يبدو ان النشاطات الدبلوماسية لترامب تستهدف احراز تقدم فيما يتعلق بهده الرؤية الاستراتيجية الاكبر لوقف الانحدار النسبي لأمريكا علما انه حاول استرضاء القادة السلطويين وذلك من كيم يونغ اون في كوريا الشمالية وصولا الى فلادمير بوتين في روسيا وذلك من اجل تقديم تنازلات وهي مقاربة...
براهما تشيلاني

 

برلين- ان عجز الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن التفكير بشكل استراتيجي يقوض العلاقات الطويلة المدى ويقلب النظام العالمي رأسا على عقب ويعمل على تسريع انحدار النفوذ العالمي لبلاده وذلك طبقا لأعداد متزايدة من الافراد الذين يتبنون هذا الطرح ولكن هذا التقييم ليس بالوضوح الذي يدعيه اولئك الذين يؤمنون به وخاصة الخصوم السياسيين والنقاد في وسائل الاعلام الأمريكية الرئيسية.

لقد كان الانحدار النسبي لأمريكا موضوعا ساخنا قبل تولي ترامب مهام منصبه بوقت طويل حيث بدأت هذه العملية عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعزز دورها عندما خرجت من الحرب الباردة على انها القوة العظمى الوحيدة في العالم بتجاوز قدراتها واجهاد نفسها بشكل كبير وذلك من خلال توسيع انتشارها العسكري وتكثيف التزاماتها الاقتصادية والأمنية عالميا.

لقد ظهر تجاوز امريكا الامبريالي لقدراتها لأول مرة آبان ادارة الرئيس رونالد ريغان حيث توسعت تلك الإدارة بشكل مكثف في انفاقها العسكري ولقد وصل ذلك لمستويات الازمة في فترة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية للعراق سنة 2003 واحتلالها اللاحق لذلك البلد آبان حكم جورج بوش الابن حيث كانت تلك لحظة فارقة تسببت في ضرر لا يمكن اصلاحه للمكانة الدولية لامريكا.

أما خلال فترة حكم الرئيس باراك اوباما وتحت انظاره، فلقد تمكنت الصين من توسيع نفوذها العالمي بشكل سريع وبما في ذلك استخدام القوة في تغيير الوضع القائم في بحر الصين الجنوبي (بدون تكبد اية تكاليف دولية) وعند تلك اللحظة، فلقد أصبح الأمر جليا حيث انتهت حقبة الهيمنة الأمريكية.

إن هذا يعني اننا لا يمكن ان نلوم ترامب على الانحدار النسبي لأمريكا فحسب، بل في واقع الامر فإنه أيضا في وضع يؤهله لوقف ذلك الانحدار وعلى الرغم من صعوبة توقع تصرفات ترامب فإن العديد من تحركاته الرئيسية في مجال السياسة الخارجية توحي بإن ادارته تسعى لتحقيق استراتيجية عظيمة وشاملة من اجل اعادة احياء القوة العالمية لأمريكا.

بادئ ذي بدء فإنه يبدو ان ادارة ترامب حريصة على الحد من تجاوز امريكا الامبريالي لقدراتها بما في ذلك تجنب التدخل في الحروب البعيدة والطلب من الحلفاء دفع حصتهم العادلة فيما يتعلق بالدفاع وفي واقع الامر فإن العديد من اعضاء الناتو لا يعملون على الوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالإنفاق مما يجعل دافعي الضرائب الامريكان يتحملون عمليا تكاليف دعم امن هؤلاء الحلفاء.

إن هذه الافكار ليست بجديدة فحتى قبل ان يقرر ترامب ان يترشح للرئاسة، كان النقاد يجادلون بإن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة لتطبيق سياسة تخفيض النفقات وذلك بالتقليل من التزاماتها الدولية بشكل كبير ونقل المزيد من اعباءها الدفاعية للحلفاء ولكن كان على الولايات المتحدة ان تنتظر زعيما مثل ترامب والذي ينظر الى ادارة البلد مثل ادارة شركة تجارية ولديه الرغبة في السير على هذا الطريق وحتى لو تطلب ذلك تقويض القيم التي عكست لفترة طويلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

إن تركيز ترامب على احتواء الصين- والتي وصفها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي مؤخرا على انها تحدي اكبر من روسيا وحتى في مجال التجسس- يتناغم تماما مع تلك الاستراتيجية. لقد ساعد الرؤساء الامريكان المتعاقبون من ريتشارد نيكسون وصولا لاوباما الصين في صعودها الاقتصادي. لكن ترامب يتعامل مع الصين ليس كشريك اقتصادي لامريكا ولكن كعدو اقتصادي وحتى كما اشارت لسان حال السلطات الصينية صحيفة تشاينا دايلي " الخصم الاستراتيجي الرئيسي لأمريكا".

بشكل عام فإن الرسوم الجمركية لترامب تستهدف استعادة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العلاقات الاقتصادية ذلك من خلال الحد من العجز التجاري المتزايد مع كلا من الاصدقاء والاعداء على حد سواء وتوطين الأنشطة الاقتصادية مجددا وما يصاحب ذلك من وظائف ولكن لم يعد سرا القول بإن الرسوم الجمركية تستهدف الصين وهي بلد تعمل منذ فترة طويلة على تحدي احكام التجارة الدولية والانخراط في ممارسات عدائية.

في الوقت نفسه يعمل ترامب على التحقق من فشل الصين في اللحاق بركب الولايات المتحدة تقنيا وعلى وجه الخصوص تسعى ادارته الى احباط برنامج "صنع في الصين 2025" وهو برنامج العمل الذي اعلنته الحكومة الصينية سنة 2015 من اجل تأمين هيمنتها العالمية على عشر صناعات استراتيجية وذات تقنية عالية وذلك من الروبوتات وصولا الى المركبات التي تعتمد على الطاقة البديلة.

يبدو ان النشاطات الدبلوماسية لترامب تستهدف احراز تقدم فيما يتعلق بهده الرؤية الاستراتيجية الاكبر لوقف الانحدار النسبي لأمريكا علما انه حاول استرضاء القادة السلطويين وذلك من كيم يونغ اون في كوريا الشمالية وصولا الى فلادمير بوتين في روسيا وذلك من اجل تقديم تنازلات وهي مقاربة حظيت بقدر كافي من الانتقادات ولكن مجاملات ترامب لم تترجم الى تملق.

على سبيل المثال وعلى الرغم من الضجة التي اثيرت بسبب تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية سنة 2016 فإن الحقيقة هي انه منذ تولي ترامب مهام منصبه قامت الولايات المتحدة الأمريكية بطرد دبلوماسيين روس وأغلقت قنصلية روسية وفرضت ثلاث جولات من العقوبات على ذلك البلد وتهدد ادارته حاليا بتطبيق عقوبات تتجاوز نطاق البلد من اجل منع البلدان الاخرى من عمل صفقات دفاعية مهمة مع روسيا والتي تعتبر من المصدرين الرئيسيين للأسلحة.

لم يجامل ترامب اي قائد اجنبي اكثر من الرئيس الصيني تشي جينبينغ والذي وصفه بانه "رائع" و"رجل مهذب عظيم "ولكن مرة اخرى عندما رفض تشي ان يستجيب لمطالب ترامب، لم يتردد الرئيس الامريكي بالرد مستخدما التكتيكات الصينية بما في ذلك التغيير المفاجئ للمواقف التفاوضية والتصعيد غير المتوقع للتوترات التجارية.

وحتى المقاربة المباشرة لترامب مع كوريا الشمالية تقوض الموقف الصيني وذلك من خلال تجاوزه. إن ترامب محق بالقول ان التوصل لنقلة نوعية في العلاقات الأمريكية–الكورية الشمالية هي اهم من تأمين الحصول على نزع تام للأسلحة النووية ولو استطاع ترامب احتواء كوريا الشمالية وهي الحليف العسكري الرسمي الوحيد للصين فإنه سيصار الى اعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي في شمال شرق اسيا وسيصبح الصعود المنعزل للصين اكثر وضوحا من اي وقت مضى.

ان هناك الكثير من المشاكل في اساليب ترامب فاسلوبه التفاوضي المتكلف والذي يفتقد للذوق ولا يمكن توقعه بالإضافة الى تجاهله على الطريقة الصينية للأعراف الدولية يزعزع العلاقات الدولية. ان المتاعب الداخلية مثل الاستقطاب السياسي والجمود التشريعي والذين عمل ترامب بشكل نشط على تعزيزهما تضعف الموقف الامريكي دوليا.

لكن لا احد ينكر ان مقاربة امريكا لإبراز عضلاتها "امريكا اولا" والتي تتضمن احدى اهم التعزيزات العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية تعكس رؤية استراتيجية تركز بشكل تام على التحقق من بقاء الولايات المتحدة الأمريكية اكثر قوة مقارنة بأي خصم في المستقبل المنظور.

ربما الاهم من ذلك كله ان نهج الصفقات فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والذي تعتمد عليه استراتيجية ترامب من المرجح ان يستمر حتى بعد خروجه من الرئاسة بفترة طويلة فالأصدقاء والاعداء على حد سواء يجب ان يعتادوا على امريكا تسعى لتحقيق مصالحها وتعمل ما بوسعها بغض النظر عن التكلفة لمنع تدهورها الحاد.

* براهما تشيلاني، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز مقره نيودلهي لأبحاث السياسات، وهو مؤلف من الطاغوت الآسيوي، المياه: آسيا جديد ساحة القتال
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

Ahmad Dashti
Kuwait
كلام فارغ ولا يخفى علينا سذاجة ترامب المغفل حيث وصفه أحد مواطنيه على تويتر بسبب مشكلة المواجهة مع شركة هارلي دافيدسون حيث وصفه ب: no more than a passing fart
وايضا لا يخفى علينا بالعلاقة بين الصين والهند مؤخرا والتحدي الغير متكافيء بينهم ..2018-08-12