العقل البشري عضواً بالغ التعقيد، حيث وجدت دراسات كانت قد تناولت مواضيع المعرفة، والإدراك، والذاكرة، والوظائف العصبية في الدماغ البشري وجود اختلافات واضحة في هذه النواحي بين الجنسين، حيث يمكن أن تعزى هذه الاختلافات إلى عوامل وراثية وهرمونية وبيئية مختلفة، فيما لا يعني ذلك أفضلية أحد الجنسين على الآخر...
في القرنين العشرين والحادي والعشرين، بحث العلماء عن خصائص مميزة للإناث أو الذكور داخل تفاصيل الدماغ، لكن لم يصل أحد إلى نتيجة قاطعة الآن، هناك توجه لعدد من المختصين في علم الأعصاب السلوكي الذين يجدون مثل هذا النوع من الأبحاث مضللًا، لأن أدمغة البشر متنوعة جدًا أكثر مما يمكن تحديده في اختلافات واضحة بين الرجل والمرأة.
الرجال ماهرون في قراءة الخرائط النساء لا يستطعن ركن السيارات جيّدا الرجال أفضل في إصلاح الأشياء لكن لا يمكنهم القيام إلا بمهمة واحدة في الوقت عينه في المقابل، تستطيع النساء القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه، وهن أفضل فيما يتعلّق بالتعاطف والحدس فقط لا تطلب منهن التفكير منطقيا في وقت الأزمات! على الأقل هذا ما تقوله الصور النمطية تزعم فكرة واسعة الانتشار أن الرجال والنساء يتميزون بأدمغتهم المختلفة مثلا، في عام ٢٠١٧، زعمت مذكرة داخلية في شركة غوغل العملاقة كتبها الموظف السابق فيها جيمس دامور أن وجود عدد أكبر من الرجال مقارنة بالنساء يعملون في الشركة مردّه إلى أن مستوى التعاطف العالي لدى النساء وانخفاض اهتمامهن بالبرمجة يجعلهن أقل ملاءمة للقيام بالمهام التي يتطلّبها العمل في غوغل!
نظرة تاريخية
إن التفريق في الجنس على أساس الدماغ كان يعتمد في السابق على "سخافة" أساسها قياس حجم الجمجمة، أو على علم فراسة الدماغ Phrenology ، (وهو علم زائف قديم) وبقيت تلك المعتقدات حتى نهاية القرن التاسع عشر بعدها بدأت البحوث الجادة في تثبيت طبيعة هذه الفوارق بين الرجل والمرأة كانت التفسيرات الأولية لاختلاف دماغ الرجل عن المرأة تعتمد على الفارق في الوزن، فدماغ المرأة أخف من دماغ الرجل بنسبة 10 في المائة، أي ما يعادل 140 غراماً؛ ولذلك اعتبرت المرأة حينذاك في منزلة أدنى.
في الثمانينات من القرن الماضي جاءت فكرة الاختلاف في تركيب دماغ المرأة على أساس الجزء الأيمن والجزء الأيسر من الدماغ، فالجزء الأيسر هو الذي يسيطر على اللغة والتفكير الخاص بالتحليل النفسي والتفكير المنطقي، بينما يسيطر الجزء الأيمن منه على الإحساس العاطفي والإبداع، وبتطور التكنولوجيا في نهاية القرن العشرين مع التطور الكبير في برامج الكومبيوتر وتحليل البيانات، أصبح بالإمكان تحديد الفوارق بين دماغَي الرجل والمرأة وفي واحدة من الدراسات التي نشرت عام 2014 قام الباحثون من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة بقياس مسارات اتصال الدماغ لعدد كبير من الرجال والنساء.
الدماغ ومساراته
ليس هناك ما يثبت حقيقة أن الأشخاص الأذكياء يملكون أدمغة كبيرة، لكن البشر عادة يتفوقون على الحيوانات التي لديها أدمغة كبيرة كالحوت والفيل. وفي الوقت الحاضر نحن نعلم أن دماغ الإنسان هو ناتج من طبيعة حياة الفرد ومن الممارسات التي مر بها ومن مراحل التعليم ومواقع العمل ومن الممارسات الرياضية والهوايات، على سبيل المثال، لكي يجتاز سائق التاكسي في لندن اختبار القيادة عليه أن يتذكر مسارات الطرق المختلفة التي يزيد عددها على 25 ألف شارع ضمن دائرة مداها 6 اميال (10 كلم) في منطقة تشارنغ كروس في وسط لندن؛ لذلك فإن أدمغة هؤلاء الأشخاص تختلف عن أدمغة مدربي قيادة التاكسي، وعن أدمغة سائقي التاكسي المتقاعدين، وحتى عن أدمغة سائقي حافلات نقل الركاب الذين يسلكون طرقاً محددة في مسارهم.
في عام 2005، أوضحت الطبيبة النفسانية ميليسا تيرلكي في كلية كابريني Cabrini College، والباحثة نورا نيوكومب من جامعة Temple، وكلتاهما من بنسلفانيا في أميركا، أن ألعاب الفيديو والكومبيوتر هي أفضل متنبئ للقدرات الذهنية ولا فرق بين الجنسين في المهارة والتحكم في الألعاب وتشير الدلائل إلى أن الرجل والمرأة متشابهان أكثر مما هما مختلفان، ففي عام 2015 وجدت مراجعة لأكثر من 20 ألف دراسة في الاختلافات السلوكية وفق بيانات من أكثر من 12 مليون شخص، وجدت أن الاختلاف بين الرجل والمرأة على مدى واسع من الصفات كانت بسيطة جداً مثل الاندفاع والتعاون والانفعالية.
دماغ المرأة أكثر شبابا من دماغ الرجل
تعيش النساء أكثر من الرجال ويتمتعن بصحة عقلية أفضل، لأن أدمغتهم أصغر سنا بحوالي ثلاث سنوات من الرجال، وفق دراسة أخيرة ضمت 84 رجلاً و121 امرأة للتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لقياس سرعة تبديل المواد الدماغية، أو تدفق الأوكسجين والسكر إلى الأدمغة، ويستخدم الدماغ السكر كوقود للتشغيل مثل الأعضاء الأخرى في الجسم، وتكشف الطريقة التي يستهلك من خلالها السكر الكثير عن سن الدماغ.
وتراوحت أعمار المشاركين بين العشرينات والثمانينات، وتبين أن أدمغة النساء كانت أصغر سناً من أدمغة الرجال من ناحية تدفق المواد إليها واستهلاكها، كما أظهرت البحوث التي نشرت في مجلة "ناشونال أكاديمي أوف ساينس" الأمريكية، إذ تبين أن أدمغة النساء أصغر بمعدل 3.8 سنوات من أعمارهن الحقيقية مقارنة بالرجال، وكانت أدمغة هؤلاء أكبر بمعدل 2.4 من أعمارهم الحقيقية.
وقال مانو غويال، وهو أستاذ مساعد في كلية الطب في جامعة واشنطن، "هذا الأمر لا يعني أن أدمغة الرجال أسرع من أدمغة النساء، لكنهم يبلغون سن المراهقة قبل النساء بثلاث سنوات، ما يمتد طيلة حياتهم" ويأمل الباحثون في معرفة ما إذا كانت الاختلافات بين الأدمغة تؤدي دوراً في وقاية النساء اللواتي يملن إلى تسجيل نتائج أفضل في الاختبارات الإدراكية والذاكرة وحل المشكلات في سن متقدّمة.
أثرهما على الصمت
تشير بعضُ الأبحاث إلى أنّ مخّ المرأة يتميز بتعرُّجات أكثر من الموجودة في مخّ الرجل، وأنّ مخها يحتوي على روابط بين فصيْ المخ ممّا يساعدها على مَزْج الفن والخيال والعلوم واللُّغة بعضها ببعض، إضافة إلى إجادتها للُّغة والتفنُّن في استعمال تلك اللغة بشكل يُلفت الانتباه مقارَنةً بالرجل؛ ولهذا يحسدها بعض الرجال على تلك المهارة والإمكانية، للمرأة أيضاً القدرةُ على استعمال فصيْ المخ بشكل جيِّدٍ فيمكنها ذلك من التحكُّم بعواطفها ولُغتها، فتتحدث بعواطفها وبالتالي تثير عواطف الآخرين نحوها.
وتشير أبحاثٌ أخرى إلى أنّ عدد خلايا الدماغ لدى الرجل أكثر منها لدى المرأة بنسبة 4%، بينما تزداد شبكاتُ الاتصال في مخِّ المرأة أكثر من مخ الرجل ولهذا تكون النساء أكثر تأثُّراً بالتجارب من الرجل ولهذا تستطيع المرأة أن تحتفظ بتلك الخبرات والتجارب بشكل مكثّف أكثر بكثير مما يستطيع الرجل؛ فتتذكر الأحداث وتفاصيلها أكثر من الرجل، وهذا يساعد المرأة على إطالة بالحديث عن الذكريات ويصمت الرجل أمامها متعجباً من تلك الميزة.
تتميز مناطقُ استقبال اللغة وإرسالها لدى المرأة بأنها أغنى من مثيلاتها لدى الرجل بحوالي 13% في مناطق الاستقبال و23% في مناطق الإرسال، ولهذا تستطيع المرأة أن تستلم اللغة وترسلها بشكلٍ أسرع مما يستطيع الرجل بحيث تأخذ حصة الأسد في التحدُّث والكلام، أمّا الرجل فتكون المناطق المتعلِّقة بالقياس والأبعاد والأجسام لديه أكبر من المرأة؛ ولهذا نجد الرجل يفكر في تلك المجالات التي لا تحتاج إلى الكلام وبالتالي يكون كلامه أقل من المرأة، فعلى سبيل المثال إنّ وجَّهْت سؤالاً لرجل وامرأة لإرشادك لعنوان مُعيَّن ترغب في الذهاب إليه، فإنّ المرأة توضِّح لك العنوان بدقة وتستعمل إشارات اليدين والكلام في الوصف معاً وتعطيك عدة أسماء لأماكن قريبة من العنوان كاسم مخزن معيّن واللوحة الفلانية الحمراء أو الخضراء... إلى آخره بإسهاب وتفصيل أمّا الرجل بشكل عامٍّ فيصف لك العنوان ويعرِّفه لك بتحديد الجهات والمسافات، ويقول لك، إنّ المكان على بُعد كذا متر، ويقع شمالاً أو جنوباً أو إلى الشرق من كذا، ويكتفي بذلك أي أنّه يختصر الكلام.
تتحدَّث المرأة بإسهال وأحياناً ينزعج الرجل من ذلك وبعضهم يتجرأ ويطلب منها أن تُوجز الكلام يتميز الرجل بقدرته على الاستدلال والقياس والاتجاهات ومن السهل عليه أن يتعرف على العنوان الذي يريده أيضاً، ولديه القدرة على تحديد المسافات وقياسها ولكنه كثيراً ما ينسى أشياء بالرغم من أهميتها في حين تتابعه زوجته وتحتفظ بتلك الأشياء وتقدمها له عند السؤال عنها كمكان كتاب، أو النظارات، أو دفتر التليفونات، أو مفتاح السيارة... إلخ من أدوات يستعملها يوميّاً وبالرغم من ذلك فإنّه ينساها وكلّما تقدّم في السن زاد هذا النسيان أمّا المرأة فإنّها تتذكر ذلك بالرغم من أنّها في العمر نفسه.
تميل أُذُن المرأة إلى التقاط الكلمات المحبَّبة لها، والتي تتأثر بها من الناحية العاطفية أكثر من الرجل، كما أنّ لها القدرة على ملاحظة الآخرين خاصة سلوك الزوج مما يثير المشاكل بينهما أحياناً، وتذكر أن حاستها لا تخيب ظنها وأحياناً يكون ما اعتقدت أو ما تعتقد صحيحاً، وربما تلعب الصدفة دورَها في ذلك وتساعدها على إثبات ما تشعر به!.
فارق المذهل
كشفت دراسة علمية حديثة، أجراها فريق من الأطباء في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة، عن فارق مذهل بين أدمغة الرجال والنساء، لا سيما في يتعلق بالذاكرة، وفق ما ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، وأكدت نتائج الدراسة، التي أجراها باحثون من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس بولاية ميزوري، أن أدمغة الإناث بدت أكثر شبابا بنحو 4 سنوات مقارنة مع أدمغة الذكور من العمر نفسه.
وأظهرت الدراسة، التي شملت أكثر من 200 شخص من النساء والرجال، أن دماغ المرأة تفوق على دماغ الرجل في اختبارات حدة الذاكرة بشكل كبير، لا سيما عند التقدم في العمر، وأشارت نتائج الدراسة، التي استندت إلى صور مقطعية لأدمغة عدد من الرجال والنساء تراوحت أعمارهم بين 20 و82 عاما، إلى أن دماغ المرأة كان أكثر شبابا من دماغ الرجل من الناحية البيولوجية، بنحو 3 سنوات و8 أشهر.
ولم تكتف الدراسة على الصور المقطعية الدماغية لدى الرجال والنساء، بل استندت أيضا إلى تأثير حرق الجسم للسكر وتأثير ذلك على عمل الدماغ لدى الاثنين، وقال مانو جويال، من كلية الطب بجامعة واشنطن، إن نتائج الدراسة تقدم تبريرا منطقيا بشأن ميل النساء للتفوق على الرجال في الاختبارات الإدراكية في السبعينيات من العمر"، وأوضح جويال أن نتائج الدراسة تعطي تفسيرا للأسباب الكامنة وراء عدم تدهور الجانب الإدراكي والمعرفي لدى النساء مع التقدم في السن، وذلك لأن أدمغتهن أصغر سنا وتبقى تعمل بشكل فعال.
الاختلاف في التفكير
العقل البشري عضواً بالغ التعقيد، حيث وجدت دراسات كانت قد تناولت مواضيع المعرفة، والإدراك، والذاكرة، والوظائف العصبية في الدماغ البشري وجود اختلافات واضحة في هذه النواحي بين الجنسين، حيث يمكن أن تعزى هذه الاختلافات إلى عوامل وراثية وهرمونية وبيئية مختلفة، فيما لا يعني ذلك أفضلية أحد الجنسين على الآخر، أو ارتفاع نسبة الذكاء لديه مقارنة بالآخر، إلا أنّ ذلك يشير إلى اختلاف في الآلية التي يعمل فيها دماغ كل منهما، حيث يستخدم الرجال أجزاءً مختلفة من الدماغ لتشفير الذكريات، واستشعار العواطف، والتعرف على الوجوه، وحل بعض المشكلات واتخاذ القرارات عن تلك التي تستخدمها النساء.
مما ينتج عنه وجود العديد من الاختلافات في طرق تفكير المرأة والرجل في أمور عدّة يُذكر منها ما يأتي مواجهة الضغوط يختلف الرجل والمرأة في الطريقة التي يواجهان بها الضغوط، حيث يتعامل الرجل مع ضغوط الحياة من خلال مواجهتها أو الهروب منها عند عجزه عن مواجهتها تجنباً لطلب المساعدة من الآخرين، أما المرأة فتواجه الضغوط باستراتيجية مختلفة تماماً تسمّى "الميل والصداقة"، إذ بينّت أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا تشيلي إليزابيث تايلور أنّ المرأة تستخدم استراتيجية الميل والصداقة التي تجعل اهتمامها بتقوية علاقات الصداقة والروابط الاجتماعية يزيد عند تعرّضها لضغوطات الحياة؛ بهدف إيجاد حل مع استمرارية اهتمامها بنفسها وأطفالها أثناء ذلك.
يعود السبب في هذا الاختلاف إلى الهرمونات، فعند تعرُّض أي شخصٍ ذكراً كان أم أنثى للضغط يُفرز الجسم هرمون الأوكسيتوسين : Oxytocin للتخفيف من الشعور به، وهو الهرمون الذي يعززه هرمون الإستروجين Estrogen الأنثوي، مما يُساعد على الحفاظ على الهدوء والتؤدة عند المرأة، أما هرمون التستوستيرون Testosterone الذي يُفرَز لدى الذكور فإنّه يُقلّل من أثر هرمون الأوكسيتوسين مما قد يتسبب بزيادةٍ في درجة الانفعال لديهم.
القدرات الرياضية
يتكوّن دماغ الإنسان من عدد من الأجزاء الصغيرة، ومن هذه الأجزاء الفص السفلي الجداري Inferior-parietal lobule والذي تتمثّل وظيفته في معالجة المعلومات الحسية، إضافةً إلى معالجة المعلومات الرياضية الذهنيّة، ونظراً لكبر حجم الفص الجداري لدى الذكور مقارنة بالإناث -خاصة ذلك الموجود في الجهة اليسرى- تكون القدرات الرياضية الذهنية والتحليلية عند الرجال أعلى من النساء، فيما يُرى أنّ النساء يُركزن على المثيرات التي تتطلب قدراً أعلى من الدقة كالانتباه إلى بكاء الطفل في منتصف الليل مثلاً، حيث يعُّد ذلك من مسؤوليات الجزء الأيمن في الدماغ والذي هو أكبر عند النساء.
حل المشاكل
عند معالجة القضايا المختلفة فإنّ الرجل يميل إلى المعالجة بشكلٍ أفضل في النصف الأيسر من دماغه، بينما تميل المرأة إلى المعالجة بشكلٍ متساوٍ في جزئي الدماغ الأيمن والأيسر، وهذا يؤثر على كيفية معالجة القضايا لدى كلٍ منهما، فمعالجة القضايا وحل المشاكل عند الرجل تتميز بأنها باتجاه واحد، مما يترتب عليه تفكير الرجل في قضية واحدة، أمّا المرأة تتميز بأن معالجة القضايا لديها تكون بشكل إبداعي أكثر من الرجل، كما أنها تهتم بمشاعر الآخرين أثناء ذلك.
الاختلافات التشريحية غير مجدية
الأبحاث الحديثة عثرت على أكبر اختلاف بين الجنسين وأكثره اتساقًا وذلك في منطقة تسمى "تحت المهاد"، وهي بنية صغيرة مسؤولة عن تنظيم فسيولوجيا وسلوك الإنجاب يوجد قسم فرعي واحد على الأقل في منطقة "تحت المهاد" هذه، تتميز بأنها أكبر في الذكور مقارنة بالإناث تقريبًا، هنا فقط يختلف دماغ الرجل تشريحيًا عن المرأة بشكل واضح.
لكن هذا الفرق لم يعكس سوى وجود اختلاف في علم وظائف الأعضاء التناسلية بين الرجل والمرأة، وهو أمر واضح للعيان هذا لم يكن هدف العديد من الباحثين الذين كانوا يبحثون عن أسباب الاختلافات المفترضة بين الجنسين في طريقة التفكير لم ييأس العلماء، وحاولوا الوصول إلى أجزاء المخ المسؤولة عن الذكاء وتحدد طريقة التفكير بشكل أكبر، لعلهم يجدون اختلافًا واضحًا يرضي إصرارهم، من هنا توجه الاهتمام إلى "الجسم الثفني"، وهو شريط سميك من الألياف العصبية يحمل الإشارات العصبية بين نصفي الكرة المخية داخل الدماغ، لم تحظ أي منطقة باهتمام العلماء فيما يتعلق بأبحاثهم حول الفروق بين العرق والجنس من الجسم الثفني.
وجد بعض الباحثين أن "الجسم الثفني" بأكمله أكبر نسبيًا في النساء في المتوسط، بينما وجد البعض الآخر أن أجزاء معينة فقط منه هي الأكبر لفت هذا الاختلاف انتباه الباحثين، الذين اقترحوا أن هذه الفروقات تسبب اختلافات معرفية بين الجنسين، وبدأوا في الشعور أنهم توصلوا إلى أمر مهم يثبت توجهاتهم، لكن الأبحاث التالية نسفت آمالهم سريعًا، إذ وجدوا أن الأدمغة الأصغر من دماغ البشر، لها "جسم ثفني" أكبر نسبيًا بغض النظر عن جنس صاحبها، وكانت الدراسات حول الاختلافات في حجم هذا الجسم غير متسقة، ولم يستطيع الباحثون الخروج بنتيجة مرضية تربط حجمه بمستوى الذكاء من هنا، فإن محاولة تفسير الفروق المعرفية المفترضة بين الجنسين من خلال الفروق التشريحية للدماغ لم تكن مثمرة.
لا فرق في الذكاء
الاختلافات في فسيولوجيا الدماغ بين الجنسين لا تتعلق بالضرورة بالاختلافات في الفكر والذكاء على الرغم من أن أدمغة الرجال أكبر، فإن الرجال والنساء يحققون نتائج متشابهة في معدل الذكاء بالنسبة للرجال، يرتبط حجم المادة الرمادية في الفص الجبهي والجداري بمعدل الذكاء لكن بالنسبة للنساء، يرتبط حجم المادة الرمادية في الفص الأمامي ومنطقة بروكا (التي تستخدم في معالجة اللغة) بمعدل الذكاء، هذا يعني أن مستوى الذكاء لا يرتبط بنفس المنطقة في الرجال والنساء أساسًا.
بنفس الطريقة، تتمتع النساء بسماكة وتعقيد ومساحة سطح للقشرة الدماغية أكبر، وهو ما يعوض عن حجم المخ الأصغر بشكل عام مقارنة بالرجال، ووجدت التحليلات والدراسات أن حجم الدماغ يفسر 6-12% من التباين بين الذكاء الفردي، وسمك القشرة يفسر 5% من هذا التباين، وهي نسب لا تفسر بالتالي كل الاختلافات بين الجنسين من هنا يصعب إيجاد تصور واضح لمقياس يبين الفرق بين الرجال والنساء.
لذلك ليس من الواقعي افتراض أن أي اختلافات بين الجنسين في الدماغ هي اختلافات فطرية بل قد تنتج أيضًا عن عملية التعلم يعيش الناس في ثقافة مبنية على الاختلاف الجنسي بشكل أساسي، إذ تختلف الأبوة والتعليم والتوقعات والفرص بناءً على الجنس، من الولادة وحتى سن الرشد، مما يغير من بنية الدماغ حتمًا، في نهاية المطاف، من المرجح أن تكون أي اختلافات بين الجنسين في بنية الدماغ ناتجة عن مجموعة معقدة ومتفاعلة من الجينات والهرمونات والتعلم لذلك باختصار لا يمكننا أن نقول إن الرجال أكثر ذكاءً من النساء كما هو شائع، بل الأمر نسبي ويتغير بشكل فردي من شخص إلى شخص.
اضف تعليق