لطالما مثل الاكتناز مشكلة ومصدر قلق للعديد من الاقتصاديين، لاسيما مابعد الثورة الصناعية ومتلاها من انجازات وتحقق وفورات هائلة في الدخول الخاصة بعناصر الانتاج، وتعاملت كل نظرية مع الاكتناز بشكل مختلف عن ما تناولته باقي النظريات او المدارس.
فالكلاسيك على سبيل المثال أعتبرت ان الاكتناز يساوي صفر، او معطل او غير موجود، بسبب ان الاستخدام الكامل للموارد متحقق في الاقتصاد، اذ ليس من السليم القول بأن هناك استخدام أمثل لجميع الطاقات والموارد الاقتصادية في ظل وجود الاكتناز، والا فالتناقض يصبح واضح.
الا انه وبعد أزمة الكساد العظيم التي حدثت في العام 1929، وماتبعها من فشل للطروحات الكلاسيكية التي كانت أفكارها ونظرياتها سائدة في معظم أوروبا والعالم لما يناهز الـ 100 عام، أصبحت النظرة للاكتناز معطلة، وان الاكتناز قد لايساوي صفر او غير موجود، بل ان هناك أرصدة مالية مجمدة لاتقوم بدورها في الاقتصاد.
وهذا مافسره فيما بعد الاقتصادي الانكليزي جون مينارد كينز، اذ بين ان النقود تطلب لثلاث غايات هي الطلب بدافع المبادلة والطلب بدافع الاحتياط والطلب بدافع المضاربة، وهو مااشار اليها كينز من خلال بيانه من ان الاكتناز يحدث من خلال الطلب بدافع المضاربة عبر الاحتفاظ بالارصدة النقدية لمدة من الزمن من أجل تحقيق مكاسب غير مؤكدة عبر المضاربة.
وحتى لايطول الكلام في الجانب التأريخي كثيرا في موضوع الاكتناز، فأن الاقتصاديين ومن أجل معالجة هذا الخلل، وجدوا أن الطريقة الأفضل في تحجيم الاكتناز وتقليل أضراره، هو بخلق وبناء جهاز مصرفي متطور، يعمل على استقطاب وجذب هذه الأرصدة النقدية عبر الفائدة الممنوحة على هذه الارصدة كأدخارات في هذه المصرف ومن ثم تحويلها الى استثمارات مختلفة للبلد.
وهنا قد يُطرح تساؤل مهم، لماذا هذا التخوف من الاكتناز، والتحذير من مخاطره؟ مايجب ان نفهمه هو ان الاكتناز حالة سلبية، لاتحدث بين جميع شرائح المجتمع، فالطبقات الفقيرة يكاد الاكتناز يكون لديها معدوم، وكذلك الحال بالنسبة للطبقات ذات الدخل المحدود، فالمتبقي من الدخل بعد طرح الاستهلاك لايصل الى ان يكون اكتناز اكثر من كونه ادخاراً شخصيا للطوارىء، وهذا لايدخل ضمن نطاق الاكتناز.
وعليه فالاكتناز يحصل عند الطبقات الغنية، التي تحقق أرباحاً كبيرة ودخولاً عالية، وباكتنازهم لهذه الاموال، فأنهم يحرمون المجتمع والاقتصاد من الاستفادة منها في اقامة المشاريع وفي خفض البطالة والتأثير على الاسواق والمتغيرات الاقتصادية الاخرى.
كما انه اجتماعيا قد يولد حاله من الغضب او العنف الاجتماعي واللاستقرار بين طبقات المجتمع، لاسيما الفقيرة منها بأحساسهم بعدم العدالة والمساوة، ولذلك نجد ان الاسلام كان حريصاً في التعامل مع هذا القضية وبشكل دقيق جداً، فلا غرابة أن نجد القرآن الكريم يذكر المكتنزون ويحدد هويتهم، عندما يقول جل جلاله ((والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم))، نجد ان الأية كانت دقيقة في التعامل مع الاكتناز، فهي حددت من هم المكتنزون، وهم الذي يكتنزون الذهب والفضة، اي طبقة الاغنياء او ميسوري الحال، لا الفقراء، لأنه واقعاً، الفقراء ليس لديهم القدرة على الاكتناز كما هو معلوم للجميع.
ثم من بعد ذلك تبين الأية ان الاكتناز هو مضاد للانفاق، وبالتالي فأن عملية الانفاق لن تتم بالشكل المطلوب بسبب الاكتناز، وعليه فأن حبس هذه الاموال وعدم انفاقها في سبيل الله والمراد به هو القنوات الشرعية لها عبر الخُمس والزكاة فأن ذلك سينعكس سلباً على الواقع الاقتصادي للبلد، والا ماكان سبحانه وتعالى وعد من يكتنز الاموال بالعذاب الأليم.
وفي العراق اذا ماأردنا تسليط الضوة على ظاهرة الاكتناز لوجدنا وبحسب المصادر الرسمية للبنك المركزي، تفيد بأن 77% من العملة المتداولة هي خارج نطاق الجهاز المصرفي وفي حالة اكتناز، وان ماقيمته 20 مليار دولار من العملة في في حالة اكتناز خارج النشاط الاقتصادي.
وعليه لأبد للمسؤولين الاخذ بنظر الاعتبار خطورة هذه الظاهرة ومعالجتها وبشكل سريع وبشتى الوسائل الممكنه، لاسيما في ظل التقشف والعجز المالي للدولة.
اضف تعليق