q

جون هاناه/ترجمة حيدر المنكوشي

 

هنالك الكثير من المشاكل ما يدعو للقلق في الشرق الأوسط، ولكن المملكة العربية السعودية قد تتجه لمشكلة كبيرة بدأت من تراجع أسعار النفط الى اتخاذها خطوات خاطئة من خلال سياستها الخارجية وتصاعد التوتر مع إيران، والأحداث الأخيرة التي تؤدي الى تصاعد بعض التحديات الخطيرة للنظام السعودي، إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح، يمكن لهذه الأحداث ان تتجمع في نهاية المطاف إلى عاصفة كاملة وكبيرة قد تؤدي الى عدم الاستقرار داخل المملكة وانهيارها مع عواقب لا حصر لها لأسواق النفط العالمية والأمن في منطقة الشرق الأوسط.

وهنا بعض المشاكل التي تمر بها البلاد:

تصدعات داخل العائلة المالكة

في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة الغارديان رسالتين توضح أن الأمير السعودي المجهول عمم مؤخرا بين كبار أعضاء العائلة المالكة دعوة للقيام بانقلاب ضد الملك سلمان. وتزعم الرسائل بان سلمان الذي اعتلى العرش في يناير، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد اتبعوا سياسات خطيرة ربما تقود البلاد إلى الخراب السياسي والاقتصادي والعسكري.

وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان، أصر الأمير على مطلبه وهو تغيير القيادة ليس فقط داخل العائلة المالكة بل في جميع المجتمع السعودي. قائلا "الجمهور يدفع أيضا لهذا الامر الصعب للغاية"، مدعيا "لدينا النية للقيام بذلك والا فأن البلاد ستذهب إلى كارثة." يذكر ان المقال والذي تضمن رسائل مكتوبة باللغة العربية، تمت مشاركته أكثر من 15000 مرة.

حرب اليمن

زيادة خطر التدخل السعودي ضد الحوثيين والذي يمكن أن يصبح مصدرا خطيرا لفتنة داخلية. حيث ذكرت صحيفة الغارديان في مقالها على خطابات الأمير موضحة الى "ان الكثير من السعوديين مرضى في أغنى دولة في العالم العربي وارتفاع نسبة الفقر فيها". ويعود اللوم خاصة على الأمير محمد بن سلمان، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع في المملكة، حيث كان بكل المقاييس القوة الدافعة وراء المجهود الحربي وقد لقبت الحملة بـ"المتهورة"، وقد اتهم الأمير محمد بن سلمان من التسرع في اليمن من دون استراتيجية أو خطة واضحة للخروج، مما أدى إلى تصاعد التكاليف في الدماء والأموال، واتساع الأزمة الإنسانية، وتزايد الانتقادات الدولية.

المشاكل الاقتصادية

إلى حد كبير بفضل السياسة السعودية، انخفضت أسعار النفط بأكثر من 50 في المئة في العام الماضي ويواجه السوق تخمة كبيرة بسبب الطفرة النفطية الأمريكية. فكانت الاستراتيجية السعودية للحفاظ على الإنتاج عالية، والكفاح من أجل حصة في السوق، والسماح للأسعار بالانهيار، والانتظار بتكاليف اعلى للمنتجين وخاصة في أمريكا. مع انخفاض اسعار النفط حفز الطلب المتزايد الى ابعاد فائض العرض، وكانت النظرية القائلة بأن ارتفاع أسعار سيعود بالمملكة ولكنها شعرت بضربة اقتصادية حقيقية.

ولم ينجح عمل المملكة تماما بهذه الطريقة - على الأقل ليس بالسرعة التي كان يتوقعها السعوديين. في الواقع استندت ميزانية السعودية لعام 2015 بشأن النفط على التخمين على انه سيتم بيع البرميل بحوالي 90 $. اليوم، كما أنها في الوقت الحالي أقرب إلى نصف هذا الرقم. وفي الوقت نفسه، فإن السعودية قد تكبدت سلسلة من النفقات التي لم تخطط لاستيعابها، بما في ذلك تلك التي ترتبط مع صعود الملك سلمان على العرش (تأمين الولاء للملك الجديد يمكن أن تكون الأعمال مكلفة) والحرب في اليمن.

والنتيجة هي عجز في الميزانية يقترب من 20 في المئة، ما يزيد على 100 مليار$، مما يتطلب من السعوديين في استنزاف ضخم لاحتياطاتها من النقد الأجنبي بمعدل قياسي (حوالي 12 مليار$ في الشهر)، بينما تسارع أيضا مبيعات السندات. وبحسب ما ورد السعوديين تصفية أكثر من 70 مليار$ من مقتنياتها مع مديري الأصول العالمية في غضون ال 6 أشهر الماضية.

في حين ليس هناك خطر من شأنها أن تدار به المملكة من المال في أي وقت قريب، ويعد هذا الاتجاه من عجز كبير في الميزانية، وانخفاض أسعار النفط، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي المتواصل، ان صادرات النفط الصافية السعودية كانت في انحدار بطيء لسنوات مع ارتفاع استهلاك الطاقة الداخلية بشكل كبير. ويشير محللين الى ان التوسع السريع في الطلب المحلي يجعل المملكة مستوردا صافيا للنفط قبل 2030. ويعني أن مثل هذا التطور يشكل تهديدا قاتلا للمملكة، حيث مبيعات النفط ما زالت تشكل 80-90 في المئة من ايرادات الدولة.

كما لمحاربة العجز عن طريق خفض النفقات وفرض التقشف، فإنه لا يكاد خيارا جذابا للحكومة لدرء السخط المحلي منذ بداية الثورات العربية عام 2011.

ان الامراء السعوديين يدركون تماما الدور الذي يؤدي الى زيادات في تكاليف المعيشة والتي لعبت في إشعال الثورات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك في تونس ومصر واليمن.

وعلى رأس المشاكل المالية المتنامية في الاقتصاد السعودي هي ان السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 30 يشكلون ثلثي السكان ونحو 30 في المئة منهم ليس لديهم وظائف. وعلى الرغم من الأرقام الصعبة يصعب الحصول عليها، لا تزال هناك تقارير عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل مدهش بين السعوديين الأصليين، مما يشير إلى أنه مع بعض قد تصل إلى 25 في المئة.

مأساة الحج

برزت اثنين من الكوارث الكبرى في الحج هذا العام وهي انهيار الرافعة التي راح ضحيتها أكثر من 100 حاج، تليها التدافع التي خلفت 769 قتيلا على الأقل - مع العديد من التهم غير الرسمية تشير الى أن العدد الحقيقي يصل في نهاية المطاف إلى الآلاف. وفي أعقاب ذلك، تم ضرب المملكة بموجة من الانتقادات غير المسبوقة خلال إدارتها لموسم الحج. هذا أمر خطير، في الواقع لان ال سعود يشرفون على أقدس المواقع الاسلامية وبوصفها راعية لمكة المكرمة والمدينة المنورة وهنالك شكوك في الشرعية السياسية والدينية من النظام الملكي.

تصاعد الصراع مع إيران

ان ارتفاع حدة التوتر بين ايران والمملكة والتي يعود سببه مأساة الحج التي تأتي مع "القضية النووية والانشطة الايرانية التي تتهما المملكة بانها تروم زعزعة الاستقرار في المنطقة" حيث راح ضحيتها اكثر من 464 حاج ايراني وربما اكثر من هذا الرقم وهو اعلى عدد من بين مختلف الجنسيات فيما حذر الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، السعوديون أنهم قد يواجهون "رد فعل وحشي وعنيف" اذا " لم تظهر أدنى احترام للحجاج الإيرانيين." وقال خامنئي ان ايران قد أظهرت حتى الآن ضبط النفس في مواجهة الجرائم السعودية "، ولكن عليهم أن يعرفوا أن يد إيران متفوقة على غيرها ولها المزيد من القدرات".

وان وزير الدفاع الحرس الثوري الجنرال مصطفى محمد نجار قد ابلغ السعوديين على اخذ التحذير على محمل الجد وان ايران مستعدة لسحق التطاول السعودي.

حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، دعا المملكة العربية السعودية للتنازل عن إدارة الحج إلى لجنة من المسلمين، فيما اتهم رئيس المجلس الاعلى الايراني للأمن القومي علي شمخاني، أن "بعد داعش هي المملكة العربية السعودية قد لحقت أكبر ضرر بالإسلام." من جانب اخر اعلن الجنرال علي فضلي نائب قائد قوة الأمن الداخلي الإيراني، ادعى أن دعم المملكة للدولة الإسلامية" داعش" والمنظمات المتطرفة السنية الأخرى قد ساهمت إلى حد كبير في كارثة مكة المكرمة. وفي معرض حديثه عن الاحتفال الديني الشيعي المقبل، معربا عن أمله في أن يكون يوم واحد، مع سقوط بيت آل سعود، ونحن سوف نكون قد احتفلنا بعيد الغدير في الموقع الحقيقي" - معنى، بطبيعة الحال، مكة المكرمة.

ما وراء مأساة الحج

يبدو ان ايران ترغب بتصعيد تحديها للمصالح السعودية في المسارح الأخرى، في 30 سبتمبر، أعلنت المملكة أنها قد استولت على قارب صيد إيرانية محملة بالأسلحة في طريقها لإعادة إمداد الحوثيين الذين يقاتلون قوات التحالف السعودي في اليمن. في اليوم التالي، قال جار وحليف المملكة، البحرين انه اكتشف مصنعا لتصنيع القنابل على صلة وثيقة فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. تلاها سحب البحرين فورا سفيرها من طهران وأعلن مبعوث الايراني شخصا غير مرغوب فيه "في ضوء استمرار التدخل الإيراني في شؤون مملكة البحرين... من أجل خلق الفتنة الطائفية وفرض الهيمنة والسيطرة". وفي اليوم التالي، طرد القائم بالاعمال الايرانية البحرينية.

وفي سوريا وبطبيعة الحال، فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية، وظهور كاملة من تحالف عسكري ايراني روسي للحفاظ على نظام الأسد في السلطة. بالتزامن مع بدء حملة قصف كبرى من قبل الطائرات المقاتلة الروسية، أرسلت إيران مزيد من القوات إلى سوريا للمساعدة في قيادة هجوم بري جديد.

لقد أكد تدخل روسيا الدراماتيكي في سوريا تهديدا أوسع وتزايد من احتمال ان تتخلى أمريكا عن دورها التقليدي كضامن للاستقرار في الشرق الأوسط. وهي أنباء سيئة جدا بالنسبة للسعوديين وبقائهم على قيد الحياة لمدة 70 عاما. الآن، يبدو ان النظام الذي دافعت الولايات المتحدة عنه تتخلى الان عنه لتعقد الصفقات الدبلوماسية مع أسوأ عدو للمملكة في إيران. ان الانخفاض السريع للقوة والموثوقية الأميركية يترك المملكة العربية السعودية معرضة للهجمات بشكل متزايد، ولا أحد يمكن ان يراهن على بيت آل سعود وان زواله بات مسالة وقت.

قال الامير، ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد أخطار البيئة الإقليمية التي تواجه المملكة وربما لم يسبق لها مثيل والشرق الأوسط ينهار، ونظام الدولة في الطريق الى السقوط وان الربيع العربي منذ فترة طويلة تحول إلى شتاء إسلامي يواجهه محور عسكري ايراني روسي متعطش للهيمنة وارتفاع أسعار النفط يجمع قوة على حدود الجزيرة العربية. وأمريكا في طريقها الى الخروج.

بطبيعة الحال، فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، لقياس ما إذا كان أي من هذه العوامل هي قاب قوسين أو أدنى شيء من هذا القبيل نقطة تحول بالنسبة للسعوديين.

ما يبدو هو أن معظم المؤشرات الرئيسية تظهر الآن أن المملكة تسير في الاتجاه الخاطئ في وقت واحد - ربما للمرة الاولى في تاريخها. وبهذا المعنى، يمكن أن يكون هناك خطر أكبر مما كانت عليه في الماضي، تركت دون معالجة هذه الاتجاهات السلبية قد تلتقي في نهاية المطاف والتي يمكن أن تطغى على النظام.

ان عواقب عدم الاستقرار على نطاق واسع في المملكة سينعكس سلبا على مصالح الولايات المتحدة.

والسؤال الآن هو هل إدارة أوباما قادرة على التعافي من الفوضى الجيوسياسية؟ هل حتى لديه أدنى فكرة عن سلسلة زعزعة استقرار كارثي للأحداث التي تم إطلاق لها العنان في الشرق الأوسط؟ هل أخيرا نفهم أن ما يحل محل التخلي عن القيادة الأمريكية في المنطقة وتوازن القوى بين المنافسين المحليين، ولكن تسارع مستويات العنف والتطرف والفوضى؟ هل لديك أي فكرة كيف يمكن إعادة بناء الشراكات الاستراتيجية التي قوضتها السياسات، ووقف تسونامي ارتفاع الفوضى التي تهدد الآن إلى إغراق المنطقة ومصالح الولايات المتحدة؟

للأسف، أن الإجابة على أي من هذه الأسئلة هو نعم. وفي هذه الحالة، سوف تستمر المخاطر بالنمو وعلى رأس كل الكوارث الأخرى هي أن الرئيس أوباما سوف يترك منصبه مخلفا وضع غير مستقر ومحفوف بالمخاطر في المملكة العربية السعودية - أكبر مصدر للنفط في العالم، وموقع من أقدس المواقع الاسلامية، وبلد مغمور، على قدم المساواة بين الأسلحة الأمريكية المتطورة والغضب الوهابي.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق