إن الملل قد يخدم غرضا أساسيا عندما يخبرنا بأن هناك شيئا ما في حياتنا ليس بالطريقة التي نريدها أن تكون، وعندما نحاول تجنب الملل نفقد إشارات مهمة ونبدأ في عيش حياة خالية من المعنى، فهل الملل في العمل ميزة وليس خطأ؟...

في عصر التكنولوجيا أصبح الملل آفة نفسية خطيرة، وبالرغم من ذلك فالملل ليس شيئا يجب أن نسعى للتخلص منه كما هو الحال مع الجوانب الأخرى في أذهاننا، يقول الخبراء إن الملل قد يخدم غرضا أساسيا عندما يخبرنا بأن هناك شيئا ما في حياتنا ليس بالطريقة التي نريدها أن تكون، وعندما نحاول تجنب الملل نفقد إشارات مهمة ونبدأ في عيش حياة خالية من المعنى، فهل الملل في العمل ميزة وليس خطأ؟ يقول المستشار في الموارد البشرية والمدرب في إدارة الأعمال محمد تملي "لن يصل الموظف إلى مرحلة الملل إلا إذا أصبحت بيئة العمل تتسم بالروتين، وأصبح الموظف لا يحصل على معارف أو يتعلم مهارات جديدة".

وفي الكتاب الإداري المميز "أحبب موظفيك أو اخسرهم" يذكر المؤلفان بيفرلي كاي وشارون جوردن إيفانز أنه بعد سؤال أكثر من 17 ألف شخص عن سبب بقائهم في المؤسسات التي يعملون فيها دون شعورهم بالملل أو رغبتهم في الاستقالة كانت إجابة 91% منهم بسبب "العمل المثير والتحدي"، وقالوا إن "التقدم الوظيفي والتعلم والتطور" أيضا من أهم الأسباب التي تجعل عملهم ممتعا وغير ممل، وبالتالي استمرارهم لأطول فترة ممكنة في العمل لدى المؤسسة نفسها.

ويبين المدرب تملي من خلال فترة عمله مدير موارد بشرية وشغله لعدة مناصب إدارية عليا أن الملل كان من الأسباب الرئيسية لفقدنا الموظفين الموهوبين.

ويؤكد تملي للجزيرة نت أن للملل في العمل عواقب كبيرة تضر بتقدم المؤسسة وأهمها:

أولا: عدم وجود الإبداع والابتكار، وبالتالي قلة الإنتاجية، في وقت يعد الابتكار والإبداع سمة أساسية للشركات الناجحة.

ثانيا: فقد الموظفين الموهوبين من ذوي الخبرة، وبالتالي التأثير الكبير على جودة العمل.

كيف أتعامل مع الملل؟

يقول المدرب تملي إن الموظف الذي بدأ يشعر بالملل في عمله على الرغم من حبه لعمله وللبيئة التي اعتاد عليها قد يتساءل "كيف أتعامل مع الملل بشكل لا يؤثر سلبا على سعادتي وإنتاجيتي وإنجازي؟".

ويقترح بعض النصائح العملية:

حدد السبب.. 

ـ إن كانت الثقافة المؤسسية وعلاقتك بمديرك تسمحان لك بأن تصارحه بذلك فافعل هذا الأمر بهدف الحصول على حلول منه أو توجيهات تساعدك.

ـ انضم لدورة تدريبية جديدة تتعلق بعملك وابحث عن كل ما هو جديد وتعلمه.

ـ فكر خارج الصندوق، أي خارج نطاق عملك ووصفك الوظيفي، وفكر كيف يمكنك أن تقدم اقتراحات وأفكارا جديدة للعمل.

ما تأثير الملل على الصحة العقلية والنفسية؟

تقول المتخصصة النفسية الدكتورة أمل الصرايرة "يمكن أن يكون الملل في العمل عاملا مهما يؤثر في الصحة العقلية والنفسية".

ويتم تعريف الملل عادة بأنه حالة من عدم الاهتمام أو عدم المشاركة في المهام أو البيئة المحيطة.

وتتحدث الصرايرة للجزيرة نت عن عواقب الملل في العمل وتشمل:

ـ الصحة العقلية والنفسية: يمكن أن يؤدي الملل لفترة طويلة إلى الشعور بالإحباط والعجز والتعاسة، مما قد يسهم في الإصابة بحالات مثل الاكتئاب والقلق.

ـ الضغط النفسي: يمكن أن يكون الملل مصدرا للضغط النفسي، حيث قد يشعر الأفراد بعدم الرضا والإحباط من أدوارهم.

ـ الصحة الجسدية: على الرغم من أن الملل المزمن ليس سببا مباشرا فإنه يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على الصحة البدنية، مثل الإفراط في تناول الطعام.

الاستفادة من الملل

وللاستفادة من الملل في العمل ومعالجة آثاره السلبية تنصح الصرايرة بما يلي:

ـ التأمل الذاتي: استخدم الملل كفرصة للتأمل الذاتي لفهم سبب حدوثه، هل يرجع ذلك إلى المهام المتكررة أو قلة التحدي أو عدم الاهتمام بالوظيفة نفسها؟

ـ التواصل: يمكن أن يساعد التواصل المفتوح مع المشرفين أو الزملاء في معالجة الأسباب الجذرية للملل، وقد يؤدي ذلك إلى تعديلات في مسؤوليات الوظيفة أو إضافة التنوع أو العثور على مهام جديدة تتوافق مع اهتمامات الفرد ومهاراته.

ـ تنمية المهارات: فكر في استغلال وقت التوقف عن العمل لاكتساب مهارات جديدة أو توسيع المهارات الحالية، وهذا لا يمكن أن يجعل العمل أكثر جاذبية فحسب، بل يعزز أيضا آفاق العمل.

ـ فترات الراحة والاسترخاء: استخدم تقنيات الاسترخاء أثناء فترات راحة العمل لتقليل التوتر ومنع الإرهاق.

ـ صياغة الوظيفة: قم بدور نشط في إعادة تشكيل وظيفتك من خلال تحديد المهام التي تجدها ذات معنى والدعوة إلى إدراجها في دورك.

وتقول الصرايرة "يمكن أن تكون للملل في العمل عواقب سلبية على الصحة العقلية وحتى الجسدية، ولكنه يمكن أن يكون أيضا بمثابة إشارة للنمو الشخصي وتحسين الوظيفة، كما أن التعرف على أسباب الملل ومعالجتها يمكن أن يؤدي إلى تجربة عمل أكثر إشباعا وجاذبية".

أسئلة استكشافية

يعتبر الملل مصطلحا واسعا مرتبطا بمجموعة متنوعة من الأسباب، لذا استكشف السبب الجذري له.

ونشر موقع "هيلثي غيمر" أسئلة استكشافية يمكن أن يطرحها الموظف على نفسه لمعرفة أسباب شعوره بالملل، ومنها:

ـ هل تستمتع بأي جزئية من عملك الحالي؟ إذا كانت الإجابة نعم فما الذي يجعلها ممتعة؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فما الذي لا يعجبك فيه؟

ـ ما شغفك؟ ماذا تحلم أن تفعل؟

ـ ما أقوى مهاراتك؟ ما الذي تجيده بشكل طبيعي؟

ـ إذا طلبت من شخص آخر أن يصف أقوى مهاراتك فماذا سيقول؟

ـ هل يمكنك التفكير في فرص لاستخدام مهاراتك أو مواهبك في وظيفتك الحالية؟

إجابتك الصادقة ستساعدك في معرفة السبب الكامن وراء شعورك بالملل، وبالتالي محاولة معالجته لزيادة مشاركتك في العمل. وفقًا لموقع "الجزيرة نت".

يحولك إلى إنسان أكثر إبداعا وإنجازا

في الوقت الذي يعاني فيه كثيرون منا بسبب عدم وجود شيء مهم نقوم به، هناك أبحاث تشير إلى أن هذا الشعور بالملل يمكن أن يحولنا إلى أشخاص أكثر إبداعا وإنتاجا.

يقول الكاتب الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هوغو في كتابه "البؤساء" الذي نشر عام 1862: "هناك شيء أكثر فظاعة من جحيم المعاناة، وهو جحيم الملل". إنها ملاحظة من الواضح أنها لا تزال صحيحة حتى اليوم. ففي المجتمعات الحديثة، يعد الملل شيئا يهرب الناس منه، سواء من خلال ممارسة لعبة ما أو من خلال تصفح حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. وربما ليس من المستغرب أننا نشعر بأن الملل ليس أمرا مريحا على الإطلاق، لكن انظر فقط إلى الأهمية التي توليها المجتمعات الحديثة للانشغال بالعمل والأشياء المفيدة. فنجد أكثر الناس ثراء بيننا يعملون لساعات أطول من المعتاد، في وقت بات فيه الانشغال رمزا يدل على الأهمية والوجاهة. وفي المقابل، أصبح الملل والفراغ مرتبطين بالأشخاص الذين لا يحققون شيئا مهما في حياتهم، وبالكسالى والمتسكعين. وترتبط هذه الصفات بحالة الكسل الذهني، وعدم وجود هدف يسعى المرء لتحقيقه. وفي مجتمع ترتبط فيه السعادة في الغالب بأمور مثل القدرة على الإنتاج، فالطبع سيكون هؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بالملل غير سعداء.

ويصف عالم النفس مارتن وانغ الملل بأنه "كبح الخيال"، وقد أشار عدد من الدراسات إلى أن هؤلاء الذين لديهم قابلية للشعور بالملل يفتقرون إلى وجود حافز خارجي، ويسهل أن يشعروا بالإحباط عند التعرض لمواقف تحتاج إلى إظهار التحدي.

لكن ربما يكون فهمنا للملل خاطئا، فهناك مجموعة من الدراسات التي تشير إلى أنه من خلال عدم السماح لأنفسنا بأن نشعر بالملل ولو لمرة واحدة كل فترة من الوقت، فربما نفوت على أنفسنا فرصة مهمة. وفقًا لموقع “BBC”.

ما الأسباب التي تجعل البعض أكثر عرضة للشعور به؟

ربما يكون الفيلسوف الروماني سينيكا هو أول من رسخ عادة الشكوى من الملل. إذ تساءل سينيكا في رسالة إلى صديقه: "إلى متى علينا أن نحتمل أداء نفس الأعمال الرتيبة؟"، وتابع: "أنا لا أفعل شيئا جديدا، ولا أرى شيئا جديدا، وهذا أيضا يصيبني بالغثيان".

وراج في العصور الوسطى مصطلح يوناني يعني "اللامبالاة"، وكان يعده رجال الدين المسيحيون مرادفا للفتور الديني أو الكسل الذي يندرج ضمن الخطايا السبع.

ودخلت كلمة "ملل" إلى اللغة الإنجليزية منذ مطلع القرن التاسع عشر، لكنها لم تجر على الألسنة إلا بعد أن ذكرها تشارلز ديكنز في إحدى رواياته.

وقد انتشر الآن الملل في كل مكان، حتى إنه يوصف أحيانا بأنه آفة المجتمع المعاصر. وفي عام 2016، قاضى موظف فرنسي رئيسه السابق في العمل، لأن الموظف كان يشعر أن وظيفته مملة إلى حد "يثبط العزيمة" و"يقتل الإبداع"، وحكمت المحكمة لصالحه.

وابتكر مواليد "الجيل زد"، الذين ولدوا في الفترة من منتصف التسعينيات إلى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نوعا جديدا من الملل، يدعى "ملل الهاتف"، حين تتصفح تطبيقات الهاتف بلا هدف، ولا تجد شيئا مثيرا للاهتمام. واكتشف بعض الباحثين مؤخرا أن الحيوانات الأليفة أيضا تصاب بالملل.

لا اتفاق على تعريف الملل

لم يكن من السهل الكشف عن الأسباب التي تجعل البعض سريع الضجر في حين قد يعيش آخرون دون أي مصدر للترفيه، وذلك لأن علماء النفس لم يتفقوا حتى الآن على تعريف للملل.

وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، عرّف بعض الباحثين الملل بأنه الشعور الذي ينتاب المرء عند أداء مهمة تتسم بالتكرار. وأشارت دراسة إلى أن الملل قد يزيد القدرة على الانتباه والاستجابة لكل ما يدور من حولنا.

إذ طلب الباحثون من متطوعين من الجيش أن يضغطوا على زر عندما يروا ومضات من الضوء تنبعث من أحد الصناديق، وخلصت الدراسة إلى أن الملل يولد حالة من التيقظ والحذر.

ومنذ عام 1986، استخدمت الكثير من التجارب "مقياس سرعة الإصابة بالملل" من خلال طرح أسئلة لتقييم مدى موافقة المشاركين على عبارات مثل "من السهل أن أركز أثناء تأدية أنشطتي"، وكلما زاد تأييد المشاركين للعبارة كانوا أقل عرضة للملل.

ويدرك علماء النفس الآن أن هناك خمسة أنواع على الأقل من الملل، منها "الملل القياسي"، حين يشرد ذهنك وتشعر أنك لا تجد شيئا تفعله، و"الملل التفاعلي"، حين يتملكك الغضب من الشخص الذي أرغمك على أداء هذه المهمة المملة، كالمدرس أو المدير في بيئة العمل، وتفكر في الأشياء التي كان يمكن أن تفعلها في المقابل.

وهناك أيضا "ملل البحث"، حين تكون مضطربا ومتململا وتبحث عن أشياء تفعلها للتخلص من الملل، و"ملل اللامبالاة"، حين تشعر بالراحة وتنفصل عن العالم من حولك، واكتشف مؤخرا "ملل عدم الاكتراث"، حين تشعر أنك لست منزعجا ولا سعيدا، لكنك عاجز عن التخلص من هذا الملل.

وأجرى باحثون دراسات عن تأثير الملل على الدماغ. إذ قاد دانكيرت دراسة استخدم فيها الباحثون التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي لمراقبة أدمغة المشاركين أثناء مشاهدة مقطع فيديو شديد الملل عن رجلين ينشران ملابسهما، ويسألان بعضهما بين الحين والآخر عن مشابك الملابس.

ولاحظ الباحثون وجود صلة بين الملل وبين نشاط "شبكة الوضع الافتراضي"، وهي مجموعة من المناطق من الدماغ ترتبط عادة بشرود الذهن. ويقول دانكيرت إن هذه الشبكة تنشط عادة في حالة عدم وجود مهام تؤديها أو عندما لا يوجد شيء يحدث من حولك.

ويقول دانكيرت إن إشارات الملل هي رسالة من الدماغ مفادها أنك لا تتفاعل مع العالم من حولك، أي أنك فقدت السيطرة على البيئة المحيطة بك وأنك غير مؤثر. وربما تطور لدينا الشعور بالملل، كشأن سائر المشاعر السلبية كالغضب والحزن، لتحفيزنا.

ويضيف أن البشر يبحثون دائما عن وسائل لشغل تفكيرهم. إذ نريد دائما أن نستغل قدراتنا العقلية في أمور مفيدة.

ولهذا يستطيع بعض الناس البقاء بمفردهم لسنوات، بينما لا يتردد آخرون في صعق أنفسهم بعد 15 دقيقة فقط من العزلة. ففي الوقت الذي يستسلم فيه البعض لمشاعر الضجر والملل، تدفع هذه المشاعر آخرين للبحث عن طرق لتسلية أنفسهم وممارسة أنشطة هادفة.

وعلى النقيض من ليبديف، لم يهدر رائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد، لحظة واحدة في بعثته الفضائية عام 2012 إلى محطة الفضاء الدولية، رغم المهام الرتيبة وقلة فرص مخالطة الآخرين.

وأعلن هادفيلد أكثر من مرة أن "الملل لا يصيب إلا الناس المملة". واستفاد هادفيلد من وقت فراغه لأداء أغنية للمغني ديفيد بوي من الفضاء. ويقول دانكيرت: "إذا تحدثت إليه، ستدرك أنه يتلقى إشارة الملل، لكنه يتعامل معها بسرعة وبكفاءة فائقة".

واستطاع هادفيلد في الفضاء أن يجد متعة في تأدية المهام التي اشتهرت بأنها تبعث على الضجر، مثل أعمال السباكة. ويحكي أنه عندما كان طفلا يساعد أبويه في المزرعة بأونتاريو، كان دائما ما ينجح في الوصول إلى حيلة لشغل نفسه، حتى عند أداء المهام الأكثر رتابة مثل تمهيد التربة.

وربما لو سرنا على درب هادفيلد، لأصبحت المهام المملة ذات مزايا مدهشة. فقد أثبتت دراسات أن شرود الذهن أثناء أداء المهام الرتيبة قد يحفز الإبداع.

عيوب الملل

ويقول دانكيرت إن بعض الدراسات ربطت ما بين سرعة الضجر والشعور بالضيق، وبين السلوكات القهرية وإدمان المخدرات وإدمان القمار والاستخدام القهري للهاتف المحمول، والاكتئاب والصدمة النفسية التي تظهر في صورة أعراض بدنية، مثل الألم.

والغريب أن سرعة الضجر ارتبطت أيضا بعدة اضطرابات شخصية، منها النرجسية، لكن ليس النرجسية المعتادة التي يتسم بها بعض الساسة، وإنما "النرجسية الخفية"، التي تنطوي على شعور المرء بأنه موهوب للغاية، لكنه لا يحصل على التقدير الذي يستحقه.

ولا أحد يعرف بعد سبب العلاقة بين الاثنين، لكن بعض الباحثين يرى أن اتساع الفجوة بين الأهداف وبين القدرات الطبيعية يعد أحد أهم أسباب الفشل. وعندما يتحقق المرء من عجزه عن تحقيق أهدافه، يسيطر عليه الملل. في حين يرى آخرون أن أصحاب النرجسية الخفية عندما يحصلون على الثناء الذي يلهثون وراءه، يفقدون الهمة ويشعرون بالملل.

وعلى عكس النرجسية الواضحة التي يشعر أصحابها بالسعادة ويبالغون في تقدير ذواتهم، فإن النرجسية المستترة تسبب مشاكل نفسية. وربطت دراسات بين الملل وبين سمات شخصية أخرى، مثل سرعة الغضب والعصابية، والميل إلى القلق والشعور بالذنب والغيرة. وفي كل الأحوال، فإن الملل مؤشر سيئ، وقد يكون ناتجا عن عدم القدرة على التحكم في المشاعر.

ويقول دانكيرت إننا نحاول أن نفهم طبيعة العلاقة بين الملل وبين هذه الاضطرابات الشخصية والمشاكل النفسية، مثل الاكتئاب، فليس من الواضح ما إن كان الملل يورث الاكتئاب أم أنه يعد من العوامل التي تنذر بالإصابة بالاكتئاب. لكن السؤال الأهم الذي يحاول دانكيرت الإجابة عليه هو ما إن كانت القابلية للإصابة بالملل تكتسب من البيئة أم إنها تنتقل بالوراثة.

ويرى دانكيرت أن الشعور بالملل، كشأن جميع المشاعر، هو محصلة لعوامل مكتسبة ووراثية. فيبدو أن هادفيلد طور قدراته على التعامل مع الملل حتى أتقنه، وربما يتمكن أضيق الناس صدرا وخلقا من الاستمتاع بالعزلة وشغل وقت الفراغ في أعمال هادفة، لو استخدموا الأساليب الصحيحة. ولهذا إذا لاحظت أنك تشتكي من الحياة الرتيبة والمملة، فكر في مدى اختلاف تجربة ليبديف عن تجربة هادفيلد في الفضاء، وستدرك حينها أن العبرة برؤيتك الخاصة للأمور. وفقًا لموقع “BBC”.

قليل من الملل لا يضر

يقول الطبيب النفسي الكاتب البريطاني نيل بيرتون إننا "حتى لو كنا ممن يشعرون بالرضا، فلا بأس بقليل من الملل ليساعدنا على مراجعة أنفسنا، وضبط إيقاعنا للبدء بأعمال أكثر نفعا". وينصح بأن نتعامل مع الملل بطرق أكثر جدوى، بدلا من محاولة الهروب منه، وخوض معركة لا نهائية ضده. كما توصي إيرين سي ويستغيت الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة فلوريدا، ببعض الخطوات البسيطة للتغلب على الملل، مثل نثر ملصقات على الثلاجة، لتذكيرنا بقيمة وأهمية ما نفعل. كذلك حل المشاكل التي تسبب الملل، كغياب الأنشطة الطويلة الأمد وذات المغزى، واكتساب مهارات ومعارف تخفف الملل، كإصلاحات المنزل، أو قراءة رواية مثيرة للاهتمام. وأخيرا يجب إفساح المجال للمتع العادية دون الشعور بالذنب، كالانغماس في مشاهدة التلفاز، والتلذذ بأكلات محببة، والتواصل مع الآخرين، فكلها من البدائل السهلة والفعالة للغاية في كسر الملل. وفقًا لموقع “الجزيرة نت”.

اضف تعليق