ما تزال الأطراف الفاعلة المحلية والدولية مختلفة بشأن أفضل السبل لإعادة البلاد تحت مظلة حكومة واحدة سواء من خلال انتخابات جديدة، أو اتفاق تقاسم للسلطة أو وضع دستور جديد. مقاربة إجراء الانتخابات أولاً ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي الذي يعترف برغبة الشعب الليبي بأن يعبِّر عن رأيه...
بقلم: كلوديا جازيني
لقد طرح السياسيون الليبيون خطة لتشكيل حكومة مؤقتة. ينبغي على الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الخارجية الأخرى أن تدعم هذه الخطوة نحو الخروج من المأزق السياسي في البلاد.
شهدت الأزمة السياسية الليبية انعطافة جديدة بعد موافقة مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق الشرقية مقراً له على خطة لتعيين حكومة مؤقتة يمكن أن تعيد توحيد السلطتين التنفيذيتين المتوازيتين كجزء من خريطة طريق نحو انتخابات عامة. اتخذ أعضاء المجلس هذا القرار بدعم من ممثلي المجلس الخصم الذي يتخذ من طرابلس مقراً له، وهو المجلس الأعلى للدولة، ومن الرجل العسكري القوي المشير خليفة حفتر، الذي يتخذ من المنطقة الشرقية مقراً له. إذا حصلت الخطة على ما يكفي من الدعم، فإنها يمكن أن تشكل خطوة مهمة نحو رأب الصدع الذي وضع ليبيا تحت إدارة منقسمة مكونة من سلطتين منفصلتين على مدى جزء كبير من العقد الماضي. لكنها ما تزال تواجه عقبات مهمة، ومنتقدين نافذين داخل وخارج ليبيا على حد سواء.
يقول معارضو الخطة إنها تقوض الجهود المترنحة أصلاً لإجراء انتخابات، وتخاطر بتحطيم سلام دام لمدة سنة رغم الانقسامات العميقة في البلاد. تريد الحكومات الغربية وبعض الليبيين أن تُجري ليبيا انتخابات عامة أولاً، قبل تشكيل حكومة. وهذه رغبة الأمم المتحدة أيضاً. لكن هذه الأطراف تجد نفسها في خلاف مع ما يسمى بلجنة 6+6، التي أسسها مجلسا النواب والرئاسة وتضم أعضاء فيهما، ومهمتها وضع خريطة طريق نحو انتخابات جديدة إضافة إلى مجموعة من القوانين لضبطها. لقد دعمت الأمم المتحدة اللجنة في المساعدة على التحضير لانتخابات جديدة. لكن رغم إصرار الأمم المتحدة على إجراء الانتخابات قبل تشكيل الحكومة – الأمر الذي سيترك الإدارتين المتوازيتين في مكانهما في الوقت الراهن – فإن لجنة 6+6 خلصت من مداولاتها إلى أن حكومة وحدة وطنية تشكل خطوة ضرورية أولى. ووضعت خطة لتحقيق ذلك الغرض تبناها، من ثم، مجلسا النواب والرئاسة.
أنصار الخطة يقدمون حجة قوية مفادها أن جهودهم تشكل أفضل وسيلة واعدة لإعادة توحيد البلاد، بالنظر إلى التحديات (التي يمكن للبعض أن يسميها مستحيلات) الكامنة في إجراء انتخابات بينما يبقى الحكم منقسماً بين كيانين متنافسين. لكن ما يزال لا بد من الانتظار لرؤية ما إذا كانت خطتهم قابلة للحياة – وهو أمر سيعتمد جزئياً على الدعم الخارجي. إذا كانت عملية اختيار رئيس وزراء لتشكيل الحكومة واضحة وشفافة، ينبغي على الجهات الفاعلة الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، أن تصادق على مسار العمل هذا، والذي يشكل مساراً ملموساً لمساعدة ليبيا على تجاوز المأزق السياسي الذي ابتليت به منذ وقت طويل.
نحو حكومة وحدة وطنية جديدة؟
يكمن في جوهر النقاشات الجارية بشأن الخطة الجديدة المسألة غير المحسومة المتعلقة بإعادة توحيد ليبيا. فمنذ أن أطاح تحالف دولي بنظام معمر القذافي في عام 2011، وليبيا تترنح من مأزق إلى آخر. في عام 2014، أدت انتخابات برلمانية طُعن بشرعيتها فعلياً إلى تقسيم البلاد إلى كيانين، حيث تشكَّل مركز قوى في العاصمة، طرابلس، ومركز آخر في طبرق. واندلع قتال متقطع بين المعسكرين، إذ حاصرت القوات التي يقودها حفتر طرابلس في نيسان/أبريل 2019. لكن وقفاً لإطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر الذي تلا أتاح المجال لتشكيل حكومة مؤقتة موحدة. إلا أن وحدتها لم تدم. ففي شباط/فبراير 2022، وبعد أن فشلت الانتخابات قبل ذلك بشهرين، انهار الاتفاق بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي لاستبدال حكومة طرابلس التي يرأسها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وطلب مجلس النواب من فتحي باشاغا تشكيل حكومة موازية. وما تزال البلاد منقسمة بين إدارتين متنافستين منذ ذلك الحين، دون اتفاق يذكر سواء داخل أو خارج البلاد بشأن كيفية إعادة توحيدها. ففي طرابلس تجلس حكومة الدبيبة، التي تتمتع بالاعتراف الدولي رغم فشلها في إجراء انتخابات كان من المقرر إجراؤها في كانون الأول/ديسمبر 2021، وتسيطر على معظم الغرب الليبي. وثمة سلطة موازية (رحبت بها روسيا لكن لم تعترف بها أي حكومة) تدير شرق ليبيا من سرت، بدعم من مجلس النواب في طبرق ومن حفتر أيضاً. في آذار/مارس، أقال مجلس النواب باشاغا واستبدله بوزير ماليته، أسامة حماد، بصفة مكلف بتسيير مهام رئاسة الحكومة.
،، ما تزال الأطراف الفاعلة المحلية والدولية مختلفة بشأن أفضل السبل لإعادة [ليبيا] تحت إدارة حكومة واحدة ،،
ما تزال الأطراف الفاعلة المحلية والدولية مختلفة بشأن أفضل السبل لإعادة البلاد تحت مظلة حكومة واحدة – سواء من خلال انتخابات جديدة، أو اتفاق تقاسم للسلطة أو وضع دستور جديد. مقاربة إجراء الانتخابات أولاً ينص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656 (2022)، الذي “يعترف برغبة الشعب الليبي بأن يعبِّر عن رأيه فيمن يحكمه من خلال الانتخابات” – وهي لغة تفسر جزئياً معارضة الأمم المتحدة حالياً لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وعلى نحو مماثل، ثمة تباينات مستمرة بشأن من ينبغي أن يقود جهود إعادة التوحيد: المجلسين المتنافسين، أم اللاعبين السياسيين الرئيسيين على الأرض أم منتدى جديد تقوده الأمم المتحدة. ينص الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 المدعوم من الأمم المتحدة على وجوب اتفاق المجلسين الخصمين على أي قرار رئيسي بشأن المستقبل السياسي للبلاد. لكن في عام 2021 كانت تلك هيئة قادتها الأمم المتحدة ضمت أعضاء في المجلسين وممثلين آخرين للفصائل الليبية، هي التي انتخبت الدبيبة كرئيس وزراء مؤقت.
بدأت التحركات نحو المنعطف الحالي في أواخر أيار/مايو، مدفوعة بمداولات لجنة الـ 6+6. شُكِّلت اللجنة في مطلع آذار/مارس، وتتكون من ستة أعضاء في مجلس النواب (البرلمان الليبي المنتخب في عام 2014) وستة من المجلس الأعلى للدولة الموجود في طرابلس (وهي هيئة استشارية شكَّلها في عام 2016 أعضاء أول مجلس انتُخب في حقبة ما بعد القذافي عام 2012). بعد شهرين، قالت إنها كانت قد توصلت إلى اتفاق على خريطة طريق انتخابية وعلى التشريعات الداعمة لها. لكن فوجئ أولئك الذين اعتقدوا أن مهمة لجنة الـ 6+6 هي تمهيد طريق مستقيم نحو الانتخابات، بأنها وضعت شرطاً لموافقة المجلسين على القوانين الانتخابية هو تعيين رئيس حكومة وحدة وطنية قبل ذلك.
لم تكن الدعوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة جديدة. فرئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري كانا قد وافقا علناً على الفكرة في الشهور السابقة. اتفق الرجلان، اللذان كانا خصمين في السابق، وحلفاؤهما في المجلسين المتنافسين على الحاجة إلى رئيس وزراء جديد يحل محل الدبيبة. لكن من غير الواضح ما إذا كان ما دفعهما إلى ذلك حماسة حقيقية لحكومة موحدة تنظِّم الانتخابات أو ببساطة عداؤهما للدبيبة، الذي كان في أواخر عام 2021 قد فقد دعم أعضاء مجلس النواب وبحلول عام 2023 فقد أيضاً دعم المجلس الأعلى للدولة. في 16 حزيران/يونيو، أضاف حفتر صوته إلى هذا المزيج، قائلاً إن البلاد بحاجة إلى حكومة مؤقتة مكوَّنة من تكنوقراط للإشراف على الانتخابات وتوحيد البلاد.
تقول لجنة الـ 6+6 إن الوقت مناسب لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة لأنها سوَّت نزاعات رئيسية مثل تلك المتعلقة بتتابع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومتطلبات الأهلية بالنسبة للمرشحين الرئاسيين. هذا الادعاء صحيح جزئياً فقط. فأعضاء اللجنة متفقون على هذه المسائل، لكن لا مجلس النواب ولا المجلس الرئاسي قبلا بقوانين الانتخابات المقترحة التي وضعت اللجنة مسودتها. وحددت اللجنة موعداً لإجراء مراسم توقيع القوانين الانتخابية في 6 حزيران/يونيو في المغرب، حيث كان أعضاؤها يتفاوضون خلف أبواب مغلقة؛ إذ سافر رئيسا المجلسين إلى المغرب لكنهما امتنعا عن حضور المراسم، التي ألغيت في اللحظة الأخيرة. شرح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح لمجوعة الأزمات أنه عارض البند الذي وضعته اللجنة لإجراء جولة ثانية إلزامية في الانتخابات الرئاسية حتى إذا فاز أحد المرشحين بأكثر من 50% من الأصوات في الجولة الأولى. وطبقاً لسياسيين آخرين، فإن نقطة خلاف أخرى تتمثل بما إذا كان يتعين على المرشح الرئاسي أن يتخلى عن جنسيته الثانية، ومتى ينبغي أن يفعل ذلك (وهي قضية إشكالية محتملة بالنظر إلى ما يذكر عن حيازة حفتر للجنسية الأميركية). مع بقاء هذه المسائل معلقة، فإن أياً من المجلسين لم يوافق رسمياً على القوانين الانتخابية التي قدمتها اللجنة، لكن يبدو أن اللجنة لم ترتدع. رغم ذلك، وبتجاوز لجنة الـ 6+6 لهذه العقبات، فإنها مضت قُدماً ووضعت وثيقة منفصلة تحدد الشروط المرجعية وعملية الاختيار لحكومة مؤقتة جديدة، كجزء من خريطة الطريق الانتخابية. هذا النص الجديد هو الذي منحه أعضاء مجلس النواب موافقتهم الأولية في 25 تموز/يوليو (كان المجلس الأعلى للدولة قد وافق عليه أصلاً في وقت سابق من الشهر).
،، يفترض مقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة الذي تمت الموافقة عليه قيام تعاون كامل بين المجلسين المتنافسين في اختيار رئيس وزراء مؤقت ،،
يفترض هذا المقترح الذي تمت الموافقة عليه لتشكيل حكومة وحدة وطنية قيام تعاون كامل بين المجلسين المتنافسين في اختيار رئيس وزراء مؤقت. وسيكون المرشحون بحاجة لتأمين موافقات رسمية (تزكيات) مما لا يقل عن خمسة عشر عضواً في مجلس النواب وعشرة أعضاء في المجلس الأعلى للدولة. ومن ثم يصوت أعضاء كل من المجلسين على مرشحين من القائمة. وسيحتاج الفائز إلى تأمين أعلى عدد من الأصوات مجتمعة.
لكن ما يزال من الممكن أن تتغير الخطة. فقد قال عدد من أعضاء مجلس النواب إن المجلس الأعلى للدولة لا ينبغي أن يكون جزءاً من هذا الترتيب، على أساس أنه هيئة استشارية وحسب. كما جادل البعض بأن اختيار حكومة ينبغي أن يحدث فقط بعد أن يوافق مجلس النواب رسمياً على قوانين الانتخابات، بدعم من المجلس الأعلى للدولة. وبالتالي فإنهم شككوا بالشرعية القانونية للخطة. رداً على ذلك، ومن أجل طمأنة أعضاء مجلس النواب، جادل رئيس المجلس بأنه في حين أن المجلس الأعلى للدولة سيتشاطر المسؤولية عن اختيار المرشح لمنصب رئيس الوزراء المؤقت، فإن مجلس النواب وحده سيتمتع بصلاحية المصادقة على المرشح المختار أو رفضه. وهو محق في ذلك، لأن القوانين الليبية تنص على أن البرلمان وحده يمكن أن يمنح الثقة للحكومة.
في هذا الوقت، وفي ضوء تعليقات مجلس النواب والتعديلات المحتملة على الخطة المتعلقة بإجراءات التصويت، من غير الواضح ما إذا كان يتعين الحصول على موافقة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على نسخة محدَّثة من الخطة في وقت آخر. وما يزال يتعين على المجلسين أن يوضحا إجراءات التصويت والأعداد اللازمة لاكتمال النصاب الذي ينبغي أن تحدث عملية الاختيار بموجبه؛ وأن يوضحا أن جزءاً من تفويض رئيس الوزراء الجديد سيكون التحضير لانتخابات جديدة.
وكمسألة عملية، ولكي تفضي خطة اللجنة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، ينبغي أن تتوفر ثلاث مجموعات من الشروط. أولاً، سيتعين على المجلسين الاستمرار في التعاون بنيّة طيبة حول عملية اختيار رئيس الوزراء، والتي تبقى تفاصيلها غير محددة. ثانياً، فإن التحرك بحاجة إلى دعم شعبي. ليبيون كُثُر يفضلون فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل الانتخابات – بما في ذلك شخصيات سياسية كانت مؤيدة قوية للانتخابات وكانت هي نفسها مرشحة للانتخابات الرئاسية. إلا أن مباركة هذه الشخصيات لهذه الخطة بالتحديد تعتمد على الشرعية المفترضة لإجراءات الاختيار ومصداقية رئيس الوزراء المؤقت. ثالثاً، الخطة بحاجة إلى اعتراف دولي ودعم من الأمم المتحدة، ودونهما تبقى آفاق مغادرة الدبيبة لمنصبه قاتمة.
العقبات المحتملة
مهما كانت مزايا الخطة، فإن المجلسين لديهما سجل في التوصل إلى اتفاقات ومن ثم التراجع عنها، وهناك عقبات أخرى محتملة.
أولى هذه العقبات أن الدبيبة وداعميه يمكن أن يرفضوا تنحيته كرئيس للوزراء دون انتخابات. ويمكن أن يحشدوا حلفاءهم المسلحين في طرابلس لإبقائه في السلطة. وإذا فعلوا ذلك، يمكن أن تندلع الاشتباكات بين داعمي الدبيبة وخصومه، أو اختطاف أشخاص مرتبطين بجهود استبدال الدبيبة، وهو تكتيك شائع الاستعمال في ليبيا لإسكات المعارضين السياسيين. ومن شأن أي من هذه الأحداث أن يوقف عملية الانتخابات وأن يحدث آثاراً مزعزعة للاستقرار.
العقبة الثانية المحتملة هي أنه حتى الآن، يبدو أن الأطراف الفاعلة الدولية في ليبيا لا تدعم تحركاً لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة نحو اختيار حكومة وحدة وطنية. كما لاحظنا أعلاه، فإن الأمم المتحدة عارضت الفكرة صراحة، قائلة إنها تخالف الجهود المدعومة منها لتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات. في بيان في 26 تموز/يوليو، وصفتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بأنها “مبادرة أحادية” تضرب عرض الحائط بالمطالب الشعبية بإجراء الانتخابات، وحذرت من أنه يمكن أن يكون لها “تبعات خطيرة على ليبيا وأن تُحدث مزيداً من عدم الاستقرار والعنف“. لكن في ردٍ شديد اللهجة، اتهمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمم المتحدة بتضليل الشعب الليبي بوصفها الخطة بأنها “أحادية“، زاعمة أن عملية الاختيار المقترحة تنسجم مع الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، الذي يتطلب موافقة المجلسين على القرارات السياسية الرئيسية. واللجنة محقة تقنياً، لكن يبدو أن الأمم المتحدة تعتقد أن موافقة المجلسين غير كافية، وأن الشرعية تتطلب درجة أكبر من المشاركة، بما في ذلك من قبل فصائل مؤيدة للانتخابات وربما فصائل مؤيدة للدبيبة – مهما كان ذلك بعيد المنال.
بالنسبة للجهات الفاعلة الخارجية الأخرى، فإن وجهات نظرها تشكل طيفاً كاملاً من التباينات. فكحال الأمم المتحدة، نأت العواصم الغربية بنفسها عن خطة الحكومة المؤقتة. وفي بيان مشترك صدر في 27 تموز/يوليو، أكدت فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على الحاجة إلى “معالجة جميع العناصر المختَلَف عليها في الإطار الانتخابي“، وجادلت بأن تركيز القادة الليبيين ينبغي أن ينصب على الاستجابة إلى “مطالب الشعب الليبي المستمرة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية في أقرب وقت ممكن“. وفي إغفاله لذكر فكرة حكومة وحدة وطنية، فإن البيان ألمح إلى أن هذه العواصم لن تدعم مثل تلك الحكومة. وهذا الموقف غير مفاجئ؛ فقد أصر مسؤولون من هذه البلدان على أن الخطوة التالية ينبغي أن تكون إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، يتبعها تشكيل حكومة من قبل الرئيس الجديد استناداً إلى الإطار القانوني القائم. وهم لا يرون فائدة في تعيين حكومة وحدة وطنية، ويجادلون (ولو بشكل يصعب تصديقه كلياً) بأن البلاد يمكن أن تُقدِم على إجراء الانتخابات بسهولة مع استمرار الحكومتين المتنافستين في مواقعهما. يفسر بعض الليبيين مثل هذه المواقف على أنها موافقة تكتيكية على حكومة الدبيبة، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع كثير من هذه البلدان.
ولدى الجهات الفاعلة الشرق أوسطية جملة من المناظير. فوزارة الخارجية المصرية دعت إلى “احترام دور المؤسسات الليبية” وتجنب “أي إملاءات أو تدخلات خارجية من أي طرف“. وبفعلها ذلك، يبدو أنها تلمح إلى أن القاهرة تقف خلف خطة تشكيل حكومة مؤقتة – انسجاماً مع دعواتها المتكررة لتعيين حكومة قبل الانتخابات العامة ودعمها المستمر منذ وقت طويل لإجراء مفاوضات بين المجلسين. على العكس من ذلك، فإن الإمارات العربية المتحدة لم تعبر عن رأي لكن من غير المرجح أن ترمي بثقلها خلف خطة لجنة الـ 6+6. وربما تميل إلى التوصل إلى اتفاق بين الدبيبة وحفتر على أنه أفضل سبيل إلى الأمام. لقد حاولت أبو ظبي التوصل إلى ترتيب بين مركزي القوى على مدى العام الماضي، وقد أشار مسؤولون إماراتيون لمجموعة الأزمات بأنهم يفضلون ذلك المسار. مسؤولون في قطر أقل حماسة لاتفاق بين الدبيبة وحفتر بحد ذاته، لكنهم يعدونه أكثر واقعية من أي خيار آخر من شأنه أن يتطلب تنحية الدبيبة. لكن كثيراً من الليبيين يعتقدون أنه رغم أن حفتر والدبيبة يبدوان متعاونين بشأن جملة من المسائل، ولا سيما فيما يتعلق بقطاع النفط، فإن الفرصة ضئيلة في أن يتوصلا إلى صفقة سياسية من شأنها أن تفضي إلى تعيين حكومة وحدة وطنية.
فرصة للخروج من المأزق؟
بالنظر إلى أن احتمال إجراء الانتخابات أبعد من أي وقت مضى، من الممكن أن تكون الأمم المتحدة والحكومات الغربية متشددة أكثر مما ينبغي في معارضة فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية بصفتها الخطوة الضرورية الأولى. بالطبع، إذا كان من الممكن أن تتفق الأطراف الليبية الرئيسية على الانتخابات، فإن صندوق الاقتراع سيكون أفضل طريق إلى الأمام. لكن هذه الأطراف ما تزال منقسمة بشأن القضايا نفسها التي قوَّضت انتخابات عام 2021، أي تحديد معايير الأهلية للمرشحين الرئاسيين وتتابع الانتخابات الرئاسية والتشريعية. إن فرصة التغلب على هذه النزاعات في الوقت الحاضر متدنية جداً، رغم أفكار لجنة الـ 6+6 بشأن كيفية فعل ذلك. ينزع السياسيون الليبيون إلى التعبير علناً عن دعمهم للانتخابات لكنهم يعدِّلون هذا الدعم أو يسحبونه عندما يشكون بأن الانتخابات ستهدد تطلعاتهم السياسية الخاصة.
في أواخر شباط/فبراير، اقترح عبد الله باثيلي، الممثل الخاص للأمم المتحدة، أن تعين الأمم المتحدة لجنة توجيهية عليا للانتخابات لإكمال خارطة الطريق الانتخابية. لكن بعد أن اعترض المجلسان عليها، وحشدت مصر دعم مجلس الأمن الدولي ضد الفكرة، عكس باثيلي موقفه. ومنذ ذلك الحين انحسر دور الأمم المتحدة، الأمر الذي يعكس رغبة القادة السياسيين الليبيين باتخاذ قراراتهم بأنفسهم بشأن مستقبل البلاد.
مع القيود المفروضة على الأمم المتحدة بهذا الشكل، وفي غياب بديل قابل للحياة، ينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية المهتمة بمسار ليبيا نحو الاستقرار والحوكمة الرشيدة أن يخففوا من معارضتهم لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة قبل الانتخابات. بدلاً من ذلك، ينبغي أن توضح هذه الجهات أنها تستطيع دعم الفكرة إذا اتفق المجلسان على إجراءات واضحة وشفافة لاختيار رئيس وزراء وإذا تم تعريف تفويض السلطة التنفيذية الجديدة بوضوح لدعم التحضيرات الانتخابية. لكن يتعين على كلا المجلسين أن يجريا تعديلات على الخطة الموافق عليها، وأن يقدما قدراً أكبر من الالتزامات والتفاصيل فيما يتعلق بكيفية تنظيمهما للانتخابات الداخلية. كما ينبغي على مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة أن يدعوا الأمم المتحدة إلى الإشراف على عملية الاختيار لضمان أن تكون حرة ونزيهة؛ فمشاركة الأمم المتحدة ستقلل فرص طعن ليبيين آخرين، بمن فيهم داعمي الدبيبة، بالنتائج، كما حدث مع حكومة باشاغا في عام 2022. وحالما تتشكل حكومة وحدة وطنية، فإن احتمالات الانتقال إلى انتخابات جديدة تصبح أكبر بكثير، رغم أنها ما تزال حافلة بالتحديات.
الأطراف الفاعلة الخارجية محقة في رؤية مخاطر في اتباع هذا المسار، لكن إذا أجرى المجلسان التغييرات وعبرا عن الالتزامات الواردة أعلاه، فإن تلك المخاطر تستحق أن تتخذ. قد لا تكون الخطة التي وافق عليها مجلس النواب في 25 تموز/يوليو السبيل المثالي للخروج من الأزمة السياسية الليبية، لكن في الوقت الحاضر هي المسار الواقعي الوحيد المفضي إلى إعادة توحيد البلاد.
اضف تعليق