يستحق المواطنون السوريون المتخوفون مما يمكن أن يجلبه المستقبل في ظل حكم هيئة تحرير الشام، التي لا يبدو أن ثمة بديلاً لحكمها حالياً، الطمأنة بأن انتصار المتمردين لن يُحلَّ ببساطة عصبة من الحكام الفرديين محل أخرى. ويستحق السوريون، أكثر من أي شيء آخر، أن يمنحوا فرصة لإعادة بناء كيانهم...
حكم نظام الأسد، الذي أسسه حافظ الأسد وأكمله ابنه بشار، سورية بقبضة حديدية على مدى 54 عاماً، لكنه سقط خلال أيام. انهارت قواته المسلحة مع تقدم المتمردين، ومع انتقال كثير من الجنود إلى الجانب الآخر وقيام آخرين بحرق ثيابهم الرسمية وتخليهم عن مواقعهم. انسحب داعموه الخارجيون – روسيا، وإيران وحزب الله - أو لم يتمكنوا من مساعدته. وغادر بشار، وأسرته وشخصيات أخرى من النظام إلى المنفى.
المجموعة الإسلامية السنية التي قادت هجوم المتمردين هي هيئة تحرير الشام، التي ترأَّس قائدها أبو محمد الجولاني (الذي تخلى عن اسمه الحركي وبات يسمى الآن أحمد الشرع) فصيلاً مرتبطاً بالقاعدة قبل أن ينشق عن التنظيم العالمي في عام 2016. لا يزال هو وجماعة هيئة تحرير الشام التي يقودها على قائمة الإرهاب لدى الأمم المتحدة وكثير من الحكومات. حتى الآن، بسطت هيئة تحرير الشام الهدوء في المناطق التي دخلها مقاتلوها، بما في ذلك العاصمة دمشق والمدن ذات الغالبية العلوية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. لقد تعهد الجولاني بحماية الأقليات الكثيرة في البلاد، لكن ثمة طيف من المجموعات المسلحة التي تعمل في جميع أنحاء سورية، وقد بدأت تقارير بوقوع حالات قتل انتقامية بالظهور، ولا سيما في محافظة حماة. من الواضح أنه ثمة كثير من العثرات المتوقعة، ولا يزال هناك الكثير من التحديات في المستقبل.
تحتفظ هيئة تحرير الشام، إضافة إلى متمردين آخرين، بالسلطة المركزية، وقد عززت سيطرتها على جزء كبير من البلاد. وعليها أن تتصرف بسرعة من أجل إبقاء الأمور تحت السيطرة. وتتمثل إحدى الأولويات في المحافظة على النظام، ولا سيما منع الفوضى، والنهب، والانتقام من المسؤولين السابقين، والعنف بين فصائل المتمردين السابقة. في غياب البدائل، ستلعب هيئة تحرير الشام والمقاتلون الآخرون دوراً، لكن في أقرب وقت ممكن ينبغي أن يغادر المسلحون المناطق السكنية، كما يفعل بعضهم فعلاً، وتسليم المسؤولية عن السلامة العامة لقوة شرطة.
في المجتمعات المنقسمة، قد يتعين على هيئة تحرير الشام أن تنشر أعداداً أكبر من المقاتلين في الوقت الحاضر للمحافظة على الهدوء. وتتمثل الأولوية الثانية في تشكيل حكومة مؤقتة والحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية. ينبغي أن يكون تعيين هيئة تحرير الشام لأحد الموالين لها، وهو محمد البشير، رئيس وزراء لتصريف الأعمال إجراءً مؤقتاً، كما وعدت، وينبغي تشكيل هيئة حاكمة أكثر تمثيلاً، ربما بدعم من الأمم المتحدة وبعد نقاشات مع جميع شرائح المجتمع السوري. وينبغي أن يستأنف موظفو الخدمة المدنية وظائفهم تحت إدارة السلطة الجديدة. ينبغي أن تحل هيئة تحرير الشام نفسها –وبذلك تساعد سورية على تلقي الأموال الخارجية التي تحتاجها لكن تعيقها العقوبات المفروضة على التنظيم– وإقامة بنية جديدة يمكن أن تستوعب المقاتلين المتمردين، وأن تكون جزءاً من جيش جديد. من الجوهري أن تستمر هيئة تحرير الشام ببعث رسائل تفيد بأنها ستضمن حقوق جميع السوريين، بما في ذلك الأقليات، وألّا تحتكر السلطة.
ويجب على القوى الأجنبية، التي فعل تدخلها الكثير لتغذية الحرب الأهلية السورية الطويلة، أن تتجنب تكرار ذلك الخطأ. لا ينظر كثير من العواصم بحماسة إلى هيمنة الإسلاميين في دمشق، لكن حتى الآن ما من خيار سوى العمل مع السلطات الجديدة. سيشكل دعم خصوم للهيئة وصفة لمزيد من الفوضى. ينبغي على تلك الحكومات التي ترتبط بعلاقات بهيئة تحرير الشام أن تحثها على أن تضم أوسع طيف ممكن من الأصوات إلى الحكومة، وأن تتّبع نهجاً يشرك الجميع. وينبغي على إسرائيل، التي دمرت جزءاً كبيراً مما تبقى من الأصول العسكرية السورية، أن توقف ضرباتها الجوية في البلاد.
ثمة مخاطرة جسيمة على نحو خاص في الشمال الشرقي، حيث يتقدم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية (قسد) ذات القيادة الكردية، الأمر الذي يخاطر بحدوث تصعيد أوسع. ينبغي على الولايات المتحدة أن تستعمل كل نفوذها لدى أنقرة وقسد، التي تتمتع بدعم أمريكي، لخفض التصعيد إلى أن يصبح هناك حكومة مركزية في دمشق قادرة على التفاوض على مسار إلى الأمام. وينبغي على واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى أن تنظر فوراً في الكيفية التي تمكّنها من تفكيك العقوبات المفروضة على نظام الأسد والتي ترقى إلى ما يشبه الحصار التجاري الكامل على سورية. كما ينبغي أيضاً أن تبيِّن للجولاني ما يتعين عليه فعله من أجل رفعه عن قائمة الإرهاب.
لقد خلَّصت السيطرة السريعة لهيئة تحرير الشام على دمشق البلاد من ديكتاتورية طفيلية. على مدى العقد الماضي، تصرف الجولاني بقدرٍ من البراغماتية في الجزء الشمالي الغربي من سورية الذي حكمته هيئة تحرير الشام على مدى سنوات. يجب أن يُظهر بسرعة للسوريين، ولا سيما لأولئك الذين لا يشاطرونه معتقداته الإسلامية، وللأقليات في البلاد، وكذلك للدول المجاورة والعواصم الغربية التي لا تثق به، أن حركته يمكن أن تعمل مع الآخرين لدفع البلاد نحو مستقبل أفضل. وينبغي على العالم بدوره أن يمنحه الفرصة لفعل ذلك.
تفاعل تسلسلي
بعد ثلاثة عشر عاماً من خروج السكان إلى الشوارع في مدينة درعا الجنوبية، الأمر الذي أحدث انتفاضة في جميع أنحاء البلاد ومن ثم أفضى إلى قمع وحشي أشعل الحرب الأهلية السورية، سقطت عائلة الأسد. سار المتمردون إلى العاصمة دون مقاومة ومزَّق المواطنون صور الحاكم وأسقطوا تماثيله، وخرج الآلاف من السجون التي قبعوا فيها على مدى سنوات أو عقود، في ظروف مروّعة في كثير من الأحيان. وبمشاعر البهجة، احتفلوا معاً برحيل رجل على يديه دماء مئات آلاف السوريين. بدأت القوافل الأولى للاجئين بعبور الحدود اللبنانية والتركية على طريق العودة إلى وطنهم.
يعود سبب انهيار نظام الأسد جزئياً إلى سنوات من التحلّل داخل الجيش، الذي أدى إلى تآكل قوته القتالية. بعد تعرضه لانتكاسات على أيدي المعارضة المسلحة، كان النظام بحلول عام 2018 قد استعاد السيطرة على جزء كبير من الأراضي السورية بدعم روسي وإيراني. لكنه لم يفعل الكثير بعد ذلك لتعزيز قواته المسلحة. بدلاً من ذلك ركن إلى القوة الجوية الروسية والميليشيات المدعومة من إيران لمساعدته في الحفاظ على سيطرته على الأرض واعتمد على الجنود المجندين قسراً وجنود الاحتياط الذين كانوا يتلقون رواتب متدنية، ويفتقرون إلى التماسك وإلى الحوافز التي تدفعهم إلى القتال. وكان التشرذم مستشرياً في صفوف الجيش، حيث تعمل ألوية برمّتها على نحو مستقل، وتتنافس بعضها مع بعض أو مع الميليشيات المتحالفة مع النظام على النفوذ في مناطق معينة. ووضع كثيرون التربح – التهريب والابتزاز على الحواجز، على الحدود أو داخل سورية - فوق الجاهزية العسكرية. عندما حدث هجوم المتمردين، تبيّن أن دفاعات الجيش ضعيفة أو غير موجودة أصلاً.
إضافة إلى وهنه الداخلي، كان سقوط النظام أيضاً آخر حلقة في تفاعل تسلسلي أطلقه هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل. بعد عام من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وأعدائها في “محور المقاومة” المدعوم من إيران، كان لإسرائيل اليد العليا، بعد أن قضت على قيادة حماس وحطمت قوتها بشدة في قطاع غزة وعلى حزب الله في لبنان. وضع إضعاف حزب الله بصفته مرتكز ما صوّرته إيران على أنه خط دفاعها المتقدم طهران في موقع دفاعي، وباتت عرضة لهجوم إسرائيل. في هذه الأثناء كانت روسيا، حليفة الأسد الرئيسية منشغلة في أوكرانيا.
ونتيجة لذلك، شنت هيئة تحرير الشام هجومها بينما كان الداعمون الخارجيون للنظام مشتتين أو قوتهم مستنزفة. على مدى سنوات، كانت هيئة تحرير الشام قد بنت قواتها في إدلب، المحافظة الواقعة في شمال غرب سورية، ومحيطها. واستفادت من الطوق الذي فرضه الجيش التركي حول هذه المناطق، الذي ساعد، كجزء من اتفاق توصلت إليه أنقرة في عام 2019 مع موسكو، في ردع هجوم للنظام كان من شأنه أن يدفع موجة من اللاجئين إلى تركيا، التي كانت تستضيف أصلاً الملايين منهم. صنفت أنقرة أيضاً هيئة تحرير الشام تنظيماً إرهابياً، بسبب جذورها في القاعدة. لكن بالنظر إلى هيمنة الجماعة في إدلب، لم يكن أمام الحكومة التركية خيار سوى التوصل إلى ترتيب مؤقت معها، إذ وجدتها أفضل من أي بديل متوفر. يقول المسؤولون الأتراك إنهم حاولوا تحذير هيئة تحرير الشام من عدم مهاجمة خطوط النظام، لكن عندما فعل المتمردون ذلك على أي حال، توقعت تركيا، مثل هيئة تحرير الشام نفسها، أن الهجوم سيحقق نجاحاً محدوداً فحسب. لقد منح نجاح المتمردين المذهل الآن فرصة لأنقرة لفرض نفوذ أكبر بكثير في بلاد الشام.
تحولات القوى
هكذا يطلق سقوط نظام الأسد تحولاً دراماتيكياً في القوى ليس في سورية فحسب بل في المنطقة بأسرها. تخلَّت داعمتا الأسد، روسيا وإيران، عن حليف ساندتاه كلتاهما على مدى أكثر من عقد من الزمن، كل لأسبابها الخاصة. تدخلت روسيا في عام 2015 لأنها أرادت أن تمنع ما رأت فيه عملية تغيير نظام أخرى برعاية غربية، ولضمان أصولها من الحقبة السوفيتية في سورية، ولا سيما ميناءها على المياه الدافئة في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط. واستعملت قاعدتها الجوية في حميميم في محافظة اللاذقية، التي افتتحتها في عام 2015، لشن ضربات جوية في سورية، وأيضاً لنقل الجنود والعتاد إلى مناطق حروب أفريقية. مع تقدم هجوم المتمردين، بدا الميناء والقاعدة الجوية في خطر. ودون وجود طريقة أخرى لحمايتهما، يبدو أن موسكو توصلت خلال الأيام القليلة الماضية إلى تفاهم مع هيئة تحرير الشام يبقي على هذه المواقع في أيدي الروس، على الأقل حالياً. أما بالنسبة لإيران، فإنها كانت تستعمل سورية كممر عبور لإيصال الأسلحة إلى حزب الله. وتشكل خسارة النظام ضربة مدمرة لإيران، بعد قيام إسرائيل بنزع سلاح حزب الله، فيما يُعدُّ دق مسمار آخر في كفن “محور المقاومة” بصفته آلية فعالة للدفاع عنها هي نفسها.
في هذه الأثناء، تحركت إسرائيل بعدوانية لفرض مصالحها في الترتيب الجديد. لم تكن إسرائيل صديقة لنظام الأسد لكنها كانت تعرف نقاط ضعفه، بالنظر إلى أنها اخترقته منذ أمد بعيد. وبالنظر إلى خشيتها من قيام حكومة إسلامية في دمشق وانعدام اليقين العام بشأن ما يمكن أن يحدث تالياً، شنّت إسرائيل حملة قصف كاسحة مع سقوط الأسد، حيث دمّرت مئات الضربات الجوية الأصول العسكرية السورية، بما في ذلك السفن، والطائرات المقاتلة، والدبابات، وأنظمة الدفاع الجوي، وبطاريات الصواريخ، ومنشآت إنتاج الأسلحة الكيميائية. تحركت القوات الإسرائيلية إلى الجزء منزوع السلاح من مرتفعات الجولان، الواقعة خارج المنطقة من الجولان التي كانت تشكل منطقة عازلة بين البلدين منذ عام 1974، والتي ضمتها إسرائيل في عام 1981، إضافة إلى جبل الشيخ ومرتفعات حاكمة أخرى على الجانب السوري من المنطقة منزوعة السلاح. يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن المواقع الجديدة مؤقتة ودفاعية، وتهدف إلى منع نشوء تهديد كبير من سورية. لكن آخرين يرون فيها خطر حدوث احتلال ذو نهاية مفتوحة.
يخشى الجيران الآخرون الخسارة بعد الإطاحة بالأسد. إلى الشرق من سورية، يتشكك العراق في نوايا الجولاني، رغم رسائله الودية في البداية. كما أن بغداد قلقة بشأن عدم الاستقرار في شرق سورية، الذي يمكن أن يسمح لأعداد من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية هناك بالعودة إلى الظهور وشن هجمات على الحدود العراقية. وإلى الجنوب، يشعر الأردن بالقلق من صعود الإسلاميين الذين يخشى أن يشكلوا خطراً على النظام الملكي الهاشمي، ومن السيطرة على الحدود، التي كانت نفوذة، وكان نظام الأسد يرسل من خلالها المخدرات، ولا سيما أحد أصناف الأمفيتامين المسمى كبتاغون، إلى باقي أنحاء الشرق الأوسط. ربما يكون النظام قد ذهب، لكن تجارة الكبتاغون يمكن أن تستمر دون رقابة من قبل حكام سورية الجدد، بالنظر إلى بقاء شبكات التهريب موجودة.
في مناطق أبعد، كانت دول الخليج العربية، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة قد حاولت منذ وقت طويل إغراء سورية للخروج من الحضن الإيراني والعودة إلى الصف العربي. لكنها كانت تفتقر إلى النفوذ الذي يتطلبه مثل ذلك الجهد، طالما كانت إيران وروسيا توفران لنظام الأسد الحماية، بينما كان كل ما يمكن لدول الخليج أن تقدمه هو المال والتجارة، المقيَّدة على أي حال بسبب العقوبات الغربية. لقد تغير ذلك. لكن حكماً إسلامياً في دمشق سيكون بغيضاً للإمارات العربية المتحدة وستنظر إليه السعودية شزراً. وقد تحاول كلتاهما فرض نفوذ على الأحداث الناشئة في سورية في محاولة لتخفيف الطبيعة الإسلامية للنظام الجديد.
داخل سورية، هيئة تحرير الشام هي الفائز الواضح، لكنها يمكن أن تبني على نجاحها فقط بمساعدة السوريين الآخرين، بمن فيهم الأقليات، لكن أيضاً الخصوم في أوساط الغالبية العربية السنية. خلال هجومها السريع، حصلت على دعم الكثير من السوريين الذين كانت كراهيتهم للنظام تفوق عدم ثقتهم بهيئة تحرير الشام. لكن الهيئة جماعة ازدهرت في حدود إدلب. بعد الانفصال عن القاعدة، قمعت المقاتلين المتشددين العابرين للحدود في إدلب وأظهرت بعض التسامح حيال الأقليات. لكنها رغم ذلك حكمت على نحو مهيمن، ولم تسمح بمعارضة تذكر. ستشكل محاولة تكرار نموذج إدلب في جميع أنحاء البلاد كارثة لسورية، وستثير مقاومة كبيرة. يتعين على الجولاني إقناع السوريين الآخرين بأنه يدعم نشوء سورية جديدة أكثر عدالة، وشمولاً وتشاركية، تُحترم فيها حقوق جميع المواطنين. تشكل سورية فسيفساء من الناحية الإثنية والدينية. ألحق الحكم الأقلوي العنيف الذي مارسته عائلة الأسد ضرراً كبيراً بالمجتمع؛ ويمكن لحكم ثقيل الوطأة للغالبية أن يؤدي إلى إدامة تلك الحال.
المؤشرات الأولى من المناطق ذات الغالبية العلوية في البلاد مشجعة، إذ يبدو أن الناس يستجيبون لدعوة هيئة تحرير الشام بعدم الانتقام من عناصر النظام أو إلحاق الأذى بالأقليات الإثنية والدينية. لكن في شمال حماة، بدأت مجموعات مسلحة غير مرتبطة بهيئة تحرير الشام باستغلال الفراغ المحلي في السلطة في أعقاب انتصار المتمردين لقتل أو خطف أفراد من الأقليات ونهب ممتلكاتهم. في حين من المتوقع نشوء درجة من عدم الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، فإن مثل تلك الأفعال تخاطر بتعميق الانقسامات الاجتماعية التي ظهرت في جميع أنحاء سورية خلال الحرب الأهلية. كما أنها تهدد الثقة الهشة التي منحتها الأقليات على مضض لهيئة تحرير الشام، ما يعزز المخاوف من أن المجموعة إما غير مستعدة أو غير قادرة على حماية الجميع بالتساوي. إذا أرادت هيئة تحرير الشام تحقيق الاستقرار في كل سورية، يتعين عليها إظهار القدرة في المحافظة على النظام ومنع مثل ذلك العنف، ولا سيما في مناطق مثل شمال حماة، لكن أيضاً في بلدات واقعة في محافظتي حمص واللاذقية.
لقد تعاونت هيئة تحرير الشام تكتيكياً مع مجموعات أخرى من المتمردين، سواء مع الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا الذي يعمل في أجزاء أخرى من شمال سورية أو مجموعات متمردين في درعا والسويداء في الجنوب. والسؤال هو ما إذا كان بوسع هيئة تحرير الشام ضمان ألّا تتسلط تلك المجموعات على الناس في المناطق التي تسيطر عليها، والحفاظ على دعمها لأي نظام ينشأ، حتى إذا سعت قوى خارجية لتحقيق النفوذ من خلالها.
ثمة تهديد فوري في شمال شرق سورية الواقع تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية ذات القيادة الكردية (قسد). ظهرت قسد كفرع لحزب العمال الكردستاني، وهو قوة متمردة منذ عقود في تركية ومصنف تنظيماً إرهابياً في جزء كبير من العالم. تخلّى نظام الأسد المحاصر عن الشمال الشرقي خلال الحرب الأهلية، وسلَّمه بشكل أساسي للمقاتلين الأكراد المعروفين بوحدات حماية الشعب، التي أصبحت لاحقاً العمود الفقري لقسد. ثم وسَّعت قسد مجال سيطرتها بحكم الأمر الواقع خلال قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بدعم عسكري أميركي، فسيطرت على مناطق واسعة من شمال شرق سورية، وهي منطقة غنية بالقمح وفيها عدد من حقول النفط. وجدت قسد نفسها محشورة بين نظام الأسد وأنقرة، التي لم ترَ فيها سوى واجهة لحزب العمال الكردستاني. حقق الجيش الوطني السوري اختراقات في المناطق التي تسيطر عليها قسد في الأيام التي تلت هجوم هيئة تحرير الشام، وسيطرت على منبج، وهي مدينة في شمال سورية كانت موضع نزاع بينهما منذ وقت طويل، وتوجهت إلى كوباني شرقاً.
من شأن محاولة تقوم بها تركيا، من خلال الجيش الوطني السوري، لإلحاق الهزيمة بقسد، أو على الأقل طردها من الشمال الشرقي أن تشكل نذيراً سيئاً لاحتمال نشوء بلد مسالم بعد سقوط الأسد. لقد طالبت قسد فعلياً بضربات جوية أميركية لحماية مواقعها. يمكن لاستمرار هجوم في الشمال الشرقي أن يخرج كثيراً من الناس من منازلهم ويوقف الخطوات الإيجابية التي اتخذتها أنقرة وحزب العمال الكردستاني مؤخراً نحو المصالحة. علاوة على ذلك، تحتفظ قسد بالآلاف مما يسمى أسر تنظيم الدولة الإسلامية، زوجات وأطفال مقاتلي التنظيم، إضافة إلى بعض المقاتلين أنفسهم، في معسكرات احتجاز. شنت الولايات المتحدة، التي تحتفظ بنحو 900 جندي في شرق سورية، 75 غارة على أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية في وسط سورية في 8 كانون الأول/ديسمبر للمساعدة في ضمان عدم محاولة التنظيم ترتيب خروج من الهول، وهو أحد المخيمات، بينما يتشتت انتباه قسد بالمعركة في منبج. يمكن لتصعيد في الشمال الشرقي أن يُحدث كابوساً أمنياً إذا هرب هؤلاء المحتجزون وأعادوا الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. يبدو أن تنظيم الدولة، الذي بات نشاطه محصوراً إلى حد كبير بغارات يشنها بين الحين والآخر من مخابئه في الصحراء السورية. سيطر على مناطق إضافية مع تبدد قوات النظام.
الخطوات التالية
ينبغي أن تُمنَح الأولوية القصوى لمنع الفوضى، والنهب والاقتتال الفصائلي. يبدو إجمالاً أن النظام العام قد صمد، رغم ظهور تقارير عن نهب ممتلكات. لقد فرضت هيئة تحرير الشام حظراً للتجول في المدن التي كانت فيها الاضطرابات على أشدها، وأقامت نقاط تفتيش، وأمرت الفصائل بالبقاء بعيدة عن الأبنية الحكومية وسحبت الأسلحة من المدنيين. كما يبدو أنها تسحب المقاتلين من بعض المناطق الحضرية، وهو أمر ينبغي أن تستمر هي والفصائل الأخرى بفعله، إلّا في مناطق منقسمة بعينها، مثل شمال حماة، حيث توجد فيها مناطق تتطغى فيها أقليات بجوار مناطق ذات أغلبية سنية. لأولئك المقاتلين دور أولي يقومون به، لكن إذا سمحت الحالة الأمنية، ينبغي نقل مسؤولية العمل اليومي إلى قوة شرطة محلية، إذا كان ذلك ممكناً، وإن لم يكن ممكناً، نقلها للشرطة التابعة لهيئة تحرير الشام. وثمة أمر جوهري أيضاً يتمثل في حماية كبار المسؤولين الحكوميين وضباط الجيش من الانتقام، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق، الذي احتجزه المتمردون الجنوبيون.
ويشكل تأسيس سلطة مدنية مؤقتة والمحافظة على مؤسسات الدولة المدنية أولويات أخرى. في 9 كانون الأول/ديسمبر، عيَّنت هيئة تحرير الشام محمد البشير، رئيس حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام في إدلب، رئيس وزراء مؤقت. كخطوة أولية، بالنظر إلى ضرورة المحافظة على النظام واستمرار عمل الخدمات، قد يكون تعيينه مبرراً. لكن كثيرين يرون في هذا التعيين محاولة للهيمنة. أوضحت هيئة تحرير الشام لاحقاً الطبيعة المؤقتة لتفويض البشير. كما ينبغي أن تضع إطاراً زمنياً محدداً للتعيينات الأخرى. وينبغي أن تعلن التزامها بتشكيل سلطة مؤقتة أكثر شمولاً، ربما بتيسير أو دعم من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون. سيسمح ذلك للسوريين من جميع أجزاء الطيف السياسي في البلاد الانضمام إلى قادة المتمردين السابقين في تحديد الإصلاحات الضرورية من أجل حكم فعال، وتشاركي ومدعوم دولياً. إلى أن يتم رفع التصنيف الإرهابي من قبل الأمم المتحدة وكثير من العواصم، ينبغي أن يبتعد الجولاني عن أي دور رسمي في السلطة المؤقتة (في إدلب، لم يكن يشغل أي منصب في الحكومة المحلية، رغم ظهوره في كثير من الأحيان إلى جانب المسؤولين)، بحيث لا يزيد من تعقيد ما يبدو أنه سيكون صراعاً قاسياً للحصول على المساعدات والاستثمار في سورية.
بالنسبة لمؤسسات الدولة، رغم أنها مفرغة بسبب الفساد، والعقوبات والطبيعة الافتراسية للنظام، فإنها تبقى ضرورية لضمان انتقال سلس قدر الإمكان. ينبغي أن تركز الجهود الفورية على الحفاظ على الموظفين الحاليين. يمكن للحكومة المؤقتة أن تدعو جميع الموظفين الإداريين إلى الاستمرار في وظائفهم تحت مظلتها.
لقد اختفى جزء كبير من الجيش والأجهزة الأمنية السورية، في الوقت الحالي على الأقل، ويستحسن أن يقرَّر مستقبل هؤلاء على المدى البعيد من قبل حكومة انتقالية أكثر شمولاً. لقد أصدرت هيئة تحرير الشام بالفعل عفواً عن المجندين، وهذا أمر منطقي. ينبغي على هيئة تحرير الشام نفسها النظر في حل نفسها كمجموعة متمردة وأن توجد بدلاً من ذلك بنية عسكرية، ربما داخل وزارة دفاع جديدة، يمكن أن تكون نواة جيش وطني جديد. يمكنها حينها امتصاص المتمردين السابقين، على أساس طوعي، وكذلك قوى أخرى بما في ذلك جنود وضباط من جيش حقبة الأسد بعد دراسة خلفياتهم على نحو جيد. يمكن لمسار العمل هذا أن يساعدها في الخروج من التصنيف الإرهابي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا وبلدان أخرى، الأمر الذي سييسر وصول الدعم الخارجي وأيضاً الاستثمار لإعادة بناء البلد، وهو ما تحتاجه سورية.
سيشكل بناء الثقة بين الشرائح المتنوعة في سورية أمراً جوهرياً لوضع البلاد على أساس أقوى. حتى الآن، سعت هيئة تحرير الشام إلى طمأنة الأقليات، بما في ذلك العلويين – قاعدة الدعم الرئيسية للأسد – من خلال بيانات تعد بضمان حقوقهم، وتجنب التحرش والامتناع عن فرض قواعد لباس دينية. في المناطق التي تشكل فيها الأقليات غالبية سكانية، تصرفت هيئة تحرير الشام بتقدير، وأظهرت وعياً بالحساسية التي تحيط بانتشارها. ينبغي أن تفي بتعهداتها باحترام الأعراف الاجتماعية والثقافية المميزة لكل البلاد. ينبغي لأي سلطة جديدة أن تطمئن جميع السوريين، بمن فيهم الأقليات وأولئك الذين تحالفوا مع الحكومة السابقة. ينبغي أن يعززوا الأمن وأن يقدموا الخدمات في جميع المناطق، بما في ذلك المناطق التي تهيمن فيها أقليات، من أجل تهدئة المخاوف. من المؤكد أن يكون للأقليات دوراً تلعبه في القيام بأعمال الشرطة في المناطق التي تعيش فيها، ولا سيما في الساحل.
تعد معالجة الصراع بين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وقسد في الشمال الشرقي تحدياً عاجلاً على نحو خاص. ينبغي أن تشرع هيئة تحرير الشام في محادثات مع قسد لوقف القتال، وربما إيجاد دور للإدارة التي يقودها الأكراد في الحكومة المركزية يمكن أن يكون مقبولاً لأنقرة. في النهاية، فإن أي عملية تُطلَق لوضع دستور جديد أو إطار حاكم لسورية سيكون بحاجة إلى تحديد وضع الشمال الشرقي في الدولة. بموازاة ذلك، يتعين على الولايات المتحدة تشجيع المحادثات بين أنقرة وقسد عن أمن الحدود والمسائل المتعلقة بذلك، والتي كان العديد منها موضوعاً للنقاش على مدى سنوات. وينبغي أن تقيد تركيا الجيش الوطني السوري إلى أن يبدأ تنظيم جديد باتخاذ شكله النهائي. في الوقت الراهن، ينبغي على واشنطن ألّا تتخذ خطوات لسحب القوات الأميركية من سورية. فرغم أعدادها الصغيرة، لا تزال القوات الأميركية تواجه تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتالي يمكن أن تقدم بعض الردع ضد صراع شامل على الشمال الشرقي.
من غير المرجح أن تسعى إسرائيل ولا هيئة تحرير الشام إلى مصالحة إحداهما للأخرى. لكن كلاً منهما ينبغي أن تتخذ خطوات من شأنها أن تخفف حدة التوترات وتحقق المصالح الأمنية للطرف الآخر. لقد اختار الجولاني حتى الآن، ويمكن الافتراض أنه يأخذ الجمهور الغربي في الحسبان، ألّا ينتقد علناً القصف العنيف الذي قامت به إسرائيل، رغم أنه يواجه ضغوطاً متزايدة من السوريين الغاضبين من الضربات لكي يفعل ذلك. لقد قال فعلياً إنه لا يريد المزيد من الحروب، لكن يمكن أن يوضح مرة أخرى أن هيئة تحرير الشام لا تشكل تهديداً لأي من جيران سورية، الأمر الذي يمكن أن يساعد أيضاً في تمهيد الطريق لرفع العقوبات. تدّعي هيئة تحرير الشام بأنها أمنت جميع مستودعات أسلحة النظام المخلوع ومنشآت الإنتاج، بما في ذلك، ولا سيما، تلك التي لها علاقة بالأسلحة الكيميائية. ينبغي أن تسمح فوراً لفريق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك طواقم من الدول الغربية، بتفتيش تلك المنشآت وتفكيكها.
وينبغي على إسرائيل من جهتها أن تنسحب إلى المواقع المتفق عليها في اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974. من منظور إسرائيل، فإن الرغبة بتدمير الأسلحة الثقيلة في سورية أمر مفهوم، بالنظر إلى عدم اليقين السائد في سورية، لكن استمرار الضربات الجوية يهدد بتحويل عملية الانتقال الحساسة إلى فوضى عارمة. كما ينبغي أيضاً توقف إسرائيل عن قصف المعابر الحدودية بين سورية ولبنان، إذ يبدو أن حزب الله قد انسحب نهائياً من سورية، وتزدحم هذه المعابر باللاجئين السوريين الذين يأملون العودة إلى وطنهم.
في الوقت الذي تتوسط فيه الولايات المتحدة بين أنقرة وقسد، ينبغي أن تبقي بغداد على علم بالتغييرات المحتملة في السيطرة على المناطق الواقعة على طول الحدود العراقية. كما ينبغي أن تطمئن هيئة تحرير الشام عمان بأن مجموعات محلية غير هيئة تحرير الشام ستحرس الحدود السورية–الأردنية. وحالما تتشكل حكومة تصريف أعمال في دمشق، ينبغي أن تشرع في محادثات مع بغداد وعمان على حد سواء حول أمن الحدود، ولا سيما فيما يتعلق بالتجارة غير المشروعة.
العقوبات
بالنسبة للحكومات الغربية، ينبغي أن تمنح الأولوية لضمان ألّا تخنق العقوبات التعافي الاقتصادي الضروري لنجاح المرحلة الانتقالية. لقد كانت الولايات المتحدة القوة الدافعة وراء الكثير من العقوبات الثنائية ومتعددة الأطراف على سورية، وهي بعض أكثر عقوبات العالم إرهاقاً. صنفت واشنطن سورية دولة راعية للإرهاب في عام 1979، وشددت عليها القيود في مطلع الألفية وضاعفتها أكثر وسط فظاعات الحرب الأهلية التي ارتكبها نظام الأسد. كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً عقوبات على قطاعات كاملة من الاقتصاد السوري، بما في ذلك قطاع الطاقة، إضافة إلى عقوبات محددة على شخصيات من حقبة الأسد، بما في ذلك من خلال قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية. لقد كان لتصنيف الولايات المتحدة لهيئة تحرير الشام تنظيماً أجنبياً إرهابياً أثر شديد على المساعدات والتدفقات المالية إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، بسبب العقوبات العميقة على عدم الالتزام وغياب آلية للترخيص. كما أن هيئة تحرير الشام مصنفة إرهابياً من قبل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا، وتركيا ودول أخرى.
قد تستغرق الحكومات التي فرضت العقوبات وقتاً لتفكيك هذه الأنظمة، وسيكون مفهوماً أن تحجم عن التحرك بسرعة. لكن يمكن للحكومات أن تتخذ ثلاث خطوات فورية من شأنها أن توفر دعماً لسورية في هذه اللحظة الانتقالية – بداية بإصدار تراخيص واسعة لتيسير النشاط الاقتصادي. لدى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة ودول أخرى تراخيص موجودة تسمح بالدعم الإنساني، لكن هذه لا تنطبق على النشاط التجاري اللازم لإنقاذ الاقتصاد السوري من التراجع أكثر فأكثر. ويعد الترخيص العام رقم 20 الذي أصدرته الحكومة الأميركية لأفغانستان، والذي صدر بعد استيلاء طالبان المعاقَبة على الحكم، نموذجاً.
ثانياً، ينبغي على الدول التي تصنف هيئة تحرير الشام تنظيماً إرهابياً أن تعيد تقييم هذا التصنيف، في ضوء الحقائق الراهنة، وأن تنظر بسرعة في اتخاذ خطوات ستحتاجها ليتحقق رفعها عن القائمة. يمكن لانفصال الجماعة الرسمي عن القاعدة في عام 2016 أن يساعد، لكن عدداً من المقاتلين الأجانب ما يزال موجوداً في صفوف هيئة تحرير الشام، الأمر الذي قد يجعل الحكومات التي فرضت العقوبات تتوقف وتتردد. ينبغي لهذه الحكومات أن تعبر عن مخاوفها لهيئة تحرير الشام وأن تختبر الضمانات التي يمكن أن تعطيها لتهدئتها على نحو موثوق. ومن المرجح أن تراقب واشنطن وعواصم غربية أخرى التزام تنظيم الدولة الإسلامية بالحكم التشاركي، والسيطرة على الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وحماية حقوق الأقليات، ومنع سورية من أن تُستعمل منصة للهجمات الإرهابية أو أن تهدد جيرانها. رغم أن هذه المسائل لا ترتبط تقنياً بإلغاء العقوبات، فإنها تشكل المعايير التي أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلنكن بأنها ستحدد ما إذا كانت واشنطن ستعترف بحكومة سورية مستقبلية. يمكن أن تبعث الإدارة الحالية بإشارة إلى أنها تميل نحو رفع التصنيف، والتنسيق مثالياً مع فريق الرئيس المنتخب الجديد دونالد ترامب، لتخفيف حدة أثر الإجراء على المساعدات والاستثمار. ويمكن للمسؤولين إعادة فرض التصنيف بسرعة إذا عدّوا ذلك ضرورياً. ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تلغي المكافأة بمقدار 10 ملايين دولار التي عرضتها لإلقاء القبض على الجولاني.
ثالثاً، ينبغي على الحكومات الغربية أن تضع خارطة طريق لتفكيك شبكة العقوبات التي إما سيكون من السابق لأوانه رفعها مباشرة أو إنها ستتطلب إجراءات أخرى (تشريعية في بعض الحالات). سيكون وضع معايير واضحة وواقعية أمراً محورياً لنجاح أي خطة من هذا النوع.
إعادة صنع سورية
ستعيد الأحداث الدراماتيكية في سورية صنع البلاد، بطريقة أو بأخرى، مع تداعيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. يستحق الشعب السوري الذي عانى طويلاً استراحة تسمح له بالاحتفال بالإطاحة بنظام الأسد البغيض، والشروع بالتعافي من صدمة الحرب والقمع، والترحيب بالسجناء الذين جرى إنقاذهم من زنازين النظام ورعايتهم والحزن على جميع أولئك الذين فقدوهم. ويستحق اللاجئون السوريون أماناً يعودون إليه. ويستحق المواطنون السوريون المتخوفون مما يمكن أن يجلبه المستقبل في ظل حكم هيئة تحرير الشام، التي لا يبدو أن ثمة بديلاً لحكمها حالياً، الطمأنة بأن انتصار المتمردين لن يُحلَّ ببساطة عصبة من الحكام الفرديين محل أخرى. ويستحق السوريون، أكثر من أي شيء آخر، أن يمنحوا فرصة لإعادة بناء كيانهم السياسي ومجتمعهم بشروطهم. ويتعين على القوى الخارجية، التي ساعدت في تغذية الحرب المدمرة بشكل هائل في سورية، تجنب التدخل المزعزع للاستقرار ومساعدة السوريين على إعادة صنع بلدهم باتجاه الأفضل.
اضف تعليق