q
تتسم العديد من بذور النباتات بأشكال تساعد في انتشارها بكفاءة عن طريق الرياح. وقد ألهمت هذه البذور فريقًا من الباحثين لتصميم مجموعة من الطائرات التي قد تُستخدم في تطبيقات يمتد نطاقها من الرصد البيئي إلى الاتصالات اللاسلكية، وتتيح عمليات الإنتاج التي اعتمد عليها الفريق البحثي تصنيع العديد من الطائرات سريعًا وبصورة متزامنة...
بقلم: إي. فاريل هيلبلينج

في بحث نُشر مؤخرًا في دورية Nature، يفيد الباحث بونج كيم وفريقه البحثي بتصميمهم لطائرات ثلاثية الأبعاد مستلهمة من آلية كامنة وراء حركة انتشار بعض البذور، تتخذ نمطًا مماثلًا لحركة الطائرات المروحية. وتتيح عمليات الإنتاج التي اعتمد عليها الفريق البحثي تصنيع العديد من الطائرات سريعًا وبصورة متزامنة. كما تسمح بدمج دوائر إلكترونية بسيطة بهذه الطائرات من خلال تقنيات قياسية تُعرف باسم تقنيات "السيليكون على عازل". ويؤدي ضبط معايير تصميم هذه الطائرات – مثل أقطارها ومساميتها ونوع أجنحتها – إلى إنتاج تفاعلات مثمرة بينها وبين الهواء المحيط بها. إذ تخفِّض هذه التفاعلات السرعة الحدية للطائرات، وتعزز مقاومتها للهواء المحيط، لتحسِّن استقرارها عن طريق تحفيز حركة دورانية. وعند إدماج دوائر إلكترونية متكاملة معقدة بهذه الأجهزة، يصبح بإمكانها أن تشكِّل شبكات استشعار ديناميكية، قد تُستخدم في الرصد البيئي أو حلقات الاتصالات اللاسلكية، أو في طائفة متنوعة من التقنيات المعتمدة على شبكات الأجهزة المتصلة بالإنترنت التي تسمى "إنترنت الأشياء".

وحتى الآن، انصب تركيز الأبحاث المتعلقة بأسراب المَركبات الجوية على استخدام أنظمة ذاتية التشغيل، مثل بعض الطائرات رباعية المراوح 2،3، وبعض المنصات الروبوتية المستلهمة من الحشرات والطيور. وتمتاز تلك الأنظمة ذاتية التشغيل بقدرتها على التحرك بحرية عبر بيئتها المحيطة، غير أن تطبيقاتها العملية محدودة بسبب المخاوف المتعلقة بسلامتها والمرتبطة بأحجامها (كما في حال الطائرات رباعية المراوح، التي يبلغ طول أجنحتها حوالي 50 سنتيمترًا)، فضلًا عن نقص الإلكترونيات المدمجة بها، ونقص وسائل إمدادها بالطاقة التي تتيح لها التنقل بحرية في بيئات العالم الواقعي (كما في حال المنصات الأصغر حجمًا من المَركبات الجوية التي يبلغ طول أجنحتها 3.5 سنتيمتر). ونظرًا إلى أن منصات أبحاث هذه المَركبات متخصصة إلى حد بعيد ويتم تركيبها يدويًا، لا يمكن استخدامها في دراسة أنظمة الأسراب.

في ذلك السياق، تجدر الإشارة إلى أن النباتات تستخدم آليات كامنة – مثل نشر البذور عن طريق الرياح – لمساعدتها في نشر معلوماتها الجينية. إذ تتميز هذه البذور بأنماط هندسية محددة تعزز استقرارها الديناميكي وتزيد مسافة انتقالها، عن طريق خفض سرعتها الحدية وزيادة مقاومتها للهواء في أثناء السقوط الحر. وتنقسم هذه الأنماط الهندسية بوجه عام إلى أربع فئات: أنماط شبيهة بأشكال المظلات، أو الطائرات الشراعية، أو المروحيات، أو المرفرفات (المعروفة أيضًا بالغازلات). ويمكن أن يؤدي هذا الانتشار عن طريق الرياح إلى نقل هذه البذور لمئات الكيلومترات. وقد تخدم آليات الانتشار الكامنة هذه كنظير ميكانيكي مماثل لشبكات الاستشعار الديناميكية، التي يُعد فيها النطاق المكاني المرتفع لهذه الحركة والاستهلاك المنخفض للطاقة سمات ضرورية.

وقد وضع كيم وزملاؤه إطارًا لإنتاج طائرات ميكروية (تقل أحجامها عن 1 مم)، وطائرات بحجم ملليمتر، وأخرى عيانية (أكبر من 1 مم)، مستلهمة من بذور تعتمد على آليات انتشار شبيهة بحركة المروحيات. وفي هذا الإطار الذي وضعه الباحثون، يتم تصميم الشكل ثلاثي الأبعاد للطائرات باستخدام تقنيات سطحية؛ وهي طرق تصنيع مشابهة لتلك المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات. ففي مواضع محددة، تُلصق طبقة من البوليمرات الذاكرة للشكل (وهي مواد يمكن أن تعود إلى شكلها الأصلي عند تعرضها لاستثارة معينة) بلدائن مرنة (مواد شبيهة بالمطاط) تتعرض قبل ذلك لضغط. وعند تحرير اللدائن المرنة من ذلك الضغط، يؤدي الانبعاج الناجم في هذه المواضع إلى طي المادتين معًا، ويؤدي تأثير المادة الذاكرة للشكل إلى اتخاذ الطائرة هيئة ثابتة ثلاثية الأبعاد.

وقد تختلف هذه الطائرات في الشكل العام (من خلال التحكم في موضع التحام المادتين)، كما قد تختلف في نسبة الطول إلى العرض (عن طريق ضبط مقدار الضغط المسبق)، وفي عدد وشكل الأسطح التي تعمل بالديناميكا الهوائية بها. والأهم من ذلك، هو أنه نظرًا إلى أن إطار التصميم ذاك يعتمد على تقنيات التصنيع السطحية والطباعة الحجرية (تشكيل الأسطح)، يمكن تصنيع مئات الطائرات بمعايير مختلفة، في عملية تجميع واحدة. وهذا بالغ الأهمية في التنفيذ العملي لتصميم الأجهزة التي قد تشكل جزءًا من شبكات "إنترنت الأشياء".

ومن خلال استخدام تقنيات تحليلية وحاسوبية وتجريبية، نجح كيم وفريقه البحثي في تحديد الآليات الديناميكية الهوائية الأساسية لعمل هذه الطائرات، وفي أخذ القياسات اللازمة لتنفيذ هذه الآليات. واستكشف المؤلفون تأثير كل من الحجم والمسامية وعدد الأجنحة ونسبة الطول إلى العرض في السرعة الحدية واستقرار الطائرات في أثناء السقوط الحر. ووجدوا أن الحجم هو صاحب التأثير الأكبر على السرعة الحدية؛ بسبب الانتقال من الانسياب السلس في الهواء (الذي يميز الأشكال الصفائحية) إلى التدفق المضطرب. وتعمل خواص المسامية، التي تُحدث التأثير نفسه الذي ينتجه شكل البذور الشبيهة بالمظلات، على تقليل السرعة الحدية. ويكون تأثير هذه الخواص أكبر في حال الطائرات الميكروية، مقارنة بتأثيرها في حال الطائرات ذات الحجم العياني. وعلى النقيض من ذلك، فإن انحناء ودرجة ميل الأسطح التي تعمل بالديناميكا الهوائية كان لهما تأثير أكبر على الطائرات ذات الحجم العياني، مقارنة بنظيرتها ميكروية الحجم.

وعلى الرغم من أن هذا العمل البحثي يركز تركيزًا أساسيًا على فهم الآليات الديناميكية الهوائية لهذه الطائرات، فإن كيم وفريقه البحثي أظهروا أيضًا أن آلية الإنتاج التي توصلوا إليها تقبل إدماج تصنيع أشباه موصلات فيها. ونجح واضعو الدراسة في تصميم مركبات جوية تحتوي على أشباه موصلات بسيطة (ترانزستور وصمام ثنائي). ووجدوا أن هذه الأجهزة تعمل بكفاءة مماثلة لتلك المُصنعة باستخدام التقنيات التقليدية. ويمكن للدراسات المستقبلية أن تتحقق مما إذا كان بالإمكان دمج دوائر متكاملة معقدة بشكل مباشر في هذه الطائرات لإنشاء أجهزة استشعار ميكروية متحركة وخفيفة الوزن. وإلى الآن، استخدم واضعو الدراسة طائرات ميكروية (بقطر 5 سنتيمترات) تحتوي على دارة بسيطة لاكتشاف الجسيمات المحمولة جوًا، ما أسفر عن تنفيذ أجهزة لاسلكية دون بطارية للاستخدام في تسجيل قياسات الغلاف الجوي (الشكل 1 ب).

ويتيح هذا البحث فهمًا أساسيًا لهذه الأنظمة المهندسة ويطرح بعض الأسئلة التي يجب على الدراسات المستقبلية تناوُلها. فيجب إجراء مزيد من التحليل لمعرفة كيف تؤثر الرياح على الديناميكيات الهوائية للطائرات (درس كيم وفريقه البحثي في هذا السياق عددًا من العوامل البيئية، لكن آليات الرياح لا تزال بحاجة إلى دراسة مفصلة). وعلاوة على ذلك، تركِّز نتائج واضعي الدراسة على طرق الانتشار المماثلة لحركة المروحيات والغازلات، مما يترك تصميم الطائرات الشبيهة بالمظلات والطائرات الشراعية للدراسات المستقبلية، ويثير تساؤلات حول المفاضلات المحتملة بين النطاق المكاني لهذه الطائرات وحمولاتها وما إلى ذلك.

كما يمهد عمل كيم وفريقه البحثي الطريق لدمج دوائر متكاملة معقدة في الطائرات من أجل تعزيز قدراتها. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، عمل الباحثون على تطوير أنظمة استشعار لاسلكية ذات أبعاد ملليمترية8-10. ويمكن أن يؤدي توفير منصة لتصنيع هذه الأجهزة إلى الوصول إلى نطاقات انتشار مكاني أفضل للتقنيات المستقبلية في إنترنت الأشياء. وبوصفي متخصصًا في الروبوتات يركز على تطوير أنظمة ذاتية التحكم بحجم الحشرات، فأنا متشوق للعثور على إجابات عن الأسئلة التي تثيرها التقنيات الروبوتية ميكروية الحجم التي ابتكرها المؤلفون، ينفي المؤلف أي تضارب في المصالح.

اضف تعليق