أحد مخاطر دراسة الأنواع المنقرضة الجذابة، مثل الماموث الصوفي، هو قضاء وقت طويل في الإجابة على السؤال نفسه: «هل من الممكن استنساخه؟». وفي هذا الصدد، رأت بيث شابيرو ـ عالمة الأحياء الجزيئية التطورية ـ أن تجيب على هذا السؤال من خلال تأليف كتاب، بعد عهد طويل من الاهتمام بعيِّنات الحمض النووي القديمة، وتلك الخاصة بالماموث...
بقلم: هنري نيكولس
أحد مخاطر دراسة الأنواع المنقرضة الجذابة، مثل الماموث الصوفي، هو قضاء وقت طويل في الإجابة على السؤال نفسه: «هل من الممكن استنساخه؟». وفي هذا الصدد، رأت بيث شابيرو ـ عالمة الأحياء الجزيئية التطورية ـ أن تجيب على هذا السؤال من خلال تأليف كتاب، بعد عهد طويل من الاهتمام بعيِّنات الحمض النووي القديمة، وتلك الخاصة بالماموث.
وضعت شابيرو نصب عينيها في كتابها «كيف تَستنسِخ ماموثًا» How to Clone a Mammoth هدفًا بسيطًا واضحًا، يتمثل في: «توفير خريطة طريق لإعادة إحياء الكائنات المنقرضة»، وهذا في مجلد واحد، تفصل فيه بين «العلم والخيال العلمي». وقد بدأت بعرض الأنواع المنقرضة، التي يمكن إعادتها للحياة، تحسبًا للصعوبات الكثيرة التي ستواجهها فيما بعد.
من هذه الصعوبات، على سبيل المثال، صعوبة التوصل إلى فكرة واضحة عن جينوم طائر «الدودو» من عيِّنات الحمض النووي المُستخرَجة منه، بسبب سوء حالة بقايا عظامه. وهناك مثال آخر، وهو طائر «الموا» العملاق، الذي لا يستطيع الطيران، وموطنه نيوزيلاندا، تم استبعاده من الاستنساخ، وقد يكون السبب أن تكوين «التنامو» ـ وهو أقرب الطيور الحيّة للـ»موا» ـ ليس شبيهًا بتكوين طائر «الموا» للدرجة التي تساعد على تجميع حمضه النووي. أما مشكلة بقرة «ستيلر» البحرية Hydrodamalis gigas، فهي عدم وجود أنثى بديلة لحَمْل الجنين المستنسَخ منها، بينما مشكلة دولفين نهر اليانجتسي Lipotes vexillifer، الذي يظن الكثيرون أنه انقرض، أن المأوى الطبيعي له ازداد تلوثًا في الآونة الأخيرة؛ ولم يعد صالحًا لاستقبال الحيتان.
وترى شابيرو أنه ليس من الصواب التركيز على أنواع بمعزل عن غيرها، فقد ذكرت أن «إعادة إحياء الأنواع المنقرضة» ستكون لها دور في تشكيل مستقبلنا العلمي، ولكنها ليست العلاج لحالات الانقراض التي حدثت بالفعل، حيث ترى شابيرو أن القيمة الحقيقية لتقنية إعادة إحياء الأنواع المنقرضة تكمن في استخدام عِلْم الهندسة الوراثية في إعادة تخليق السمات المنقرضة في الكائنات الحية، من أجل مساعدتها على التكيف مع التحولات البيئية، وإعادة تأسيس التفاعلات البيئية التي تندثر مع انقراض أحد الأنواع. وإلى أنْ نفهم طريقة عمل جينات العصور السالفة وكيفية تفاعلها فهمًا شاملًا، ستبقى أفكار شابيرو مبهَمة على الورق، بلا طريقة تنفيذ عملية واضحة.
وقد بدأت شابيرو رحلتها نحو إعادة إحياء الأنواع المنقرضة، والبحث عن عيِّنات سليمة تمامًا بالتركيز على الماموث الصوفيMammuthus primigenius، وهو أحد الأنواع الأساسية التي كانت تعيش في مناطق سهول التندرا في أواخر العصر الجليدي، أي من قرابة 110,000 إلى 12,000 سنة خلت. وكانت رحلاتها الاستكشافية هذه غريبة وغير تقليدية، ومنها رحلة إلى سيبريا، انتهى بها المطاف فيها إلى التعرف على راعٍ لحيوانات الرنّة، متجول ومسلَّح، وفرنسيين متحابّين يحملان صندوقًا مبرِّدًا مملوءًا بالجبن. وبشكل عام.. فالخلايا والأحماض النووية تتحلل بسرعة بعد الموت، ولذا.. من الصعب أن يكتشف أحد نواة ماموث سليمة بالكامل، يمكن استخدامها في استعادة النوع مجددًا بالاستعانة بتقنية الاستنساخ، عن طريق نقل نواة الخلية الجسدية.
توضِّح شابيرو أن إعادة الماموث للحياة وتربية سلالة جديدة منه من خلال عملية تهجين رجعي منظمة بحرص مع فيل لن تجدي نفعًا، لأن الأفيال حيوانات استوائية ضخمة، لا يمكنها التكيف مع درجات الحرارة المنخفضة، وهذه السمة هي التي يجب التركيز عليها من خلال عملية الانتخاب الاصطناعي. واستطردت موضِّحةً أن السبيل الواقعي الوحيد هو استخدام الهندسة الوراثية في تخليق سمات شبيهة بسمات الماموث في الخلية الجذعية للفيل. وتتنبأ شابيرو بأن الماموث سيعود للحياة مجددًا في غضون بضع سنوات، وهو ما يبدو خيالًا علميًّا.
برغم وجود عقبات كثيرة، إلا أن شابيرو عرضت كل هذا بوضوح، وبأسلوب شيق، باعتبارها تجربة لفكرة رائعة وقابلة للتنفيذ من منظور عِلْم الأحياء. هذه التجربة مكونة من عدة خطوات: استنساخ الخلية الجذعية التي تغيرت تركيبتها الوراثية، ثم نقل الجنين إلى رحم أم بديلة، أو رحم صناعي، ثم تربية الأفيال الشبيهة بالماموث بأعداد كافية، وتقييد حرية حركتها في مساحة تحت السيطرة، ثم إيجاد موطن مناسب لها، وبعد ذلك.. إقناع الجمهور بمميزات إطلاق سراح هذه الكائنات المعدَّلة وراثيًّا في الطبيعة.
برغم الصعوبات الهائلة التي تواجه إنجاز جميع هذه الخطوات على الترتيب، إلا أن شابيرو تحاول تذليلها، فهي ـ برغم مكانتها العلمية الرفيعة ـ تشارك بفاعلية في مشروعات تهدف إلى إعادة الماموث الصوفي والحمام المهاجر Ectopistes migratorius المنقرض إلى الحياة، إذ إن فكرة إثراء التنوع البيولوجي من خلال تخليق جينات كائنات انقرضت منذ سنوات في أرحام أنواع موجودة حاليًا هي فكرة جديرة بالاهتمام، ولا تختلف تمامًا عن الطريقة المتَّبَعة في التعديل الوراثي للمحاصيل النباتية، لكن الجدل البيئي الذي أُثير بشأن إعادة إحياء الماموث كان ـ للأسف ـ مبهمًا وغير موضِّح لحقيقة الموقف، إذ انْصَبَّ على مناقشة فكرة الدعوة إلى عودة الحياة البرية، وليس مناقشة الدليل التجريبي الواضح لأهمية دور الحيوانات آكلات العشب في التندرا القطبية.
أمّا الحمام المهاجر المنقرض، فكانت الحجة المؤيِّدة لإعادته إلى الحياة أضعف، وتنطوي على أفكار سخيفة، مثل اقتراح طلاء آلاف الحمام الزاجل؛ ليبدو مثل الحمام المهاجر، لكي يدّربوا الطيور التي أُعيدت إلى الحياة قبل إطلاق سراحها.
تعترف شابيرو بأنه ربما تكون ثمة حالات أفضل يمكن إعادتها إلى الحياة، إلا أنها لم تحاول ـ للأسف ـ البحث في تفاصيل أي منها. فربما يكون الماموث والحمام المهاجر أفضل نموذجين يمكن الاستعانة بهما؛ للكشف عن فوائد إعادة إحياء الكائنات المنقرضة، ولتوضيح الصعوبات والتناقضات التي تسبب الالتباس، ولكنْ إذا وُضعت عملية إعادة الكائنات المنقرضة في إطار أبسط وأكثر سلاسة، بدون التصميم على إعادة حيوان الماموث بالتحديد؛ ستغدو «الأداة الجديدة والقوية» التي تنبَّأَت بها شابيرو لحفظ البيئة والموارد الطبيعية.
اضف تعليق