومال وفي باب المندب والمحيط الهندي تشير إلى زيادة مستوى التهديد للملاحة من القرصنة والإرهاب البحري." وفي الحادث الأول قالت قوة نافور إن من يشتبه في كونهم قراصنة في زورق سريع تبادلوا إطلاق النار مع حراس على متن الناقلة التي نجت دون خسائر بشرية بعدما زادت سرعتها وغيرت مسارها واستخدمت خراطيم مياه إطفاء الحريق لإحباط الهجوم.
دوريات للتصدي لقراصنة الصومال
في نفس الشأن قال الاتحاد الأوروبي إن بعثته البحرية ستواصل نشر دوريات للتصدي للقراصنة قبالة ساحل الصومال لعامين آخرين لمنع وقوع أي هجمات. وتراجع معدل الهجمات وعمليات الخطف رغم أن مسؤولين بحريين حذروا من أن الخطر لا يزال قائما بعد محاولتين للهجوم الشهر الماضي. بحسب رويترز.
وقال حلف شمال الأطلسي إنه أنهى مهمته قبالة القرن الأفريقي فيما يحول موارده للتركيز على ردع روسيا في البحر الأسود والتصدي لمهربي البشر في البحر المتوسط. لكن الاتحاد الأوروبي قال إنه سيمدد أجل العملية أتلانتا الخاصة بالصومال حتى نهاية 2018 الأمر الذي يتيح له مواصلة حراسة شحنات المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة. ويمر أكثر من 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية عبر خليج عدن وبحر العرب وهو ممر ملاحي رئيسي يستخدم أيضا لنقل الصادرات والبضائع مثل المواد الغذائية بين آسيا وأوروبا.
خطوة حاسمة في الحفاظ على البيئة البحرية
هذا وقد احتضنت العاصمة التوغولية لومي اجتماعا حضره قادة 43 بلدا أفريقيا بطلب من الاتحاد الأفريقي من أجل تبني شرعة حول سلامة وأمن التجارة البحرية مع تصاعد أعمال التهريب والقرصنة. وقال الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي إدريس ديبي في كلمته الافتتاحية أن الشرعة وبعد تبنيها "ستمثل بلا شك خطوة حاسمة في الحفاظ على البيئة البحرية بكل أشكالها".
ومثلت 18 من الدول المشاركة في قمة توغو على مستوى القادة. وذكر الرئيس التشادي بأنه من بين 54 دولة في أفريقيا، هناك 38 دولة ساحلية، وأن 90% من الصادرات والواردات تمر عبر البحر وأن عددا كبيرا من الممرات التجارية البحرية الاستراتيجية موجودة في المياه الإقليمية الأفريقية.
وقال رئيس توغو أن "الرهانات لا تقتصر على أفريقيا وإنما تعني شركاءنا الإستراتيجيين والمجتمع الدولي بأكمله". بعد أن شهد الوضع هدوء في خليج عدن شرق إفريقيا، باتت أعمال القرصنة متركزة في خليج غينيا وسواحله الممتدة على 5700 كلم. بحسب فرانس برس.
ويسعى 17 بلدا في خليج غينيا، من السنغال إلى أنغولا، وهي دول لديها قدرات متواضعة على المراقبة والدفاع البحري، منذ سنوات إلى تعزيز قدراتها على التدخل وتوثيق التعاون الإقليمي. وبدأت مراكز تنسيق إقليمية تظهر لكن التقدم بطيء والوسائل محدودة. من هنا برزت فكرة تبني شرعة ملزمة تحديد آلية للتمويل.
صومال جديدة
من جانب اخر قال وزير الأمن الاندونيسي إن بلاده تخشى أن تصل عمليات القرصنة في مسار شحن مزدحم بمحاذاة حدودها البحرية مع الفلبين إلى نفس مستوياتها في الصومال ما لم يتم تشديد الاجراءات الأمنية وذلك بعد سلسلة من عمليات الاختطاف. ويقول محللون إن هذه المنطقة تشكل جزءا من مسارات شحن رئيسية تشهد مرور شحنات قيمتها أربعين مليار دولار سنويا وإن ناقلات الشحن العملاقة القادمة من المحيط الهندي تستخدم هذا الممر كونها لا تستطيع المرور في مضيق ملقة المزدحم.
ووقع ما إجماليه 18 اندونيسيا وماليزيا في الأسر في ثلاثة هجمات مختلفة على زوارق سحب في مسار الشحن ذاته داخل المياه الإقليمية الفلبينية شنتها جماعات يشتبه أنها على علاقة بجماعة أبو سياف في الفلبين المرتبطة بتنظيم القاعدة. وطلبت جماعة أبو سياف التي تشتهر بعمليات الخطف والذبح والتفجيرات والابتزاز فدية قدرها خمسون مليون بيسو (1.1 مليون دولار) لإطلاق سراح الطاقم الاندونيسي.
وقال وزير الأمن العام الاندونيسي لوهوت باندجايتان للصحفيين "لا نريد أن نرى هذا يتحول إلى صومال جديدة" في إشارة إلى بحر سولو جنوبي الفلبين حيث حدثت عمليات الاختطاف. وانحسرت عمليات القرصنة قرب ساحل الصومال إلى حد كبير خلال السنوات القليلة الأخيرة وهو ما يرجع في الأساس إلى استعانة شركات الشحن بشركات أمن خاصة إلى جانب وجود سفن حربية دولية.
واجتمع مسؤولو الأمن والنقل في اندونيسيا لمناقشة تشديد الإجراءات الأمنية في المنطقة. وحذر مركز الإبلاغ عن حوادث القرصنة في كوالالمبور كل السفن المارة عبر بحر سيليبس وشمال شرقي ولاية صباح الماليزية في جزيرة بورنيو من الاقتراب من أي زوارق صغيرة مثيرة للريبة. بحسب رويترز
وللمرة الأولى يتسبب تصاعد الهجمات البحرية التي يشتبه في أن مسلحين متشددون ينفذونها في عرقلة تجارة الفحم بين الجيران في جنوب شرق آسيا. وتساهم اندونيسيا أكبر مصدر للفحم الحراري في العالم بنسبة 70 بالمئة من واردات الفلبين من الفحم. لكن مع تأجج المخاوف الأمنية بدأت سلطات عدة موانئ اندونيسية لتصدير الفحم في منع السفن من الإبحار إلى الفلبين بما ينذر بتأخر مواعيد الشحن الخاصة ببعض كبار المنتجين في البلاد.
اضف تعليق