خلال عقد من حكم مودي على البلاد تصاعد خطاب الكراهية غير المقيد الذي يبث السموم على المسلمين، ومن الأمثلة عليه دعوات إبادة جماعية أطلقها سياسيون وقادة دينيون هندوس.. تشهد الهند تصاعداً مخيفاً في خطاب الكراهية والعنف الموجه ضد الأفراد، الذي نسميه عمليات إعدام الغوغاء وهي عبارة...
بقلم: شويتا شارما
مع انطلاق أكبر عملية انتخابية في العالم في الهند يعرب مسلمون من الهند لـ"اندبندنت" عن قلقهم وخوفهم المتزايد من الاضطهاد بعد ما شهدته البلاد من تصاعد الاستقطاب في ظل تسلم حكومة مودي السلطة لفترة ولايتين.
مودي في الهند أمام انتخابات شبه حاسمة لحزبه ونتائج مخيفة ومصحوبة بالقلق لأكثر من 200 مليون مسلم هندي.
كان محمد سعد متشوقاً للعودة إلى دياره في بيهار، شرق الهند، من أجل رؤية عائلته. واشترى تذكرة لركوب القطار، ووضب أغراضه كي ينطلق صباحاً، لكنه لم يصل منزله قط.
في تلك الليلة من الـ31 من يوليو (تموز) 2023 اقتحم حشد غوغائي من 200 هندوسي تقريباً مسجد أنجومان في غوروغرام، إذ عمل سعد نائباً للإمام، وقتلوه أثناء نومه، ثم حرق الحشد المسجد.
واندلعت قبل ذلك الحدث أعمال عنف طائفية في منطقة نوه [ولاية هاريانا] سرعان ما انتقلت إلى غوروغرام، البلدة المتألقة في محيط العاصمة الهندية دلهي التي تؤوي مكاتب شركات متعددة الجنسيات مثل "غوغل" و"ميتا" و"ديلويت" Deloitte.
وجاءت أعمال العنف في غوروغرام لتذكر بأن الاضطهاد المتزايد للأقليات الدينية، ولا سيما المسلمين، غير محصور بالمناطق النائية. كما عززت اتهام المنتقدين لحكومة ناريندرا مودي الهندوسية القومية بأنها عممت العنف الطائفي - الذي دفع ثمنه سعد ذو الـ22 سنة، بعد أن كان يتغنى بالوئام الديني في فيديوهات ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي حديث إلى "اندبندنت" يقول شدب أنور، شقيق رجل الدين الذي قتل "تكلمت مع سعد قبل نصف ساعة فحسب من مصرعه. كان متشوقاً للمجيء إلى المنزل في الصباح على رغم قلقي في شأن العنف المتصاعد في [منطقة] نوه".
وتابع أنور "أصيب بعدة طعنات في صدره ورقبته، وهذا يشير إلى اعتداء محموم وطويل. تلك الليلة غيرت كل شيء بالنسبة إلى أسرتنا. فقدت أخاً وفقد والدي ووالدتي ابناً بسبب كراهية المسلمين في هذا البلد".
فيما ما زال أنور بانتظار تحقيق العدالة في قضية مقتل أخيه، تحركت السلطات الهندية بسرعة فجرفت مئات المنازل والمتاجر في نوه، في إجراء عقابي جماعي - خارج إطار القانون - ضد سكان المنطقة من المسلمين الذين تتهمهم بالتحريض على العنف الذي أودى بحياة ستة أشخاص.
والآن، بعد قرابة تسعة أشهر، وبينما تستعد عائلة أنور للإدلاء بصوتها في الانتخابات الوطنية، تجد نفسها مجبرة على التفكير في تداعيات فوز مودي بولاية ثالثة عليها وعلى 200 مليون مسلم من مواطني البلاد.
وبدأت الانتخابات أول من أمس الـ19 من أبريل (نيسان)، ومن المزمع أن تنتهي يوم الرابع من يونيو (حزيران).
وشهد العقد الذي قضاه ناريندرا في سدة الحكم ارتفاعاً في خطاب الكراهية ضد الأقليات الدينية واعتداءات على أماكن الدراسة والعبادة التابعة لهم، وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون من قبل الغوغاء.
خلال السنوات الأخيرة، بدأت السلطات الهندية بالتعامل وفق "عدالة الجرافة" للاقتصاص من المسلمين جزاء جرائم حقيقية ومتخيلة. وبلغت عملية الهدم في نوه درجة من التمييز السافر - إذ استهدفت 283 عقاراً للمسلمين و71 للهندوس - دفعت بالمحكمة العليا في ولاية هاريانا [حيث تقع نوه] إلى سؤال الحكومة الإقليمية إن كانت بصدد تنفيذ "عملية تطهير عرقي" ضد المسلمين.
وفي هذه الأثناء، تسرح جماعات هندوسية مثل "باجرانغ دال" و"فيشوا هندو باريشاد" الموالية لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم والتي يعد أعضاؤها بالآلاف، بلا أي مساءلة أو عقاب.
ويقول ألطاف خان، الذي يسكن نيودلهي "لقد شوهت صورتنا لدرجة أن الهندوس بدأوا يرفضون توظيف المسلمين ويتجنبون الاختلاط معنا. دعوت عشر أسر هندوسية لحضور فعالية في منزلي ولم يحضر سوى ثلاثة أشخاص".
ويتحدث خان عن قلقه على أولاده في ظل تضييق الخناق على المسلمين في البلاد يوماً بعد يوم. ولا يخطئ خان في شعوره بالقلق، إذ لا يصعب إيجاد دلائل على ما يسميه العالم الإسلامي قارئ نصر الدين "ظلماً" و"كراهية للمسلمين".
ويضرب نصر الدين مثالاً الأنقاض التي كانت في وقت من الأوقات مسجداً ومدفناً إسلامياً ومدرسة إسلامية في قلب عاصمة البلاد. ونصر الدين هو إمام جامع في مهراولي استقبل الأطفال بعد تشريدهم.
وهدم المجمع المترامي الأطراف يوم الـ30 من يناير (كانون الثاني) على يد هيئة تطوير نيودلهي التي تديرها حكومة مودي الفيدرالية التي زعمت أن بناءه مخالف للقانون.
ولم يهمها أن مسجد أخوندجي كان موقعاً ذا أهمية تاريخية شيد منذ قرابة 600 عام في الجزء نفسه من المدينة الذي تنتصب فيه منارة قطب مينار الشهيرة.
لكن مسلمي المدينة لم يغفلوا عن المعنى الرمزي لهدم المسجد بعد أيام قليلة من ترؤس مودي مراسم تدشين معبد رام الجديد في أيوديا - المبني على أنقاض مسجد بابري الذي يعود تشييده إلى القرون الوسطى بعدما دمرته جماعة غوغائية هندوسية عام 1992.
وفي ولاية أوتار براديش المجاورة التي يحكمها كاهن هندوسي يدعى أديتيانا، حظرت المحكمة العليا في الولاية المدارس الإسلامية في أكبر ولايات البلاد بعدما عدت قانوناً يعود لعام 2004 مخالفاً للدستور [القانون العائد إلى عام 2004 ينظم المدارس الإسلامية في الولاية]، لكن المحكمة العليا في البلاد جمدت هذا القرار الذي كان من شأنه تشريد 2.7 مليون طالب.
بصورة عامة، تخدم المدارس الإسلامية الأطفال الفقراء أو اليتامى.
ويقول مزمل أحمد الذي يدرس هؤلاء الأطفال في دلهي إن الغرض المزعوم من ملاحقة السلطات الهندية للمدارس الإسلامية هو كبح التطرف، لكنها ليست سوى "مؤامرة أخرى لشيطنة المسلمين".
ويقول لـ"اندبندنت "معظم الأطفال الذين يأتوننا إما يتامى أو فقدوا أحد أبويهم. أما الذين لديهم والدين منهم فيأتون من بيئة تعاني الحرمان الاقتصادي. عندما نوفر لهم التعليم والمأوى والطعام، نحن نخفف الحمل عن الحكومة".
أما منير، عالم البيانات في هاريانا الذي يخشى الكشف عن اسمه الكامل، فيقول إن المسلمين يشعرون الآن بوجود تمييز واضح في سياسات الحكومة. ويضيف "يشكل تحويل الكراهية إلى أمر طبيعي اتجاهاً مقلقاً جداً ورد فعل الحكومة على كل ما حدث مخيفة أكثر بالنسبة إلينا نحن الأقليات. رأينا أنه عند وقوع أعمال عنف تستهدف الأقليات، لا تتخذ أي إجراءات إنما عندما يرفع السكان المسلمون أصواتهم، يجدون جرافة مركونة أمام منازلهم".
ووثقت المجموعة البحثية "مختبر الكراهية الهندي" India Hate Lab التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها 668 واقعة من خطاب الكراهية ضد المسلمين عام 2023 من بينها 413 خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام، تزامنت مع انتخابات رئيسة في الولايات.
وخلال عقد من حكم مودي على البلاد "تصاعد خطاب الكراهية غير المقيد الذي يبث السموم على المسلمين"، ومن الأمثلة عليه دعوات إبادة جماعية أطلقها سياسيون وقادة دينيون هندوس كما يقول الناشط الاجتماعي هارش ماندر. ويضيف "تشهد الهند تصاعداً مخيفاً في خطاب الكراهية والعنف الموجه ضد الأفراد، الذي نسميه عمليات إعدام الغوغاء- وهي عبارة لم نستخدمها قبلاً حتى لأنها لم تكن شيئاً معتاداً. لم يكن هذا ليحدث دون وجود بيئة من التشجيع والتعزيز، وحتى التقبل، لأن هذه الأفعال هي ما ينتج من التحريض العلني على العنف".
وفي الفترة السابقة للانتخابات الوطنية، فعلت حكومة مودي تعديل قانون المواطنة الذي أقره البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 2019 لكن أوقف العمل به موقتاً بعدما أثار احتجاجات على مستوى البلاد. وفي القانون تمييز واضح وصريح ضد المسلمين.
وفي خطوة متصلة، أقرت حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" في ولاية أوتار أخاند الشمالية قانوناً مدنياً موحداً، انتقد بسبب تغليبه قوانين الهندوس على ما يبدو على "القوانين الشخصية" للأقليات الدينية. ويعد الحزب منذ فترة طويلة بطرح قانون مماثل على نطاق البلاد أجمع، بما يتماشى مع أجندة منظمة التطوع القومية شبه العسكرية "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" (آر أس أس) Rashtriya Swayamsevak Sangh (RSS) التي تطالب بتحويل الهند إلى دولة هندوسية. وتعد "آر أس أس" المنظمة الأم لشبكة من الجماعات الهندوسية القومية، ومنها حزب "بهاراتيا جاناتا".
وفي الواقع، تأسس حزب "بهاراتيا جاناتا" عام 1980 ليكون الذراع السياسية لمنظمة "آر أس أس". وقد هيمن على الساحة السياسية الهندية في ظل حكم مودي، وهو ما جعله صاحب أطول ولاية بين رؤساء الوزراء الذين أتوا من حزب غير حزب المعارضة الرئيس، أي حزب "المؤتمر".
وخلال السنوات الأخيرة، استهدفت الجماعات الهندوسية وغيرها من الفئات التي تشاركها اتجاهاتها العقائدية في الإعلام، المسلمين فألصقت بهم نظريات مؤامرة منها "جهاد الحب" و"جهاد الأرض" و"جهاد الحلال" و"الجهاد السكاني"، وهي ادعاءات تتهم الأقلية السكانية بإغواء نساء الهندوس والاستيلاء على الأراضي وزيادة أعدادها.
ويقول ماندر "إنها بصورة عامة مجموعة من نظريات المؤامرة الخيالية. وهي عبثية وتحيي في الأذهان نظريات المؤامرة التي اختلقت ضد اليهود قبل المحرقة (الهولوكوست)". ويضيف "إنه لأمر سيئ بما فيه الكفاية أن تنتشر هذه النظريات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها أيضاً العبارات التي استخدمها كبار الوزراء ووزراء في الحزب الحاكم. في هذه الحال يستدعي الوضع قلقاً".
وأسفرت نظرية مؤامرة "جهاد الحب" تحديداً عن مصرع بعض الأشخاص وقيام أكثر من 10 ولايات يحكمها حزب "بهاراتيا جاناتا" بتجريم تغيير الديانة وإقامة العلاقات بين أشخاص من أديان مختلفة.
ولفتت اللجنة الأميركية المعنية بالحرية الدينية في العالم إلى أن هذا النوع من القوانين يعزز ويشجع "المضايقات الحكومية القائمة وأعمال العنف التي ترتكبها جماعات العدالة الأهلية والتمييز ضد الأقليات الدينية إضافة إلى قمع منظمات المجتمع المدني".
وفي هذا السياق، يرى ماندر أن الولاية الثالثة لمودي "مخيفة خصوصاً".
ويضيف أنه عام 2014 كان بصيص الأمل موجوداً لأن زعيم "بهاراتيا جاناتا" تعهد بمكافحة الفساد واستحداث 240 مليون فرصة عمل وبناء اقتصاد أقوى.
ويعد الناشط أنه "زمن مخيف بالنسبة إلى مسلمي الهند. فقد تغيرت مكانة المسلمين ولا أمل في إصلاح الضرر الذي أصاب النسيج المجتمعي مع توليه السلطة مرة ثالثة. أصبحت الكراهية شيئاً عادياً".
ومن جانبه، يقول البروفيسور والمعلق السياسي أبورفاناند إن الهندوس الذين تتخطى أعدادهم المليار نسمة، جرى تضليلهم لكي يعتقدوا بأن الحكم سيكون لهم.
ويشرح أن "’آر أس أس‘ هي التي ستحكم وتقرر كل جوانب حياة الهندوس. على الهندوس أن يعوا أنهم يسلمون رقابهم لمنظمة تتبع فكر التجانس وتريد أن تجعل الديانة الهندوسية متجانسة".
ويقول البروفيسور إن "الوضع مفجع بالأساس بالنسبة إلى المسلمين"، وإنه سيصبح كارثياً في حال استمرار حزب "بهارتيا جاناتا" بالإمساك بالسلطة. ويضيف "يتعرض المسلمون في الهند للتهميش ويضيق الخناق عليهم بصورة ممنهجة في ظل أيديولوجية ’بهاراتيا جاناتا‘".
وأثناء مؤتمر صحافي نادر عقد في الولايات المتحدة العام الماضي، أعلن مودي أن "الديمقراطية تجري في عروقنا" عندما سئل عن مزاعم التمييز الذي تمارسه حكومته في حق الأقليات. وقال وهو يقف إلى جانب مضيفه، الرئيس الأميركي جو بايدن "نحن نعيش في كنف ديمقراطية. وقد تبنت حكومتنا المبادئ الأساسية للديمقراطية… وأثبتنا دوماً إن الديمقراطية تثمر نتائج ناجحة. وعندما أتكلم عن هذه النتائج، أعنيها بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو العقيدة أو الديانة أو النوع الاجتماعي". وأضاف "لا مكان أبداً للتمييز. وعندما تتحدث عن الديمقراطية، فإن غابت القيم الإنسانية والإنسانية - وإن غابت حقوق الإنسان - فإنها عندها ليست ديمقراطية".
تواصلت "اندبندنت" مع ناطق باسم "بهاراتيا جاناتا" للحصول على تعليقه، لكنها لم تتلق إجابة منه.
اضف تعليق