التأثير الطردي للإحسان والذنوب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

يجب أن تغفر لمن يسيء إليك، وأن تصل من يقطع صلته بك من أرحامك، وأن تتعامل معه بروح العفو واللين وتغض النظر عن الأخطاء التي يرتكبها أرحامك الآخرون بحقك، ولهذا في حال سادت هذه المعادلة الربانية وقامت عليها علاقاتهم، فإن المجتمع سوف يصبح كله حليما بعيدا عن الأحقاد والكراهية، فتكون حياتهم أحسن...

(الذنوب تُقصّر الأعمار والاحسان يزيدُها) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

هنالك علاقة طردية بين الإحسان وإطالة عمر الإنسان بأمر إلهي، ويمكن أن تحدث نفس العلاقة الطردية بين ارتكاب الذنوب وتقصير العمر، فكما هو معروف هناك أجل للإنسان لا يتقدم ساعة ولا يتأخر ساعة، لأن الله تعالى حدد لكل إنسان أجلا، يحدث في نهاية عمر الإنسان الذي يبدأ في لحظة ولادته، ويستمر العمر من هذه اللحظة حتى أزوف الأجل.

ولكن قد تتأخر لحظة الأجل ويُضاف للعمر سنوات أخرى إذا كان من أهل الخير والصالحات، وقد يحين أجل الإنسان قبل موعده بسنوات بسبب اقترافه للذنوب لأن الذنوب تستقدم الأجل أما الحسان فهو يستأخر الأجل، ولذلك كان متوسط عمر الإنسان قديما أكثر بكثير مما هو عليه الإن، لأن الذنوب التي كانت تُرتكَب أقل مما يحدث الآن.

سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة تأثير طردي:

(لقد جعل الله تعالى لكل شخص أجلا مسمّى لا يستقدمه ولا يستأخره، فهو إمّا يعيش على الأغلب خمسين سنة أو يعيش ستين سنة أو مئة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل، ولكن الشخص إذا أذنب قد يعجّل في أجله ويُقرب من ساعة موته). 

فإذا كان عمر الإنسان المقرَّر إلهيا يصل إلى مئة سنة، فقد تعمل الذنوب التي يرتكبها هذا الإنسان على تقريب أجله، وقد تحذف نصف عمره فيصبح خمسين عاما بدلا من مئة، لهذا ينبغي أن يعرف الإنسان هذه المعادلة الطردية إذا أراد أن يستثمر عمره في الصالحات، ويقدم الخير للناس على الشر، كذلك من الممكن أن يتأخر أجله إذا عمل خيرا للمحيط البشري الذي يتقاسم معه الأنشطة المختلفة.

استثمروا أعماركم في الصالحات

وهناك أمثلة حقيقية تؤكد هذه المعادلة، فغالبا ما نرى أن الأشخاص الأخيار الممتلئين روحيا تكون أعمارهم طويلة، لأن الله تعالى يطيل عمر الإنسان الذي يستثمر سنوات عمره في عمل الخير، وهذه خاصية إيجابية على كل إنسان أن يفهمها جيدا ويعمل بها، فهو بذلك يضرب عصفورين بحجر واحد، حيث يضمن إطالة عمره بعمل الخيرات، وفي نفس الوقت يُثاب على هذه الأعمال في آخرته، فإذا كان من أصحاب الصلاح يكسب طول العمر ويجزى على عمل الخير في نفس الوقت.

حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هذه المعادلة فيقول: 

(على سبيل المثال، إذا كان أجل إنسان المقرّر عند الله تعالى ابتداءً مئة سنة، فسوف يموت، إذا أذنب، على خمسين سنة أو ستين سنة، لأنّ الذنوب عادة تقرّب الآجال. ولذلك فإنّ أغلب الناس لا يصلون الى آجالهم المقرّرة ابتداءً بسبب ذنوبهم، فيموتون قبل حلول موعدها، ولذلك نرى تضاؤل الأعمار في زماننا وتراجعها بنسبة كبيرة، والسبب كما يقول الإمام الصادق علیه السلام: مَن يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال). 

فإذا كان الإنسان ممن يصلون أرحامهم، فهو بذلك من أصحاب الأعمار الطويلة، ولعل الغاية الإلهية من هذه المعادلة تنقية الحياة البشرية من شوائب الشر، وفي نفس الوقت يقلل من أعمار الأشرار حتى تكون الحياة أفضل ويسود الخير على الشر، فهذه المعادلة الإلهية تهدف إلى تشجيع البشر على عمل الخير وتفضيله على الأعمال الأخرى، وإقصاء الشر لأنه سوف يقصّر من عمر الإنسان.

وهكذا يمكن للقائم بفعل الخير أن يعمّر سنوات إضافية وطالما هو منشغل بالخير فإن إطالة عمره تعود بالفائدة للناس والمجتمع ككل، وفي نفس الوقت يكسب الأجر الذي تستحقه أعمال الصلاح التي يقوم بها.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(إذا كان الأجل الأوّلي لإنسان يقدّر بخمسين سنة، ثم قام الشخص بإحسان ما، ‌كأن يصل رحِمه، أو يعمل البرّ لوالديه أو يمارس المعروف بحقّ الآخرين، فسوف تتسبّب هذه الأمور بتأخير أجله، ويعيش فترة إضافية أطول مما كان مقرّراً إليه في الأجل الأوّلي).

وليس هنالك استثناء للبشر، بغض النظر عن كونه فاهما أو جاهلا، غنيا أو فقيرا، وكل الصفات المتناقضات الأخرى لا تمنحه الاستثناء من هذه المعادلة الربّانية، وهذا يعني بأن الإنسان حتى لو كان سليما بلا داء أو مرض لكن نراه يموت فجأة وإن لم يعانِ من مشكلة صحية في جسده.

غاية إلهية لعلاقة الإنسان بالإنسان

وعلى العكس من ذلك إذا كان مريضا ومعتلّ الجسد ويقوم بأعمال الصلاح والخير فإن عمره يمتد إلى سنوات أخرى بسبب القيام بما يساعد الناس وينصفهم ويجعل حياتهم أفضل وأحسن، إذن الغاية الإلهية واضحة وعلى جميع الناس أن يدرسوا هذا الشيء ويفهموه جيدا، حتى تُبنى الحياة بطريقة سليمة وذلك بمساعدة إلهية تشجع الناس على القيام بالأعمال الصالحة. 

كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله هذا الشيء في قوله:

(كل شخص عالماً كان أو جاهلاً، وغنياً أو فقيراً، وقوياً أو ضعيفاً، وسقيماً أو سليماً، فهو معنيٌّ بالخطاب ومشمول به، فقد يكون الشخص سليماً ليست به علّة، لكنّه يموت فجأة لذنب اقترفه، وقد يكون شخصاً مريضاً مشرفاً على الموت عيّن الاطباء الحاذقون موعداً لموته، لكنه لم يمت وتعافى بدنه ويعيش بعد ذلك عشرات السنين).

وهذا الأمر ينطبق على من يقطع صلة الرحم، ويتسبب في علاقات متأزمة مع أرحامه، هذا النوع من الناس عليهم أن يفهموا جيدا بأن هذا العمل الذي يقومون به ويقطعوا صلة الرحم سوف يقصّر أعمارهم، ويجعلهم يفقدون الكثير من فرص الحياة التي يحصدون ثمارها للجيدة في دار البقاء، لذا يجب عليهم أن يصلوا أرحامهم ويكونوا أكثر حلما في تعاملهم مع الآخرين وأن لا تجرفهم الكراهية وتسبب لهم فقدان الفرص التي تجعل عاقبتهم أفضل.

لذا يجب أن تغفر لمن يسيء إليك، وأن تصل من يقطع صلته بك من أرحامك، وأن تتعامل معه بروح العفو واللين وتغض النظر عن الأخطاء التي يرتكبها أرحامك الآخرون بحقك، ولهذا في حال سادت هذه المعادلة الربانية وقامت عليها علاقاتهم، فإن المجتمع سوف يصبح كله حليما بعيدا عن الأحقاد والكراهية، فتكون حياتهم أحسن، ويضمنون الفلاح في الدار الأخرى.

حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(نشير هنا الى أن بعضهم قد يتسبّبوا بقطع الأرحام فجدير بمن قُطع أن لا يواصل القطيعة، فأحدهما يسبّ وعلى الآخر أن يحلم عنه ويغفر له ويتحمّله وأن لا يستمر في قطيعته). 

لهذا فإن الإنسان مطالَب بفهم هذه المعادلة جيدا، فعليه أن يغفر للآخرين، لأن الذنوب لا قيد عليها، وكذلك عليه أن يتعامل معهم وفق مبادرات الخير لأنه متاح للجميع، لهذا على كل إنسان أن يتمسك بالحلم ويبتعد عن التزمت، كونهما متضادان، فأما أن يأخذه الإحسان نحو الثواب الأفضل، وأما تنحدر به الذنوب نحو العاقبة الأسوأ.

وهنا يذكّرنا سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بالإحسان وأنواعه وبالذنوب وأنواعها حين يقول سماحته:

(الإحسان كذلك له انواع مختلفة، ففي الحديث الشريف المارّ ذكْره نرى أن الذنوب لا قيد لها وكذلك الاحسان لا قيد له، ولذا على الانسان وعلى كل مؤمن ومؤمنة في أي مكان كان أن يتخلّى عن الذنوب والآثام وأن لا يترك فرصة إلاّ ويقدّم فيها الإحسان والعمل الصالح).

وهكذا نلاحظ ذلك التأثير الطردي بين الخير وطول العمر، والشر وقصر العمر، وهذه قضية محسومة ويمكن الاستلال عليها من خلال مراقبة أعمال الناس وربط تلك الأعمال مع أعمارهم، بحسب المعادلة التي مرّ ذكرها، وما على الإنسان سوى التعرف إلى النتائج والعواقب مسبقا، من خلال فهمة لهذه العلاقة الطردية بين الخير وطول العمر من جهة، وبين الشر وتقصير العمر من جهة ثانية.  

اضف تعليق