ولعل بعد وقت قصير يدرك الناس ان الوقت الذي أهدر على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هو الا خسارة تصطف بجانب الخسارات الأخرى، وان معظم الاخبار التي تلقوها على تلك المواقع خالية من المصداقية، وان حصل هذا فهو دليل على حالة الوعي التي وصل اليها المستخدمين...
انا كمستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من عقد لم أتوقع ان تصل بيوم ما الى هذه الدرجة من التأثير والتدخل بحياتنا، فلم تعد مجرد مواقع تستخدم للترفيه والاخبار وغيرها من الأغراض، ولم يكن أحد يتخيل انتشارها بهذه السرعة العالية جدا، لدرجة أربكت مجتمعاتنا الي توصف بالمحافظة ولم تخرج عن دائرة القيم والثوابت.
في يديك جاهز صغير يمكنك من اجراء محادثات في الصوت والصورة دون التقييد بالمسافة او الوقت، ويمكن لهذه المواقع ان تضعك في الحدث وانت في ابعد نقطة بالعالم، ولهذه المميزات وغيرها تحولت مواقع التواصل الاجتماعي الى شريك حياة لجميع الافراد، الجميع يتصفحون ويعلقون ويحضرون نشاطات وفعاليات الكترونية.
فهل تنحسر أهمية هذه المواقع في الأيام المقبلة ام تزداد توغلا في حياتنا اليومية؟
توقع الانحسار ربما يكون مبكرا في ظل تعاظم دور هذه المواقع في السنوات الأخيرة، وبناء على ذلك تطورت هذه الوسائل بشكل متسارع حتى أصبح هناك عالم موازي بدأ افتراضيًا، وتحول إلى واقع مؤثر في حياة الناس، ولم ينظر اليه على انه واقع افتراضي نهائيا.
التبليغ في المناسبات الاجتماعية انتقل من مرحلة الاتصال المباشر الى غير المباشر عبر مواقع الشبكات الاجتماعية، التبليغات الرسمية شقت طريقها في عالم السوشيال ميديا، الموظف يعرف ان وزارته أصدرت عليمات عن قضية بواسطة صفحة هذه الوزارة، فلم يعد ينتظر المخاطبات الرسمية ووصول البريد التقليدي لقسم الشؤون الإدارية ومن ثم الإعمام.
كل هذه المميزات ولا يزال يطلق على مواقع التواصل بالمواقع الافتراضية!
المساهمات الحية لمواقع التواصل الاجتماعي تسهم في تغيير تسمية هذه المواقع، لكن لا يعني ان بريقها سيستمر، وإنها ستواصل دورها التأثيري في حياة الناس، فالمؤشرات الأخيرة تقول ان كمية السلبيات والاخطاء التي ترتكب على مواقع التواصل الاجتماعي ستقلل من تأثيرها واهميتها كمصدر من مصادر الاخبار الموثوقة.
لقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي الباب لكل من يرغب بالحديث عن شيء يجول بخاطره، سواء بعلم أو بجهل، وفي أغلب الأحيان تروج شائعات لا أساس لها من الصحة لكنها تنتشر كالنار في الهشيم، ويصدقها الكثير جدًا من الناس رغم أن بعضها يكون لا يتماشى مع المنطق، ولكنها قد تتوافق مع رغبة هؤلاء الذين يتعاملون معها على أنها حقيقة دامغة.
وما زاد من تلك المشكلة ظهور آلاف من رواد التواصل الاجتماعي يعيشون في ثوب الصحفيين ويتعاملون مع صفحاتهم كأنها منصات إخبارية، وعليهم التقاط أي خبر ونشره بسرعة، كأنهم يسعون إلى السبق دون التحقق من صحة المعلومة التي في أغلب الأحيان تكون خاطئة.
فهل يمكن أن يظل هذا التأثير الطاغي للسوشيال ميديا على حياتنا أم أنه سوف يقل مع الوقت بعدما تفيق الناس من غيبوبتها؟
الحقيقية هنالك الكثير من يناصر مبدأ تفاءلوا بالخير تجدوه وبناء على هذا، ربما بعد سنوات قليلة ينتهي هوس الناس بموضوع "الترند والطشة" وقد يقل الشغف بالأنترنت وكل ما يتعلق به، بعد يصل المستخدمين الى حالة من الملل والروتين اليومي الذي حول حياتهم الى أيام متكررة، وقد يقتصر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على متابعة الاخبار ذات المصادر الموثوقة فضلا عن متابعة المحتوى الهادف لا غير.
ولعل بعد وقت قصير يدرك الناس ان الوقت الذي أهدر على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هو الا خسارة تصطف بجانب الخسارات الأخرى، وان معظم الاخبار التي تلقوها على تلك المواقع خالية من المصداقية، وان حصل هذا فهو دليل على حالة الوعي التي وصل اليها المستخدمين، وربما تكون نقطة البداية الأولى للشروع بعملية العزوف المتصاعد.
وفقا للتجارب السابقة وتماشيا مع ما يفرضه العقل والمنطق ان الجميع ومع الوقت سيحسن التصرف مع مواقع التواصل الاجتماعي ويقلل من تغلغلها في الشؤون الحياتية، مع الحرص على تعظيم الاستفادة من المزايا الجديدة وتجاوز السلبيات التي اخذت مأخذها، ولكن ربما يكون هذا بعد خسائر أتمنى ألا تكون كبيرة وقد تحتاج لسنوات حتى تعوض أو يتم تجاوزها.
اضف تعليق