في عالم العمارة، حيث يختلط الفن بالهندسة، تتجلى الروح الإبداعية في التفاصيل الصغيرة والكبيرة على حد سواء. استقبلنا المهندسة المعمارية نبراس الجميلي، التي استطاعت بفضل شغفها وإصرارها أن تصنع لنفسها بصمة واضحة في المشاريع المعمارية، على الرغم من أن العمل الميداني غالبًا ما يفرض قيودًا صارمة وبيئة يغلب عليها الطابع الذكوري...
في عالم العمارة، حيث يختلط الفن بالهندسة، تتجلى الروح الإبداعية في التفاصيل الصغيرة والكبيرة على حد سواء. استقبلنا المهندسة المعمارية نبراس الجميلي، التي استطاعت بفضل شغفها وإصرارها أن تصنع لنفسها بصمة واضحة في المشاريع المعمارية، على الرغم من أن العمل الميداني غالبًا ما يفرض قيودًا صارمة وبيئة يغلب عليها الطابع الذكوري. خلال هذا الحوار، نتعرف على تجربتها الواقعية، والصعوبات التي واجهتها، وكيف استطاعت تحويل التحديات إلى فرص لإبداع معماري متجدد.
بدايةً، كيف تصفين تجربتكِ في العمل الميداني بعد التخرج؟ وهل كانت مطابقة لما كنتِ تتخيلينه خلال الدراسة؟
بصراحة، التجربة كانت صعبة لأن التصميم بالواقع يتطلب التعامل مع ناس مختلفة وآراء مختلفة. لكن مع الممارسة والتعامل اليومي والاستفادة من خبرات المهندسين ومدراء المشاريع، أصبحت الأمور أوضح وأسهل. أقدر أقول إن العمل الميداني هو التطبيق العملي لكل ما درسناه، لكنه دائمًا يكون ضمن حدود يفرضها المشروع ومتطلباته الاقتصادية.
ما أصعب لحظة مهنية مررتِ بها في موقع العمل؟ وكيف تعاملتِ معها؟
اللحظات الصعبة التي مررت بها كمهندسة معمارية حريصة على إظهار تصميمها طبقًا لرؤيتها الهندسية هي طريقة التعامل مع الفنيين والبنّائين، لأن خبرتهم العملية تجعل طريقة تفكيرهم ورؤيتهم مختلفة. أحاول دائمًا تقريب وجهات النظر بما يخدم مصلحة العمل، وأكسب تعاونهم من خلال احترام خبراتهم والثناء على أدائهم الجيد. الإحساس بالتقدير يجعل العمل أسهل وأنجح.
ما أبرز الفروقات التي اكتشفتِها بين التصميم النظري والتنفيذ الواقعي؟
إذا تم التنفيذ بدقة واهتمام بالتفاصيل المحددة بالمخططات (المعمارية، والإنشائية، والكهربائية، والصحية، والإنهاءات الخارجية والداخلية)، تكون النتيجة قريبة جدًا من المخططات. الاختلاف الممكن يحصل عند عدم اعتماد مهندس معماري أو مدني وربما تخصصات أخرى للإشراف على التنفيذ، خصوصًا إذا لم يكن نفس فريق التصميم. هنا قد يظهر اختلاف بسبب اختلاف الرؤى بين المهندسين أو المنفذين.
باعتباركِ مهندسة في بيئة يغلب عليها الطابع الذكوري، هل واجهتِ صعوبات في إثبات كفاءتكِ؟
بالعكس، تجربتي كانت جدًا إيجابية، خصوصًا أني أعمل حاليًا بمشروع وأنا المهندسة الوحيدة في الموقع. تعامل المهندسين رائع وداعم جدًا، وكثيرًا ما أستفيد من خبراتهم لأن الرجال بحكم علاقتهم ومواقع العمل المختلفة تكون لديهم إطّلاعات أوسع، وهذا يضيف لي معرفة عملية كبيرة.
ما المهارات غير الأكاديمية الضرورية للنجاح في الميدان؟
المعماري يحتاج تواصل مستمر مع عالم التصميم، ويحتاج التدريب والتطوير المستمر عبر حضور الدورات التخصصية والمتابعة الدائمة للوسائل التواصل الاجتماعي والمهرجانات لمعرفة توجهات العمارة الحديثة، سواء في أنظمة البناء أو المواد أو الإظهار المعماري. من المهم جدًا أن يكون المعماري مواكبًا ومتجددًا لكل ما يُطرح في الساحة حتى ينتج تصميمًا حديثًا واعيًا للبيئة والمجتمع.
كيف تتعاملين مع ضغط العمل وتعدد المسؤوليات؟
ضغط العمل وتعدد المسؤوليات هو سر النجاح إذا تم التعامل معه بطريقة صحيحة، من خلال تحديد الأولويات والموازنة بينها، والتعامل مع كل مهمة حسب أهميتها. حتى الراحة وأخذ وقت لنفسي كامرأة وراحة عائلتي جزء من العمل والأولويات التي وضعتها في حياتي. أحيانًا لحظة هدوء واحدة كافية تعيد الطاقة والثقة بالنفس، ومعرفة أن الضغط مؤقت يساعدني على الاستمرار والإنتاج أكثر.
ما أكثر ما يزعجكِ في بيئة العمل الميدانية، وما أكثر ما يلهمكِ فيها؟
أكثر ما يزعجني في بيئة العمل الميدانية هو الظروف الجوية القاسية، خصوصًا حرارة الشمس، لأنها تؤثر بشكل مباشر على البشرة والصحة العامة، وهذا يشكّل تحديًا أكبر للمهندسات. ومع ذلك نحاول دائمًا التأقلم والموازنة بين التزامنا بالعمل الميداني والحفاظ على صحتنا.
أما ما يلهمني فعلًا فهو روح التعاون بين أفراد المشروع، من عامل الخدمة إلى رئيس المهندسين. هذا الترابط يجعل الموقع ليس مجرد مكان للعمل، بل عائلة ثانية أتعلم منها وأشاركها كل خطوة في الإنجاز.
كيف تتعاملين مع اختلاف الرؤى بينكِ وبين المهندسين المدنيين أو الفنيين أثناء التنفيذ؟
عند حدوث اختلاف في الرؤى أثناء التنفيذ، أحاول أولًا فهم وجهة نظر الطرف المقابل، خاصة أن اختلاف الرؤية بين المعماري والمدني كان مشكلة شائعة قديمًا بسبب اختلاف زاوية النظر لكل منهما. لكن الآن تغيّرت الصورة؛ أغلب المهندسين المدنيين أصبحوا مواكبين للإبداع المعماري وواعين لأهمية الأنظمة الإنشائية الحديثة. وفي كثير من الأحيان يكون المهندس المدني هو الداعم الأكبر لرؤية المعماري، مما يجعل النتيجة أكثر توازنًا بين الجمال والإنشاء.
كيف توفقين بين الجانب الفني الإبداعي للعمارة، والجانب الاقتصادي للمشروع؟
بالنسبة لي، هنا يظهر الإبداع الحقيقي للمعماري؛ فالإبداع لا يتجلى إلا عندما تكون هناك حدود أو قيود، سواء كانت اقتصادية أو تنفيذية. التميّز ليس بأن أصمم بحرية مطلقة، بل بأن أخلق حلولًا جميلة ومبتكرة ضمن إمكانيات صاحب المشروع، وأوازن بين الجانب الجمالي والفكري وبين الجانب العملي والاقتصادي، حتى أحقق مشروعًا ناجحًا يلبي احتياجات المستخدم ويحافظ على هوية التصميم في الوقت نفسه.
ما النصيحة التي تقدمينها للمهندسات الجديدات؟
نصيحتي للمهندسين الجدد وحديثي التخرج: لا تستعجلوا على الاستقرار أو إثبات الوجود. ركّزوا أولًا على اكتساب الخبرات والمهارات من خلال الدورات والورش التدريبية. التجربة والمعرفة هما ما يبنيانكم مهنيًا ويجعلان لكم بصمة حقيقية.
ما حلمكِ المهني الذي لم يتحقق بعد؟ وما المشروع الذي تتمنين أن يحمل توقيعكِ؟
لدي أهداف وليست أحلام، منها أن أكون جزءًا من مشاريع معمارية تترك بصمة واضحة في المجتمع، وأسهم في تطوير بيئة عمرانية أكثر إنسانية واستدامة. أيضًا من أهدافي أن أبني أثرًا، لا مجرد جدران. أريد كل تصميم أن يحمل رسالة تغيّر أو تصلح مجتمعًا بالكامل. العمارة ليست فقط إعمار الأرض، بل إصلاح للإنسان والمجتمع. عندما نصمم بوعي، نخلق بيئة تداوي مجتمعًا كاملًا… العمارة هي المعالج لروح المجتمع المتمثلة بمشهدها الحضري.
لقد قدمت الجميلي رؤية ميدانية ومعمارية استثنائية، تؤكد أن الإبداع لا يُقاس بالحرية المطلقة، بل بقدرتنا على تحويل القيود والتحديات إلى فرص لتصميم مشاريع متوازنة وجميلة وفعّالة. تجربتها تثبت أن المعمارية ليست مجرد مهنة، بل رسالة ومسؤولية نحو المجتمع والبيئة.
ونود في هذا المقام أن نتقدم بالشكر الجزيل للمهندسة نبراس الجميلي على وقتها الثمين، وإتاحة الفرصة لنا للاطلاع على تجربتها الملهمة ومشاركتها مع جمهورنا.



اضف تعليق